يقدم لكم موقع إقرأ في هذا المقال قصة قصيرة عن الثقة بالله ، و قصص الأنبياء عن الثقة بالله ، و قصص الثقة في الله ، و فوائد الثقة بالله ، و خطبة عن الثقة بالله ، تُعرّف الثّقة بالله بأنّها تعلُّق قلب العبد بكلّ ما أمر به الله تعالى، حيث يكون هذا التّعلُّق أساسه نيل المنفعة ودفع الضّرر، والثّقة هي الانقياد التّام لله تعالى والاستسلام له بكافَّة الجوارح، ومن الأمثلة على ذلك: إبراهيم -عليه السّلام-؛ وذلك عندما أُلقي في النّار فدعا ربّه؛ فكانت بردًا وسلامًا عليه، بالإضافة إلى تركه لزوجته هاجر، وابنه إسماعيل في صحراء لا يقطنها أحدٌ، حيث تركهما في حفظ الله تعالى، وكان ذلك بأمرٍ منه تعالى. فيمايلي سنعرض لكم قصة قصيرة عن الثقة بالله تابعوا معنا.

قصة قصيرة عن الثقة بالله

قصة قصيرة عن الثقة بالله
قصة قصيرة عن الثقة بالله

قصة قصيرة عن الثقة بالله ، يحكي أن كانت هناك امرأة ارملة تعيش مع ابناءها الصغار وحيدة في منزلها البسيط، لم يكن لديها معين ولا مساعد سوي الله عز وجل وهو خير معين، كانت تهتم بابناءها وتقدم لهم الرعاية والحنان والامان والعطف، وكانت مؤمنة صابرة راضية بقضاء الله عز وجل وقدره، وذات يوم بينما حل الليل والاطفال نيام اشتدت الرياح وزادت الامطار وكان بينهم ضعيف الاساس، ظلت الام مستيقظة طوال الليل خوفاً علي اطفالها الصغار الذين اختبأوا في احضان الام للاحتماء من البرد القارس، في هذه اللحظة قامت الام واحضرت ورقة صغيرة كتبت فيها بعض الكلمات ثم وضعتها في شق الحائط واخفتها عن انظار الاطفال .

كان هناك احد الاطفال مستيقظاً يراقب ما تفعله الام دون أن تدري، فرأها وهي تضع شئ ما بالحائط .. مرت الايام والشهور والسنوات وتغير حال الاسرة كثيراً فقد كبر الاطفال واصبحوا رجال اشداء، كانوا اتقياء مثقفين وقد تركوا بيتهم الصغير في القرية وانتقلوا الي منزل كبير في المدينة .

بعد سنة واحدة توفت والدتهم وبعد انتهاء ايام العزاء الثلاثة اجتمع الابناء وفي لحظة ذهب كل منهم بذكرياته الرائعة مع والدته الحنون، وفجأة تذكر اخاهم الاكبر ان والدته كانت قد وضعت شيئاً ما ذات ليلة في حائط منزلهم القديم، اخبر اخوته بالامر وعلي الفور اسرع الجميع الي هناك باحثين عن الشئ الذي اخفته الام، نظر الابن إلى الحائط والتقط الحجر الذي يغلق فتحة الشق وعندها وجد ورقة بالداخل فسحبها وفجأة اخذ المنزل يهتز بقوة، خاف الابناء ان يسقط البيت عليهم فخرجوا منهم مسرعين وبالفعل سقط المنزل بعد دقائق معدودة .

حل الصمت بين الاخوة ثم تحول الي دهشة وتعجب علا وجوه الجميع، فتح احد الاخوة الورقة وقرأ ما بها بصوت مرتفع، لم كن الورقة تحتوي الا علي بضع كلمات بسيطة وهي( أصمد بإذن رَبك )

ياه ما أعظم تلك العبارة وما أروع تلك المرأة وما اصدق إيمانها .. بكي الاولاد بحرارة علي امهم التقية التي كانت شديدة الثقة بالله عز وجل .. الثقة بالله أمر عظيم غفلنا عنه كثيراً .. فما أحوجنا اليوم إلى هذه الثقة ..لنعيد بها توازن الحياة المنهار.

قصص الأنبياء عن الثقة بالله

قصص الأنبياء عن الثقة بالله
قصص الأنبياء عن الثقة بالله

ومن تدبَّر قصص الأنبياء وجد أن عنوان الثقة بالله وبوعده موجود باضطراد في تضاعيف أحداث القصص, ولو تأملت الخيط الجامع لقصص الصالحين من المرسلين فَمَن دونهم لرأيت أن الذي ينتظم ذلك هو الثقة بوعد الله ولقائه:

فآدم -عليه السلام- تاب من فوره لثقته بكمال ربه وعظيم حسن ظنه به، وكبير خشيته منه وجليل حيائه منه، فقال مباشرة كلماته التي تلقاها من فضل ربه: (رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ)[الأعراف:23].

ونوح -عليه السلام-: (وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الْمُؤْمِنِينَ)[الشعراء:114]، فرزقي وكفايتي وإياهم ليست عليكم بل على الله, وبنائه للسفينة في الصحراء! حتى كان مدعاة للسخرية، وما أشد وقعها على الدعاة!: (وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ)[هود:38]؛ لكن الواثق بربه ليس كغيره ممن ينظرون إلى ظواهر الأمور دون النفاذ لبواطنها ولم يكن يلهيهم بهرجها عن حقائقها فقال: (إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ * فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ)[هود:38-39].

وخطيب الأنبياء شعيبُ -عليه السلام- قال لقومه بعدما استهزأوا به واتهموه بالسحر وتحدّوه أن يسقط عليهم السماء إن كان صادقًا, ووصموه بالضعف وتهدّدوه بالرجم وغيره فقال -وقد ملأ الله قلبه ثقةً ويقينًا-: (رَبِّي أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ)[الشعراء:188]، فكان عذابهم أسرع وأشد مما تصوّروه: (فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ إِنَّهُ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ)[الشعراء:189].

لقد ذكر الله -عز وجل- في سورة الشعراء آية كافية لملء القلب ثقةً بالله دون سواه, مهما أجلبت على الخطوب وادلهمت الحتوف, وقد قدم الله -تعالى- قصة موسى في هذه السورة على غيرها من القصص, وقد اشتملت على تلك الآية الفاذّة الجامعة المانعة, إنها قول موسى -عليه السلام- فيما ذكره عنه ربه, حينما خرج بقومه من فرعون وجيشه اللجب الكثيف, (فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ)[الشعراء:60]، (فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ * قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ)[الشعراء:61-62].

لقد نظر أصحابه للحسابات المادية الأرضية, فالبحر أمامهم قد حجزهم لعدوهم الغاضب الباطش الحاذر من خلفهم, ولكن لأنبياء الله -تعالى- كلمة أخرى, ولأرواحهم موردٌ لا كموارد البشر, ولقلوبهم تعلّق وثقةٌ مطلقةٌ تامة وافية بحفظ الله أوليائه ونصره دينه: (كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ)[المجادلة:21]، فصرخ بها الكليم -عليه السلام- فيهم: (كَلَّا)[الشعراء:62]، أي ليس الأمر كما ظننتم بخذلان الله لكم, وتحدثتم بكسرة حمَلة دين الله وفنائهم؛ (إن معي ربي سيهدين)[الشعراء:62].

وتأمل لحظة إلقاء إبراهيم -عليه السلام- في النار وتسليمه أمره لله -تعالى- ثقة به, فقد أخرج (البخاري) في صحيحه عن بن عباس-رضي الله عنهما قال: “حسبنا الله ونعم الوكيل” قالها إبراهيم حين ألقي في النار, وقالها محمد -صلى الله عليه وسلم- حين قالوا: (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ)[آلعمران:173].

أما هودُ -عليه السلام- فقد تحدى جمع الكفرة فقال بكل ثقة وتوحيد لربه القوي ذي الركن الشديد: (فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ)[هود:55]، لماذا هذا التحدي وما هو اللطف الذي ينتظره؟ قال: (إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)[هود:56].

أما رسول الهدى -صلوات الله وسلامه وبركاته عليه- فلا تكاد تمر على صفحة من سيرته الجليلة حتى ترى براهين الثقة برب العالمين في حاله ومقاله, قف مع قوله لصَدِيقه وصِدِّيقه: (لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا)[التوبة:40]، “يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما“(متفق عليه).

وكذا ثقته بربه عند تبليغه لقريش حين أنزل الله -تعالى- قوله: (فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ)[الحجر:94]، وفي بدر حين قابل المشركين بجيش بلا عدد ولا عتاد حسّي, وفي أُحد حين ثبت ثبات أُحدٍ, وفي الأحزاب حين كانت يديه تعمل وقلبه معلق بربه واثق بنصره ووعده, وهو يبشر أمته بكنوز فارس والشام واليمن, وفي حنين حين صاح في الناس بكل ثقة: “أنا النبي لا كذب” وقد أدبر عنه جيشه وكاد أن يحيط به المشركون, ولكن من كان مع الله كان الله معه.

قديهمك:

قصص الثقة في الله

قصة قصيرة عن الثقة بالله ، ذات يوم سافر زوجان معاً في رحلة بحرية، وامضت السفينة في عرض البحر عدة ايام متتالية، كان الجو في البداية يميل الي الهدوء والصفاء ولكن فجأة ثارت عاصفة كادت أن تغرق السفينة ومن عليها، فالامواج هائجة والرياح مصادة وامتلأت السفينة بالماء .. ظهر الذعر والفزع بين الركاب حتي قائد السفينة شعر بالخوف وانها النهاية .

ايقن الجميع أنهم في خطر محقق وانهم يحتاجون معجزة من الله عز وجل للنجاة من هذا الامر المخيف، لم تتمالك الزوجة اعصابها واخذت تصرخ وتبكي، ذهبت مسرعة الي زوجها علها تجد لديه حل للنجاة من هذه الكارثة، وبينما كان جميع ركاب السفينة في حالة من الفزع والهياج فوجئت الزوجة بزوجها يجلس وحيداً هادئاً مطمئناً في غرفته، فازدادت غضباً واتهمته بالبرود والبلادة .

نظر إليها الزوج في هدوء ثم استل خنجره ووضعه علي صدرها وقال لها في لهجة جادة وبصوت حازم : ألا تخافين من الخنجر ؟ قال الزوجة في ثقة : لا ، فقال لها : لماذا ؟ قالت : لأنني اثق بك، وانت الذي يمسك بالخنجر، فكيف اخاف منه، حينها ابتسم الزوج واعاد الخنجر الي مكانه واحتضن زوجته قائلاً : هكذا انا يا عزيزتي، هذه السفينة والامواج والرياح بيد من أثق به واحبه، فكيف يمكنني أن اخاف في هذا الموقف وانا اعلم انه مسيطر علي كل الامور .

العبرة من القصة : اذا اتعبتك الحياة وامواجها وعصفت بك الرياح من كل اتجاه، لا تخف فاالله يحبك وهو الذي لديه القدره على كل ريح عاصفه، فإن كنت تحبه وتثق به اترك امورك كلها له فإنه القادر علي كل شئ .. ((انا عند حسن ظن عبدي بي ان كان خيرا فخير وإن كان شرا فشر)) فثق بالله كأنك تراه .

فوائد الثقة بالله

إنّ الثّقة بالله يقابلها في معناها حسن الظن بالله -تعالى-، لذلك سيتمّ فيما يأتي بيان فوائد وعجائب الثّقة بالله وحسن الظن به:

فوائد الثقة بالله
فوائد الثقة بالله
  • زيادة تقوى الله تعالى والإيمان به: وذلك يتأتّى باليقين التّام بأنّ أمر المسلم كلّه خيرٌ من الله تعالى، بخلاف من أساء الظن به وانعدمت عنده الثقة بقدره، فقد يلقى خسرانًا كبيرًا، ودليل ذلك قوله تعالى: (وَلَكِن ظَنَنتُمْ أَنَّ اللَّهَ لاَ يَعْلَمُ كَثِيرًا مِّمَّا تَعْمَلُون* وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنتُم بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُم مِّنْ الْخَاسِرِين).
  • حسن الخاتمة عند الموت: فمن جعل حياته أساس الثّقة بالله تعالى وحسن الظن به، أعطاه الله بحسن هذا الظن، ووفّقه في خاتمته وهوّن عليه سكرات الموت، فمن صدق في ثقته بالله تعالى وحسن الظّنّ به صدقه عند موته.
  • الإيمان بقدر الله تعالى والتّسليم إليه: على الرّغم من مصاب الإنسان المؤلم، إلّا أنّه يُدرك بأنّ ذلك تقديرٌ من الله تعالى، حيث يقول -سبحانه- في محكم تنزيله: (فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا).
  • النّصر والأخذ بالأسباب: إنّ الثقة بالله تعالى في النّصر والأخذ بالأسباب في أمرٍ معيَّنٍ، لا يضيع ظنّه الصّالح، حيث يدرك قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً)؛، ممّا يعني وجوب إحسان العمل مع إحسان الظن بالله تعالى والثقة به.
  • طهارة الجوارح والقلب: على العبد أن يحرص على إفراد الله تعالى وإخلاصه بالنّيّة، والثّقة التامّة به، فمن الجدير بالذّكر أنّ ذلك شرطٌ رئيسٌ لقبول الأعمال، فالأعمال يجب أن تكون خالصةً؛ أيْ خاليةً من الشّرك بالقول والعمل والقلب.

خطبة عن الثقة بالله

مقدّمة الخطبة

إن الحمد لله نحمدهُ ونستعينهُ ونستغفرهُ ونستهديه ونتوب إليه، ونعوذُ بالله من شرور أنفسنا ومن سيّئات أعمالنا، من يهدهِ الله فلا مضلَّ له ومن يُضلِلْ فلن تجدَ لهُ وليًّا مُرشدا، ونشهدُ أن لا إلهَ إلّا الله وحدهُ لا شريكَ له، ونشهدُ أنَّ محمّدا عبدهُ ورسولُه، بلَّغَ الرِسالةَ وأدَّى الأمانة ونصحَ الأمّة وكشفَ عنها الغمّة، فصلواتُ ربّي وسلامُهُ عليه وعلى آلهِ وصحبهِ أجمعين.

الوصيّة بتقوى الله

عبادَ الله، أوصيكم ونفسيَ المُقصِّرة بتقوى الله، امتثالًا لقولهِ -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)،فالتقوى أمرٌ ربّاني أمرنا الله -سبحانهُ وتعالى- بها ليطهّرنا وليقرّبنا منهُ ولينعِمَ علينا بالخير الكثير، وليدخلنا جنةً عرضُها السماوات والأرض.

الخطبة الأولى

عباد الله: إن ما نعيشهُ في هذهِ الحياةِ الدُّنيا من مُشكلاتٍ وملمّات، وظروفٍ صعبة، تقودُ إلى أمرٍ واحدٍ ألا هو أنّه يجب أن نتمسّك بحبلِ الثقةِ بالله -سبحانه وتعالى-، فإن الثقة بهِ -سبحانه- فيها تسليةٌ للفؤاد، وجلاءٌ للهمومِ والأحزان، فعندما يعلمُ أحدنا ويثقُ أن هُناكَ مدبرًا له، يقومُ على رعايتهِ إن كان يدري ولا يدري، فالله -تعالى- لا يتركُ عبادهُ هملًا.

عباد الله: يقول الله -تعالى- في محكم كتابه: (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً* وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً)، فالثقة في الله كلمةٌ جامعة، تختزلُ في حروفها معانٍ عظيمة كحسنُ الظنِّ بالله، وحسنُ التوكلِ على الله، وأن الله هو حسبُ الإنسان وكافيه.

وعلى الإنسان أن يضعَ كل اعتمادهِ على الله -سبحانهُ وتعالى- في جميعِ جوانبَ حياته، ففي هذا راحةٌ نفسيّة، واطمِئنانٌ قلبي، وسكينةٌ روحية، وفيه إيواءٌ لركنٍ شديد، وهو الله العظيم – جل في علاه-، وفيه تحقيقٌ لكمال العبودية، وتطبيقٌ لأوامر الله -تعالى-، وسنة رسولهِ محمد- صلى الله عليه وسلم-.

واعلموا أن الثقة بالله -سبحانهُ وتعالى- هي سبب النصر والظفر في الدنيا والآخرة، فيقول الله -تعالى- في كتابه: (مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ)، وقال أيضًا: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ).

ولقد كان رسول الله -صلى الله عليهِ وسلّم- واثقًا بنصر الله له، وبتأييدهِ له، ومتوكِّلًا عليه في شؤونه وفي جميع أوقاتهِ وأحواله، وقد علّم الصحابة -رضوانُ الله عليهم- ذلك، وأرشدهم إلى حُسنِ الظنِّ بالله -تعالى-، والتوكل عليهِ لأنه لا تستقيمُ الحياةُ إلّا بذلك، ولا تحلو مرارتها إلّا بمعيّة الله -عز وجل- والسيرِ على خطى رسولِ الله -صلى الله عليه وسلّم-.

ولقد أكَّدَ اللهُ -سبحانهُ وتعالى- في الكثير من الآيات الكريمة على أهمية التوكل عليه والثقةِ به، فقال: (وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا)،وقال أيضًا: (وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ * وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ).

عباد الله: إن الثقة بالله -سبحانهُ وتعالى- هي اختبارٌ لنا، وإيمان بالله -تعالى- وعلمهِ بالغيب، وقدرتهِ في القضاءِ والقدر، وأن الثقةَ لها أبعادٌ كثيرة في إيمان المرء، وتسليمِ أمرهِ لله -سبحانهُ وتعالى-، والاعتماد عليه، ولقد أثبتت امرأة سيدنا إبراهيم -عليه السلام- ذلك عندما وضعها سيدنا إبراهيم وابنها الرضيع في وادٍ غير ذي زرع، فقالت لهُ اذهب فلن يُضيّعنا الله.

وكانت هذهِ الكلمات هي بوابة للرحمات والكرامات الإلهية على آل إبراهيم، فأخرج الله ماء زمزم وجعل ذلك المكان مليئًا بالخيرات والثمرات، وجعل الناسَ تأوي إليهِ من كلِّ مكان، بعدما كان مكانًا قاحلًا لا يأتيه بشرٌ ولا حيوان، وأقولُ قولي هذا وأستغفرُ الله لي ولكم، فيا فوج المستغفرينَ استغفروا الله.

الخطبة الثانية

إن الحمد لله نحمدهُ ونستعينهُ ونستغفره ونتوبُ إليه، ونصلّي ونسلِّم على سيدنا محمّد وعلى آلهِ وصحبه أجمعين، عباد الله: يقول الله -سبحانهُ وتعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)،أما بعد لقد سطّرَ الأنبياءُ -عليهم السلام- والصالحونَ من بعدهم أروع الأمثلة في الثقة بالله – سبحانهُ وتعالى- ومنها ما يلي:

إن سيدنا إبراهيم -عليه السلام- قد كان نموذجًا في الثقةِ بالله -تعالى- فبعدما حطَّمَ الأصنام التي كان قومه عاكفين على عبادتها، أرادوا الانتقام من سيدنا إبراهيم فأوقدوا نارًا عظيمة وأحضروا سيدنا إبراهيم ليلقوهُ بها، لكنهُ أسلم وجهه لله، ووثق بهِ كمالَ الثقة، حتى أنّه وهو على وشك أن يُحرق في النار، نزل إليه سيدنا جبريل فعرض عليه مساعدتهُ، لكنه رفض وقال أما منك فلا وأما من ربك فنعم.

قد صدق الله سيدنا إبراهيم -عليه السلام- وصدقهُ الله -تعالى- فأنجاهُ منها وخلّدها في القرآن الكريم، حيث قال -تعالى-: (قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ)،وهذا سيدنا محمّد -عليه الصلاة والسلام- عندما لاحقه كفار قريش وأرادوا قتله، فاختبئ في الغارِ، وقد اجتمعَ حول الغارِ خمسونَ رجلًا، فوثق بالله -تعالى- كمال الثقة فأنجاهُ الله منهم وأعمى بصيرتهم عنه، فكفّوا عنهُ آنذاك.

الدعاء

عباد الله إني داعٍ فأمّنوا:

  • اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات الأحياءِ منهم والأموات.
  • اللهم لا تدع لنا في مقامنا هذا ذنبًا إلا غفرته ولا همًا إلا فرّجته، ولا دينًا إلا قضيته، ولا مريضًا إلا شفيته وعافيته، ولا مسافرًا إلّا إلى أهله رددته.
  • اللهم احفظ بلدنا هذا من الفتن ما ظهر منها وما بطن وسائر بلاد المسلمين.
  • اللهم أعنّا ولا تُعِن علينا، وأكرمنا ولا تهُنّا، وأعطنا ولا تحرمنا.

عباد الله، إنّ الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، يعظكم لعلكم تذكّرون، وأقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه إنّه هو الغفور الرحيم.

لم تجد ما تبحث عنه؟ ابحث هنا