يقدم لكم موقع إقرأ في هذا المقال خطبة محفلية عن حق الله ، و خطبة عن حق الله تعالى على عباده ، و خطبة عن حقيقة العبادة في الإسلام ، و ما هو حق الله على العباد ، إنّ لله -تعالى- حقًا على عباده، فلم يستخلف الله -تعالى- الإنسان في هذه الأرض عبثًا، وإنما جعل لهم حقًا عليه كما جعل لنفسه حقًا على العباد؛ فالله -تعالى- هو مدبر الكون ومصرف الأمور، وهو الخالق المستحق للعبادة، وعلى الإنسان أن يظهر هذه العبودية لخالقه ويؤمن به وحده ولا يشرك به شيئًا.

خطبة محفلية عن حق الله

خطبة محفلية عن حق الله
خطبة محفلية عن حق الله

خطبة محفلية عن حق الله

خطبة محفلية عن حق الله ، الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. اللهم صلِّ على سيدنا محمدٍ النبي وأزواجه أمهات المؤمنين وذريته وآل بيته، كما صليت ربنا على آل إبراهيم إنك حميد مجيد.

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102]، ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1]، ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70، 71].

حق الله تعالى على عباده:

خطبة محفلية عن حق الله ، حديثي إلى حضراتكم أيها الأحبة تحت عنوان: “حق الله تعالى على عباده”.

فلقد ثبت في الصحيحين البخاري ومسلم من حديث معاذ بن جبل رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال: كنت رديف النبي صلى الله عليه وسلم يومًا على دابَّة، فقال لي: «يا معاذ» فقلت: لبيك يا رسول الله وسعديك. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «يا معاذ» فقلت: لبيك يا رسول الله وسعديك. ثلاثًا. «يا معاذ» قلت: لبيك يا رسول الله وسعديك، فقال: «أتدري ما حق الله على العباد؟ وما حق العباد على الله؟» فقلت: الله ورسوله أعلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئًا، وحق العباد على الله ألا يعذِّب بالنار من لا يشرك به شيئًا» فقلت: يا رسول الله، أفلا أبشِّر بذلك الناس؟ قال: «لا، فيتكلوا». فأخبر بهذه البشرى معاذ عند موته خشية الإثم، فأخبر بذلك معاذ عند موته بهذه البشرى، أخبر الناس بهذه البشرى خشية أن يقع في إثم كتمان العلم. خطبة محفلية عن حق الله.

تواضع النبي المُعلِّم:

فهذا الحديث أيها الأحبة فيه عدة دروس مستفادة، نقف فيها مع الدرس الأول:

الدرس الأول، وهو: شدة تواضع النبي عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ.

كان النبي صلى الله عليه وسلم هو قائد الأمة، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قاضيها، وكان النبي صلى الله عليه وسلم نبيًّا ورسولاً، وهي أعظم مرتبة في العالم، وظيفة النبوة ووظيفة الرسالة، وأنه قائد الأمة، قائد الدولة الإسلامية الأولى، ومع ذلك يتواضع النبي عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ويردف خلفه صبيًّا ليس من عياله، وإنما من أبناء المسلمين؛ فيدل ذلك على شدة تواضع النبي عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ.. هذا حبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم أشد المتواضعين لله، ولِمَ لا أيها الأحبة؟ وهو الذي قال: «إن الله أوحى إليَّ أن تواضعوا» حتى لا يبغي أحد على أحد، ولا يفخر أحد على أحد، فهذا هو الدرس الأول.

أسلوب التشويق في الحديث تربوي ونافع:

أما الدرس الثاني: فهو أن النبي صلى الله عليه وسلم استخدم أسلوب التشويق في الحديث.

كان يستخدم أساليب تربوية وأساليب متطورة في تعليم الصحابة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَأَرْضَاهُم، فها هو النبي يقول: «يا معاذ» فيقول معاذ: لبيك يا رسول الله، «يا معاذ» لبيك يا رسول الله، «يا معاذ» ثلاث مرات، لبيك يا رسول الله. هذه الآن تُدرس يا إخواني في المعاهد والجامعات العالمية بأن المتحدث لا يكون ملقنًا كأنما هو مذياع، وإنما المتحدث يجذب الجمهور، يمسك بقلوب الجمهور، يشوقهم، يجذبهم بحديثه الشيِّق، فهكذا استخدم النبي هذا الأسلوب، أسلوب التشويق والإثارة.خطبة محفلية عن حق الله.

ثم استخدم النبي أسلوب طرح الأسئلة، وأسلوب طرح الأسئلة تُعقد من أجله الدورات في التنمية الإدارية وفي التنمية البشرية، كيف تطرح سؤالاً على طلابك ومستمعيك فتنجذب إليك القلوب والعقول والأسماع، ثم يقول له: «يا معاذ، أتدري ما حق الله على العباد» استخدام طرح الأسئلة على المتعلمين وعلى المستمعين يجمع القلوب ويجمع العقول والألباب فينصتوا إلى المتحدث، أن تبدأ بطرح سؤال وتسمع الإجابات. الآن هذا يُدرَّس أيها الأحبة في طرق التدريس في الجامعات وفي كليات التربية.

أدب المتعلِّم:

الدرس الثالث: حسن أدب معاذ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.

ظهر لنا أدب معاذ كطالب علم في ثلاثة أمور، انظر إلى أدب معاذ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَرْضَاه مع النبي صلى الله عليه وسلم!

الأدب مع رسول الله كمعلم، فينادي عليه فيقول له: لبيك يا رسول الله! انظر إلى الأدب، فيا طالب العلم لن تنال ما عند معلمك وأستاذك وشيخك إلا بشدة تأدبك معه وشدة حيائك بين يديه، ليس منا من لم يوقر كبيرنا ويرحم صغيرنا ويعرف لعالمنا حقه، يا طالب العلم! لن تنال ما عند شيخك من العلمِ وتنتفع به إلا بشدة تواضعك لأستاذك وتوقيرك له، فهذا معاذ، النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «يا معاذ».. ثم ظهر لنا أدب معاذ مع رسول الله في أمر آخر، حينما قال له: «أتدري يا معاذ ما حق الله على العباد؟» ماذا قال معاذ؟ قال: الله ورسوله أعلم. هذا من الأدب مع رسول الله، يا رسول الله ليس لي علم بذلك، بل أنت أعلم بهذا؛ لأن الله هو الذي ﴿ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا ﴾ [النساء: 113] فينبغي لطالب العلم حينما يُسأل عن مسألة بين يدي العلماء أن يكل العلم فيها إلى أهل العلم والتخصص: ﴿ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [النحل: 43]، هذا هو الأدب. أما أن يتجرأ الإنسان على الفتيا، فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول: «أجرؤكم على الفتيا أجرؤكم على النار». قال: الله ورسوله أعلم.

ومن الأدب الثالث: معاذ استخدم أسلوبًا في الأدب راقيًا جدًّا، وهو: حينما كبُر معاذ حمل هذه الأمانة في صدره ونقل هذا العلم لمن بعده حتى في سكرات الموت يعلم الناس، فأخبر بها معاذ قبل موته خشية أن يقع في الإثم، والإثم هو قول النبي صلى الله عليه وسلم: «من سُئل عن علم فكتمه أُلجم بلجام من نار يوم القيامة» فأخبر بذلك معاذ الناس حتى يستبشروا ويتعلموا سنة النبي صلى الله عليه وسلم، والنبي صلى الله عليه وسلم دعا لكل طالب علم حفظ من حديث رسول الله، دعا له النبي، بماذا؟ قال: «نضَّر الله وجه امرئٍ سمع مقالتي» أي: أحاديث النبي عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، «نضَّر الله وجه امرئٍ» دعا له النبي بنضارة الوجه والنور في الوجه، فأهل الحديث أحسن الناس وجوهًا من حيث النور والإشراق، ﴿ سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ﴾ [الفتح: 29]، «نضَّر الله وجه امرئٍ سمع مقالتي فوعاها فأداها كما حفظها، فرُبَّ مبلَّغٍ أوعى من سامع».

فمن يعلِّم الناس أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم قد دعا له النبي صلى الله عليه وسلم بنور الوجه ونضارة الوجه، «نضَّر الله وجه امرئٍ»، فنسأل الله أن يجعلنا وإياكم منهم إن شاء الله جلَّ وعلا، أن يجعلنا ممن يحفظون أحاديث الرسول ويعلمونها لأهليهم وذويهم وأبنائهم وطلابهم وزملائهم في العمل، «بلغوا عني ولو آية» كم نحفظ من الآيات؟ كم نحفظ من الأحاديث؟ هذا معاذ يعلِّم الناس أحاديث رسول الله قبل موته؛ خشية أن يكون كتم علمًا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

مَحيانا ومماتنا كله لله:

«أتدري ما حق الله على العباد؟»، قال: «حق الله على العباد: أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئًا» فالركوع والسجود عبادة لا تجوز لغير الله، إياك أن تركع أو تسجد لقبر ولي، أو لقبر نبي، أو لقبر أحد الصالحين، أو لقبر واحد من آل بيت رسول الله. يا أخي! الركوع والسجود عبادة لا تكون إلا لله جلَّ وعلا، الدعاء عبادة فلا تدعُ إلا الله، السؤال عبادة فلا تسأل إلا الله، «إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله» في حديث عبد الله بن عباس: «احفظ الله يحفظك، إذا سألت» ما قال له اسأل الولي أو اسأل النبي أو اسأل أحد آل بيت رسول الله، أو اسأل أصحاب القبور والأضرحة! هذا هو الشرك الأكبر أيها الأحبة، الشرك الأكبر: هو أن تسأل غير الله، والخوف من الله عبادة تثاب عليها، ﴿ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ [آل عمران: 175]، فلا تخاف من غير الله يا عبد الله. خطبة محفلية عن حق الله.

بعض الناس يخاف من أصحاب الأضرحة والقبور، فيقول: أذبح للسيد البدوي! أو أذبح لعبد القادر الجيلاني! أو أذبح للحسين رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ! كل هذا من الشرك الأعظم، لماذا؟ لأن الذبح عبادة، الذبح بمعنى العبادة لا يكون إلا لله. قال تعالى: ﴿ قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ ﴾ [الأنعام: 162]، ﴿ لِلَّهِ ﴾ لم يقل للولي ولا للنبي ولا لأحد من آل بيت رسول الله مهما علا شأنه وعظم قدره؛ لأن الذبح بمعنى التقرُّب إلى الله؛ لأن هناك فرقاً أيها الأحبة بين ذبح الإكرام وهو ما تذبحه من ذبيحة لغيرك كرمًا، فهذا ذبح الإكرام جائز مباح؛ لأن هذا من إكرام الضيف، أما هناك ذبح مختلف تمامًا، الذبح للأموات! ذبح لواحد من آل بيت رسول الله! ذبح لأصحاب القبور، كما في بعض البلاد يذبح لوليٍّ خشية الضرر من هذا الولي بعدما مات بألف سنة!، وهذا من الشرك الأعظم: أن يخاف من غير الله جلَّ وعلا. خطبة محفلية عن حق الله.

فإيَّاك يا أخي الحبيب أن تخاف من غير الله ﴿ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾، ولا ترهب إلا الله: ﴿ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ ﴾ [البقرة: 40]. المسلم موحد عابد لله، يصحح التوحيد لله، يحقق التوحيد لله.

كذلك قلنا: الذبح والنذر، بعض الناس يذهب إلى قبور الصالحين ويضع أموالاً طائلة في صناديق القبور، يقول: رجاء أن ينجح ولدي في الثانوية، ورجاء أن تتزوج ابنتي، ورجاء أن ينجب أخي، ورجاء أن يشفي الله أبي، فيضع النذور في صناديق القبور، وهذا من الشرك أيها الأحبة؛ لأن النذر عبادة، فلا يُصرف النذر إلا لله. تقول: إن شفا الله مريضي لأتصدقن لله، وليس للولي ولا للنبي وليس لأحد الصالحين. لا لأصحاب القبور، وإنما إذا نذرت فأخرج نذرك ووفي نذرك لله وحده رجاء ما عنده من الخير.خطبة محفلية عن حق الله.

النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصيه» هذه سنة النبي عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ.

إذًا أيها الأحبة، هذا هو حق الله على العباد: أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئًا.

وأقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه، التائب حبيب الرحمن، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له.

خطبة محفلية عن حق الله ، الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، سيد الموحدين لله، بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم.

حق العباد على الله تعالى:

ثم قال له: «أتدري ما حق العباد على الله؟»: «ألا يعذب بالنار من لا يشرك به شيئا». فالموحد لله -جلَّ وعلا- الذي مات على التوحيد والإيمان وعمل بطاعة الرحمن، فهذا من أهل الجنة إن شاء الله.

يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من قال: لا إله إلا الله مخلصًا من قلبه دخل الجنة» وفي رواية: «من قال: لا إله إلا الله موقنًا بها دخل الجنة»، ويقول أيضًا: «ومن كان آخر كلامه من الدنيا لا إله إلا الله دخل الجنة» و”لا إله إلا الله” لها شروط:

لابد وأن تكون محبًّا لله، ومحبًّا لأهل “لا إله إلا الله”.

أن تكون محبًّا لشريعة الرحمن، وتتمنى أن يحكَّم فيك شرع الله؛ لأن من يكره شرع الله فهو على خطر عظيم، من يكره شريعة الله أن تسود ففي دينه وإسلامه خلل بل ربما يخرج من الإسلام إذا أبغض شريعة الرحمن؛ لأن من أسس دينك أن تحب الشريعة وأن تحب الدين وأن تحب أهل الدين، بغض أهل الدين نفاق أيها الأحبة، بغض أهل الشريعة نفاق؛ لأن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى هو الذي أنزل هذه الشريعة وهو الذي أمر بها؛ لأنَّا وجدنا كثيرًا من المسلمين في العالم من ينحي شريعة الله ومن يبغض شرع الله ومن يقول أنا مع هؤلاء ولست مع أهل الدين، وهذا دينه على خطر عظيم، فإذا أردت أن تدخل الجنة فحقق التوحيد، ومن تحقيق التوحيد العمل بـ”لا إله إلا الله” وهو أن تحب الله من كل قلبك، وأن تحب أهل “لا إله إلا الله” وأن تعمل بمقتضى “لا إله إلا الله”.

أسأل الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أن يحقق فينا جميعًا التوحيد وأن يتوفانا على “لا إله إلا الله”. أسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن ينجينا من الشرك، نسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يدخلنا الجنة مع الموحدين. نسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يختم لنا جميعًا بقول “لا إله إلا الله”. نسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن ينصر الإسلام.

قد يهمك:

خطبة عن حق الله تعالى على عباده

الخطبة الأولى:

إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً)[النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً)[الأحزاب:70-71]، أما بعد:

أيها المؤمنون: إن الله تعالى خلق الخلق في الأرض واستعمرهم فيها، وجعل لهم حقوقًا وعليهم مثل ذلك، وقد أوجب الإسلام على أتباعه حقوقًا بها حمايتهم من المساوئ والمكاره، وفيها تحقيق مصالحهم في العاجل والآجل، حقوقًا تضبط العلاقة بين العبد وخالقه ودينه، وأقاربه ومجتمعه وبيئته والناس أجمعين، وبأدائها والوفاء بها يكون الفوز والفلاح، والنجاة والهناء، وبتحقيقها يفوز العبد بالخيرات، وينجو من التبعات، فيجب أن تُعرَفَ وتُحفظَ وتُصان؛ فعلى أساسها تقوم الحياة ويكونُ الحسابُ والجزاء.

عباد الله: والحق: هو الشيء الثابت الذي لا يسوغ إنكاره. وهو خلاف الباطل، والحقوق الإسلامية: هي ما نصّ الشرع على وجوب أدائها، وعدم الإخلال بها؛ لما يترتب على أدائها من مصالح دينية ودنيوية، وعلى الإخلال بها من مفاسد دينية ودنيوية.

وإنّ أعظمَ الحقوق وأوْلاها بالتقديم، وأجْدَرَها بالذكر: حق الله رب العالمين، فهي أعظم الحقوق قدرًا، وأجلها مكانة، ويتلخّصُ هذا الحق في القيام بعبادة الله، والبُعد عن الإشراك به؛ كما قال -سبحانه-: (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا)[النساء:36]، وقال -جل في علاه-: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ)[البقرة:21-22].

وفي الصحيحين عَنْ مُعَاذٍ -رَضي الله عنه- قَالَ: كُنْتُ رِدْفَ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلمَ- عَلَى حِمَارٍ يُقَالُ لَهُ: عُفَيْرٌ، فَقَالَ: “يَا مُعَاذ؛ هَلْ تَدْرِي حَقَّ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ، وَمَا حَقّ الْعِبَادِ عَلَى اللهِ؟“، قلتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أعْلَمُ! قالَ: فإنَّ حَقَّ اللَّهِ عَلَى الْعِبَادِ أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَحَقَّ الْعِبَادِ عَلَى اللهِ أَنْ لا يُعَذبَ مَنْ لا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا“، فقلتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفلا أُبَشِّرُ بِهِ النَّاسَ؟ قَالَ: “لا تُبَشِّرْهُمْ فيَتَّكِلوا“.

فعبادة الله حَقّ وَاجبٌ على كل إنسان، وهو ليس أمراً اختياريًا، بل هو حق لازم متحتم، وهو أمر إلهي وفرض رباني وحق سماوي، قال سبحانه: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ)[الذاريات: 56].

ومن أجل هذا الحق أرسل الله الرّسلَ، وأنزل الكتب؛ كما قال تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ)[الأنبياء: 25].

والعبادة في الشرع: اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة، وهي بهذا المعنى تكون شاملة لحياة المسلم في حركاته وسكناته، وقد قال تعالى: (قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ)[الأنعام: 162-163]؛ فحياة العبد كلها دائرة بين أمرٍ ونهي، ومعصية، ومصيبة ونعمة؛ فأما حق الله عليه في الأمر فأَنْ يلتزم به، وأما حقه في النهي فأَنْ يجتنبه، وأما حقه في المعصية فأنْ يتوب منها، وأما حقه في المصيبة فأَنْ يصبر عليها، وأما حقه في النعمة فأَنْ يشكره عليها.

عباد الله: العبودية لله هي الغاية من خلق الإنسان على وجه هذه البسيطة؛ فإن الله -عز وجل- ما خلقه عبثاً، ولا تركه همَلًا: (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ * فَتعالى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ)[المؤمنون: 115-116]، بل خلقه الله لحكمة، وأوجده لغاية؛ وهي في قوله تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ* مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ)[الذاريات: 56-58]؛ فالرزق مكفول، والعمر محدود، والإمكانات متوفرة، والمنهج واضح، والطريق مستقيم، وأنت مأمورٌ أن تسير على هذا المنهج، وأن تواصل السير على هذا الطريق المستقيم.

العبادة حق لازم على العبد حتى يموت؛ وتلك حال العبد مع ربه -تبارك وتعالى-، لا يَخلُ وقتٌ من أوقاته، ولا حال من أحواله، إلا وتتمثل فيه عبودية لله -تعالى-، وقد قال سبحانه: (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ)[الحجر: 99]، (فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا)[النساء: 103].

وفي صحيح البخاري عن عمران بن حصين  أن رسول الله -صلى الله عليه وسلمَ- قال: “صَلِّ قَائِمًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ“.

عباد الله: العبودية لله أشرفُ المقامات، وأعلى المراتب، شرُفتْ بها ملائكة الله؛ كما قال الله عنهم: (وَمَنْ عِنْدَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ * يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ)[الأنبياء: 19-20]، وشرُفَ بها الأنبياء والمرسلون: (وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ * وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ)[الصافات: 171 – 173]، وقال -عز وجل-: (وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ)[ص:45].

وأفضلُ الرّسل وأشرفُ الأنبياء نبينا محمد -صلى الله عليه وسلمَ- شرّفه ربه بوصف العبودية في مقام التكريم والتشريف؛ فقال عنه في مقام الإسراء والمعراج: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا)[الإسراء: 1]، وقال عنه في مقام نزول القرآن: (تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا)[الفرقان: 1].

معاشر المسلمين: بالعبادة تسمو الرّتب، وبالعبادة يترقى العبد في مدارج السالكين، ويلتحق بعباد الله المُنَعّمِين: (وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا)[النساء: 69].

وبالعبادة تكون النجاة ويكون الفلاح، وتنال الجنة، وتكون النجاة من النار؛ قال تعالى: (وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ)[النساء: 13، 14].

فيا عجبا كيف يعصى الإله *** أم كيف يجحده الجاحد

ولله في كل تحريكة وفي *** كل تسكينة شاهــد

وفي كل شيء كل له آية *** تدل على أنه الواحــــد

إن العبودية لله حياة ونصر وتمكين وسعادة وراحة بال، وهي عدل وأخلاق وعزة، وهي كذلك نجاة من عذاب الله وسخطه وهي فوز برضاه وجنته ..

اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا، وكرّهْ إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا يا مولانا من الراشدين.

أقول ما سمعتم وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه..

الخطبة الثانية:

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسّلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أمّا بعد:

فاتقوا الله -عباد الله- وأدوا الحق الذي أوجبه عليكم، وسلوه العون والسداد والتوفيق والرشاد، واعلموا أن توحيد الله -تعالى- هو أعظم حقوقه وأعلاها، وأولها وأولاها، وهو نقيض الشرك، وأصل العبادات؛ فهو أولُ الدين وآخرُه، وظاهرُه وباطنه، وذروةُ سنامِه وقطبُ رَحاه، قامت عليه الأدلة، ونادت عليه الشواهد، وأوضحته الآيات، وأثبتته البراهين، نُصِبَتْ عليه القبلة، وأسِّسَتْ عليه المِلة، ووجبتْ به الذمة، وعُصِمت به الأنفس، وانفصلتْ به دار الكفر عن دار الإسلام، وانقسمَ به الناس إلى سعيد وشقي، ومهتدٍ وغويّ؛ روى الترمذي في سننه أن النبي -صلى الله عليه وسلمَ- قال: “خير ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير“.

فلا يرتفع عن النفوس الشقاء، ولا يزول عن العقول الاضطراب، ولا ينزاح عن الصدور القلق والحرج إلا حين نؤدي حق الله بتوحيده؛ فتوقن البصائرُ وتسلِّم العقول بأنه -سبحانه- هو الواحد الأحد: (بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ)[البقرة: 112].

بالتوحيد يَخرجُ قلبُ العبدِ من ظلمات الشرك وجهالاته إلى نور الإيمان بالله وهداياته، ومن التيه والحَيْرَةِ والضلال والشرود، إلى المعرفة واليقين والطمأنينة والرضا، ومن العبودية المذلة لأرباب متفرقين، إلى العبودية الموحِّدة لرب العالمين، ففي الإنسان حاجة وفقر وضعف، وهو بين حالين لا ثالث لهما: إما أن يتوجه بعبادته وخضوعه وانكساره لله الواحد القهار، فيكون موحداً مطيعاً مطمئناً سعيداً، وإما أن يكون خاضعاً أسيراً ذليلاً لمعبودات باطلة من الآلهة الكثيرة، قال تعالى على لسان يوسف -عليه السلام- (يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ * مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ)[يوسف: 39-40].

عبد الله: إذا نزلت بك الشدائد، وأحاطت بك الخطوب والمكائد، فالله مَلاذك، والله مَعاذك، والله حَسبُك ومُجيرُك: (قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلَا يُطْعَمُ قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ * مَنْ يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ * وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ)[الأنعام: 14-18].

وإذا أظلمت الدنيا في عينيك، وتخلى عنك أقرب الناس إليك فاصدَعْ وتضرّعْ إلى الله بصالح الدعوات، فلا مُغيثَ ولا مُجيرَ سواه، ولا إله غيرُه، ولا مُجيبَ عداه: (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ)[النمل: 62].

فكيف يَعبد الله حق عبادته مَن ترَك سؤاله ودُعاءَه، وخوفه ورجاءَه؟! أم كيف يؤدي حق ربه عليه مَن لا يعرف الله إلا في أوقات قليلة، وأزمنة ضئيلة، وأيام معيّنة، وليال مخصصة، وبقية العمر لعِبٌ ولَهْوٌ وغفلة وسُباتٌ وشهوة؟! أم كيف يؤدي حق الله من نسي ربه، وأطاع شيطانه، واتبع هواه، وشغلته دنياه عن أُخراه؟! .

ما أدى حق الله من عصاه ونسيه، ودعا غيره وتركه، وذهب لغيره وهجره، وفرط في حقوق عباده، واستباح محرماته، وسعى في أرض الله بالفساد.

اللهم نور قلوبنا وعقولنا بتوحيدك، واعصمنا من الشرك، وأبعدنا عن سبيل المشركين، يا رب العالمين.

هذا وصلوا وسلموا على من أمرتم بالصلاة والسلام عليه…

خطبة عن حقيقة العبادة في الإسلام

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.

ثم أما بعد، فإن العبادة في الإسلام تختلف عن كل عبادة في غيره من الديانات، في حقيقتها ومقاصدها ونتائجها… فهي الحق، وما سواها باطل. وهي الهدى، وما سواها ضلال. وهي النور، وما سواها ظلام.. ﴿ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ ﴾ [يونس: 32]. ﴿ وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ [آل عمران: 85].

♦ العبادة في الإسلام ليست طقساً من الطقوس التي يمارسها المرء متى شاء وكيفما شاء؛ وإنما هي الغاية الكبرى والهدف الأسمى الذي خلق الإنسان من أجله، كما قال ربنا سبحانه: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾ [الذاريات: 56].

♦ العبادة في الإسلام حق واجب من حقوق الله تعالى على عباده؛ ففي الصحيحين عَنْ مُعَاذٍ رضي الله عنه قَالَ: كُنْتُ رِدْفَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَلَى حِمَارٍ يُقَالُ لَهُ عُفَيْرٌ، فَقَالَ: «يَا مُعَاذ؛ هَلْ تَدْرِي حَقَّ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ، وَمَا حَقّ الْعِبَادِ عَلَى اللهِ؟». قلتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أعْلَمُ! قالَ: «فإنَّ حَقَّ اللَّهِ عَلَى الْعِبَادِ: أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَحَقَّ الْعِبَادِ عَلَى اللهِ: أَنْ لا يُعَذبَ مَنْ لا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا». فقلتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ؛ أَفلا أُبَشِّرُ بِهِ النَّاسَ؟ قَالَ: «لا تُبَشِّرْهُمْ فيَتَّكِلوا»..

♦ والعبادة في الإسلام تشمل حياة الإنسان كلها؛ أقواله وأفعاله، حركاته وسكناته، ظاهره وباطنه، علاقاته الأسرية والاجتماعية والدولية… ﴿ قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ ﴾ [الأنعام: 162، 163]. إنها حق لازم على العبد حتى يموت، وقد قال سبحانه: ﴿ وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ ﴾ [الحجر: 99].

♦ العبادة في الإسلام أشرفُ المقامات، وأعلى المراتب… شرُفتْ بها ملائكة الله، كما قال الله عنهم: ﴿ وَمَنْ عِنْدَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ * يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ ﴾ [الأنبياء: 19، 20].

وشرُفَ بها الأنبياء والمرسلون، كما قال عنهم رب العالمين: ﴿ وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ * وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ ﴾ [الصافات: 171 – 173]. وقال عز وجل: ﴿ وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ ﴾ [ص: 45]. وأفضلُ الرّسل وأشرفُ الأنبياء نبينا محمد صلى الله عليه وسلم شرّفه ربه بوصف العبودية في مقام التكريم والتشريف، فقال عنه في مقام الإسراء والمعراج: ﴿ سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ﴾ [الإسراء: 1]. وقال عنه في مقام نزول القرآن: ﴿ تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا ﴾ [الفرقان: 1].

فبالعبادة تسمو الرّتب، وبالعبادة يترقى العبد في مدارج السالكين، ويلتحق بعباد الله المنَعّمِين: ﴿ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا ﴾ [النساء: 69].

♦ العبادة في الإسلام لها مقاصد وغايات، فيها منافع ومصالح للعباد في الدارين… قال تعالى:﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [النحل: 97].

♦ العبادة في الإسلام غايتها وقاية النفس والأسرة والمجتمع من كل الآفات والمهلكات… ﴿ يَاأَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 21]. لعلكم تتقون الله بامتثال أمره واجتناب نهيه، وتقون أنفسكم مما يضرها ويهلكها في الدنيا، ومما لا تطيق تحمّله من العذاب المهين في الدار الآخرة.

ومن تأمل في أمهات العبادات في الإسلام وجدها تهدف إلى تزكية النفس وتحليتها بكل فضيلة، وتطهيرها وتخليتها من كل رذيلة…

الإيمان بالله: يطهر القلب، ويوجه السلوك، ويهذب الأخلاق… قال تعالى: ﴿ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ ﴾ [التغابن: 11]. وفي الصحيحين عن أَنَسٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «ثَلاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلاوَةَ الإِيمانِ؛ أَنْ يَكُونَ اللهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمّا سِواهُما، وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لا يُحِبُّهُ إِلاّ للهِ، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ في الْكُفْرِ بَعْدَ إذْ أنقذَهُ الله مِنْهُ، كَما يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ في النَّارِ». وفي الصحيحين عن أَنَسٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتّى يُحِبَّ لأخيهِ ما يُحِبُّ لِنَفْسِهِ».

الصلاة: تغرس في النفوس محبة الله وتعظيمه، وتحجز المرء عن كل رذيلة… قال تعالى: ﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ﴾ [العنكبوت: 45]. وفي موطإ مالك عن نافع مولى عبد الله بن عمر: أن عمر بن الخطاب كتب إلى عماله: “إنّ أهمّ أمركم عندي الصلاة، فمن حَفِظها وحَافَظ عليها حَفِظ دِينه، ومَنْ ضَيّعها فهو لما سِوَاها أضيَع”.

الزكاة: تطهر النفس من الشح والبخل، ومن الحقد والغل، وتزرع في النفوس المودة والمحبة والتراحم والتعاطف… ﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ [التوبة: 103].

الحج: يربي النفوس على الوحدة والتعارف والتعايش والتعاون والتراحم، ويطهرها من الأنانية والعصبية والتفرقة والنزاع… قال تعالى: ﴿ الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ ﴾ [البقرة: 197]. وفي الصحيحين عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ حَجَّ هَذَا البَيْتَ، فَلَمْ يَرْفُثْ، وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ».

الصيام: يربي على الصبر، ويحمل على العفو والصفح، ويغرس في النفوس التقوى… ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 183]. وفي الصحيحين عن أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «قَالَ اللَّهُ: كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ، إِلَّا الصِّيَامَ، فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، وَالصِّيَامُ جُنَّةٌ، وَإِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلاَ يَرْفُثْ وَلاَ يَصْخَبْ، فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ، فَلْيَقُلْ إِنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ»..

وغيرُ ذلك من العبادات فيه خير كثير ومنافع لا تعدّ؛ ومما ورد في ذلك، ما رواه مسلم في صحيحه عن أبي مالك الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الطُّهُورُ شطرُ الإيمان، والحمد لله تملأ الميزان، وسبحان الله والحمد لله تملآن – أو تملأ – ما بين السماوات والأرض، والصلاة نور، والصدقة برهان، والصبر ضياء، والقرآن حجة لك أو عليك، كل الناس يغدو؛ فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها».

♦ العبادة في الإسلام طريق إلى مغفرة الذنوب ومحو السيئات، ورفع الدرجات؛ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُولُ: «الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ، وَالْجُمُعَةُ إِلَى الْجُمُعَةِ، وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ، مُكَفِّرَاتٌ مَا بَيْنَهُنَّ، إِذَا اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ». رواه مسلم. ويقول ربنا سبحانه: ﴿ وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَى * جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ مَنْ تَزَكَّى ﴾ [طه: 75، 76].

♦ العبادة في الإسلام طريق الفوز والفلاح، وسبيل النجاة من عذاب الله؛ قال تعالى: ﴿ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ * أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾ [المؤمنون: 1 – 11]. وقال سبحانه: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ ﴾ [فصلت: 30].

فكل ما في العبادة يعود بالنفع على العباد في دنياهم وفي أخراهم، ويهدف إلى جلب المصلحة للعباد، ودرء المفسدة عنهم. والمشقة في العبادة غير مقصودة، والتعب فيها ليس غاية، والحرج فيها مرفوع… وقد قال تعالى: ﴿ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [المائدة: 6]. وقال عز وجل: ﴿ مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا ﴾ [النساء: 147].

فهنيئاً لمن شكر الله فعبدَه ووَحّدَه واتقاه، وويل لمن جحدَ وكفر وضل واتبع هواه.. حين يقف العباد بين يدي الله، فينظر كل امرئ ما قدمت يداه. ﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ﴾ [الزلزلة: 7، 8]. وفي الحديث القدسي، يقول الله تعالى: «يَا عِبَادِي؛ إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا، فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ، وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلاَ يَلُومَنَّ إِلاَّ نَفْسَهُ». أخرجه مسلم في صحيحه من حديث أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه.

فلُمْ نفسك وعاتبها الآنَ على تقصيرها لتستفيق من غفلتها وتستدرك ما فاتها، قبل أن تلومها يوم لا ينفع لوْم ولا عتاب.

فاللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، ووفقنا لطاعتك وطاعة رسولك، وثبتنا على دينك حتى نلقاك، يا رب العالمين..

وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا وحبيبنا ونبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

ما هو حق الله على العباد

إنّ لله -تعالى- حقًا على عباده، فلم يستخلف الله -تعالى- الإنسان في هذه الأرض عبثًا، وإنما جعل لهم حقًا عليه كما جعل لنفسه حقًا على العباد؛ فالله -تعالى- هو مدبر الكون ومصرف الأمور، وهو الخالق المستحق للعبادة، وعلى الإنسان أن يظهر هذه العبودية لخالقه ويؤمن به وحده ولا يشرك به شيئًا.

وقد بيّن النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- حق الله على عباده في الحديث الذي رواه معاذ بن جبل عن رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- عندما ناداه ثلاث مرات ثم قال له: (هلْ تَدْرِي ما حَقُّ اللَّهِ علَى عِبَادِهِ؟ قُلتُ: اللَّهُ ورَسولُهُ أعْلَمُ، قالَ: حَقُّ اللَّهِ علَى عِبَادِهِ أنْ يَعْبُدُوهُ ولَا يُشْرِكُوا به شيئًا، ثُمَّ سَارَ سَاعَةً، ثُمَّ قالَ: يا مُعَاذُ بنَ جَبَلٍ، قُلتُ: لَبَّيْكَ رَسولَ اللَّهِ وسَعْدَيْكَ، فَقالَ: هلْ تَدْرِي ما حَقُّ العِبَادِ علَى اللَّهِ إذَا فَعَلُوهُ؟ قُلتُ: اللَّهُ ورَسولُهُ أعْلَمُ، قالَ: حَقُّ العِبَادِ علَى اللَّهِ أنْ لا يُعَذِّبَهُمْ)، وتفصيل حق الله على العباد كما ورد في الحديث الشريف يتلخص في أمرين:

توحيد الله تعالى

إنّ من حقّ الله -تعالى- على العباد توحيده وعدم الإشراك به، وهذا هو مقتضى العبادة، ويكون التوحيد بشهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، والإقرار بأنّه هو المستحق للعبادة والطاعة.

والتوحيد إقرار باللسان يجب أن يرافقه عمل بالجوارح، فلا يجوز توحيد الله وإشراك غيره في العبادة، ومتى كان العبد موحدًا لله -تعالى- ولا يشرك به شيئًا ويعبد الله -تعالى- كما أمره؛ يكون قد استوفى حق الله عليه، فقبول الأعمال تنبني على صدق التوحيد.

عبادة الله تعالى

جعل الله -تعالى- الإنسان خليفته في الأرض، وبيّن -تعالى- أن سبب خلقه للإنس والجن هو عبادته وطاعته، حيث قال -تعالى-: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}، فالله -تعالى- لا يحتاج أحدًا من خلقه، فهو الغني عن العالمين، وقد جعل الله -تعالى- عبادته من حقه على عباده، وهي السبب الموصل للجنة.

ويجب أن تكون عبادة الله -تعالى- خالصة لوجهه الكريم من غير شرك ولا تحريف، فالعبادة هي القيام بما أمر به، واجتناب ما نهى عنه، مع إخلاص النية بذلك لله وحده، وكذلك التصديق بالأوصاف التي وُصف بها، وعبادته بما له من أسماء وصفات، وتنزيهه عن كل نقص أو مشابهة أو غير ذلك.

لم تجد ما تبحث عنه؟ ابحث هنا