يقدم لكم موقع إقرأ في هذا المقال مقدمة بحث في علم البديع ، و نشأة علم البديع ، و مراحل تطوّر علم البديع ، و ومضات تاريخية حول علم البديع ، و فنون علم البديع ، علم البديع هو فرع من فروع البلاغة، وهو من أهم فروعها، وسنقوم فيما يلي بتعريف علم البديع ونشأته، مع ذكر مراحل تطوره.

مقدمة بحث في علم البديع

مقدمة بحث في علم البديع
مقدمة بحث في علم البديع

البديع في اللغة هو الشيء الجديد والحديث والغريب، وإيجاد الشيء واختراعه على غير مثال، حيث يقول الله تعالى في محكم تنزيله: (بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ وَإِذَا قَضَىٰ أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ)، ويُعرف البديع في الاصطلاح على أنَّه فن من فنون القول الحديث، وعلم البديع هو العلم الذي يُعرف به وجوه حسن الكلام؛ وذلك بعد رعاية المطابقة ووضوح الدلالة، كما يُعرف بأنَّه النظر في تزيين الكلام وتحسينه بنوع من التنميق من خلال تفصيله بالسجع، أو استخدام الجناس، أو الترصيع، أو تورية المعنى، أو الاستعانة بالطباق، وما إلى ذلك.

نشأة علم البديع

كان العرب بفطرتهم الأدبيّة يُورِدون في شِعرهم أساليبَ بيانيّة مُتعددة، بالإضافة إلى المُصطلحات البلاغيّة التي استخدموها دون معرفة أنواعها، إنّما هي التّلقائيّة الأدبيّة في شُعرائهم، إلّا أنّ هناك العديد منهم تنبّه إلى هذه الأساليب وأهميّتها البالغة في التّعبير عن الشِّعر ورفع مستواه البلاغيّ، ومن الشُّعراء الذين اشتُهروا بتلك المرحلة الشّاعر زُهير بن أبي سلمى، فقد أشاد العرب إلى أساليبه المليئة بأساليب التّشبيه والاستعارة وغيرها من الأساليب البلاغيّة.

إنّ العرب كانوا يميلون إلى استحسان هذه الأساليب دون معرفة بمُصطلحاتها، كحال استخدامهم للفاعل المرفوع، والمفعول به المنصوب، فلم تظهر هذه القواعد إلّا بعد وضعها لاحقاً من قِبل عُلماء النّحو، والحال هُنا نفسه بالنّسبة للأساليب البلاغيّة، فقد عُرِفت لاحقاً بعُلوم البلاغة العربيّة، وهي ثلاثة علوم: (عِلمُ المعاني، وعِلمُ البيان، وعِلمُ البديع).

من الجدير بالذِّكر أنّ اهتمام عُلماء الُّلغة العربيّة بعلم البلاغة بدأ بعد الإسلام؛ انطلاقاً من اهتمامهم بفهم المعاني المُرادة من الإعجاز البيانيّ في القُرآن الكريم، وهذا ما أشار إليه أبو هلال العسكريّ في كتابه “الصّناعتيْن”، فقد قال: “أحقّ العلوم بالتّعلُم وأولاها بالتّحفُظ -بعد المعرفة بالله جلّ ثناؤه- علم البلاغة ومعرفة الفصاحة الذي به يُعرف إعجاز كتاب الله تعالى”، ويجب الإشارة إلى أنّ الإسراف في استخدام علم البديع وألوانه من المُحسّنات البديعيّة في العصور الحديثة أنشأ حالة من الضّعف في المُنتج الأدبيّ، وهذا ناتج عن عيب في كيفيّة استخدام هذا العلم، وليس في العلم بحدّ ذاته، إنّما لعدم القدرة على فهمه، وحُسن إدراة استعماله كعُنصر مهمّ في بلاغة العمل الأدبيّ، كما أنّه أشير إلى ذلك في كتاب العسكريّ، فقد قال: “إنّ هذا النّوع من الكلام إذا سَلِم من التّكلُّف وبرئ من العُيوب، كان في غاية الحُسن ونهاية الجَودة”.

قد يهمك:

مراحل تطوّر علم البديع

مرّ علم البديع بمراحل مُتعدِّدة مُنذ بدايات ظهوره عند العرب وحتّى الانتهاء من تطويره والاعتناء بتفاصيله، وفيما يلي هذه المراحل بصُورة مُوجزة:

القرن الثّالث الهجريّ

ذُكِر في كتاب “بديع القُرآن” أنّ أبا فرج الأصفهانيّ أشار إلى أنّ الشّاعر العباسيّ (مُسلم بن الوليد) كان: “أولّ من قال الشِّعر المعروف بالبديع”، وهذا في عام 208هـ، ثمّ جاء الجاحظ بعده ليُشير إلى مُصطلح (البديع) وأنواعه، ولكن بلا تحديد لتفصيلاته، ثمّ تبعه بعد ذلك المُؤسس الأولّ لهذا العلم ومُصطلحاته، وهو (ابن المُعتزّ)، وقد كان كتابه المُسمّى بـ(البديع) أولّ مُصنّف في علم البديع، وذلك عام 274هـ، كما ذكر فيه أنّ “ليُعلَم أنّ بشاراً، ومُسلماً، وأبا نوّاس، ومن قبلهم ومن سلك سبيلهم لم يسبقوا إلى هذا الفنّ، لكنّه كثر في أشعارهم فعُرف في زمانهم حتّى سُمّي بهذا الاسم، فأُعرف عنه ودُلّ عليه”، ومن الجدير بالذِّكر أنّ من المُطوِّرين لهذا العلم في هذه المُدّة المُبَرِّد وابن قُتيبة.

القرن الرّابع الهجريّ

تمّ تطوير علم البديع في هذه المرحلة، وكان (قُدامة بن جعفر) أشهر المُطوِّرين على كتاب ابن المُعتزّ، فألّف كتابه “نقد الشِّعر” ليتحدّث فيه عن هذا التّطوير، وتلاه بعد ذلك (ابن هلال العسكريّ) ليُطوّر أكثر فيه ليكتشف أنواعاً أخرى في هذا العلم.

القرن الخامس الهجريّ

يُعدّ (ابن رشيق القيروانيّ) أشهر المُطوِّرين لعلم البديع في هذه المرحلة، فقد أشار إلى ألوانٍ جديدة في هذا العِلم لم يُشِر إليها أحد من قبله، ومن الذين اشتُهروا كذلك في هذه المرحلة: (ابن سنان الخفاجي)، و(ابن أبي الإصبع المصريّ)، و(عبد القادر الجرجانيّ).

القرن السّادس الهجريّ

تُعدّ هذه المرحلة هي المرحلة التي ازدهر فيها علم البديع، وعلى رأس مُطوِّريه (الزّمخشريّ) في كتابه “الكشّاف”، فقد أوجد أنواعاً جديدة أُخرى لعلم البديع، ومن روّاد هذه المرحلة أيضاً (رشيد الدّين العمريّ) المعروف بالوطواط، وصاحب كتاب “حدائق السِّحر في حقائق الشِّعر”، كذلك (أسامة بن المنقذ)، وهو صاحب كتاب “البديع في نقد الشِّعر”، ويجب الإشارة إلى أنّه بعد هذه المرحلة لم يتمّ إيراد أنواع جديدة في علم البديع، إنّما عُني في تقسيمه وتلخيصه فقط.

القرن السّابع الهجريّ حتّى الآن

عُنيت هذه المرحلة وما بعدها بتقسيم علم البديع إلى مُحسّنات بديعيّة لفظيّة ومعنويّة، ومن أشهر روّاد هذه المرحلة (فخر الدّين الرّازيّ)، فقد ألّف كتاب “نهاية الإيجاز في دراية الإعجاز” والذي أورد فيها أنواع علم البديع مُصّنفة وشاملة، ويجب الإشارة إلى أنّ المراغي أشار إلى أنّ عالم البلاغة (السّكاكيّ) كان صاحب تقسيم علم البديع إلى قسميه اللفظيّ والمعنويّ.

ومضات تاريخية حول علم البديع

عبد القاهر الجرجاني وعلم البديع

وضع عبد القاهر الجرجاني أربعة معايير لبيان دور فن البديع في اللغة، وهي على النحو الآتي:

  • توافق فنّ البديع مع المعنى وانسجامه معه.
  • صدور هذا الفن عن الطبع، وخروجه عن السليقة، والإمساك به عن التكلّف والتصنّع.
  • استخدامه لأغراص الفهم والتوضيح.
  • تجنّب الإكثار من فنّ البديع دون هدف أو فائدة.

بدرالدين الأندلسي الدمشقي وعلم البديع

يذهب البلاغيون إلى أنَّ بدرالدين بن مالك الأندلسيّ الدمشقيّ هو أول من جعل البديع علماً مستقلاً؛ إذ أفرد هذا العلم في كتابه المعروف باسم (المصباح في علـوم المعاني والبيان والبديع)، ويُذكر أنَّه لخّص القسم الثالث من كتاب مفتاح العلوم للسكاكي، والتزم بتقسيم فنون علم البديع إلى محسنات معنوية، وأخرى لفظية.

الخطيب القزويني وعلم البديع

أفرد الخطيب القزوينيّ علم البديع في كتاب الإيضاح، وفصل هذا العلم عن علوم البلاغة الأخرى فصلاً تاماً، وبهذا انقسمت البلاغة إلى ثلاثة علوم، وهي: البيان، والمعاني، والبديع، وأصبح علم البيان يُعرف ببلاغة التعبير، بينما عُرف علم المعاني ببلاغة الإقناع والتأثير، أمّا علم البديع فأصبح معروفاً ببلاغة التحسين.

فنون علم البديع

وضع ابن المعتز ثمانية عشر فناً لعلم البديع، وتأثّر البلاغيون من بعده فيما وضعه، وأخذوا يُطوّرون هذا العلم، فمثلاّ أولى قدامة بن جعفر علم البديع أهمية خاصة، وزاد على فنونه تسعة أنواع أخرى، ثمَّ جاء أبو هلال العسكري وسار على نهج ابن المعتز وقدامة من فنون البديع، وأضاف إليه، حتّى وصلت فنونه إلى سبعة وثلاثين، وبعد ذلك زاد ابن رشيق القيروانيّ على سابقيه تسعة أنواع جديدة، ما جعل فنون البديع تتطور شيئاً فشيئاً، حتّى وصلت في القرن الثامن الهجري إلى مئة وخمسة وأربعين محسن بديعيّ، والمحسنات البديعية نوعان، وهما:

  • المحسنات البديعية اللفظية: والتي تهدف إلى تحسين لفظ الكلام، تُفيد في تحسين المعنى؛ وذلك لأنَّ حسن المعنى مرتبط بحسن اللفظ.
  • المحسنات البديعية المعنوية: يهدف هذا النوع إلى تحسين المعنى، كما يُفيد في تحسين اللفظ.