سعيد بن المسيب وزواج ابنته – قصص وعبر أكثر من رائعة نرويها لكم من خلال موقعنا و نتمنى أن تنال إعجابكم، نعرض لكم مجموعة قصص فى غاية الروعة فى نهايتهم عبر عظيمة يمكن أن تحدث أثراً عظيماً فى حياة من يقرأها ومن المحتمل أن تتغير بسببها حياته إلى الأبد، قصص عن الحياة لا تفوتوا قرائتها ، أتمنى لكم قضاء وقتاً ممتعاً ومفيداً.

سعيد بن المسيب وزواج ابنته : سعيد بن المسيب رفض أن يزوج ابنته لوليِّ العهد وزوّجها من أبي وداعَة تلميذِه الفقير.

رجلٌ به بعض الغرور كان يهم بخلع نعليه أمام مسجد المصطفى صلى الله عليه وسلم، والناس حين ينظرون إليه نظرة الدهشة لا يثيرهم منه هذا التأنق الظاهر أو هذا الملبس الفاخر، وإنما يدفعهم إلى التساؤل أن هذا الرجل بخدمه وحشمه، بغروره وكبريائه، قد جاء ليجلس كواحد من الفقراء في مجلس الشيخ الزاهد، التقي الورع: “سعيد بن المسيب”.

وقد تكررت هذه الصورة حتى ألف الناس هذا المنظر واعتادوه في حلقات العلم التي كان يعقدها الشيخ سعيد.. حتى أن الناظر المتفحص لمجلسه يرى فيه صورة حقيقية من صور الديمقراطية في الإسلام، ويرى فيه سماحة الإسلام كما يجب أن تكون، وكيف أن الناس صغيرهم وكبيرهم، وعظيمهم وحقيرهم، أمام طلب العلم سواسية..

وللشيخ في مجلسه ذاك تلامذة وأبناء، بعضهم يكبره في السن وبعضهم دون سنه بقليل، والآخرون في عمر الزهور لو كانوا في زماننا هذا لما شاهدناهم إلا بين الحانات ودور اللهو والمجون.

ذاك يا صاح مجلس فيه بعض ما كان لمجالس الرسول يوم ولد الإسلام، فلو كنت من طلاب العلم المهرجين المتبجحين لما كان لك في المجلس نصيب ولا في الرجل وتقواه أدنى أمل.

وما كان ذلك لعصا يمسكها الرجل في يده يضرب بها المشاغبين..

وإنما لكلام الرجل روعة تحس معها أنك في عالم آخر ليست فيه إلا عصا السماء تضرب المشاغبين و اللؤماء، ولشيخوخة الرجل هيبة في النفوس، لا هي من هيبة الملوك وظلمهم، أو الحروب وويلاتها، وإنما هي مزيج تكامل له من كل هيبة هيبة، فكأنك وأنت تنصت إلى الرجل تنصت إلى ملك في مملكته، وهو يلقي أوامره المشددة إلى عماله المطيعين له من زاوية عدله، لا من زاوية ظلمه، وتحسّ من الرجل إلى جانب ذلك هيبة الحرب الضروس، وكأن كلمات الرجل وهي تخرج من فيه قذائف مدمرة يلعنُ بها الدنيا وطلابها، وظلم الظالمين، وكل ما يمت إلى معصية الله بحبل أو صلة.

والشيخ سعيد إذا انخرط في سلك حديثه لا تحس منه إنساناً يتكلم من جعبته… فحديث الرجل وشرحه هو شرح عُلوي مستقًى من منابع النبوة! فإذا حدَّث الشيخ يوماً بشرح حديث أو آية استنبط منها معانٍ لو قسم الإعجاز البياني إلى قسمين.. قسم التنزيل الرباني، وقسم البيان البشري لكان للرجل قسم البيان البشري بلا منازع أو مجادل.

وناهيك برجل وهب للخالق نفسه فلا يقول إلا لله ولا يستلهم إلا من الله، ولا يتكلم إلا باسم الله.

وقف سعيد مرة من وقفاته تلك.. وأخذ يتحدث إلى الناس ويقول لهم:

أتعرفون أن غضب الله لاحق بكم، وما ذاك إلا لأن سنة نبيه قد ضاعت بينكم، والرحمة قد نزعت من قلوبكم، وتكالبتم على حب التفاخر بالأنساب والأموال، وإن أحدكم لو خير بين أن يتزوج من سلالة النبي أو يزوج لهم أو أن يتزوج من أولياء الأمر وأصحاب الحكم أو يزوج لهم، لغلبه شيطان الدنيا وأضله هواه واختار الثانية، وإني لأراكم تؤثرون لبناتكم كل ذي مال ونسب وليس كل ذي علم وأدب، وأراكم تغالون في المهور وتطلبون منها الباهظ، وتؤثرون الكثير منها على القليل، وفي ذلك كما يعلم الله انتقاص الإنسانية بناتكم المؤمنات، حيث تضعونهن موضع السلعة التي يشتط في طلب ثمنها، وفي ذلك دليل على ضعف إيمانكم ومخالفتكم لأوامره صلى الله عليه وسلم .

واسترسل الشيخ سعيد في حديثه وانخرط في كل اسلاكه..

وذهل الحاضرون من وقع هذا الكلام في نفوسهم.. وانتقلوا بدورهم إلى عالم الروحانية الصافي وطأطؤوا رؤوسهم وبدوا وكأنهم ما أصابوا من الدنيا وما أصابت الدنيا منهم.

وفي هذه اللحظات الربانية كان يجلس في ذيل المجلس رجلان.. لا تبدو عليهما مظاهر احترام قدسية المسجد وتعظيمه، وكأنهما ليسا في مجلس علم هذه سماته، يتهامسان آونة ويتغامزان أخرى، ويبتسمان ساعة ويتسامران ثانية كأن الله طمس على قلبيهما فهما عن العلم معرضان، وأعمى بصائرهما فهما لا يفقهان، وفهم الشيخ سعيد ما وظيفة هذين وما حقيقتهما، وبحاسته الإسلامية أدرك ماذا يقولان وعن أي شيء يتغامزان، وأيقن أنهما من رجال عبد الملك بن مروان جاءا ليشوها صورة مجلسه الكريم..

وبلغت وقاحة واحد منهما مبلغها حين صاح مقاطعاً حديث الشيخ قائلاً:

إنك هنا في المسجد تمثل دور الشيخ الزاهد، بينما أنت في السوق تجمع المال جمعاً، وإن ابنتك يتسابق إليها العظماء، وما أظنك إلا مزوجها أحدهم، ولم لا تزوجها واحداً من الفقراء؟

سعيد بن المسيب وزواج ابنته

وهاج الحاضرون وصاحوا غضباً، ونهض بعضهم محاولاً إيذاء الرجلين، وعلا صوت يقول: إن الشيخ على النقيض من ذلك، وإن حادثة رفضه ثلاثين ألف درهم، ورفضه كل هبات عبد الملك بن مروان، تدل على أنه غير لاهث وراء جمع المال.

وقال آخرون: إن تاريخ زهد الرجل وهِبته نفسه لله وعباداته لا يجوز أن يقال معها عن الرجل هذا الكلام، واختلطت الكلمات ببعضها، والشيخ واقف لا يتكلم، وكأنه يستجمع أطراف حديثه أو ينتظر الإلهام بالجواب!!

وسكت الناس وانتظروا.. وتكلم الشيخ وأرهف الناس أسماعهم له.. حيث قال:

الله.. الله..!! إن الدنيا حقيرة وهي إلى كل حقير أميَل وأحَب، وأحقر منها من أخذها بغير حقها وطلبها من غير وجهها ووضعها في غير سبيلها.

أيها الناس: لا تملؤوا أعينكم من أعوان الظلم إلا بالإنكار عليهم في قلوبكم، حتى لا تحبط أعمالكم، يد الله فوق الجميع، فمن رفع نفسه ووضع غيره خفضه الله، الناس تحت كنف الله يجازون بأعمالهم، فإذا أراد الله فضيحة عبد أخرجه من تحت كنفه فبدت للناس عورته، الله… الله..!!.. إياكم وذكر الناس بما ليس فيهم ورميهم بما لم يفعلوا.

والله لو طلبت جمع المال لأتاني مسرعاً.

وقد رأيتموني بينكم أبيع الزيت في السوق بدرهم ودريهمات، وما فضلت على ذلك عطاء الخليفة من الآلاف والمئات.

والله ما قبلت، ولن أقبل أن تتزوج ابنتي عظيماً من العظماء أو وزيراً من الوزراء والأيام القادمة تريكم برهان ذلك.. الله، الله..

وانفض المجلس، وخرج الناس يتحدثون بكلام الشيخ سعيد، وبمنزلته في نفوسهم. وخرج الرجلان يحملان كل خيبة وفشل!!

وأقبل يوم بويع فيه الوليد بن عبد الملك ولي عهد للخلافة، وطلب من الشيخ سعيد أن يبايع، ولكنه رفض وصمم على الرفض، وأبى كل الإباء إلا أن يعلن: أن هذا الوليد غير جدير بالخلافة، وأن هناك من هو أجدر بها منه.

وكان جزاء الشيخ أن ضرب وعذب وطيف به في الأسواق مهاناً، وهو باق على تصميمه وعزمه.

وأقبل يوم آخر طلب الخليفة من الشيخ سعيد أن يزوج ابنته من ابنه وولي عهده (الوليد) وابى الشيخ، ورفض، وضرب، وعذب، وهو يقول بملء فيه: لا.. لا.. وبقي أيضاً علي تصميمه وعزمه.

وتكررت مواقف الشيخ سعيد بن المسيب، وذاع في الآفاق صيته، واجتمع الرجلان المشاغبان المأجوران ذات يوم في مجلس من مجالسهما.

وأسر أحدهما لثانيهما:

ألا ترى معي أننا ظلمنا الشيخ وبعنا ديننا مقابل دراهم يعطيها لنا الخليفة، أما آن لنا أن نتوب وأن نرجع إلى حظيرة الحق؟

وردَّ عليه الثاني قائلاً: لقد ساورتني هذه الأوهام، وفكرت فيما فكرت فيه، ولكن انتظر حتى تكون حادثة للرجل خالدة فنعلن التوبة يومها، ونستسمحه ونرجع إلى الله.

وأقبلت حادثة الحادثات، وآية تقوى الرجل علمه بما يقول، وجلس الرجلان المشاغبان – فقال الأول للثاني:

أما سمعت عن الحادثة؟

أية حادثة؟!!

إن الشيخ سعيداً قد زوج ابنته!!

أمن الوليد بن عبد الملك؟

لا.. من أبي وداعة..

ومن يكون أبو وداعة.. أهو كبير من الكبراء؟

لا.. إن أبا وداعة طالبٌ فقيرٌ كان يواظب على مجالس الشيوخ..

وقد تزوج مرة وماتت زوجته.

يا الله.. تزوج مرة وماتت زوجته، وطالب فقير لا مال له..!

إذن وكيف دفع المهر؟

لقد زوجها الشيخ إياه بدرهم وخاتم من حديد، بل وأخذها من يدها إلى منزل أبي وداعة وسلمها إياه.

أتصدق في حديثك؟

نعم والله أصدق..

“وينتحب الرجل الثاني ويبكي بكاء مراً فيقول له الرجل الأول”: ما يبكي في هذا يا صحبي؟

فيرد عليه الرجل الثاني قائلاً:

والله لبكاء اليوم خير من عذاب الغد، أترضى أن نبيع نحن ديننا إلى هذا الحد ويشتريه آخرون إلى هذا الحد، لقد تجنينا على الحق وظلمنا الرجل.

وها هي ذي الحقائق تبين لنا مدى جرمنا، وتؤكد أن هذا الرجل فلتة من الفلتات، ونادرة من نوادر التاريخ، والله إني لأشعر بتقريع ضميري، وإن العار الذي لحق بي وبك لا بد وأن يسجله التاريخ، فتبقى سيرتنا في الناس سيرة سيئة، ونكتب عند الله من المعتدين.

إيه يا أخي: لقد هولت في تجسيم خطبنا، حتى لكأني أشعر به جرم الدنيا والآخرة، قل لي بربك ماذا نفعل؟

لقد بدأ ضميري يستيقظ.. هل عندك من حل؟

نعم.. هيا بنا فلنذهب إلى مجلس الشيخ سعيد، ذلك الرجل الطيب القلب، فإن عفا عنا فتلك رحمة من الله فإن مصيرنا ولا شك غضب الله وعقابه، هيا بنا هيا.

وفي مجلس الشيخ.. كان الرجلان يجلسان وعلى خديهما أثر البكاء، وفي قلبيهما سكون وخشوع!!

ورأى الشيخ سعيد من الرجلين أثر الذلة وإطراقة طالب العفو. بحاسة الرجل الصادقة علم لماذا حضرا هذه المرة! فانفرجت أساريره فرحاً إذ هدى الله على يديه رجلين بعد غيهما.

وبدأ الشيخ في حديثه، وانتحى به وجهة يخاطب بها الرجلين بطريق غير مباشر كي يهوِّن عليهما الأمر فقال:

ليس من عالم ولا شريف ولا ذي فضل إلا وفيه عيب، ولكن من الناس من لا ينبغي أن تذكر عيوبه، فمن كان فضله أكثر من نقصه وهب الله نقصه لفضله، والتوبة والرجوع إلى الحق أفضل الفضائل.

وهنا نهض الرجلان إلى الشيخ فاعتذرا إليه وطلبا الصفح، فقبل العالم الورع لهما بالمغفرة والقبول.

واستمر – بعد ذلك – في تسجيل كلماته اللؤلؤية، واستمر التاريخ في تسجيل أزهى آيات الشجاعة في الإسلام:

للعالم العامل.. للمجتهد الورع.

للشيخ الجليل الزاهد (سعيد بن المسيب)!!.

قد يهمك : قصص واقعية