يقدم لكم موقع إقرأ في هذا المقال خطبة محفلية عن السلام ، و خطبة عن إفشاء السلام ، و خطبة عن السلام في الإسلام ، و خطبة عن التعايش بسلام ، السلام في اللغة مصدر، وهو اسم مُشتقّ من الفعل سَلِمَ، ويأتي بمعنى الأمان والنجاة ممّا لا يُرغَب فيه؛ فيُقال: سلِم من الأمر؛ أي نجا منه، والسلامة من الآفات هي النّجاة والتخلص منها، والسلام في مفهومه العريض يمكن أن يشمل عدة تعاريف؛ فالسّلام في الشرع لفظٌ تُراد به البراءة من العيوب. وتأتي كلمة السلام بمعنى التحية؛ فهي تحيّة الإسلام وتحيّة أهل الجنّة، كأن يُقال: السلام عليكم، عند لقاء الناس أو وداعهم، وكأنّ المسلم يقول لأخيه: (لك منّي السلامة، فلا تخشَ شيئاً، فيردّ عليه الآخرُ بالمثل)، ويُقال عند الخروج من الصّلاة، أيضاً: السلام عليكم، وعندما يُقال: عليه السّلام؛ أي الدّعاء بالصلاة والرحمة من الله وملائكته، كما أنَّ السلام اسم من أسماء الله الحُسنى، وصفة من صفاته، وقد سمّى نفسه -سبحانه وتعالى- بهذا الاسم؛ لسلامته من كلّ ما يلحق بمخلوقاته وعباده من نقص، وعيب، وحتّى فناء؛ إذ قال تعالى: (هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ…)، وعندما يُقال: دار السّلام؛ فالمقصود بها الجنّة، والسّلامُ بغداد، كما أنّ السّلام نوع من الشجر. فيما يلي خطبة محفلية عن السلام.

خطبة محفلية عن السلام

خطبة محفلية عن السلام
خطبة محفلية عن السلام

خطبة محفلية عن السلام ، إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، وصفيه وخليله، وأمينه على وحيه، وخيرته من خلقه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، أئمة الهدى، ومصابيح الدجى، ومن تبعهم واقتفى، وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين. خطبة محفلية عن السلام.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران: 102].

(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء: 1].

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب: 70-71].

أما بعد:

فيا عباد الله: أوصيكم ونفسي بتقوى الله -عز وجل-، وملازمة طاعاته، والوقوف عند حدوده، والانتهاء إلى أوامره، فو الله إن الخير والبركة والسعادة، والسرور والطمأنينة، ورغد العيش وراحة البال، وقناعة النفس؛ إنما تنال بتقوى الله –عز وجل- وطاعاته، وفوق ذلك وبعده وقبله الفوز بجنة الله ونعيمه، والسلامة من عذاب الله، والنجاة من ناره: (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ)[الطلاق: 2- 3].

(وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا ) [الطلاق: 5]

جعلني الله وإياكم من عباده المتقين، وأوليائه المفلحين، الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، إن ربي رحيم ودود.

أيها الإخوة المسلمون: لقد اهتم ديننا الحنيف، وحرص شرعنا المطهر المنزل من عند الله –عز وجل- على محمد -صلى الله عليه وسلم-، حرصت هذه الشريعة السمحة على إشاعة المحبة بين المسلمين، ونشر الألفة والتودد، وتحقيق الصفاء والنقاء بين عامة المسلمين، وقطع كل ما من شأنه إشاعة البغضاء والهجران، والشحناء بين المسلمين. خطبة محفلية عن السلام.

لقد حرصت على إزالة أسباب البغضاء، ودواعي الهجران، وطمس بواعث الشحناء والكراهية بين المسلمين، بل جاء هذا الدين -أيها الإخوة المسلمين- ليقضي على معالم الجفاء، وليجتث جذور الحقد والحسد من نفوس المسلمين، كل ذلك من أجل أن يعيش المسلمون في مجتمعاتهم إخوة متحابين، إخوة متوادين متناصحين، لا يحمل بعضهم حقدا على أحد، ولا يضمر شرا لأخيه الآخر، يمسي المسلم ويصبح، وهو سليم الصدر، نقي النفس، طاهر القلب والضمير تجاه إخوانه المسلمين، يسعى في حاجاتهم، يكف الأذى عنهم، ينزه لسانه وجوارحه عن الوقيعة في إخوانه المؤمنين.

بل ويشركهم مع نفسه في الدعاء، فلا ينسى في صلاته دائما أن يقول: (اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ)[الفاتحة: 6].

بنون الجماعة، ولا ينسى أن يدعو لهم مع نفسه بالمغفرة والرحمة في صلاته وغير صلاته.

هذا هو المسلم حقا وصدقا، ظاهرا وباطنا، قلبا وقالبا، هذا هو المسلم كما يريد منا ديننا، هذا هو المسلم الذي يرضى عنه ربه ونبيه -صلى الله عليه وسلم-، ووالله ما أجمل الحياة، وألذ العيش وأطيبه، في ظلال مجتمع مسلم أفراده على هذا المستوى الرفيع، والقدر العظيم، من الالتزام بدينهم، وتطبيق آدابه، وامتثال أخلاقه، إنهم حقا يملئون الجو من حولهم إنسا وسرورا، ويشيعون فيه بهجة وحبورا.

هؤلاء هم قرة العيون، ونور الأبصار، إن عاشوا بين الناس عاشوا بحب وتقدير، وإجلال واحترام، وإن ماتوا بقي ذكرهم الحسن، وثناؤهم العطر.

فاللهم يا أرحم الراحمين اجعلنا من عبادك الصالحين، اجعلنا من عبادك وأوليائك المحبوبين من خلقك، والمحبوبين منك يا رب العالمين.

أيها الإخوة المسلمون: إن مما جاءت به هذه الشريعة الكريمة من أجل إذكاء المحبة بين المسلمين، ونشر الألفة والتودد بينهم؛ إفشاء السلام، ونشره بين الأنام: “السلام عليكم ورحمة الله وبركاته”.

هذه التحية العظيمة، هذه التحية الكريمة، هذه التحية الحميدة التي لا تأخذ من قائلها إلا ثواني معدودة، هي تحية الرب -عز وجل- لأهل الجنة: (سَلَامٌ قَوْلًا مِن رَّبٍّ رَّحِيمٍ) [يــس: 58].

وهي تحية الملائكة، وتحية الأنبياء والرسل، وتحية الصالحين، وتحية أهل الجنة يوم القدوم على ربهم -عز وجل-: (تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ)[الأحزاب: 44].

هذه التحية تحية الإسلام، وشعار أهل الإيمان، هذه التحية الممتلئة بألفاظها وجملها المعدودة أمنا وسلاما، وطمأنينة ورحمة وبركه، هذه التحية المتضمنة طلب الحفظ من الله للمسلم عليه.خطبة محفلية عن السلام.

ولما في هذه التحية العظيمة من المعاني الكريمة، والغايات النبيلة؛ تكاثرت الأحاديث النبوية عن المصطفى -صلى الله عليه وسلم- في الترغيب في إفشاءها، والحث على نشرها، ولا غر في ذلك، لا غر ولا عجب أن تتكاثر الأحاديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في شأن هذه الشعيرة العظيمة شعيرة السلام.

روى البخاري في صحيحه عن عبد الله بن عمرو: أن رجلا سأل النبي -صلى الله عليه وسلم-: “أي الإسلام خير؟” أي صفات الإسلام خير، فأجابه النبي -صلى الله عليه وسلم- بقوله: “تطعم الطعام، وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف”.

الله أكبر، من خير صفات الإسلام، ومناقب الإسلام؛ السلام على من عرفت ومن لم تعرف، وروى الدارمي في السنن بسند صحيح عن عبد الله بن سلام -رضي الله عنه- قال: “لما قدم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المدينة استشرفه الناس، فقالوا: قدم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فخرجت فيمن خرج، فلما رأيت وجهه -صلى الله عليه وسلم- عرفت أن وجهه ليس بوجه كذاب، فكان أول ما سمعته صلى الله عليه وسلم يقول: “يا أيها الناس: أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلوا الأرحام، وصلوا والناس نيام؛ تدخلوا الجنة بسلام”.

هذه أول وصايا النبي -صلى الله عليه وسلم- بعد هجرته لأصحابه من الأنصار والمهاجرين في أول لقاء لهم يوم أن قدم المدينة: “يا أيها الناس: أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلوا الأرحام، وصلوا والناس نيام؛ تدخلوا الجنة بسلام”.

وروى الإمام أحمد بسند صحيح عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “والذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؛ أفشوا السلام بينكم”.

قال ابن العربي -رحمه الله- وهو يعدد الفوائد من هذا الحديث: “الفائدة الرابعة: فائدة شيوع المحبة بين الخلق، ائتلاف الكلمة، فتعم المصلحة، وتقع المعاونة، وتظهر شعائر الدين، وتخزي زمرة الكافرين، ومن أسباب الجنة: إفشاء السلام، وأن يعم به الخلق، ولا يخص به المعرفة؛ كما قال صلى الله عليه وسلم، أفشوا السلام، فإنها كلمة إذا صدرت أخلصت القلوب الواعية لها عن النفرة إلى الإقبال عليها، ويرزق القبول فيها” إلى أن قال رحمه الله: “وهي أول كلمة تفاوض فيها آدم مع الملائكة، فإنه لما خلقه الله، قال له: اذهب إلى أولئك النفر من الملائكة، فسلم عليهم فاستمع ما يوجبونك به، فإنها تحيتك وتحية ذريتك، فقال: “السلام عليكم”، فقالت الملائكة: “وعليك السلام ورحمة الله”.

وروى ابن ماجة بسند صحيح عن عائشة -رضي الله عنها- عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: أنه قال: “ما حسدتكم اليهود على شيء ما حسدوكم على السلام والتأمين”.

وفي باب: مشروعية السلام، وبيان فضله، وثمراته؛ أحاديث متعددة كثيرة، ليس المجال مجال حصرها، واستقرائها، وإنما الغرض الإشارة إلى شيء منها؛ لتعلم -أيها المسلم- أي أجر وفضل وثواب رتبه ربك –عز وجل- على إفشاء السلام على هذه العبادة اليسيرة في جهدها، أو في الوقت التي تبذل فيه؛ لكنها عظيمة في أجرها وثوابها؛ لتحرص عليها إن كنت ممن يحرص على الخير والفضل. خطبة محفلية عن السلام.

أيها الإخوة المسلمون: إذا اتضح من خلال ما سبق ما للسلام من فضل وأجر؛ فإن للسلام كذلك فوائد عديدة، وثمار يانعة، وآثار حميدة؛ تقدم بعضها في الأحاديث السابقة؛ فمن فوائد السلام وثمراته: أنه امتثال لسنة المصطفى -صلى الله عليه وسلم-. خطبة محفلية عن السلام .

وفي امتثال سنته صلى الله عليه وسلم تحصل الهداية والرحمة والبركة: (وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا)[النــور: 54].

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ)[محمد: 33].

ومن فوائد السلام: الخروج من داء البخل؛ فقد روى الطبراني في الأوسط عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “أعجز الناس من عجز في الدعاء وأبخل الناس من بخل في السلام”.

ومنها: أن السلام سبب من أسباب دخول الجنة؛ كما تقدم في الأحاديث السابقة.

ومنها: أن السلام والمصافحة سبب في تكفير السيئات، ومحو الخطيئات؛ فعن البراء بن عازب -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “ما من مسلمين يلتقيان فيتصافحان إلا غفر لهما قبل أن يفترقا”.

وعن حذيفة بن اليمان -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: “إن المؤمن إذا لقي المؤمن، فسلم عليه، وأخذ بيده فصافحه؛ تناثرت خطاياهم كما يتناثر ورق الشجر” [رواه الطبراني في الأوسط].

وعن سلمان الفارسي -رضي الله عنه-: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: “إن المسلم إذا لقي أخاه فأخذ بيده تحاتت عنهما ذنوبهما كما يتحات الورق عن الشجرة اليابسة في يوم ريح عاصف، وإلا غفر لهما ولو كانت ذنوبهما مثل زبد البحر” [رواه الطبراني].

ومن فوائد السلام: تحصيل الحسنات العديدة على عمل يسير لا يأخذ إلا ثواني معدودة؛ فعن عمران بن حصين -رضي الله عنه- قال: جاء رجل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: “السلام عليكم، فرد عليه صلى الله عليه وسلم ثم جلس”، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: “عشر” ثم جاء آخر، فقال: السلام عليكم ورحمة الله، فرد فجلس، فقال: “عشرون” ثم جاء آخر، فقال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فرد فجلس، فقال: “ثلاثون”.

ومنها: أن السلام سبب من أسباب تصفية ود أخيك المسلم، وفيه أداء لحقه؛ ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله عليه وسلم: “حق المسلم على المسلم ست” قيل: وما هن يا رسول الله؟ قال:”إذا لقيته فسلم عليه…” الحديث..

ومن ثمار السلام التي يجنيها المسلم: أوليته بالله -تعالى-؛ لما رواه أبو داوود والترمذي وحسنه؛ فعن أبي أمامة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “إن أولى الناس بالله من بدأهم بالسلام”.

ولفظ الترمذي: قيل: يا رسول الله: “الرجلان يلتقيان أيهما يبدأ بالسلام؟” قال: “أولهما بالله -تعالى-“.

ومن آثار السلام الجليلة: أنه سبب من أسباب حصول البركة وحدوث الخير؛ فعن أنس -رضي الله – قال: قال لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “يا بني إذا دخلت على أهلك فسلم يكن بركة عليك وعلى أهلك” [رواه الترمذي].

هذه بعض ثمار السلام وفوائده التي يجنيها المسلم في حياته: (وَمَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ)[الشورى: 36].

أيها الإخوة المسلمون: للسلام في شريعة ربنا آداب ينبغي أن يحرص المسلم على تطبيقها؛ فمنها: الحرص على أكمل الألفاظ وأتمها في السلام، وهو لفظ: “السلام عليكم ورحمة الله وبركاته”. خطبة محفلية عن السلام.

وأكمل الألفاظ في الرد: “وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته”.

ومن آداب السلام: ما جاء في حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “يسلم الراكب على الماشي، والماشي على القاعد، والقليل على الكثير”.

وفي حديث آخر: “يسلم الصغير على الكبير”.

ومن الآداب كذلك: السلام عند دخول المجلس إذا قام منه؛ لما روى الإمام أحمد عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: “إِذَا انْتَهَى أَحَدُكُمْ إِلَى الْمَجْلِسِ فَلْيُسَلِّمْ، فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَقُومَ فَلْيُسَلِّمْ؛ فَلَيْسَتْ الْأُولَى بِأَحَقَّ مِنْ الْآخِرَةِ”.

ومن الآداب: إذا أتى مجلسا وفيه أيقاظ ونيام أن لا يرفع صوته بالسلام، بل يسلم بين بين، فقد روى البخاري في الأدب، ومسلم في الصحيح: عن المقداد بن الأسود قال: “كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يجيء من الليل، فيسلم تسليماً لا يوقظ نائماً ويسمع اليقظان”.

ومن الآداب: أن لا يسلم على من كان يقضي حاجاته، ولا يرد إن سلم عليه؛ فقد روى الإمام مسلم في صحيحه: عن ابن عمر: “أن رجلا مر والرسول -صلى الله عليه وسلم-، وهو يبول، فسلم عليه، فلم يرد عليه صلى الله عليه وسلم”.

هذه بعض قضايا السلام وآدابه، وفضائله وثماره؛ ذكرتها؛ لتكون حفزا لنا على إظهار هذه السنة الكريمة من أجل تحقيق خيري الدنيا والآخرة.

نسأل الله -عز وجل- أن يجعلنا من أهل دار السلام الذين يقال لهم: “ادخلوا الجنة بسلام”.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (وَإِذَا حُيِّيْتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا) [النساء: 86].

بارك الله لي ولكن في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.

أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة؛ فاستغفروه وتوبوا إليه؛ إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله حمدا طيبا كثيرا كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين.

أما بعد:

فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار. خطبة محفلية عن السلام .

أيها الإخوة المسلمون: هذه هي تحية الإسلام وأهله التي رضيها الله لنفسه ولعباده المؤمنين، وأنعم بها من تحية، وأكرم بها من شعار بين المؤمنين.

فاحذر -أيها الأخ المسلم- احذر العدول عنها، وتبديلها بما هو أدنى منها من تحايا القوم، وعبراتهم، فمن الخير للمسلم أن يحرص على تحية الإسلام التي جاءت بها النصوص، والتي وعد الإسلام عليها بالأجر الجزيل، والثواب الوفير.

ثم بعد إلقاء تحية الإسلام أو ردها لا بأس حينئذ من بذكر بعض عبارات الترحيب الأخرى، لكن أن يكتفي بهذه العبارات، وتهجر تحية الإسلام، فهذا من حرمان الأجر والرغبة عن الفضل العظيم.

أيها الإخوة المسلمون: لقد كان السلف الصالح شديد الحرص على إفشاء السلام؛ روى أبو داود عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: “إذا لقي أحدكم أخاه فليسلم عليه فإن حالت بينهم شجرة أو جدار ثم لقيه فليسلم عليه أيضا”.

وروى الإمام مالك في الموطأ: أن الطفيل بن كعب أخبره: أنه كان يأتي عبد الله بن عمر فيغدو معه إلى السوق، قال: فإذا غدونا إلى السوق لم يمر عبد الله بن عمر على سقاط ولا صاحب بيعة، ولا مسكين، ولا أحد إلا سلم عليه، قال الطفيل فجئت عبد الله بن عمر يوما فاستتبعني إلى السوق، فقلت له: وما تصنع في السوق وأنت لا تقف على البيع، ولا تسأل عن السلع، ولا تسوم بها، ولا تجلس في مجالس السوق، قال: وأقول اجلس بنا هاهنا نتحدث، قال: فقال لي عبد الله بن عمر: “يا أبا بطن -وكان الطفيل ذا بطن- إنما نغدو من أجل السلام نسلم على من لقينا”.

وسأل رجل الإمام أحمد بن حنبل -رحمه الله- عن ابنة عم له تشتمه: أيسلم عليها؟ فقال الإمام أحمد -رحمه الله-: “إذا لقيتها سلم عليها، اقطع الْمُصَارَمَةَ”.

هكذا كان حرص السلف الصالح على السلام وإفشاءه؛ لما فيه من المنافع الجمة، ووالله إن مما يألم النفس، ويحزن القلب، ويضيق به الصدر، ما يلحظ على كثير من الناس في هذا الزمن من تجاهل لسنة السلام، وغيابه عن واقعهم، حتى فشا الهجران عند كثير من المسلمين، بل فشا الهجران بين القريب وقريبه، والجار وجاره، وفي أحيان بين الابن وأبيه، والأخ وأخيه -نسأل الله السلامة والمغفرة، ونعوذ بالله من العقوق، وقطيعة الأرحام-. خطبة محفلية عن السلام .

ويا ليت ذلك بسبب ديني، إذاً لكان حسنا بضوابطه الشرعية، وإنما بسبب كلمة قيلت، ونقلها النمامون، أو بسبب عرض من أعراض الدنيا الدنيئة، أو لحقد وحسد -نسأل الله السلامة والعافية-.

لهذه الأسباب الحقيرة يصرم كثير من الناس حبال القرابة مع أقربائه، ويقطع أسباب الصلة والمودة مع إخوانه وزملائه وجيرانه، وما ذاك –والله- إلا لضعف الإيمان، والخضوع لوساوس الشيطان، وغياب الرؤية السليمة للعلاقات الاجتماعية في الإسلام.

كيف يليق بمسلم رضي بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد -صلى الله عليه وسلم- رسولا ونبيا أن يلقي قريبه، فيصد عنه ويعرض عنه؟ كيف يليق بمسلم يرجو ما عند الله والدار الآخرة أن يهجر جاره وصديق؟ أما سمع هذا الغافل قوله صلى الله عليه وسلم محذرا من التهاجر بين الإخوان: “لا يحل لرجل أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال يلتقيان، فيعرض هذا ويعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام”.

وأخرج أبو داوود والنسائي عن أبي هريرة -رضي الله عنه- مرفوعا: “لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث، فمن هجر فوق ثلاث، فمات دخل النار”.

وفي رواية لأبي داوود: أنه صلى الله عليه وسلم قال: “لا يحل لمؤمن أن يهجر مؤمنا فوق ثلاث، فإن مرت به ثلاث فليقه فليسلم عليه، فإن رد عليه السلام فقد اشتركا في الأجر، وأن لم يرد فقد باء بالإثم، وخرج المسلم من الهجر”.

وروى الطبراني بسند صحيح عن فضالة بن عبادة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: “من هجر أخاه فوق ثلاث فهو النار، إلا أن يتداركه الله برحمته”.

أيها الإخوة المسلمون: والله لا أظن مسلما يحمل في قلبه إيمانا صادقا، وخوفا من الله؛ يسمع هذه الأحاديث ثم يصر في عماه واستكباره، ويزداد في هجرانه وطغيانه؛ لعمرو الله لئن حصل ذلك فإنما هو دليل الشقاء والخذلان.

إن من الناس من يترفع عن السلام على عباد الله تكبرا وغرورا إما لمنصب حصله، أو لمال جمعه، أو أشد من ذلك أن يتكبر عن السلام، وهو فقير صعلوك، وحسب أولئك المتكبرين حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثال ذرة من كبر”.

وقوله صلى الله عليه وسلم: “ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا يزكيهم، ولا ينظر إليهم، ولهم عذاب أليم: شيخ زان، وملك كذاب، وعائل مستكبر”.

وفي الحديث الآخر: “يحشر المتكبرون يوم القيامة كأمثال الذر يطؤهم الناس يوم القيامة”.

ويقرب من هذا الصنف قوم إذا سلم أحدهم سلم بأطراف أصابعه، دون اهتمام ومبالاة، يصحب ذلك عبوس وجه، وتقطب جبين، وكأنه يمن على الناس بسلامه وكلامه.خطبة محفلية عن السلام .

نسأل الله –عز وجل- أن يطهرنا جميعا من هذه الأخلاق الرديئة الدنسة النجسة، ونسأله سبحانه أن يزكينا بأخلاق الإسلام، وتعاليم الإسلام التي تكون ذكرا وثناءً حسنا لنا في الدنيا، وثواب وأجر يوم القدوم على الله –عز وجل-.

هذا وصلوا وسلموا على نبيكم محمد بن عبدالله، فقد أمركم ربكم بهذا في كتابه، فقال عز من قائل: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56].

وقال عليه الصلاة والسلام: “من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرة”.

اللهم صل وسلم وبارك…

لم تجد ما تبحث عنه؟ ابحث هنا

خطبة عن إفشاء السلام

خطبة عن إفشاء السلام
خطبة عن إفشاء السلام

 الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وتُنال القربات، وتُرفع الدرجات، والصلاة والسلام على أشرف الكائنات، سيدنا وحبيبنا ومولانا محمد، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.

أما بعد: 

معشر المومنين والمومنات: إن من أعظم نعم الله تعالى على المسلمين تلك الرابطة التي تجمعهم وهي رابطة الأخوة والمحبة في الله عز وجل،قال الله تعالى :(واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا)، وحتى تدوم هذه الأخوة ونحافظ علىيها شرع الله لنا تجاه إخواننا حقوقا نتحلى بها، روى الإمام مسلم في صحيحه عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : « حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ سِتٌّ ». قِيلَ : مَا هِىَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ : «إِذَا لَقِيتَهُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ وَإِذَا دَعَاكَ فَأَجِبْهُ وَإِذَا اسْتَنْصَحَكَ فَانْصَحْ لَهُ وَإِذَا عَطَسَ فَحَمِدَ اللَّهَ فَشَمِّتْهُ وَإِذَا مَرِضَ فَعُدْهُ وَإِذَا مَاتَ فَاتَّبِعْهُ » 

 ولنا إن شاء الله خطبا مع هذه الحقوق بشيء من التفصيل، واليوم نخصصه للحق الأول الذي هو إفشاء السلام.

عباد الله: السلام أمانٌ من المسلِّم، ودُعاء بالرحمة والسَّلامة لِمَن يُسلِّم عليه، ولذا كان إفشاؤه مشروعًا بين الكبير والصغير، والأمير والمأمور، طلبًا لإشاعة الأمان وتحقيق الاطمئنان بين المسلمين؛ روى الإمام مسلم في صحيحه عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: « وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَا تَدْخُلُوا الْجَنَّة حَتَّى تُؤْمِنُوا، وَلَا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا أَلَا أَدُلّكُمْ عَلَى شَيْء إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ: أَفْشُوا السَّلَام بَيْنكُمْ»

 وإفشاء السلام من أعظم الأعمال إلى الله عز وجل، ولذلك كان أول ما رسخه النبي صلى الله عليه وسلم بين الصحابة عند وصوله إلى المدينة المنورة روى ابن ماجة عن عبدالله بن سلام رضي الله عنه قال: لَمَّا قَدِمَ رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة انجَفَل الناسُ عنه، فلمَّا رأيتُ وجهَه علمتُ أنَّه ليس بوجْه كذَّاب، فكان أول شيء سمعته تكلم به أن قال: «أيها الناس أفشُوا السلام، وأطعِمُوا الطَّعام، وصِلُوا الأرحام، وصلُّوا بالليل والناس نِيام، تَدخُلوا الجنة بسلام»، وروى الشيخان عن عبد اللهِ بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما : أنَّ رَجُلاً سَألَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيُّ الإسلامِ خَيْرٌ ؟ قَالَ : «تُطْعِمُ الطَّعَامَ ، وَتَقْرَأُ السَّلاَمَ عَلَى مَنْ عَرَفْتَ وَمَنْ لَمْ تَعْرِفْ». 

 والسلامُ اسمٌ من أسماء الله الحسنى؟ يَذكُره المسلم مثنيًا به على ربِّه، وداعيًا لأخيه بالسلامة من الآفات والشُّرور في الدنيا والآخِرة،روى البزار والبيهقي عن ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إِنَّ السَّلامَ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ وَضَعَهُ فِي الأَرْضِ فَأَفْشُوهُ بَيْنَكُمْ ، فَإِنَّ الرَّجُلَ إِذَا سَلَّمَ عَلَى الْقَوْمِ فَرَدُّوا عَلَيْهِ كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ فَضْلُ دَرَجَةٍ لأَنَّهُ ذَكَرَهُمْ ، فَإِنْ لَمْ يَرُدُّوا عَلَيْهِ رَدَّ عَلَيْهِ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْهُمْ». خطبة محفلية عن السلام .

 ولو اتبعنا هَدْيَ النبي صلى الله عليه وسلم عند تحية إخواننا المسلمين لغنمنا من الثواب العظيم، روى أبو داود عن عمران بن حصينٍ، قال: جاء رجلٌ إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: السلام عليكم، فرد عليه السلام، ثم جلس، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (عشرٌ) ، ثم جاء آخرُ فقال: السلام عليكم ورحمة الله، فردَّ عليه، فجلس، فقال: (عشرون) ، ثم جاء آخرُ فقال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فرد عليه، فجلس، فقال: (ثلاثون) .

 والسلام تحيَّة المسلمين في الدنيا وفي الآخِرة؛ ففي الصحيحين: «لَمَّا خلق الله آدم قال له: اذهَبْ فسلِّم على أولئك النَّفَر من الملائكة، وانظُر ما يحيُّونك به، فإنها تحيَّتك وتحيَّة ذريَّتك، فذهب فقال: السلام عليكم، فقالوا: السلام عليك ورحمة الله»

قال الله عزوجل في ذكر تحية اهل الجنة (دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) وهو تحية الله لعباده قال الله عزو جل (سَلَامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ) 

أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين، والحمد لله رب العالمين. 
الخطبة الثانية: 

الحمد لله والصلاة والسلام على مولانا رسول الله، وعلى آله ومن والاه. 

أما بعد :

 عباد الله: إن للسلام آداباً منها: ما حدث به أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يسلم الراكب على الماشي، والماشي على القاعد، والقليل على الكثير، والصغير على الكبير)) فإذا وإذا تساوى المتلاقيان من كل جهة، فكل منهما مأمور بالابتداء، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام، روى البخاري من حديث جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الْمَاشِيَانِ إِذَا اجْتَمَعَا فَأَيُّهُمَا بَدَأَ بِالسَّلاَمِ فَهُوَ أَفْضَلُ)، وقد كان صلى الله عليه وسلم لتواضعه إذا مرّ بالصبيان يسلّم عليهم.

 ومن آداب السلام أن يكون بأحسن الألفاظ وأكملها: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، ويكون الجواب كذلك بمثله أو بأحسن منه قال الله تعالى: (وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها)، أما التحية بصباح الخير ومساء الخير، فهذا لا بأس به إذا كان بعد السلام الشرعي. خطبة محفلية عن السلام .

 فاتقو الله عباد الله وأفشُوا السلامَ بينكم في هذه الدار، تُحيَّوا به في الجنَّة دار القرار مع الأبرار
الختم بالدعاء …

خطبة عن السلام في الإسلام

الخطبة الأولى

أما بعد:

إخوة الإسلام: إن شعار الإسلام هو السلام بمفهومه الشامل المتكامل فليس السلام في الإسلام خاص بالمفهوم القاصر لدى البعض منا حيث يعتقد أن السلام إنما يكون بين المسلمين وغيرهم من أعدائهم فتلك نهاية المرحلة لا بدايتها وما السلام الدولي إلا الحلقة الأخيرة التي تسبقها حلقات….

واليوم نقف مع شمولية السلام في الإسلام ليعي العالم كله أن الإسلام هو الدين الوحيد على وجه الأرض الذي جعل السلام شعاره ودثاره، فالإسلام لا يجتزئ نوعًا من السلام ويترك أنواعًا أخرى، بل لا بد من سلام يعم مناحي الحياة الروحية والأسرية والاجتماعية والأخلاقية والسياسية، بل يعدوا ذلك كله إلى السلام التام الشامل مع الكائنات المحيطة به من حيوانات وأطيار وأشجار وسهول وجبال وبحار وأنهار إنها النظر الشاملة المتكاملة فأعيروني القلوب والأسماع …

أولًا: الإسلام دين السلام:

معاشر الموحدين: الإسلام شريعة السلام، واسم الإسلام نفسه مشتق من صميم السلام. والمؤمنون بهذا الدين لم يجدوا لأنفسهم اسمًا أفضل من أن يكونوا المسلمين: ﴿ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ المُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ ﴾ [الحج: 78].

وتحية أهل الإسلام فيما بينهم: السلام، وختام الصلاة عندهم: سلام على اليمين وسلام على اليسار، كأنهم يبدؤون أهل الدنيا من كل نواحيها بالسلام بعد أن فارقوها بخواطرهم لحظات، انصرفوا فيها لمناجاة الملك العلام، وقد نزل القرآن في ليلة كلها سلام تحفُّ به ملائكة السلام: ﴿ تَنَزَّلُ المَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ * سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الفَجْرِ ﴾ [القدر: 4 ، 5].

وأفضل ما يلقى الله به عباده تحية السلام: ﴿ تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْرًا كَرِيمًا ﴾ [الأحزاب: 44].

وخيرُ ما يستقبل الملائكةُ به الصَّالحين من عباد الله في الجنَّة السلام: ﴿ وَالمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ ﴾ [الرعد: 24].

والجنة نفسها اسمها دار السلام: ﴿ لَهُمْ دَارُ السَّلَامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [الأنعام: 127].

﴿ وَاللهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [يونس: 25].

والله تبارك وتعالى اسمه السلام: ﴿ هُوَ اللهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ المَلِكُ القُدُّوسُ السَّلَامُ ﴾ [الحشر: 23].

ثانيًا: السلام مع السلام جل جلاله:

اعلموا بارك الله فيكم: أن أول مجال من مجالات السلام أول حلقة من حلقاته أن تحققوا السلام مع السلام جل جلاله – ويكون ذلك بامتثال أمره والانتهاء عن نهيه ….

قال الله تعالى مبينا ذلك في كتابه العزيز: ﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ ﴾ [الأنعام: 82].

وقال الله تعالى: ﴿ فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ ﴾ [قريش: 3 ، 4].

وقال سبحانه: ﴿ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ ﴾ [النحل: 112].

قوله: ﴿ كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً ﴾ أي: كانت تعيش في أمان لا يشوبه خوف، وفى سكون واطمئنان لا يخالطهما فزع أو انزعاج.

واعلموا معاشر الأحباب: أن المعصية والمروق عن أوامر الله تعالى سبب من أسباب الحرب الربانية التي تزلزل وتدمر ويعيش المرء فيها في حرب نفسية روحية يصارع في الضنك والشقاء والعناء قال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 278، 279].

يقول الشيخ الشعراوي: أما حرب الله فلا نقول فيها إلا قول الله: ﴿ وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ ﴾ [المدثر: 31]، ولا يستطيع أحد أن يحتاط لها. وأما حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم فهذه هي الأمر الظاهر. كأن الله سبحانه وتعالى يجرد على المرابين تجريدة هائلة من جنوده التي لا يعلمها إلا هو، وحرب رسول الله جنودها هم المؤمنون برسوله، وعليهم أن يكونوا حربًا على كل ظاهرة من ظواهر الفساد في الكون؛ ليطهروا حياتهم من دنس الربا.

والذين يحابون أولياء الله تعالى ويظلمونهم قد خرجوا من السلام الإلهي وأعلنوا الحرب على أنفسهم عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: “إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ بَارَزَنِى بِالْحَرْب”.

الذين يحاربون شرع الله ويدعون إلى الفساد في الأرض يقتلون الأبرياء ويظلمون الدعاة والضعفاء ليس لهم سلم ولا سلام مع السلام جل جلاله قال الله تعالى: ﴿ إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ [المائدة: 33].

ثالثًا: السلام مع النفس:

معاشر الموحدين: والسلام النفسي لا يتحقق إلا بالتخلية عما يكدر حياة الإنسان، ويجعله في حرب داخلية لابد أن تتخلى عن الحسد والحقد والعداوة والبغضاء وإلا ستعيش في هم وكرب ومنازعات داخلية تؤدي بك إلى الأمراض النفسية….

وعلموا عباد الله: أنه لا يتحقق السلام الخارجي والعالمي إلا بالسلام الداخلي يجد المسلم فيه السكينة والاطمئنان وراحة البال.

أخي المسلم: اجعل همك همًّا واحدًا تعش في أمن وسلام أنس بن مالك – رضي الله عنه – قال: قال رسولُ الله – صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ كانَتِ الآخرةُ هَمَّهُ، جعل الله غِناه في قلبه، وجمع عليه شَمْلَهُ، وأتَتْهُ الدنيا وهي راغِمَة، وَمَنْ كانت الدنيا هَمَّه، جعل الله فَقْرَه بين عينيه، وفَرَّق عليه شَمْلَهُ، ولم يأتهِ من الدنيا إلا ما قُدِّر له».

فأي عناء وأي شقاء يعيشه الإنسان الذي فرق هموم الدنيا قلبه وجعلته مشتتًا فلا يفيق إلا في معسكر الأموات ولله در الشافعي حين قال:

لمّا عفوت ولم أحقد على أحدٍ

أرحت نفسي من هم العداواتٍ

إني أحيي عدوي عند رؤيتهٍ

لأدفع الشر عني بالتحيات

وأظهر البشر للإنسان أبغضه

كما إن قد حشى قلبي محبات

الناس داء ودواء الناس قربهم

وفي اعتزالهم قطع المودات

من يمتلك السلام الداخلي كأنه يمتلك الدنيا بحذافيرها، ولم لا! وقد تصارع الملوك عليه وعلى راحة البال ولم يجدوهما، بل أن أغنى أهل الأرض يتمنى أن يعيش مرتاح البال حتى ولو أنفق ملكه كله، السلام الداخلي ليس لأي أحد من البشر أن يحصل عليه، فهو مثله مثل الشهادة لا تكون إلا لسليم الصدر. ولا يتحقق السلام العالمي إلا من خلال السلام الداخلي، بل أن السلام الداخلي مطلب شرعي أمر به الله ورسوله قال تعالى: ﴿ يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾ [الشعراء:88-89].

فالإيمان بالله تعالى المصدر الرئيس لتلك السعادة المنشودة و قد قرر الله تعالى تلك الحقيقة في غير ما آية من كتابه الكريم يقول الله تعالى ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [النحل: 97].

واعلموا عباد الله: أن الغيرة والحقد وسوء الظن وعدم الرضى وجلد الذات من الآفات النفسية التي تحجب نور السلام وتمنع دفء السكينة، أن النفس التي تتمزق حسرات على الأمس نفس سلبية وهناك فئة من الناس تتفنن في تجديد الأحزان وتحرم نفسها من الحياة الآمنة المستقر.

(إن الاحتراق النفسي من أبرز أسباب غياب السلام في النفوس وتحرم العقل من صقل قدراتها والتبصر بمسالكها. من أسوأ ما يقع للإنسان أنه بسوء ظنه يرسم أوهاما وينسج مخاوف لا أساس لها ومع مرور الوقت يبتعد عن العلاقات الدافئة مع الآخرين ويحرم نفسه من التواصل الصحي مع الآخرين وهذه الآفات النفسية ناتجة كثير منها من عيوب في نمط التفكير.

وتأملوا عباد الله كيف عاش الأتقياء الأنقياء كيف عاشوا في سكينة وسلام قالَ إبراهيمُ بن أدهم: نحن في عيْشٍ لوْ علم بهِ الملوكُ لجالدونا عليهِ بالسيوفِ.

وقال ابنُ تيمية: إنه ليمرُّ بالقلبِ حالٌ، أقولُ: إن كان أهلُ الجنةِ في مثلِ حالِنا إنهم في عيشٍ طيبٍ.

قال أيضًا: إنه ليمرُّ بالقلبِ حالاتٌ يرقصُ طربًا، من الفرحِ بذكرهِ سبحانه وتعالى والأنس به.

رابعا: السلام مع المؤمنين:

واعلموا عباد الله: أن من مجالات السلام في الإسلام السلام مع إخوانك المسلمين الموحدين ويكون ذلك بالمسالمة وبكف الأذى فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: “الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ وَالْمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ”.

وعن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قال: “إِنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيُّ الْمُسْلِمِينَ خَيْرٌ؟ قَالَ: مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ”.

عن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: “تَدْرُونَ مَنْ الْمُسْلِمُ؟”، قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: “مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ”، قَالَ : “تَدْرُونَ مَنْ الْمُؤْمِنُ ؟”، قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: “مَنْ أَمِنَهُ الْمُؤْمِنُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ، وَالْمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ السُّوءَ فَاجْتَنَبَهُ”.

الذي يؤذي جاره و يقف في طريقه لم يحقق السلام مع جاره وعن أبي هريرة – رضي الله عنه -: أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: “واللهِ لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن!”، قيل: من يا رسول الله؟ قال: “الذي لا يأمن جاره بوائقه!”.

الخطبة الثانية:

أمَّا بعدُ:

معاشر الأحباب….

خامسا: السلام مع غير المسلمين:

السلام أساس علاقة المسلمين بغيرهم: إن الشريعة الإسلامية كما اهتمت بالحرب ونظمت قواعدها فإنها لم تهمل السلم ولم تتركه دون تنظيم، فنصت مصادر الشريعة (القرآن والسنة) على مبدأ التسوية السلمية للمنازعات يقول تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَآفَّةً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ ﴾ [البقرة: 208].

وفي الحديث: “دعوا الحبشة ما دعوكم، واتركوا الترك ما تركوكم”.

كما جعل الله تعالى أصل العلاقة بين المسلمين وغيرهم السلام، ونهى المسلمين عن حرب غيرهم إلا أن يعتدوا، فوضع قاعدة ذهبية في التعامل مع الغير بقوله تعالى: ﴿ لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾ [الممتحنة: 8، 9].

لقد شرع الله السلام لأجل الحفاظ على المجتمع المسلم من اعتداء الظالمين على الضعفاء، ولهذا جاء الإسلام وسطا، فلم يجعل الحرب أصلا، ولكنه لم يكن يوما ما دين ذل وهوان، بل دين قوة وعزة، ﴿ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ ﴾ [الحديد: 25].

عقد رسول الله صلى الله عليه وسلم-المعاهدات بينه وبين كل الطوائف غير المسلمة في عصره، فكان وفيًّا بكل ما عاهدهم عليه امتثالًا لقوله تعالى: ﴿ وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلاَ تَنْقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا ﴾ [النحل: 91]. ويُعَلِّق ابن كثير على هذه الآية قائلًا: “وهذا مما يأمر الله تعالى به، وهو الوفاء بالعهود والمواثيق، والمحافظة على الأيمان المؤكَّدة”.

لقد حاول رسول الله صلى الله عليه وسلم – أن يعيش هو والمسلمون في جوٍّ هادئ مسالم مع من يجاورونهم من القبائل والبطون، ولم يَسْعَ لقتال قط، بل كان دائمًا مؤْثِرًا السلم على الحرب، والوفاق على الشقاق.

سادسًا: السلام مع الكون:

واعلموا إخوة الإسلام: لقد تخطى الإسلام بقضية السلام العالم الأنسي إلى سائر المخلوقات فقد آيات القرآن الكريم حثت المسلم على الحفاظ على البيئة وحمايتها وهو واجب ديني أمرنا الله سبحانه وتعالى أن نحافظ على الأرض وما بها من خيرات قال تعالى: ﴿ كُلُوا وَاشْرَبُوا مِن رِّزْقِ اللَّهِ وَلاَ تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ ﴾ [البقرة: من آية 60].

كما أمرنا سبحانه وتعالي أن نتعامل مع البيئة من منطلق أنها ملكية عامة يجب المحافظة عليها من ثروات وموارد ومكونات ويدعونا إلى إدارتها إدارة رشيدة قال تعالى: ﴿ وَلاَ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ المُحْسِنِينَ ﴾ [الأعراف: 56]. وقال تعالى: ﴿ وَمَن يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ العِقَابِ ﴾ [البقرة: من آية 211].

ولقد حرص ديننا الحنيف على تجنب الضوضاء والتزام الهدوء قال تعالى: ﴿ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الحَمِيرِ ﴾ [لقمان: من آية 19] إذا أن أفظع وأبشع الأصوات صوت الحمير، فلو كان في رفع الصوت فائدة ومصلحة، لما اختص بذلك الحمار الذي قد علمت خسته وبلادته.

وها هو رسول رب السلام يحمل لواء السلام فينهى امته عن الضرر والإضرار بأي شيء كان فعن ِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” ‌لَا ‌ضَرَرَ ‌وَلَا ‌ضِرَارَ”.

فالضرر نفسه منتف في الشر ع وإدخال الضرر بغير حق كذلك منتف.

كما أن رسولنا الكريم صلي الله عليه وسلم طالبنا بإماطة الأذى عن الطريق، والأذى يشمل بالضرورة كل أنواع الأذى، وجعل إماطة الأذى من الإيمان عن أبي هُرَيرَةَ، عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: “‌الإيمان ‌بضعٌ ‌وستون ‌شعْبةً، أو بِضْعٌ وسَبْعون شُعبةً أَعْظَمُها شهادَةُ أن لا إله إلا الله، وأدناها إماطةُ الأذَى عن الطريقِ، وَالحَياء شعبةٌ من الإيمان”.

وتأملوا عباد الله: إلى قمة الرحمة و السلام في حياة سيد الأصفياء صلى الله عليه وسلم عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَزَلْنَا مَنْزِلًا فِيهِ قَرْيَةَ نَمْلٍ قَدْ أَحْرَقْنَاهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يُعَذِّبُ بِهَا أَحَدٌ إِلَّا اللَّهُ تَعَالَى وَعَزَّ، فَإِنَّهُ لَا يُعَذِّبُ بِالنَّارِ إِلَّا خَالِقُهَا»، وَقَالَ: وَمَرَرْنَا بِشَجَرٍ فِيهَا فَرِيخَا حُمَّرَةَ، فَأَخَذْنَاهَا، فَجَاءَتْ حُمَّرَةُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهِيَ تُعَرِّشُ فَقَالَ: «‌مَنْ ‌فَجَعَ هَذِهِ بِفَرْخِهَا؟»، قَالَ: «فَرُدُّوهَا إِلَى مَوْضِعَهَا» فَرَدَدْنَاهَا ، فإذا أردتم عباد الله أن تعيشوا في امن وأمان وسلم وسلام فاحرصوا السلام مع السلام جل جلاله ثم السلام النفسي الروحي الذي يثمر بعد ذلك السلام مع سائر المخلوقات والكائنات…..

قد يهمك:

خطبة عن التعايش بسلام

خطبة عن التعايش بسلام
خطبة عن التعايش بسلام

الخطبة الأولى:

الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي تَفَضَّلَ وَأَنْعَمَ، وَشَرَّفَ بَنِي آدَمَ وَكَرَّمَ، وَوَهَبَ لَهُمُ العَقْلَ لِيَعْقِلُوا عَنْهُ مَا أَبَاحَ وَحَرَّمَ، أَحْمَدُهُ حَمْدًا يَلِيقُ بِجَلَالِهِ الأَعْظَمِ، وأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، الَّذِي خَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَأَتْقَنَهُ وَأَحْكَمَ، وأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، المَبْعُوثُ إِلَى النَّاسِ كَافَّةً بِالدِّينِ الأَقْوَمِ وَالمَنْهَجِ الأَسْلَمِ، اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ بِعَدَدِ ذَوِي العِلْمِ وَالهِمَمِ.

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ -عِبَادَ اللهِ- فَإِنَّ تَقْوَى اللهِ خَيْرُ مَا تَدَّخِرُونَهُ لِيَوْمِ المَعَادِ؛ قَالَ تَعَالَى:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران: 102].

عِبَادَ اللهِ: إِنَّ التَّعَايُشَ فِي المُجْتَمَعِ المُسْلِمِ مَعَ الآخَرِينَ -مُسْلِمِينَ كَانُوا أَوْ غَيْرَ مُسْلِمِينَ- ضَرُورَةٌ إِنْسَانِيَّةٌ، وَحَاجَةٌ أَخْلَاقِيَّةٌ، وَالْمُتَتَبِّعُ لِنُصُوصِ الشَرْعِ يَجِدُ أَنَّ الشَّرِيعَةَ حَثَّتْ عَلَى التَّعَايُشِ مَعَ الآخَرِينَ، وَلَوْ كَانُوا مُخْتَلِفِينَ مَعَنَا فِي الدِّينِ؛ إِذْ لَا قِوَامَ لِلْحَيَاةِ إِلَّا بِذَلِكَ، وَلَا نُهُوضَ لِلْمُجْتَمَعِ إِلَّا بِهِ، قَالَ تَعَالَى: (لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ)[الممتحنة: 8].

وَلَقَدْ جَبَلَ اللهُ النَّفْسَ البَشَرِيَّةَ عَلَى حُبِّهَا الرُّكُونَ إِلَى حَيَاةِ الأَمْنِ وَالأَمَانِ وَالرَّاحَةِ وَالسَّلَامِ؛ لِيَهْنَأَ النَّاسُ فَيَعِيشُوا بِغَيْرِ مُنَغِّصَاتٍ، وَيَسْعَدُوا بَعِيدًا عَنِ المُكَدِّرَاتِ، وَإِنَّ المُتَتَـبِّعَ لِسِيرَةِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مُنْذُ مَقْدَمِهِ إِلَى المَدِينَةِ النَّبَوِيَّةِ يَجِدُهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَدْ عَزَّزَ هَذَا المَعْنَى جَيِّدًا وَأَكَّدَ عَلَيْهِ أَيَّمَا تَأْكِيدٍ، فَكُلُّنَا يَعْلَمُ أَنَّ النَّبِيَّ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِاللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عِنْدَ مَقْدَمِهِ إِلَى المَدِينَةِ كَانَتِ المَدِينَةُ خَلِيطًا مِنْ قَبَائِلَ مُتَنَافِرَةٍ، وَمَزِيجًا مِنَ المُسْلِمِينَ وَالْمُشْرِكِينَ وَاليَهُودِ، فَهُنَاكَ الأَوْسُ وَالْخَزْرَجُ وَقَبَائِلُ اليَهُودِ الثَّلَاثَةُ: بَنُو قَيْنُقَاعَ، وَبَنُو النَّضِيرِ، وَبَنُو قُرَيْظَةَ، ثُمَّ وَفَدَ عَلَيْهِمُ الْمُهَاجِرُونَ، وَمَعَ ذَلِكَ التَّنَوُّعِ وَالاخْتِلَافِ اسْتَطَاعَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تَأْسِيسَ مُجْتَمَعٍ قَائِمٍ عَلَى التَّعَايُشِ السِّلْمِيِّ بَيْنَ أَفْرَادِهِ.

وَكَانَ مِنْ ضِمْنِ ذَلِكَ: مَا كُتِبَ فِي وَثِيقَةِ المَدِينَةِ الَّتِي كَتَبَهَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَعَ اليَهُودِ لِيَتِمَّ التَّعَايُشُ بَيْنَ المُسْلِمِينَ وَغَيْرِهِمْ مِنَ اليَهُودِ حَتَّى يَسُودَ الأَمْنُ وَالسَّلَامُ النَّاسَ جَمِيعًا.

وَكَانَ مِنْ ضِمْنِ مَا كُتِبَ فِي هَذِهِ الوَثِيقَةِ -كَمَا وَرَدَتْ فِي كُتُبِ المَغَازِي وَالسِّيَرِ-: “أَنَّ لِلْيَهُودِ دِينَهُمْ وَلِلْمُسْلِمِينَ دِينَهُمْ، إِلَّا مَنْ ظَلَمَ وَأَثِمَ فَإِنَّهُ لَا يُهْلِكُ إِلَّا نَفْسَهُ، وَأَنَّ عَلَى اليَهُودِ نَفَقَتَهُمْ وَعَلَى المُسْلِمِينَ نَفَقَتَهُمْ، وَأَنَّ بَيْنَهُمُ النَّصْرَ عَلَى مَنْ حَارَبَ أَهْلَ هَذِهِ الصَّحِيفَةِ، وَأَنَّ بَيْنَهُمُ النُّصْحَ وَالنَّصِيحَةَ وَالبِرَّ دُونَ الإِثْمِ وَأَنَّ النَّصْرَ لِلْمَظْلُومِ”.

عِبَادَ اللهِ: لَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ اللهِ -تَعَالَى- فِي وُقُوعِ الِاخْتِلَافِ بَيْنَ النَّاسِ، وَهَذَا الِاخْتِلَافُ قَدْ ذَكَرَهُ اللهُ فِي كِتَابِهِ كَمَا فِي قَوْلِهِ -تَعَالَى-: (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ)[هود: 118-119].

فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ وَجَبَ عَلَيْنَا أَنْ نَتَعَامَلَ مَعَ مَنِ اخْتَلَفْنَا مَعَهُ وَفْقَ مَا أَمْلَاهُ عَلَيْنَا شَرْعُنَا مِنْ خِلَالِ النُّصُوصِ القُرْآنِيَّةِ وَالأَحَادِيثِ النَّبَوِيَّةِ وَالسِّيرَةِ المَرْضِيَّةِ.

فَالاخْتِلَافُ -وَإِنْ كَانَ وَاقِعًا- إِلَّا أَنَّنَا مَأْمُورُونَ بِإِزَالَةِ أَسْبَابِهِ وَالسَّعْيِ إِلَى رَفْعِهِ وَدَفْعِهِ.

ثُمَّ يَجِبُ أَنْ نَعْلَمَ أَنَّ هَذَا الاخْتِلَافَ تَضْبِطُهُ قَوَاعِدُ شَرْعِيَّةٌ وَضَوَابِطُ مَرْعِيَّةٌ، وَبِغَيْرِهَا يَسُودُ الظُّلْمُ وَيَحْصُلُ البَغْيُ وَيَتَمَادَى النَّاسُ فِي الخَطَأِ، وَيَسْتَمْرِئُونَ البَاطِلَ، فَيَنْقَلِبُ العَدْلُ ظُلْمًا وَالْحَقُّ بَاطِلًا، وَهَذِهِ الضَّوَابِطُ عِنْدَ امْتِثَالِهَا وَتَطْبِيقِهَا كَفِيلَةٌ بِأَنْ يَسُودَ السِّلْمُ وَيَحْصُلَ الأَمْنُ، وَمِنْ هَذِهِ الضَّوَابِطِ: العَدْلُ وَالإِنْصَافُ وَإِعْطَاءُ الآخَرِينَ مَا لَهُمْ مِنَ الحُقُوقِ، قَالَ تَعَالَى: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى)[النحل:90]، وَقَالَ تَعَالَى: (وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ)[النساء:58]، فَالعَدْلُ وَاجِبٌ عَلَى الجَمِيعِ أَصْدِقَاءَ كَانُوا أَمْ أَعْدَاءً، قَرِيبِينَ كَانُوا أَمْ بَعِيدِينَ، قَالَ تَعَالَى: (وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى)[المائدة:8]، وَهَذِهِ الآيَةُ جَاءَ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي يَهُودِ خَيْـبَـرَ الَّذِينَ أَرَادُوا قَتْلَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَهَذَا الأَصْلُ العَظِيمُ مِنْ أُصُولِ الإِسْلَامِ يَجِبُ إِعْمَالُهُ فِي المُجْتَمَعِ المُسْلِمِ؛ لِيَبْقَى مُتَمَاسِكًا بَعِيدًا عَنِ الخَلَافَاتِ وَالنِّزَاعَاتِ، سَالِمًا مِنَ المُنَغِّصَاتِ وَالمُكَدِّرَاتِ.

وَمِنَ الأُصُولِ العَظِيمَةِ المُحَقِّقَةِ لِلتَّعَايُشِ السِّلْمِيِّ: أَهَمِّيَّةُ تَعْزِيزِ حُسْنِ الجِوَارِ؛ فَالإِحْسَانُ إِلَى الجَارِ أَمْرٌ مُهِمٌّ لِبَقَاءِ المُجْتَمَعِ مُتَمَاسِكًا، قَالَ تَعَالَى: (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ)[النساء:36].

وَحُسْنُ الجِوَارِ لَمَّا أَحْسَنَ المُسْلِمُونَ إِعْمَالَهُ وَرَأَى غَيْرُ المُسْلِمِينَ مِنَ المُسْلِمِينَ تَفْقُّدَهُمْ لِجِيرَانِهِمْ وَإِحْسَانَهُمْ إِلَيْهِمْ وَكَفَّ الأَذَى عَنْهُمْ؛ كَانَ ذَلِكَ سَبَبًا لِإِسْلَامِهِمْ وَدُخُولِهِمْ فِي دِينِ اللهِ -تَعَالَى- أَفْرَادًا وَجَمَاعَاتٍ.

وَلَنَا فِي رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أُسْوَةٌ وَقُدْوَةٌ، فَعَنْ أَنَسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: “كَانَ غُلَامٌ يَهُودِيٌّ يَخْدُمُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ، فَمَرِضَ فَأَتَاهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَعُودُهُ فَقَعَدَ عِنْدَ رَأْسِهِ فَقَالَ لَهُ: أَسْلِمْ، فَنَظَرَ إِلَى أَبِيهِ وَهُوَ عِنْدَهُ فَقَالَ لَهُ: أَطِعْ أَبَا الْقَاسِمِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ، فَأَسْلَمَ، فَخَرَجَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ يَقُولُ: “الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْقَذَهُ مِنَ النَّارِ” (رَوَاهُ البُخَارِيُّ)، فَفِي هَذَا الحَدِيثِ بَيَانٌ وَاضِحٌ لِرَحْمَةِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: بَأَنْ دَعَا هَذَا الغُلَامَ إِلَى الإِسْلَامِ وَأَنْقَذَهُ مِنَ النَّارِ، وَهَكَذَا فَلْيَكُنِ التَّعَايُشُ السِّلْمِيُّ.

أَيُّهَا المُؤْمِنُونَ: وَمِنَ القَوَاعِدِ العَظِيمَةِ المُحَقِّقَةِ لِلتَّعَايُشِ السِّلْمِيِّ: الإِصْلَاحُ بَيْنَ النَّاسِ، فَقَدْ رَغَّبَتِ الشَّرِيعَةُ فِي الصُّلْحِ وَحَذَّرَتْ مِنَ التَّنَازُعِ؛ لِأَنَّ المُتَضَرِّرَ هُمْ أَفْرَادُ المُجْتَمِعِ لَا يُسْتَثْنَى مِنْهُمْ أَحَدٌ، قَالَ تَعَالَى: (لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ)[النساء: 114]؛ لِأَنَّ عَدَمَ الإِصْلَاحِ سَبَبٌ لِلتَّنَافُرِ وَالتَّنَازُعِ وَالفُرْقَةِ وَالاخْتِلَافِ. خطبة محفلية عن السلام .

أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ، فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.

الخطبة الثانية:

الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي يُحِبُّ الطَّائِعِينَ، وَيُكَافِئُ المُخْلِصِينَ، وَيُضَاعِفُ بِرَّهُ لِلمُحْسِنِينَ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، ذُو الْقُوَّةِ المَتِينُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، المَبْعُوثُ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ، اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَيْهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ، وَمَنْ تَمَسَّكَ بِالدِّينِ وَاهْتَدَى بِهَدْيِهِ المُبِينِ.

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقُاتِهِ، وَعَظِّمُوا بِذَلِكَ حُرُمَاتِهِ، وَوَقِّرُوا مَنْ أَمَرَ اللهُ بِتَوْقِيرِهِ فِي كِتَابِهِ وَآيَاتِهِ.

عِبَادَ اللهِ: إِنَّ التَّعَايُشَ السِّلْمِيَّ بَيْنَ أَفْرَادِ المُجْتَمِعِ الوَاحِدِ ضَرُورَةٌ حَتْمِيَّةٌ لِأَيِّ مُجْتَمَعٍ يُرِيدُ الاسْتِقْرَارَ، وَلِأَيِّ بَلَدٍ يَطْمَحُ فِي دَيْمُومَةِ الأَمْنِ وَالأَمَانِ.

وَضَرُورَةُ التَّعَايُشِ السِّلْمِيِّ يَجِبُ أَنْ يَحْمِلَ هَمَّهَا جَمِيعُ مَنْ يَعِيشُ عَلَى هَذِهِ الأَرْضِ، قَالَ تَعَالَى: (وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا)[الأنفال: 61]، فَعَلَيْهِمْ جَمِيعًا تَحَمُّلُ مَسْؤُولِيَّاتِهِمْ تُجَاهَ ذَلِكَ: الدُّعَاةُ وَالخُطَبَاءُ، المُعَلِّمُونَ وَالمُرَبُّونَ، المُوَاطِنُونَ وَالمَسْؤُولُونَ، الإِعْلَامِيُّونَ وَالسِّيَاسِيُّونَ، فَجَمِيعُنَا مُطَالَبُونَ بِأَنْ نَكُونَ عَلَى قَدْرِ المَسْؤُولِيَّةِ، فَنُرَاقِبَ كَلِمَاتِنَا وَمَقَالَاتِنَا، وَعِبَارَاتِنَا وَكِتَابَاتِنَا، فَالتَّسَاهُلُ فِي ذَلِكَ مُؤْذِنٌ بِحُصُولِ المَفَاسِدِ، فَكَمْ مِنْ كَلِمَةٍ جَرَّتَ إِلَى فَوْضَى!!، وَكَمْ مِنْ تَغْرِيدَةٍ شَحَنَتِ القُلُوبَ وَأَوْغَرَتِ الصُّدُورَ!!.

عِبَادَ اللهِ: إِنَّ التَّعَايُشَ السِّلْمِيَّ لَا يَعْنِي التَّسْوِيَةَ بَيْنَ الحَقِّ وَالبَاطِلِ، وَالهُدَى وَالضَّلَالِ، وَالمَعْرُوفِ وَالمُنْكَرِ، كَلَّا بَلْ إِنَّ مِمَّا يُعَزِّزُ التَّعَايُشَ السِّلْمِيَّ فِي أَيِّ مُجْتَمَعٍ: القِيَامَ بِوَاجِبِ الأَمْرِ بِالمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ المُنْكَرِ، وَالنَّصِيحَةِ بِالكَلِمَةِ الطَّيِّبَةِ وَالأُسْلُوبِ الحَسَنِ، قَالَ تَعَالَى: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ)[النحل: 125].

وَالتَّعَايُشُ السِّلْمِيُّ لَا يُبِيحُ أَنْ يَتَنَازَلَ الإِنْسَانُ عَنْ أَصْلٍ عَظِيمٍ مِنْ أُصُولِ الإِسْلَامِ؛ وَهُوَ الوَلَاءُ وَالبَـرَاءُ، وَالمُرَادُ بِهِ مُوَالَاةُ أَهْلِ الإِسْلَامِ وَالإِيمَانِ، وَالبَرَاءَةُ مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ وَالْكُفْرَانِ، قَالَ تَعَالَى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ)[المائدة: 51].

وَالتَّعَايُشُ السِّلْمِيُّ لَا يَكُونُ أَيْضًا بِالتَّنَازُلِ عَنِ الثَّوَابِتِ، وَالسَّمَاحِ بِالتَّطَاوُلِ عَلَى المُسَلَّمَاتِ، وَالاسْتِهْزَاءِ بِالشَّرِيعَةِ، وَالسُّكُوتِ عَنِ البَاطِلِ، بَلِ الوَاجِبُ الأَخْذُ عَلَى يَدِ المُتَطَاوِلِ؛ إِذِ الكُلُّ فِي سَفِينَةٍ وَاحِدَةٍ إِذَا خُرِقَتْ غَرِقَ جَمِيعُ أَهْلِهَا لَا يُسْتَثْنَى مِنْهُمْ أَحَدٌ.

اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنِ الأَرْبَعَةِ الخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ، وَالأَئِمَّةِ الحُنَفَاءِ المَهْدِيِّينَ: أَبِي بَكْرٍ وعُمَرَ وعُثْمَانَ وعَلِيٍّ، وعَنْ سائِرِ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِينَ، اللَّهُمَّ أَتْمِمْ لِهَذَا البَلَدِ الأَمْنَ وَالأَمَانَ، وَاحْفَظْهُ مِنْ كُلِّ شَرٍّ وَخِذْلَانٍ وَسَائِرَ بِلَادِ المُسْلِمِينَ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَنَا مَا قَدَّمْنَا وَمَا أَخَّرْنَا، وَمَا أَسْرَرْنَا وَمَا أَعْلَنَّا وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنَّا،، اللَّهُمَّ وَفِّقْ أَمِيرَ البِلَادِ وَوَلِيَّ عَهْدِهِ لِهُدَاكَ، وَاجْعَلْ أَعْمَالَهُمَا صَالِحَةً فِي رِضَاكَ، وَارْفَعْ بِهِمَا رَايَةَ الحَقِّ وَالدِّينِ، وَارْزُقْهُمَا الْبِطَانَةَ مِنَ الصَّالِحِينَ المُصْلِحِينَ، وَانْفَعْ بِهِمَا البِلَادَ وَالعِبَادَ بِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، وَخُذْ بِنَوَاصِيهِمَا لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى، وَاجْعَلْ هَذَا البَلَدَ آمِنًا مُطْمَئِنًّا سَخَاءً رَخَاءً وَسَائِرَ بِلَادِ المُسْلِمِينَ، وَاشْفِ مَرْضَانَا وَمَرْضَى المُسْلِمِينَ، وَارْحَمْ مَوْتَانَا وَمَوْتَى المُسْلِمِينَ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. خطبة محفلية عن السلام .