يقدم لكم موقع إقرأ في هذا المقال خطبة محفلية عن الكذب ، و خطبة عن التحذير من الكذب ، و خطبة محفلية عن الصدق ، و خطبة مكتوبة عن خطورة الكذب ، و خطب عن فضل الصدق ، تعتبر الخطبة هي واحدة من الأمور التي يتم توجيهها إلى الأشخاص، وذلك من أجل محادثتهم ببعض الأمور، ويوجد منها الكثير من الأنواع مثال الخطبة الدينية والإجتماعية والسياسية، وتعتبر هي مصدر كبير للتحاور وتوصيل الرسائل المختلفة إلى الأشخاص ومن أشهر أنواع الخطب هي الخطبة الدينية، والتي يمكنها أن تدعو الناس إلى بعض الصفات والأمور الحميدة. فيما يلي خطبة محفلية عن الكذب.

خطبة محفلية عن الكذب

خطبة محفلية عن الكذب
خطبة محفلية عن الكذب

إن الحمدَ لله، نحمدُه، ونستعينُه، ونستغفرُه، ونعوذُ بالله من شرورِ أنفسِنا، ومن سيئاتِ أعمالِنا، من يهدِه اللهُ فلا مضلَّ له، ومن يضللْ فلا هاديَ لهُ، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أن محمدًا عبدُه ورسولُه. ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102]. ﴿ يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبً ﴾ [النساء: 1]. ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70، 71].

أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله عز وجل، وخيرَ الهدي هديُ محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ محدثةٍ بدعةٌ، وكلَّ بدعةٍ ضلالةٌ، وكلَّ ضلالةٍ في النارِ، وبعدُ:

حَدِيثُنَا معَ حضراتِكم في هذه الدقائقِ المعدوداتِ عنْ موضوعٍ الكذب، فَأَرعُونِي قلوبكم، وأسماعكم جيدًا، والله أسأل أن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، أولئك الذين هدى الله، وأولئك هم المفلحون.

اعلموا أيها الإخوة المؤمنون أنه ينبغي للمسلم ألا يتكلم بكلمة إلا إذا كانت خيراً، روى البخاري ومسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلَا يُؤْذِ جَارَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ».

وأفضل المسلمين من لم يؤذ المسلمين بلسانه، روى مسلم عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِرضي الله عنهما، قَالَ: إِنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَيُّ المسْلِمِينَ خَيْرٌ؟ قَالَ: «مَنْ سَلِمَ المسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ».

والكذب يجعل صاحبه يكتب عند الله كذاباً، فقد روى البخاري ومسلم عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى البِرِّ، وَإِنَّ البِرَّ يَهْدِي إِلَى الجَنَّةِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَصْدُقُ حَتَّى يَكُونَ صِدِّيقًا، وَإِنَّ الكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الفُجُورِ، وَإِنَّ الفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَكْذِبُ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللهِ كَذَّابًا».

قال العلماء: هذا الحديث فيه حث على تحري الصدق، وهو قصده والاعتناء به، وعلى التحذير من الكذب، والتساهل فيه، فإنه إذا تساهل فيه كثر منه فعُرف به، وكتبه الله لمبالغته صديقاً إن اعتاده، أو كذاباً إن اعتاده.

وروى مالك أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ مَسْعُودٍ رضي الله عنه كَانَ يَقُولُ: «لَا يَزَالُ الْعَبْدُ يَكْذِبُ، وَتُنْكَتُ فِي قَلْبِهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ حَتَّى يَسْوَدَّ قَلْبُهُ كُلُّهُ، فَيُكْتَبَ عِنْدَ اللهِ مِنَ الْكَاذِبِينَ».

وروى البخاري عن سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم في حديث الرؤيا: «انْطَلَقْنَا، فَأَتَيْنَا عَلَى رَجُلٍ مُسْتَلْقٍ لِقَفَاهُ، وَإِذَا آخَرُ قَائِمٌ عَلَيْهِ بِكَلُّوبٍ مِنْ حَدِيدٍ، وَإِذَا هُوَ يَأْتِي أَحَدَ شِقَّيْ وَجْهِهِ فَيُشَرْشِرُ شِدْقَهُ إِلَى قَفَاهُ، وَمَنْخِرَهُ إِلَى قَفَاهُ، وَعَيْنَهُ إِلَى قَفَاهُ، ثُمَّ يَتَحَوَّلُ إِلَى الجَانِبِ الآخَرِ فَيَفْعَلُ بِهِ مِثْلَ مَا فَعَلَ بِالْجَانِبِ الأَوَّلِ، فَمَا يَفْرُغُ مِنْ ذَلِكَ الجَانِبِ حَتَّى يَصِحَّ ذَلِكَ الجَانِبُ كَمَا كَانَ، ثُمَّ يَعُودُ عَلَيْهِ فَيَفْعَلُ مِثْلَ مَا فَعَلَ المَرَّةَ الأُولَى» قَالَ: «قُلْتُ: سُبْحَانَ اللهِ مَا هَذَانِ؟»، قَالَا: «إِنَّهُ الرَّجُلُ يَغْدُو مِنْ بَيْتِهِ، فَيَكْذِبُ الكَذْبَةَ تَبْلُغُ الآفَاقَ».

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ ، وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ، وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ : شَيْخٌ زَانٍ، وَمَلِكٌ كَذَّابٌ، وَعَائِلٌ مُسْتَكْبِرٌ».

أقول قولي هذا، وأستغفرُ اللهَ لي، ولكم.

الخطبة الثانية

الحمدُ لله وكفى، وصلاةً على عبدِه الذي اصطفى، وآلهِ المستكملين الشُّرفا، وبعد:

اعلموا أيها الإخوة المؤمنون أن من علامات النفاق اعتياد الكذب، فقد روى البخاري ومسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «آيَةُ المُنَافِقِ ثَلَاثٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ». وفي لفظ لمسلم: «آيَةُ المنَافِقِ ثَلَاثٌ، وَإِنْ صَامَ وَصَلَّى وَزَعَمَ أَنَّهُ مُسْلِمٌ».

ومن حدَّث الناس بشيء ليضحكوا فهو عرضةٌ لعذاب شديد، فقد قال النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم: «وَيْلٌ للذِي يُحَدِّثُ بِالحَدِيثِ لِيُضْحِكَ بِهِ القَوْمَ، فَيَكْذِبُ، وَيْلٌ لَهُ وَيْلٌ لَهُ».

ومن أعظم الكذب أن تحدِّث الناس أنك رأيت شيئًا في منامك لم تره، فقد روى البخاري عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: «إِنَّ مِنْ أَفْرَى الفِرَى أَنْ يُرِيَ عَيْنَيْهِ مَا لَمْ تَرَ»، وروى البخاري عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: «مَنْ تَحَلَّمَ بِحُلْمٍ لَمْ يَرَهُ كُلِّفَ أَنْ يَعْقِدَ بَيْنَ شَعِيرَتَيْنِ، وَلَنْ يَفْعَلَ».

اللهم ألِّف بين قلوبنا، وأصلح ذات بيننا، واهدنا سبل السلام، اللهم نجنا من الظلمات إلى النور، وجنبنا الفواحش ما ظهر منها وما بطن، اللهم بارك لنا في أسماعنا، وأبصارنا، وقلوبنا، وأزواجنا، وذرياتنا، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم، اللهم اجعلنا شاكرين لنعمك مُثْنين بها عليك، قابلين لها، وأتممها علينا، اللهم قنا الفتن ما ظهر منها، وما بطن، اللهم ارزقنا الصدق في القول والعمل.

خطبة عن التحذير من الكذب

الخطبة الأولى:

الحمد لله مستحق الحمد وأهله، يجزي الصادقين بصدقهم من رحمته وفضله، ويجازي الكاذبين فيعاقبهم إن شاء بحكمته وعدله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في حكمه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أفضل خلقه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعه في هديه وسلم تسليماً.

أما بعد:

أيها الناس: اتقوا الله تعالى وكونوا مع الصادقين في عبادة الله اصدقوا الله -تعالى- في عبادته اعبدوه مخلصين له غير مرائين في عبادته ولا مسمعين، امتثلوا أمره طلباً للقرب منه والحصول على ثوابه، اجتنبوا نهيه خوفاً من البعد عنه والوقوع في عقابه لا تبتغوا في عبادته أن يراكم الناس أو يسمعوكم فيمدحوكم عليها؛ فإن الله أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك فيه معه غيره تركه وشركه.

اصدقوا النبي -صلى الله عليه وسلم- في اتباعه ظاهراً وباطناً غير مقصرين في سنته ولا زائدين عليها.

اصدقوا الناس في معاملتهم أخبروهم بالواقع فيما تخبرونهم به وبينوا لهم الحقيقة فيما تعاملونهم به ذلك هو الصدق الذي أمركم الله به ورسوله يقول الله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) [التوبة:119].

ويقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: “عليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة ولا يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عن الله صديقاً”. لقد بين رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في هذا الحديث أن للصدق غاية وللصادق مرتبة أما غاية الصدق فهي البر والخير ثم الجنة وأما مرتبة الصادق فهي الصديقية وهي المرتبة التي تلي مرتبة النبوة (وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً) [النساء:69]. وإن الصادق لمعتبر بين الناس في حياته ومماته، فهو موضع ثقة فيهم في أخباره ومعاملته وموضع ثناء حسن وترحم عليه بعد وفاته.

واحذروا -أيها المسلمون- من الكذب احذروا من الكذب في عبادة الله لا تعبدوا الله رياء وسمعة وخداعاً ونفاقاً، واحذروا من الكذب في اتباع رسول الله لا تبتدعوا في شريعته ولا تخالفوه في هديه، واحذروا من الكذب مع الناس لا تخبروهم بخلاف الواقع ولا تعاملوهم بخلاف الحقيقة.

إن المؤمن لا يمكن أن يكذب؛ لأن الكذب من خصال المنافقين (وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ) [المنافقون:1]، (فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ) [البقرة:10]، (إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ) [النحل:105].

إن المؤمن لا يمكن أن يكذب؛ لأنه يؤمن بآيات الله يؤمن برسوله يؤمن بقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: “إن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار ولا يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عن الله كذاباً”.

ما أقبح غاية الكذب وما أسفل مرتبة الكاذب، الكذب يفضي إلى الفجور وهو الميل والانحراف عن الصراط السوي ثم إلى النار -ويا ويل أهل النار-؟

والكاذب سافل؛ لأنه مكتوب عند الله وبئس هذا الوصف لمن اتصف به إن الإنسان لينفر أن يقال له بين الناس يا كذاب؛ فكيف يُقِرُّ أن يكتب عند خالقه كذاباً، وإن الكاذب لمحذور في حياته لا يوثق به في خبر ولا معاملة، وإنه لموضع الثناء القبيح بعد وفاته، ولقد قرن الله تعالى الكذب بعبادة الأوثان فقال تعالى: (فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ) [الحج:30]؛ فهل بعد ذلك سبيل إلى أن يتخذ المؤمن الكذب مطية لسلوكه أو منهجاً لحياته لقد كان الكفار في كفرهم وأهل الجاهلية في جاهليتهم لا يمتطون الكذب ولا يتخذونه منهجاً لحياتهم أو بلوغ مآربهم.

هذا أبو سفيان ذهب قبل أن يسلم في ركب من قريش تجار إلى الشام، فلما سمع بهم هرقل ملك الروم بعث إليهم ليسألهم عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال أبو سفيان: “فوالله لولا الحياء من أن يأثروا عليّ كذباً لكذبت عنه أو عليه”.

هكذا -أيها المؤمنون- الكفار في كفرهم وأهل الجاهلية في جاهليتهم يترفعون عن الكذب، ويستحيون من أن يؤثر عليهم وينسب إليهم، فكيف بكم أنتم -أيها المؤمنون- وقد حباكم الله -تعالى- بهذا الدين الكامل الذي يأمركم بالصدق ويرغبكم فيه ويبين لكم نتائجه وثمراته الطيبة، وينهاكم عن الكذب ويحذركم منه ويبين لكم نتائجه و ثمراته الخبيثة.

إن أبا سفيان في حال كفره تنزه أن يوصف بالكذب -ولو مرة واحدة- مع أنه كان يرى أن له مصلحة في كذبه عما يخبر به عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-!.

وإن بعض المنخدعين من هذه الأمة ليستمرئ الكذب، ويفتي نفسه بحله؛ إما لتهاونٍ بالكذب، وإما لاعتقاد فاسد يظن أن الكذب لا يحرم إلا إذا تضمن أكل مال، وإما لطمع مادي يتمتع به في دنياه، وإما لتقليد أعمى لا هداية فيه.. وكل ذلك خداع لنفسه وتضيل لفكره؛ فالتهاون بالكذب عنوان الرذيلة فالكذبة الواحدة تخرق السياج الحائل بينك وبين الكذب حتى لا يبقى دونه حائل.

فالكذب كغيره من المعاصي تستوحش منه النفس المطمئنة الراضية المرضية فإذا وقعت فيه مرة هان عليها شأنه، ثم تقع منه ثانية فيهون عليها أكثر حتى يصبح كأنه سجية وطبيعة فيكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذاباً.

والكذب حرام وإن لم يكن فيه أكل لمال الغير بالباطل؛ إذ لم يكن في كتاب الله -تعالى- ولا سنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- أن تحريمه مشروط بذلك، ولكنه إذا تضمن أكل مال بالباطل كان أعظم جرماً وأشد عقوبة؛ فعن عبد الله بن عمرو بن العاص أن النبي -صلى الله عليه وسلم- عد الكبائر وفيها “اليمين الغموس” قيل: وما اليمين الغموس؟ قال: “التي يقتطع بها مال امرئ مسلم هو فيها كاذب” رواه مسلم. وقال -صلى الله عليه وسلم-: “من اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه فقد أوجب الله له النار وحرم عليه الجنة” فقال رجل: وإن كان شيئاً يسيراً؟ قال: “وإن كان قضيباً من أراك” رواه أحمد ومسلم.

إن بعض الناس يكذب ليضحك به القوم، فيألف ذلك؛ لما يرى من ضحك الناس، ويستمر على عمله فيهون عليه وقد جاء في الحديث: “ويل للذي يحدث فيكذب ليضحك به القوم ويل له ثم ويل له” أخرجه الثلاثة وإسناده قوي.

وإن بعض الناس يكذب على الصبيان؛ لأنهم يوجهون إليه النقد، ولكنه -في الحقيقة- أوقع نفسه في الكذب، وفتح لهم باب التهاون به والتربي عليه. وعن عبد الله بن عامر -رضي الله عنه- أن أمه دعته فقالت: تعال أعطك فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: “ما أردت أن تعطيه؟” قالت: تمراً فقال لها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “أمَا إنك لو لم تعطه شيئاً لكتبت عليه كذبة” رواه أبو داود والبيهقي.

فاتق الله -أيها المسلم- اتق الله في نفسك، واتق الله في مجتمعك، واتق الله في دينك؛ ألم تعلم أن الدين يظهر في أهله فإذا كان مظهر الأمة الإسلامية مظهر كذب وتقليد أعمى وأكل مال الغير بغير حق فأين المظهر الإسلامي؟! أرأيت إذا ظهر المسلمون بهذا المظهر المشين أفلا يكونون سبباً للتنفير عن دين الإسلام؟! ألا يكونون فريسة لأراذل الأنام؟!

إن أعداءهم ليسخرون بهم ويضحكون إذا رأوهم على تلك الحال؛ كذب في المقال، وخيانة في الأمانة، وغدر في العهد، وفجور في الخصومة، وإن أعدائهم ليفخرون عليهم إذا رأوهم يقلدونهم حتى في رذائل الأخلاق التي يحذرهم الإسلام منها؛ فعجباً وأسفاً لأمثال هؤلاء القوم الذين ألبسوا أنفسهم ما تعروا به أمام أعدائهم، واتبعوا سبيل الهالكين، وابتعدوا عن سبيل الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين الشهداء والصالحين.

اللهم جنبنا منكرات الأخلاق والأعمال والأهواء والأدواء، واهدنا لأحسن الأخلاق والأعمال، وحبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا من الراشدين.

اللهم صل وسلم على عبدك ونبيك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

قد يهمك:

خطبة محفلية عن الصدق

مقدمة الخطبة

“الحمد لله الذي نحمده ونستعين به، ونعوذ به من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، والصلاة والسلام على أشرف الخلق، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد..

أمر الله سبحانه وتعالى عباده بضرورة الالتزام بالصدق، وضرورة الابتعاد عن الكذب، وعدم التلفظ إلا بالحق، وقد حثنا أيضًا النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، والذي لقب بالصادق الأمين، فالمؤمن الحق هو من يقوم بإتباع كلام الله عز وجل وإتباع سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، والتقرب إلى الله بالكثير من الطاعات والعبادات والابتعاد عن المحرمات والمنكرات، والصدق في القول حتى يحصل على محبة الله عز وجل، فالله يحب العبد الصادق، فإن الإنسان الذي يتحلى بالصدق هو دليل على أنه يتقي الله، ويخافه.

الخطبة

فالصدق هو من أنبل الصفات، فيكفي أنه كان من صفات نبينا الكريم عليه الصلاة والسلام، ولذلك لا بد على كل مسلم أن يتحلى بتلك الصفة تيمنًا برسول الله، كما أنه من الصفات التي تجعل المسلم من المحسنين، إضافة لأنها تجعله كبير في نظر الآخرين، فالصادق دائمًا يكون محل ثقة من قبل الكثير من الأشخاص الموجودين حوله على عكس الشخص الذي اعتاد الكذب فإنه لا يحوز على ثقة أحدًا من حوله.

كما أن الإنسان الصادق هو وحده من يتم الأخذ بشهادته، والصدق هو مصدر النجاة من الكثير من الأمور، وهو المخرج الكبير الذي يخرج الإنسان من الكثير من المشاكل، فالمسلم الذي يتبع الصدق في كل أقواله يكون صادق مع ربه، وأيضًا صادق مع الناس، إضافة لأنه ينال محبة الناس من حوله، فهو من خير الصفات، والتي تجعل الإنسان لا يجور على حقوق الآخرين، ويجعل الناس يسعون إلى التعامل معه.

إن الصدق هو من الصفات الخير التي يمدح بها الإنسان، لذلك يجب أن يتم غرس الصدق في قلوب الأبناء منذ الصغر، والسعي وراء تحبيبهم في الصدق في التعامل والقول والأفعال مع الآخرين، وذلك لأنه يكون له العديد من الآثار الإيجابية على المجتمع بشكل عام.

ولقد قال الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام: “عليكم بالصدق، فإن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، وما يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقًا، وإياكم والكذب، فإن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار، وما يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب، حتى يكتب عند الله كذابًا”. صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ويبين لنا ذلك الحديث الشريف أهمية الصدق وتأثيره على حياة الإنسان سواء في الدنيا أو في الآخرة، فالصدق هو مصدر دخول العبد إلى الجنة، ولكن الكذب هو مصدر دخوله إلى النار، ولذلك فإنه يجب التحلي الدائم بالصدق والدعوة إلى ضرورة التحلي به باستمرار، لأنه وحده من الصفات التي يمكنها أن تجعل للعبد المكانة الكبيرة عند ربه وعند الناس أجمعين.

خاتمة الخطبة

وفي الختام أود أن أقول إن المؤمن الذي يؤمن بالله الإيمان الحقيقي، ولا يخون ولا يخدع فهو المؤمن حقًا، وإن الإنسان الصادق في حياته يكون صادق مع الله وصادق في دعواته، ويحب الخير لغيره، وأقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم، ولجميع المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته”.

خطبة مكتوبة عن خطورة الكذب

الخطبة الأولى:

الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهد الله فهو المهتد، ومن يضلل فلا هادي له.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله ومصطفاه وخليله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، ومن اهتدى بهديه، وسار على دربه إلى يوم الدين.

أما بعد:

فيا أيها المسلمون: اتقوا الله ما استطعتم، واستمسكوا بشرعه وملته، والتزموا طاعته ومرضاته.

اتقوا الله واسمعوا وأطيعوا، واشكروه على نعمته وعافيته، فقد أسبغ عليكم النعم، ودفع عنكم النقم، وأسدى إليكم المنن، فاقدروا الله حق قدره، وثمنوا النعم، واشكروا منعمها.

عباد الله: إن الله -تبارك وتعالى- إذا أراد بعبده خيراً وفقه للصلاح والعمل الصالح والخلق الكريم؛ فكان أحسن المخلوقين، وإذا أراد بعبده سوءًا أوكله إلى نفسه بما كسبت يداه، فظهر فاسداً مفسداً، ذا خلق سيء، وطبع فاسد.

ولقد حرص الإسلام على أتباعه ليتحلوا بالأخلاق الكريمة، ويحذروا من الأخلاق السيئة التي تؤدي بمروءة المرء وشيمته ودينه، وتسقط آدميته وإنسانيته: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ) [النور: 21].

ومما حذر الله -تعالى- منه عباده ورسوله -صلى الله عليه وسلم-: خلق الكذب، وكفى بالمرء خسة أن يكون كذاباً يشار إليه من بعيد، وإذا ذكر الكذب تذكروا المتصف به.

أيها المسلمون: الكذب مذكور في كتاب الله في مائتين وثمانين آية جاءت هذه الآيات ذامة للكذب، ومبينة عاقبة الكاذبين، ومعلمة سخط الله وبغضه لهذا الخلق وأهله، فهو مذموم محرم على المسلم قولاً وفعلاً ضاحكاً به أو جاداً ومخادعاً أو محتالاً، ويكون اختراعاً لقصة لا أصل لها أو زيادة في القصة أو نقصاناً يغيران المعنى أو تحريفاً أو إخباراً عما لا وجود في الواقع بقصد التحايل، واجتلاب النفع، واستدفاع الضر وحب الظهور والبروز، ونيل المراتب المزيفة من رتب هذه الدنيا من الثناء والمدح والوصف بالمعرفة والثقافة، أو التشفي من إنسان بوصفه بأقبح الأوصاف، أو حب الترأس أو لسوء الطويّة، وقلة الأدب حتى ترادف عليه فألفه فصار عادة له ومنهجاً.

وأعظم الكذب: الكذب على الله ورسوله الذين يقولون على الله ما لم ينزل به سلطاناً يضللون الناس، ويصدون عن سبيل الله، فيقولون على الله ويفترون عليه الكذب، فيبتدعون البدع والطرق والسبل والمخالفات والتأويلات، ويقولون هذا من عند الله، وهذا دين رسول الله، وهذه سنته وهم يكذبون، يقول الله -تعالى- عن هؤلاء: (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعَى إِلَى الْإِسْلَامِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) [الصف: 7]، وتوعدهم فقال: (وَالَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ) [الأعراف: 182].

وتوعدهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فبشرهم بمقعدهم في نار جهنم بقوله: “من كذب عليّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار”.

أيها المسلمون: لقد وصف الله أهل الكذب بأقبح الأوصاف وذمهم ونفي عنهم الإيمان بآياته، فهم المنافقون ضعاف النفوس المخادعون خبثت نفوسهم وانتكست بصائرهم وظنوا أنهم سيخدعون الله -تعالى- كما يخدعون الناس، يقول تعالى: (إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَأُوْلئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ) [النحل: 105]، وقال جل وعلا: (يُخَادِعُونَ اللّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُم وَمَا يَشْعُرُونَ * فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللّهُ مَرَضاً وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ) [البقرة: 9 – 10].

ويكفي خسة بالكذب أنه لا يتصف به إلا شرار الخليقة المنافقون والشياطين واليهود والكفرة والمفسدون، يقول تعالى: (وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ) [المائدة: 103]، ويقول سبحانه: (وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ) [المنافقون: 1]، ويقول جل وعلا: (أَلَا إِنَّهُم مِّنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ * وَلَدَ اللَّهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ) [الصافات : 151 – 152].

وإن المتتبع لآيات الله –تعالى- يجد كل الوعيد والتهديد للكاذبين: (وَيْلٌ لِّكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ) [الجاثية: 7]، والأفاك هو الكذاب في أقواله، والأثيم في أفعاله، وقال سبحانه: (قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ) [الذاريات: 10] (أي لعن وقبح الكذابون)، يقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا أؤتمن خان”، وقال عليه الصلاة والسلام: “أربع من كن فيه كان منافقاً خالصاً ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من نفاق حتى يدعها: إذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا وعد أخلف، وإذا خاصم فجر” (رواه البخاري ومسلم).

أيها المسلمون: لخطورة الكذب على خلق المسلم ودينه ومروءته وشرفه حذر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أمته من الكذب أيّاً كان حاله مازحاً أو جاداً فيه، فقال: “إياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وإن الرجل ليكذب، ويتحرى الكذب، حتى يكتب عند الله كذاباً” (رواه البخاري ومسلم).

وإن المؤمن المسلم الحق لا يتصف بالكذب ولا يكون كذاباً ولا يرضى أن يلطخ إيمانه وإسلامه بما يشينه، سئل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أيكون المؤمن جباناً؟ قال: “نعم”، أيكون بخيلاً، قال: “نعم”، أيكون كذاباً، قال: “لا” (رواه مالك)، يقول ابن عبد البر: “معناه أن المؤمن لا يكون كذاباً يعني يغلب عليه الكذب حتى لا يكاد يصدق؛ لأن هذا ليس من أخلاق المؤمنين”، وعند مالك في الموطأ موقوفاً على ابن مسعود -رضي الله عنه-: “لا يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب فينكت في قلبه نكتة سوداء حتى يسود قلبه، فيكتب عند الله من الكاذبين”، فالمؤمن يمنعه إيمانه ويرده إسلامه عن الكذب ولو كان مازحاً لأن الكذب كله حرام وهو كبيرة من الكبائر، ولا صحة لمن يسمى بالكذبة البيضاء، بل الكذب كله أسود.

أيها المسلمون: لقد اعتاد الغافلون اللاهون أن يتعمدوا الكذب أو يحدثوا أحداثاً مكذوبة في أول الشهر الرابع الأفرنجي الميلادي يسمونها بكذبة إبريل، يضحك بعضهم بعضاً ويتعمد الكذب ليسجل موقفاً محرجاً لصديقه أو زميله أو يحدث ممازحة يمازح بها أصدقاءه وزملاءه ورفقاءه، فيقول: هذا مزاح، أو هذه كذبة بيضاء.

والبعض يحاول أن تكون كذبة إبريل قوية جداً، جهلاً منه وغفلة عما يسببه الكذب من مآس ومحن ، فيوقظ نائماً من نومه ليبلغه خبراً مفجعاً، أو يتصل بصاحبه أو قريبة وهو في بلده يستدعيه للمساعدة لمصيبة نزلت به، فإذا وصل إليه أخبره بكذبة إبريل، يقول عبد الله بن عامر -رضي الله عنه-: “دعتني أمي ذات يوم ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- قاعد في بيتنا، فقالت: تعال أعطيك، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لها: “وما أردت أن تعطيه؟” قالت: أعطيه تمراً، فقال: “أما أنك لو لم تعطيه شيئاً كتبت عليك كذبة” (رواه أبو داود).

وتطور الكذب عند البعض حتى طارت الكذبة في الآفاق وعلى أعلى مستويات حتى بدا البعض لا يعرف الحديث والتحدث إلا كاذباً فاجراً فيكذب ليضحك الآخرين، ويكذب ليمازح المغفلين، ويكذب ليضيع حقوق الناس، ويكذب حتى يبدد جهود المخلصين، حتى صار الكذب فاكهة للبعض فلا يستغني عنه فهو كذاب قائما وقاعدا ومضجعا وآكلا وشاربا وأحيانا وهو نائم أو قبل نومه يصنع الكذب حتى إذا أصبح نشره، يقول رسولنا الكريم -صلى الله عليه وسلم- في رؤيا منامه: “أتاني الليلة آتيان وإنهما قالا لي: انطلق، وإني انطلقت معهما فأتينا على رجل مستلق لقفاه، وإذا آخر قائم عليه بكلوب من حديد، وهي حديدة معوجة الرأس، وإذا هو يأتي أحد شقي وجهه فيشرشر شدقه إلى قفاه، ومنخره إلى قفاه، وعينه إلى قفاه، ثم يتحول إلى الجانب الآخر فيفعل به مثل ما فعل بالجانب الأول، فما يفرغ من ذلك الجانب حتى يصح ذلك الجانب كما كان، ثم يعود عليه فيعمل مثل ما فعل في المرة الأولى، قال: قلت: سبحان الله ما هذا؟ قالا لي: انطلق انطلق حتى قالا له: فأما الرجل الذي أتيت عليه يشرشر شدقه إلى قفاه ومنخره إلى قفاه وعينه إلى قفاه فإنه الرجل يغدو من بيته فيكذب الكذبة تبلغ الآفاق، يعني تنشر في الأرض وتحدث ما تحدث من الخراب والدمار والإشاعات” (رواه البخاري).

لقد أفتى البعض بأن الكذب أبيض وأسود، ولقد افتروا على الله الكذب: (وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلاَلٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ) [النحل: 116]، يقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “ويل للذي يحدث فيكذب ليضحك به القوم، ويل له ثم ويل له”.

لقد تسببت: “كذبة إبريل” في مصائب ومشاكل ومحن؛ فمن أخبر بوفاة عزيز عليه، أو حدوث حادث لحبيب إليه، أو نزول مرض بصديق له، وأصيب البعض بأمراض السكر، وضغط الدم بسبب شدة الصدمة بالخبر المكذوب، وفقد البعض صوابه ورشده وعقله، وتقاطع البعض بسبب الكذب واللعب بدين الله والاستهتار بحدود الله والاستهزاء بزجر الله ورسوله: (فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ) [الزمر: 22].

فاتقوا الله -يا عباد الله- ولا تبطلوا أعمالكم ولا تفسدوا أخلاقكم، ولا تهدموا بنيانكم، فالكذب كله حرام، وهو سيئات وأوزار وآثام، وخسة للعبد في دنياه وبين الناس وصغار له.

وقد يفقد المرء الثقة فلا يصدقه الناس أبداً لكثرة كذبه عليهم.

وإن الكذب من أصحاب القدوات وذي المسؤوليات ليس كباقي الكذب فأثره كبير وخطره عظيم، ولا يجوز الكذب في الشريعة إلا في ثلاث مواضع يقول رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: “لا يصلح الكذب إلا في ثلاث: الرجل يكذب في الحرب، والحرب خدعة، والرجل يكذب بين رجلين ليصلح بينهما، والرجل يكذب للمرأة ليرضيها بذلك” (رواه أحمد ومسلم بمعناه)، وقال رسولنا الكريم -صلى الله عليه وسلم-: “ليس الكذاب الذي يصلح بين اثنين أو قال: بين الناس، فيقول خيراً أو ينمي خيراً” (رواه البخاري ومسلم).

حفظ الله علينا ديننا وأخلاقنا.

خطب عن فضل الصدق

الخطبة الأولى

إن الحمد لله….أمّا بعد:

عبادَ الله:

يقول الله جلّ وعلا مخاطباً عبادَه المؤمنين السّامِعين الطائعين المستجِيبين آمرًا لهم:﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ ﴾ [التوبة:119].

أمرهم بتقواه وأن يَكونوا معَ الصادقين، ومن أهل الصّدق، وأن يلزَموا الصِّدقَ في أقوالهم وأفعالهم، لأن الصدقَ يهدِي إلى البر، والبر يهدي للجنة، ولا يزال العبد يصدُق ويتحرّى الصدق حتى يكتَب عند الله صِدّيقًا، وأنتم بلا شك تعرفون منزلة الصديقية.

عباد الله: المؤمن لا يكون إلا صادقًا مع ربّه، صادقًا مع نفسِه، صادقًا في تعامُله مع غيره.

المؤمن إيمانا حقيقيا تجده صادقاً مع ربِّه في إيمانه، آمن ظاهرا وباطنا، آمن قلبه واستقامت جوارحه؛ يعلم بأنّ الله وحدَه هو المستحِقّ أن يعبَد دون سِواه، عكس المنافق، آمَن ظاهرًا وكفَر باطنًا، آمَن اللِّسان وكفَر القلب، قال تعالى: ﴿ وَإِذَا لَقُواْ الَّذِينَ ءامَنُواْ قَالُوا ءامَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُواْ إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِءونَ اللَّهُ يَسْتَهْزِىء بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ ﴾ [البقرة:14، 15]. وقال أيضا: ﴿ إِذَا جَاءكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُواْ نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ ﴾ [المنافقون:1].

المؤمن إيمانا حقيقيا لا يخادع لأنه يعلم بأن الله جلّ وعلا عالم بما يضمر وما يخفي، قال تعالى: ﴿ قُلْ إِن تُخْفُواْ مَا فِى صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ ﴾ [آل عمران:29].

المؤمن إيمانا حقيقيا صادق في دعوتِه إلى الله، يحبُّ الخير لأمّتة ويسعي في سبيل هدايتها وإرشادِها وإخراجها مِن ظلماتِ الجهل إلى نورِ العلم.

المؤمن إيمانا حقيقيا واضحٌ في منهجه، ظاهرُه وباطنُه سواء؛ ليس هدفُه إبراز شخصه ولا أن يُتحدّث عنه، شعاره: ﴿ قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيك لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْت وَأَنَا أَوَّل الْمُسْلِمِينَ ﴾ [الأنعام: 162،163].

المؤمن إيمانا حقيقيا صادق في أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر، فتجده يأمر بالمعروف بصِدق، وينهى عن المنكر بصدق، حريص على إنقاذ العباد من المخالفات الشرعية.

المؤمن إيمانا حقيقيا صادقُ في أداء الصلاة وإيتاء الزكاة وصومِ رمضان وحجِّ بيت الله الحرام، وفقِ ما جاء في كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

عباد الله: إن الإنسان الصادقَ تطمئنّ إليه النفس، ويرتاح إليه القلب، حديثه صدقٌ، محبّته صادقة، نصيحته صادقة، يحبّ لك ما يحبّ لنفسه، ويكرَه لك ما يكرَه لنفسه.

عباد الله: المؤمن الصادقُ يؤدّي الشهادةَ بما يرضي الله، لا يحمِله حبّه للشّخص أن يشهدَ له بالباطل، ولا يحمِله بغضه لشخص أن يشهدَ عليه بالباطل، بل هو يؤدِّي الشهادةَ على الوجه المرضيّ، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء للَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ ﴾[النساء:135].

المؤمن الصادقُ لا يخون ولا يغش ولا يخدع ولا يدلّس، معاملاته كلها صدقٍ ووفاء.

المؤمن الصادق يَظهر أثرُ الصدق عليه فيما تولى وتحمّل من مسؤولية، فهو لا يتَّخذ مسؤوليتَه وسيلةً للثراء، ولا وسيلة للانتقام، ولا وسيلةً للسمعة والرياء، ولكنّه يؤدّي الأمانة المطلوبةَ منه أداءً كاملاً بصدقٍ وإخلاص وخوفٍ من الله.

المؤمن الصادق وَفيٌّ بالتزاماته يحترم العهود والمواثيق، يعطي الناسَ حقوقهم، ولا يماطلهم، ولا يكذب عليهم.

المؤمن الصادق لا تراه إلا في فرض يؤديه أو عمل يعمل فيه.

عباد الله: الصدق سببٌ للنجاة من عذاب الله، قال تعالى: ﴿ هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَّضِىَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾ [المائدة:119].

أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية

الحمد لله حمدًا كثيرًا طيّبًا مباركًا فيه ملئ السموات والأرض وما بينهما، وملئ ما شاء الله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمّدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلّم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين.

أمّا بعد:

عباد الله: الصدقَ خُلُق كريم، فتخلَّقوا به لتكونوا من السعداء في الدنيا والآخرة، قال الله تعالى: ﴿ منَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُواْ مَا عَاهَدُواْ اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُواْ تَبْدِيلاً * لّيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ ﴾[الأحزاب:23، 24]، وقال جلّ وعلا مبيّنًا أخلاقَ المؤمنين والمؤمنات: ﴿ إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ ﴾ [الأحزاب:35]، وقال جل وعلا: ﴿ فَلَوْ صَدَقُواْ اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ ﴾ [محمد:21].

عباد الله:

يجب على كل مؤمن أن يتحرى الصدق في جميع حركاته وسكناته، في أقواله وأعماله، فيما وُليَ من عمل، وفيما أوجب الله عليه من الواجبات، يتحرَّ الصدقَ ويلتزمه في جميع أحواله، ويربِّي أولاده عليه، ويسعى لنشره في أمته، واعلموا رحمكم الله أنه من يعامل الله بالصدق يجعل له مرآة يبصر بها الحق والباطل.

عباد الله: إنّ أعظم مصيبة أصيبت بها الأمة في هذا الزمان هي ضعف الصدقِ إن لم أقل ذهابه في نفوس أبنائها وتلبسهم بالكذب والغش والخداع والخيانة وعدم أداء الأمانة.

فوالله ما وصل سلفنا الصالح إلى ما وصلوا إليه إلا بالصدق، ولذلك أعزهم الله َ في الدنيا ورفع قدرهم في الآخرة، فهم صدَقوا الله في دينهم وفي تعاملهم وفي جميع أحوالهم.

عباد الله: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قبلَ أن يوحَى إليه كان متخلِّقًا بالصدق والأمانة، فكانوا يعرفونه بمكّة أنّه الصادق الأمين، فاصدقوا الله في أحوالكم كلّها لعلكم تفلحون.

وصلّوا ـ رحمكم الله ـ على نبيكم امتثالاً لأمر ربكم، قال تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب:56]. اللهمّ صلِّ وسلِّم وبارك على عبدك ورسولك محمّد، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين…