يقدم لكم موقع إقرأ في هذا المقال خطب دينية عن الرسول ، و خطبة عن مواقف من حياة الرسول ، و خطب عن الرسول مكتوبة ، و خطبة عن الرسول قصيرة ، و خطب عن حياة الرسول ، و خطبة عن أخلاق الرسول مكتوبة ، كان رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- أشرف الناس نسباً وأعظمهم مكانةً وفضلاً، فهو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان. فيما يلي سنستعرض لكم مجموعة خطب دينية عن الرسول عليه أفضل الصلاة و السلام.

خطب دينية عن الرسول

خطب دينية عن الرسول
خطب دينية عن الرسول

الحمد لله الذي بعث في الناس رسولاً يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة، أحمدك يا رب على أن اخترت الرسول الكريم ليكون نوراً للعالمين.

ثم الصلاة والسلام على نبينا محمد الذي كان ضياءً للسالكين، وقدوةً للناس أجمعين.

أما بعد: هناك، وفي مكة يولد البدر, وتضيء الحياة في الأرض، تزداد الأرض جمالاً ببعثة الرسول عليه الصلاة والسلام.

لقد كانت بعثته ميلاداً للعالمين، وصفحة بيضاء للناظرين؛ فهيا بنا لنتجول في سيرة أشرف الخلق؛ لنزداد هدايةً وثباتاً على الطريق.

هلموا إلى الرحمة المهداة، إلى الذي زكاه مولاه: (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) [القلم:4].

عباد الله: هذه صفحات متنوعة من حياة رسولنا -صلى الله عليه وسلم-.

 بأبي وأمي أنت يا خير الورى *** وصلاةُ ربي والسلامُ معطرا

 يا خاتمَ الرسل الكرام محمداً *** بالوحي والقرآن كنتَ مطهرا

 لك يا رسول الله صدقُ محبةٍ *** وبفيضها شهِد اللسانُ وعبّرا

 لك يا رسول الله صدقُ محبةٍ *** لا تنتهي أبداً ولن تتغيرا

 لك يا رسول الله منا نصرةٌ *** بالفعل والأقوال عما يُفترى

 نفديك بالأرواح وهي رخيصةٌ *** من دون عِرضك بذلها والمشترى

إنه رسول الله، العابد الخاشع الخاضع لربه -جل في علاه-، له جانب من التعلق بالله، ودوام القنوت بين يديه.

في كل ليلة يقوم يناجي ربه بإحدى عشرة ركعة ويبكي فيها، قال الله له: “قم”، فقام ثلاثاً وعشرين سنة! قام الليل حتى تفطرت قدماه!.

يبيتُ يجافي جنبه عن فراشه *** إذا استثقلت بالكافرين المضاجع

يدخل بلال على رسولنا وهو يبكي، فيقول: يا رسول الله، لماذا تبكي، وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ فيقول: “أفلا أكون عبداً شكوراً؟”.

لما أتتك (قم اليل) استجبت لها *** العين تغفو وأما القلب لم ينم

تمسى تناجي الذي أولاك نعمته *** حتى تغلـغلت الأورام في الـقدم

أزيز صدرك في جوف الظلام سرى *** ودمع عينيك مثل الهاطل العمم

الليل تســهره بالوحي تعمــره *** وشيـبتك بهـود آية استــقم

يصلي الرواتب، وهي اثنتا عشرة ركعة، غير الفرائض، في كل يوم وليلة. يصوم حتى يقول القائل: لا يفطر.

كثير الذكر، تقول عنه عائشة: كان يذكر الله على كل أحيانه. كثير الاستغفار، في المجلس الواحد يقول: “رب اغفر لي وتب علي إنك أنت التواب الرحيم” مائة مرة، يجلس بعد الفجر في مصلاه يذكر الله حتى تطلع الشمس.

وفي الحج شوهد رافعاً يديه يدعو الله وهو على ناقته من بعد الظهر حتى غروب الشمس، بكل خضوع وخشوع.

يدخل مكة فاتحاً منتصراً، ولكن دخلها وهو مطأطئ رأسه انكساراً لله -تعالى- وشكراً له؛ فصلوات ربي وسلامه عليه.

إنه رسول الله! يحب الطيب وتفوح منه الرائحة الطيبة، يلبس الجميل في غير إسراف، يرشدنا للعناية بالجمال ويقول: “إن الله جميل يحب الجمال”، ويقول: “إن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده”.

يحثنا للعناية الخاصة بنا فيقول: “من الفطرة: قص الشارب، وتقليم الأظافر، وحلق العانة”، يأمرنا بالاغتسال في كل يوم جمعة؛ لنكون في أحلى صورة، وأجمل مظهر. فصلوات ربي وسلامه عليه.

إنه رسول الله! ينشأ يتيماً بلا أب، ثم تموت والدته وهو صغير، ومع ذلك ينشأ في أدب وحسن خلق وبعدٍ عن النقائص, وتجري أيام حياته فينجح فيها بكل التفاصيل.

وهذه رسالة لكل يتيم ولكل من فقد والديه: ليكن رسول الله قدوتك في النجاح والتميز والطموح، فهو سيد الناجحين، مع أنه فاقد للأبوين.

إنه خليل الله! يبتسم لكل من يقابله، يتواضع مع الناس، يزور المريض ويدعو له، يدخل الرجل لمجلسه ويقول: أيكم محمد؟ لم يكن متميزاً بلباس معين.

يسلم على الصبيان، تأخذ الطفلة الصغيرة بيده وتقول: أريدك في حاجة، فيقول: خذي بي إلى أي طريق من طرق المدينة أذهب معك.

كان -صلى الله عليه وسلم- يسمع بكاء الصبي فيسرع في الصلاة مخافة أن تفتتن أمه، وكان -صلى الله عليه وسلم- يحمل ابنة ابنته وهو يصلي بالناس، إذا قام حملها، وإذا سجد وضعها.

وجاء الحسن والحسين، وهما ابنا بنته، وهو يخطب الناس، فجعلا يمشيان ويعثران، فنزل النبي -صلى الله عليه وسلم- من المنبر فحملهما حتى وضعهما بين يديه.

ينام على الحصير حتى أثَّر على جنبه، يأكل على الأرض. فصلوات ربي وسلامه عليه.

بيتٌ من الطين بالقرآن تعمره *** تباً لقصــرٍ منيفٍ بـــــات في نغم

تسـيرُ وفقَ مـراد اللهِ في ثقةٍ *** ترعاك عين إلـه حــافظٍ حكم

فوضتَ أمــرك للديانِ مصطبراً *** بصـدقِ نفسٍ وعزمٍ غيرِ منثلم

إنه رسول الله! في بيته، يغسل ثوبه، يخصف نعله؛ يمازح أهله، يشرب من نفس الموضع الذي تشرب منه زوجته، ينام على فخذ زوجته ويقرأ القرآن.

يلاعب زوجاته؛ عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: خرجت مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في بعض أسفاره، وأنا جارية لم أحمل اللحم ولم أبدن، فقال للناس: “تقدموا”، فتقدموا، ثم قال لي: “تعالي حتى أسابقك”، فسبقته، فسكت عني، حتى إذا حملت اللحم وبدنت خرجت معه في بعض أسفاره، فقال للناس: “تقدموا”، فتقدموا، ثم قال لي: “تعالي أسابقك”، فسبقني، فجعل يضحك وهو يقول: “هذه بتلك” رواه أحمد.

إنه رسول الله! إذا وجد خطأ في بيته عاتب بلطف، يزيل المنكر ولا يجعل عاطفته تغلب عليه. يضع الصغير على فخذه ويقبله، وربما بال الصغير على ثيابه فلا يعنف، بل يرش الماء فقط على مكان بوله. فصلوات ربي وسلامه عليه.

إنه رسول الله! حياته كلها في الدعوة إلى الله، عاشها في كل لحظة من حياته، في كل ساعة، يستفيد من الموقف الذي يعيشه لكي يوصل رسالته الدعوية.

يتكلم بالحسنى، يجادل بالتي هي أحسن. يدخل الأعرابي ويسأله بعنف، فيقول الرسول له: “سل عما بدا لك”.

ويدخل أعرابي والرسول يخطب في الناس، فيوقفُ الرسول خطبته ويُجلس الأعرابي بجانبه ويعلمه ما يريد. يتكلم بكل وضوح وبيان، كل طموحه أن يتعلم الناس دينهم.

يواجهه الكفار ببعض الإغراءات ليترك دعوته وليقف عن رسالته ويقولون: إن كنت تريد زوجة زوجناك أجمل النساء، إن كنت تريد مالاً أعطيناك، فكان -صلى الله عليه وسلم- متمسكاً بهدفه: “قولوا: لا إله إلا الله؛ تفلحوا”.

يحاصره كفار قريش في الشعب، ويمنعون عنه وعن من معه من المسلمين الأكل والمال، حتى نزل بهم الجوع الشديد، والهم العظيم. فصلوات ربي وسلامه عليه.

إنه رسول الله! رحيم بأصحابه، لطيف بهم: (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ) [التوبة:128]، هو الرحمة المهداة، (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ) [الأنبياء:107]، كل من جلس بجانبه يشم منه رائحة الرفق والرحمة. يحتوي الآخرين بعاطفته وهدوئه.

بل حتى الجمادات تحب الرسول، فمرةً كان يخطب ويتكئ على جذع شجرة، فلما بنوا له منبراً من خشب ترك الجذع، فلما بدأ الخطبة صاح الجذع، وخرج له صوت غريب، فنزل الرسول من منبره، وضم الجذع له حتى هدأ.

يا الله! جذع وجماد يحن إلى رسول الله، وبعضنا لم يحركه الشوق، ولم تذرف له دمعة في الشوق لرسول الله!.

إنه رسول الله! يدخل ذلك الشاب ويقول: أريد الزنا، فيدنيه منه، وكأنه حبيبٌ إليه، ويقول له بكل لطف: “أترضاه لأمك؟ لأختك؟ لابنتك؟”، فيقول الشاب: لا. لا. ثم يضع الرسول يده الطاهرة على صدر الشاب، ويدعو له بكل رحمة وحنان ويقول: “اللهم طهر قلبه، وحصن فرجه”؛ فيخرج الشاب وهو أشد ما يكون بغضاً للفاحشة.

أيها الداعية: أرأيت الرفق في النصيحة ماذا يفعل بالمنصوح؟.

أيها المعلم، أيها الداعية: اقتبس من أخلاق الرسول -صلى الله عليه وسلم- في لطفك وهدوئك حينما تواجه صاحب الخطأ، وتأمل قول الله -جل في علاه-: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ) [آل عمران:159].

إنه رسول الله! يقترب من الشباب، فمرةً يُركبهم خلفه. يجالس الشباب، يقول له أحد الشباب يوماً: أسألك مرافقتك في الجنة، فيقول له: “أعنّي على نفسك بكثرة السجود”.

ويخصصُ جيشاً كاملاً ليقوده أسامه بن زيد وهو لم يبلغ العشرين. يأمر زيد بن ثابت، وهو في سن السادسة عشر، بتعلم لغة اليهود ليقرأ رسائلهم، يرسل مصعب بن عمير داعيةً للمدينة وهو شاب، يرسل معاذاً داعيةً للإسلام لليمن وهو شاب. فصلوات ربي وسلامه عليه.

إنه رسول الله! صاحب العفو الكبير، لم ينتقم لنفسه قط، يخرج للطائف لدعوتهم ثم يقابلونه بالطرد والرجم بالحجارة، يخرج مهموماً حزيناً، ليس لأنهم طردوه، ولكن لأنهم لم يقبلوا دعوته، وبعد لحظات يأتي جبريل ويقول: يا محمد، إن الله سمع قول قومك وما ردوا عليك، وهذا ملك الجبال، فإن شئت أن يطبق عليهم الجبلين؟ فما كان من الرسول إلا أن قال: “لا؛ لعل الله أن يخرج من أصلابهم من يعبد الله لا يشرك به شيئاً”.

يأتي أحد الجهال ويجذب الرسول من عمامته من الخلف ويقول: أعطني من مال الله الذي عندك، فيبتسم له الرسول ويأمر له بالعطاء. فصلوات ربي وسلامه عليه.

أخي المبارك: اقتبس من رسولك خلق العفو؛ اعف عن صاحبك، عن خادمك، عن زوجتك، اعف عن الموظف الذي تحت إدارتك.

كن من أهل العفو ليحبك الرحمن، واعمل بوصية الله -تعالى-: (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ) [الأعراف:199].

إنه رسول الله! صاحب الكلمة الطيبة، لم يحفظ التاريخ له كلمةً قاسية، هو القائل: “والكلمة الطيبة صدقة”.

يخدمه أنس عشر سنوات فلم يقل له يوماً: أفّ! يا الله! عشر سنوات وهو يحتمل خطأ الخادم وتقصيره. ما أحوجنا للكلمة الطيبة التي تشرح الصدر، وتؤانس الفؤاد!.

نعم -والله!- ما أحوجنا للكلمة الطيبة في البيت، في العمل، في التعامل مع الخدم والسائقين والعمال الذين نعاشرهم.

ما أحوجنا للكلمة الطيبة مع الوالدين! وخاصةً مع تقدم السن لهما: (وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا) [الإسراء:23].

إنه رسول الله! حكيم في تعامله مع الآخرين، ينزلُ الناس منازلهم، ويعرفُ للآخرين مكانتهم. يرسل رسالةً لأحد الملوك، ويقول فيها: “إلى هرقل عظيم الروم”. يستمع وينصت لمن يسأله أو يحاوره ويقول له: “هل فرغت؟”، ثم يبدأ بالحديث.

يراعي تفاوت الفهم لدى الناس واختلاف عقولهم، يجيب السائل بالقدر الذي يحتاجه؛ ليحببه للدين، لا يطيل الخطبة على الناس لكي لا يملوا منها، يعاتب أصحابه حينما يصدر منهم الخطأ مع عامة الناس، ومرةً قال لأحدهم: “أفتَّان أنت؟!”. لأنه أطال الصلاة بالناس حتى ضجروا. فصلوات ربي وسلامه عليه.

إنه رسول الله! أحسن الناس تعليماً، لا يعنف ولا يجرح المشاعر حينما يعلم الناس. أخطأ أحدهم في صلاته فعلمه بيسر، فقال الرجل: والله ما رأيت معلماً أحسن من رسول الله! والله ما كهرني ولا نهرني، وإنما قال: “إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس”.

ودخل أعرابي فبال في المسجد فقام الصحابة لينهروه فقال الرسول: “دعوه”، فلما فرغ ناداه وقال له: “إن هذه المساجد لا يصلح فيها شيء من الأذى والقذر؛ إنما هي للصلاة، وقراءة القرآن”. فصلوات ربي وسلامه عليه.

فيا أيها المعلمون، رفقاً بالطلاب! وعلموهم كما كان المعلم الأول -صلى الله عليه وسلم- يعلم الناس.

إنه رسول الله! لم يخدع أحداً، ولم يكذب في حديثٍ أبداً، حتى في الجاهلية كان يلقب بالأمين، يحفظ الأمانة ولا يخونها. صادقٌ في معاملاته حتى مع المخالفين.

فعجباً ممن يزعم محبته وهو خائن الأمانة، ناقص الديانة، يخون الأمانة التي أوكلها له ولي الأمر عبر الحيل والغش والخداع!.خطب دينية عن الرسول

اللهم اجمعنا بنبيك -صلى الله عليه وسلم- في جنان الخلد يا رب العالمين.

خطبة عن مواقف من حياة الرسول

خطب دينية عن الرسول ، الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله، الحمد لله الذي أخرج بنهر القرآن وهديه أمة محمد من ظلمات الكفر والجهل إلى نور العلم والإيمان، الحمد لله الذي اختار محمدًا لحمل رسالة السماء إلى الأرض، وجعله خاتم أنبيائه ورسله، ومكن له ولأمته ما مكن لعباده الصالحين، وجعل أمته خير أمة أخرجت للناس. ونشهد أن لا إله إلا الله الواحد الأحد، الفرد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد. ولم يكن له كفوًا أحد. ونصلي ونسلم على نبي الهدى ورسول الرحمة، خير مبعوث بالهدى إلى الإنس والجن كافتهم؛ صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد:

فيا أيها المسلمون، اتقوا الله في سركم وجهوكم، وحاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسب، واعلموا أن خير مخلوق إنسان آدمي وطئ الأرض هو نبيكم ورسول الله إليكم، وإلى الثقلين كافة محمد عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم.

وإليكم لمحات من حياته – صلى الله عليه وسلم – منذ ولد واستبشرت به الأرض إلى أن قبضه الله إليه.

أولا: محمدٌ الجنين:

لقد أكرم الله أباه عبد الله بن عبد المطلب، وأمه آمنة بنت وهب، فحملت من عبد الله بمحمد نبي الله ورسول الإسلام، وأثبتت كتب التاريخ والسير التي يطمأن على صحتها أن غير واحدة من نساء العرب اجتهدت أن تتزوج من عبد الله لما رأين سر الكرامة يشع من وجهه، ولكن حكمة الله بالغة، وأمره نافذ، فشاء أن يتزوج عبد الله بآمنة لتحمل برسول الإسلام، وتم ذلك بعناية ربانية تكلأ الأب والأم والجنين إلى أن خرج هذا للنور من ظلمات الرحم.خطب دينية عن الرسول

ثانيا: محمدٌ في مرحلة الطفولة:

أخي المسلم، تأمل رعاية الله لهذا النبي الذي أرضعته أمه ثم ماتت وهو لم يزل صغيرًا في سن الطفولة، وفارقه أبوه لم تكتحل عيناه بنظرة طويلة إلى ذلك الابن الوحيد، فقام على رعايته عمه أبو طالب، وأرضعته حليمة السعدية في بني سعد العشيرة، فجمع الله له مع كرم المحتد والنسب طيب الأخلاق ولين الطباع في غير ضعف. ولحكمة ما قبض الله أبويه وهو صغير.خطب دينية عن الرسول

من هذه الحكمة أن يتربى محمد – صلى الله عليه وسلم – على الاعتماد على النفس الصبر والقوة مع رعاية ربانية وتأهيل إلهي، وصدق الله وقوله الحق: ﴿ أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى * وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى ﴾ [الضحى: 6-7].

ولقد بطل قول الحاقدين المشركين الضالين الذين قالوا لمحمد في كبره: “إنك عالة على قومك نشأت فينا يتيما فقلاك ربك وأبغضك، وقطع الوحي عنك”، والحق قول الله تعالى: ﴿ مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى * وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى * وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى ﴾ [الضحى: 3 – 5].

ثالثا: محمدٌ في شبابه:

وحين شب عن طوقه – صلى الله عليه وسلم – ابتدأ تأهيله لحمل أزكى رسالة سماوية، فعرف بالصدق والأمانة، والحلم والأناة، وإصابة الرأي بين أقرانه ومجتمعه الأسري وحياته الاجتماعية، فلقب بالأمين لما عرف عنه من هذه الخلال الكريمة الفاضلة.

وحين بلغ ذروة شبابه – صلى الله عليه وسلم – رعى الغنم لمن يعيش بينهم بأجر زهيد، وفي ذلك إتاحة فرصة له – صلى الله عليه وسلم – ليخلو بنفسه، ويبعد عن قومه في الشعاب، فيتأمل في ملكوت الكون وأسراره، بالإضافة في تعلمه درسا طويلا في الصبر والمعاناة.

ففي رعي الغنم ما يمنح تلد الخصال – وما من نبي إلا رعى الغنم – وهذا التأمين في أسرار الكون ومن عليه جعل من محمد – صلى الله عليه وسلم – الرجل العابد الباحث عن وجود الخالق سبحانه وتعالى، فظل يختلف إلى الغار في الجبل لعبادة رب الكون ومن فيه ومن عليه، ويختلف إليه ليقضي الأيام الطوال في هذه العبادة الربانية. ولذا لم يعرف عنه – صلى الله عليه وسلم – طول حياته قبل البعثة وبعدها أنه تقوم إلى وثن أو سجد لصنم، وإنما اتجه بلى خالقه بحثا عن الحقيقة السماوية واستعدادا لحمل الرسالة.

كرم الله وجهه عن سجود

لسواه فأنكر الأصناما

رابعًا: محمدٌ النبي الرسول:

وحين أراد الله أن يمن على أهل الأرض برسالة الإسلام على يد محمد -صلى الله عليه وسلم- دوت في الوجود لفظة تلاها كتاب لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد. فبعد أن بلغ -صلى الله عليه وسلم- سن الأشد أمر بأن يصدح بالحق، ويدعو الناس إلى عبادة إله واحد. فأنزل الله عليه بواسطة جبريل عليه السلام ﴿ فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ ﴾ [الحجر: 94]. وهنا تبدأ صفحة جديدة من صفحات حياته وسيرته العطرة. فمن يكون محمد عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم؟ إنه النبي الرسول الذي شرفت به العرب والعجم من كل جنس، ولون اتبع ما جاء به من عند ربه. فلنعد سطورا من صفحات سيرته، ولنقرأ صفحات من حياة النبوية الإنسانية التي هي قدوتنا بعد التمسك بكتاب الله تعالى:

وأول ما يجب أن نعيه ونفهمه في سيرة نبي الله ورسوله ثناء الله عليه بما هو أهله، ومن جملة ذلك الثناء العطر والذكور الحسن ما نوه به الحق تبارك وتعالى من قوله سبحانه: ﴿ لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [التوبة: 128].

وقوله تعالى: ﴿ لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾ [آل عمران: 164].

ألبسه لبثه من نعته الرأفة والرحمة، وأخرجه بلى الحالق سفيرا، صادقا وسراجا منيرا، وجعل طاعته طاعته ومحبته محبته، وموافقته موافقته، فقال وقوله الحق: ﴿ مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا ﴾ [النساء: 80].

إلى غير ذلك من صفات المحبة والنصرة والتأييد من عند الله سبحانه وتعالى لخاتم النبيين المرسلين محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم. من مثل صفات الكرامة التي خص أدته بها نبيه حيث جعله مبشرا لأهل طاعته، ونذيرا لأهل معصيته، وداعيا إلى توحيده وعبادته، وسراجا منيرا يهتدى به للحق. ووهب له من للفضائل أنفسها وأزكاها فجعل السكينة لباسه والبر شعاره، والتقوى ضميره، والحكمة معقولة، والصدق والوفاء طبيعته، والعفو والمعروف خلقه، والعدل سيرته، والحق شريعته، والهدى إمامه، والإسلام ملته، أما صفات العصمة والجلال فقد جمع الله لنبيه – صلى الله عليه وسلم – من خصال الكمال المحبة والاصطفاء والشفاعة والوسيلة والفضيلة والدرجة الرفيعة والمقام المحمود، والبراق والمعراج.

والبعث إلي الأحمر والأسود، وسيادة ولد آدم، والبشارة والنذارة، والأمانة والهداية، وكونه رحمة للعالمين، وإيتاء الكتاب والحكمة والسبع الثاني، والقرآن العظيم. قد حول السكينة وصلاة الله وملائكته عليه، ووضع الإصر والأغلال عنه، وإعطاءه من المعجزات والكرامات ما لم يعط نبي قبله.

أما صفاته الخلقية:

فقد نشأ – صلى الله عليه وسلم – على أحسن الشمائل وأوقرها وأزكاها، ففي الكلام أوتي جوامع الكلم واختصر له الكلام اختصارا، وفي الصفات الإنسانية كان موفور العقل أمينا صادق الحديث كريما سح اليد محتملا حليما صابرًا محتسبًا. ويكفي في ذلك كله شهادة الله بقضه لسبحانه: ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾ [القلم: 4] بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم. أقوله هذا القول وأستغفر الله العلي العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم. خطب دينية عن الرسول

قد يهمك:

خطب عن الرسول مكتوبة

خطبةُ محبةِ النبيِّ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ

الحمدُ للهِ الذي خصنَا بخيرِ رسلهِ، وأنزلَ علينَا أكرمَ كتبهِ، وشرعَ لنَا أكملَ شرائعهِ، أحمدهُ سبحانهُ وأشكرهُ، لا أحصي ثناءً عليهِ، أكملَ لنَا الدينَ، وأتمَّ علينَا النعمةَ، فقالَ جلَّ منْ قائلٍ كريمٍ: ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا ﴾ [المائدة: 3]، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وحدهُ لا شريكَ لهُ، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُ اللهِ ورسولهُ – صلى اللهُ عليهِ وعلى آلهِ وصحبهِ وسلمَ.

أما بعدُ فاتقوا اللهَ حقَّ التقوى. فالتقوى هيَ وصيةُ اللهِ لجميعِ خلقهِ. ووصيةُ رسولِ اللهِ – صلى اللهُ عليهِ وسلمَ – لأمتهِ، قال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ غَنِيًّا حَمِيدًا ﴾ [النساء: 131].

عبادَ اللهِ: كانَ ثوبانُ مولى رسولِ اللهِ – صلى اللهُ عليهِ وسلمَ – شديدَ الحبِّ لهُ، قليلَ الصبرِ عنهُ، فأتاهُ ذاتَ يومٍ وقدْ تغيرَ لونهُ، ونحلَ جسمهُ، يُعرفُ في وجههِ الحزنُ، فقالَ لهُ النبيُّ – صلى اللهُ عليهِ وسلمَ -: مَا غيرَ لونكَ؟! قالَ: يا رسولَ اللهِ، ما بي ضرٌّ ولا وجعٌ غيرَ أني إذا لمْ أركَ اشتقتُ إليكَ واستوحشتُ وحشةً شديدةً حتى ألقاكَ، ثمَّ ذكرتُ الآخرةَ وأخافُ أنْ لا أراكَ هناكَ، لأني عرفتُ أنكَ ترفعُ معَ النبيينَ، وأني إنْ دخلتُ الجنةَ كنتُ في منزلةٍ هيَ أدنى منْ منزلتكَ، وإنْ لمْ أدخلْ لا أراكَ أبدًا، فأنزلَ اللهُ – عزَّ وجلَّ – قولهُ: ﴿ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقًا ﴾[النساء: 69].

عبادَ اللهِ: منْ رحمةِ اللهِ بنا أنْ بعثَ فينا محمدًا – صلى اللهُ عليهِ وسلمَ -، وأمرنا بالإيمانِ بهِ وتصديقهِ، واتباعهِ، والاقتداءِ بهِ، والانتصارِ لهُ، ومحبتهِ، وتقديمهِ على النفسِ والمالِ والولدِ؛ فعلى يديهِ كملَ الدينُ، وبهِ ختمتِ الرسالاتُ، وأرسلَ إليهِ أفضلَ الشرائعِ، وأنزلَ إليهِ أفضلَ الكتبِ, فهوَ خليلُ اللهِ، وهوَ كليمُ اللهِ، وهوَ صفيهُ، وهوَ رسولهُ، وهوَ حبيبهُ.

وقدِ امتنَّ اللهُ بهِ على الثقلينِ؛ الإنسِ والجنِّ، وأرسلهُ إليهما معًا، ففتحَ اللهُ بهِ أعينًا عميًا، وآذانًا صمًّا وقلوبًا غلفًا، وأخرجَ بهِ الناسَ منَ الضلالةِ إلى الهدى.

إنهُ محمدٌ – صلى اللهُ عليهِ وسلمَ – بلغَ الرسالةَ أحسنَ بلاغٍ، وأدى الأمانةَ أحسنَ أداءٍ، ونصحَ الأمةَ، وجاهدَ في اللهِ حقَّ جهادهِ.

محمدٌ بنُ عبدِ اللهِ – صلى اللهُ عليهِ وسلمَ -: أعزُّ الناسِ نسبًا، وأشرفهمْ مكانةً، أظهرَ اللهُ على يديهِ منَ المعجزاتِ ما أبهرَ العقولَ، ففلقَ لهُ القمرَ فلقتينِ، وتكلمتِ الحيواناتُ بحضرتهِ، وسبحَ الطعامُ وتكاثرَ بينَ يديهِ، وسلمَ عليهِ الحجرُ والشجرُ، وأخبرَ بالمغيباتِ، فما زالتْ تتحققُ في حياتهِ وبعدَ وفاتهِ.

إنهُ محمدٌ – صلى اللهُ عليهِ وسلمَ – الذي اختصهُ اللهُ منْ بينِ إخوانهِ المرسلينَ بخصائصَ تفوقُ العدَّ، فلهُ الوسيلةُ والفضيلةُ والمقامُ المحمودُ ولواءُ الحمدِ.

محمدٌ – صلى اللهُ عليهِ وسلمَ – أولُ منْ تنشقُّ عنهُ الأرضُ يومَ القيامةِ، وأولُ منْ يفتحُ لهُ بابُ الجنةِ، وهوَ أولُ شافعٍ وأولُ مشفَّعٍ، وهوَ سيّدُ ولدِ آدمَ أجمعينَ.

محمدٌ – صلى اللهُ عليهِ وسلمَ – الذي زكاهُ ربهُ تزكيةً ما عُرفتْ لأحدٍ غيرهُ منَ المخلوقينَ، فلقدْ زكى اللهُ عقلهُ فقالَ: ﴿ مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى ﴾ [النجم: 2]، وزكى لسانهُ فقالَ: ﴿ وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى ﴾ [النجم: 3]، وزكى شرعهُ فقالَ: ﴿ إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ﴾ [النجم: 4]، وزكى قلبهُ فقالَ: ﴿ مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى ﴾ [النجم: 11]، وزكى بصرهُ فقالَ: ﴿ مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى ﴾ [النجم: 17]، وزكى أصحابهُ فقالَ: ﴿ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا ﴾[الفتح: 29].

وزكى أخلاقهُ فقالَ: ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾[القلم: 4]، وزكى دعوتهُ فقالَ: ﴿ قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾ [يوسف: 108]..

نعتهُ بالرسالةِ: ﴿ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ ﴾، وناداهُ بالنبوةِ: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ ﴾، وشرفهُ بالعبوديةِ فقالَ: ﴿ سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ ﴾، وشهدَ لهُ بالقيامِ بها فقالَ: ﴿ وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا ﴾ [الجن: 19]

محمدٌ – صلى اللهُ عليهِ وسلمَ – الذي لا تحصَى فضائلهُ، ولا تعدُّ مزاياهُ، فما منْ صفةِ كمالٍ إلا واتّصفَ بها، ولا خصلةِ خيرٍ إلا وتحلى بها. جمعَ اللهُ له أجلَّ المقاماتِ، وأسمى المراتبِ، وأكملَ المناقبِ، إذا ذُكرَ العبادُ فهوَ إمامهمْ، وإذا أشيرَ إلى العلماءِ فهوَ معلمهمْ، وإذا أشيدَ بالشجعانِ فهوَ قائدهمْ، وإذا مُدحَ الدعاةُ فهوَ قدوتهمْ، بلغَ في الدنيا يومَ المعراجِ مبلغًا ما بلغهُ مخلوقٌ غيرهُ، وخصّهُ اللهُ بالمقامِ المحمودِ يومَ القيامةِ الذي تحمدهُ عليهِ كلُّ الخلائقِ، وأعطاهُ الوسيلةَ في الجنةِ، وهيَ منزلةٌ لا تنبغي إلا لهُ.خطب دينية عن الرسول

محمدٌ – صلى اللهُ عليهِ وسلمَ – أرسلهُ اللهُ شاهدًا ومبشّرًا ونذيرًا، وداعيًا إلى اللهِ بإذنهِ وسراجًا منيرًا، شرحَ اللهُ لهُ صدرهُ، ووضعَ عنهُ وزرهَ، ورفعَ لهُ ذكرهُ وأعلى في العالمينَ قدرهُ، ما رآهُ أحدٌ إلا هابهُ، ولا عاشرهُ أحدٌ إلا أحبّهُ حبًّا جمًّا، صاحبُ الوجهِ الوضاءِ، والطهرِ والصفاءِ، دائمُ الابتسامةِ، مليحُ الوجهِ، أكحلُ العينينِ، كالقمرِ ليلةَ البدرِ استنارةً وضِياءً، أشدُّ حياءً منَ العذراءِ.

يقولُ أنسٌ – رضيَ اللهُ عنهُ -: «مَا مَسَسْتُ حَرِيرًا وَلاَ دِيبَاجًا أَلْيَنَ مِنْ كَفِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ».

كانَ يُعرفُ بريحِ الطيبِ إذا أقبلَ، أحسنُ الناسِ خَلقًا وخُلقًا، وأتقاهمْ للهِ وأخشاهمْ وأكرمُهمْ، أعظمُ الناسِ تواضعًا، يُخالطُ الفقيرَ والمسكينَ، ويمشي معهمْ، وينطلقُ معَ الجاريةِ الصغيرةِ تأخذُ بيدهِ حيثُ شاءتْ، ولا يتميزُ عنْ أصحابهِ بمظهرٍ، يزورُ كبيرهمْ ويسلّمُ على صبيانهمْ، يأتي ضعفاءهمْ ويعودُ مرضاهمْ، ويشهدُ جنائزهمْ، يجلسُ على الأرضِ ويأكلُ عليها، يعقِلُ الشاةَ ويحلبهَا، يخصفُ نعلهُ ويخيطُ ثوبهُ ويخدمُ أهلهُ.

يبيتُ اللياليَ طاويًا بلا عشاءٍ، يعصبُ الحجرَ والحجرينِ على بطنهِ منْ شدةِ الجوعِ، يقبلُ الهديةَ ولا يأخذُ الصدقةَ، أشجعُ الناسِ، وأرحمُ الناسِ، وصدقَ اللهُ: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ﴾ [الأنبياء: 107].

وأجملُ منكَ لمْ ترَ قطُّ عيني

وأفضلُ منكَ لمْ تلدِ النساءُ

خُلِقتَ مبرّأً منْ كلِّ عيبٍ

كأنّكَ قدْ خُلِقتَ كما تَشاءُ

فَمَا أعظمهُ منْ رجلٍ! وما أجلهُ منْ نبيٍّ! وما أعزَّهُ منْ رسولٍ! صلى اللهُ عليهِ وسلمَ.

حُقَّ لنا معشرَ المسلمينَ الفخرُ بهذا النبيِّ الكريمِ ومباهاةُ الأممِ بهِ.

عبادَ اللهِ: لنْ يَكْتملَ الإيمانُ الحقيقيُّ في قلوبنا، ولنْ نذوقَ حلاوتهُ، ونُحسُّ بالراحةِ النفسيةِ الحقيقيةِ والطمأنينةِ؛ حتى نحبَّ النبيَّ – صلى اللهُ عليهِ وسلمَ – حبًّا أكثرَ منْ أنفسنا وأهلِينا وأموالنا وكلِّ الدنيا، فعنْ أبي هريرةَ – رضيَ اللهُ عنهُ – أنَّ رسولَ اللهِ – صلى اللهُ عليهِ وسلمَ – قالَ: «لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ، حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ»

فهذا الحديثُ منْ أوضحِ الأدلةِ على وجوبِ محبةِ الرسولِ – صلى اللهُ عليهِ وسلمَ -؛ لأنَّ المؤمنَ لا يستحقُّ اسمَ الإيمانِ الكاملِ، ولا يدخلُ في عدادِ الناجينَ؛ حتى يكونَ الرسولُ – صلى اللهُ عليهِ وسلمَ – أحبَّ إليهِ منْ والدهِ وولدهِ والناسِ أجمعينَ.خطب دينية عن الرسول

ومنْ لوازمهِ أنْ تكونَ أوامرُ الرسولِ – صلى اللهُ عليهِ وسلمَ – ونواهيهِ مقدمةً على كلِّ الأوامرِ والنواهي في جميعِ ما جاءَ بهِ منَ المكارمِ والمحاسنِ والفضائلِ، في العسرِ واليسرِ، ووقتِ الضرِّ والشكرِ، وعلى صعوبةِ الأمرِ وسهولتهِ، ومحنتهِ ونعمتهِ، وعلى جوعنا وشبعنا، وبلائنا ورخائنا، ومنشطنا ومكرهنا، وحالِ سعتنا وضيقنا، أوْ حالِ غضبنا ورضانا، أوْ حالِ حزننا وفرحنا، يجبُ أنْ نقدمَ محبةَ الرسولِ – صلى اللهُ عليهِ وسلمَ – في جميعِ هذهِ المواقفِ.

أحبهُ أصحابهُ – رضيَ اللهُ عنهمْ – حبًّا ما سمعَ التاريخُ بمثلهِ. سئلَ عليٌّ بنُ أبي طالبٍ – رضيَ اللهُ عنهُ – كيفَ كانَ حبكمْ لرسولِ اللهِ – صلى اللهُ عليهِ وسلمَ – فقالَ: (كانَ واللهِ أحبَّ إلينا منْ أموالنا وأولادنا وأبنائنا وأمهاتنا ومنَ الماءِ الباردِ على الظمإِ).

قالَ شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميةَ – رحمهُ اللهُ -: وأما السببُ في وجوبِ محبتهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – وتعظيمهِ أكثرَ منْ أيِّ شخصٍ؛ فلأنَّ أعظمَ الخيرِ في الدنيا والآخرة لا يحصلُ لنا إلا على يدِ النبيِّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – بالإيمانِ بهِ واتباعهِ، وذلكَ أنهُ لا نجاةَ لأحدٍ منْ عذابِ اللهِ، ولا وصولَ لهُ إلى رحمةِ اللهِ إلا بواسطةِ الرسولِ؛ بالإيمانِ بهِ ومحبتهِ وموالاتهِ واتباعهِ.) اهـ مجموع الفتاوى 27/.

وإنَّ منْ مقتضياتِ هذا الحبِّ – أيضًا – أنْ يكثرَ المسلمُ منْ ذكرهِ والصلاةِ والسلامِ عليهِ، وأنْ يتمنى رؤيتهُ، والشوقَ إلى لقائهِ، وسؤالَ اللهِ اللحاقَ بهِ على الإيمانِ، وأنْ يجمعَ بينهُ وبينَ حبيبهِ في مستقرِّ رحمتهِ، وقدْ أخبرَ – صلى اللهُ عليهِ وسلمَ – بأنهُ سيوجدُ في هذهِ الأمةِ منْ يودُّ رؤيتهُ بكلِّ ما يملكونَ، فأخرجَ مسلمٌ في صحيحهِ عنْ أبي هريرةَ أنَّ رسولَ اللهِ – صلى اللهُ عليهِ وسلمَ – قالَ: « مِنْ أَشَدِّ أُمَّتِي لِي حُبًّا، نَاسٌ يَكُونُونَ بَعْدِي، يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ رَآنِي بِأَهْلِهِ وَمَالِهِ »

أسألُ اللهَ – سبحانهُ وتعالى – أنْ يعظمَ محبةَ رسولهِ في قلوبنا، وأنْ يجعلَ محبةَ رسولِ اللهِ – صلى اللهُ عليهِ وسلمَ – أعظمَ عندنا منْ محبةِ أنفسنا وأهلنا، وآبائنا وأمهاتنا، وأزواجنا وبناتنا، وأنْ يجعلَ محبةَ رسولِ اللهِ – صلى اللهُ عليهِ وسلمَ – طمأنينةَ قلوبنا، وانشراحَ صدورنا، وأنْ يجعلَ محبتهُ عونًا لنا على طاعةِ اللهِ – عزَّ وجلَّ – وحُسنِ الصلةِ بهِ؛ إنهُ – سبحانهُ وتعالى – ولِيُّ ذلكَ والقادرُ عليهِ.خطب دينية عن الرسول

باركَ اللهُ لي ولكمْ بالقرآنِ العظيمِ.

خطبة عن الرسول قصيرة

الحمدُ للهِ الذي جعلَ محبتهُ – صلى اللهُ عليهِ وسلمَ – منَ الإيمانِ، وجعلَ سُنتهِ طريقًا لدخولِ الجنانِ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وحدهُ لا شريكَ لهُ، أمرَ بمحبةِ النبيِّ العدنانِ، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدهُ ورسولهُ خيرَ مَنْ صلى وصامَ – صلى اللهُ عليهِ وعلى آلهِ وأصحابهِ الكرامِ.

أما بعدُ:

أيها المسلمونَ:

إنَّ البرهانَ الصادقَ لمحـبةِ النبيِّ – صلى اللهُ عليهِ وسـلمَ – هوَ تعظـيمهُ وإجـلالهُ وطاعتهُ، وكذا تعظيمُ ما جـاءَ بهِ منَ الشـريعةِ الحـنيفيةِ السمحةِ منْ غيرِ غلوٍ ولا جفاءٍ، كما فهمها سلفُ هذهِ الأمةِ وطبقوها في واقعِ حـياتهمْ.

﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [آل عمران: 31]

أيها المسلمونَ، بعضُ الناسِ يدعي محبةَ النبيِّ – صلى اللهُ عليهِ وسلمَ -، وإذا نظرتَ في أقوالهِ وأعمالهِ رأيتهُ مخالفًا لشريعتهِ وهديهِ، والمسلمُ حقًا صلتُهُ بمحمدٍ – صلى اللهُ عليهِ وسلمَ – صلةٌ على الدوامِ وفي كلِّ الأحوالِ، فهوَ في وضوئهِ وصلاتهِ وفي صومهِ وحجهِ وزكاتهِ وكلِّ معاملاتهِ، في أكلهِ وشربهِ ونومهِ ويقظتهِ، وفي كلِّ أخلاقهِ وسلوكهِ وتصرفاتهِ، مقتدٍ بالحبيبِ – صلى اللهُ عليهِ وسلمَ.

إنَّ محبةَ الرسولِ – صلى اللهُ عليهِ وسلمَ – ليستْ مجردَ كلماتٍ ومدائحَ تُلقى منْ فترةٍ لأخرى، أوْ في إحياءِ ليلةٍ من الليالي منْ كلِّ عامٍ، تقرأُ فيها الأورادُ، وتنشدُ فيها المدائحُ النـبـويــةُ والأورادُ الصوفيةُ، وتقامُ فيها الحفلاتُ والرقصاتُ.

بلْ هيَ عملٌ واستقامةٌ واقتداءٌ، وبذلٌ وتضحيةٌ لهذا الدينِ؛ وهيَ – كذلكَ – محبةٌ وشوقٌ وحنينٌ، وحبٌّ لهذا الرسولِ الكريمِ – صلى اللهُ عليهِ وسلمَ -، وتقتضي هذهِ المحبةُ طاعتهُ وتعظـيمهُ، والتحـاكمُ إلى شريعتهِ، وإتباعِ هديهِ وسـنتهِ، وتوقـيرهِ، والدفاعِ عنه، ونصرتهِ حـيًا وميتًا، والثـناءِ عليهِ بما هوَ أهلهُ.

إنَّ محمدًا – صلى اللهُ عليهِ وسلمَ – لا يريدُ بنا أنْ نحتفلَ بمولدهِ بلْ يريدنا أنْ نتبعَ سنتهُ.

إنَّ محبتهُ – صلى اللهُ عليهِ وسلمَ – تعني طاعتهُ وليسَ كما يظنهُ البعضُ بالاحتفالِ بمولدهِ.

يا صاحبَ الحوضِ كمْ للناسِ منْ أملٍ

في وردهِ يومَ تَسقي منهُ كلَّ ظمِي

لواءكَ الحمدُ يومَ الدينِ ترفعهُ

يمناكَ يا سعدَ منْ تلقاهُ بالدعمِ

أنتَ الشفيعُ لنا في يومِ شدتنا

تقومُ وحدكَ كلُّ الرسْلٍ لمْ تقمِ

يقولُ كلُّ نبيِّ منْ تهيبهِ نفسي

فتسجدُ للرحمنِ منْ أمَمِ

تقولُ أنتَ لها يدعوكَ خالقنا اشفعْ

تشفعْ هنا للخلقِ كلهمِ

أنتَ الشفيعُ الذي ترجى شفاعتهُ

يومَ الزحامِ منَ الأهوالِ والنقمِ

أنتَ الكريمُ الذي عمتْ مكارمهُ

كلُّ الخلائقِ منْ عربٍ ومنْ عجمِ

ثمَّ اعلموا – يا عبادَ اللهِ – أنَّ منْ علاماتِ حبهِ – صلى اللهُ عليهِ وسلمَ -: كثرةُ الصلاةِ والسلامِ عليهِ في كلِّ وقتٍ وحينٍ، ففي ذلكَ الراحةُ والطمأنينةُ والأجرُ والثوابُ، وهوَ دليلٌ على هذا الحبِّ.

فاللهمَّ صلِّ وسلمْ وباركْ على نبينا محمدٍ، وارضَ اللهمَّ عنْ خلفائهِ الراشدينَ، وآلِ بيتهِ الطاهرينَ وعنْ الصحابةِ أجمعينَ، وعنِ التابعينَ، ومنْ تبعهمْ بإحسانٍ إلى يومِ الدينِ، وعنا معهمْ بمنكَ ورحمتكَ يا أرحمَ الراحمينَ.خطب دينية عن الرسول

خطب عن حياة الرسول

الخطبة الأولى ( يوم في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم) 

 الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه  الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين 

                                     أما بعد  أيها المسلمون    

يقول الله تعالى في محكم آياته : (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا) (21) الأحزاب

إخوة الإسلام

لقاؤنا اليوم – إن شاء الله – مع : ( يوم في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم ) ،ليكون لنا في ذلك قدوة حسنة ، وأسوة طيبة ، فقد ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم أروع الأمثلة في استثمار الوقت، وذلك بالنظر إلى الأعباء الجسام التي كان يقوم بها صلى الله عليه وسلم، وأعظمها تبليغ رسالة ربه للعالمين، ومع ذلك فقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يجمع إلى جانب مهام الرسالة مهامَّ أخرى كقائد ،ومعلم ، ومربي ، ومشرِّع ،ومُصلح، فضلًا عن مسئولياته في بيته كزوج وأب، ورغم مسئولياته الهامة والمتعددة فكان صلى الله عليه وسلم يهتم بالأمور الشخصية لأصحابه ويتفقد أحوالهم .خطب دينية عن الرسول

وإذا تأملنا أعمال رسول الله صلى الله عليه وسلم في يومه العادي ، فقد كان البرنامج اليومي للنبي صلى الله عليه وسلم يبدأ في الثلث الأخير من الليل، فكان صلى الله عليه وسلم أول ما يفعله إذا استيقظ من نومه – وهو الذي تنام عينه ولا ينام قلبه – أنه يذكر الله عز وجل ويحمده،    فكان صلى الله عليه وسلم يقول: «الْحَمْدُ للهِ الَّذِي عَافَانِي فِي جَسَدِي وَرَدَّ عَلَيَّ رُوحِي وأذِنَ لي بذِكرِه» (رواه أحمد). ثم يستعد صلى الله عليه وسلم بعد ذلك للقيام بين يدي الله ، فيتوضأ ، ويستاك، ويقيم الليل صلى الله عليه وسلم واقفًا يصلي بين يدي الله حتى تتورم قدماه، ففي الصحيحين واللفظ لمسلم : (عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- إِذَا صَلَّى قَامَ حَتَّى تَفَطَّرَ رِجْلاَهُ قَالَتْ عَائِشَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتَصْنَعُ هَذَا وَقَدْ غُفِرَ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ فَقَالَ « يَا عَائِشَةُ أَفَلاَ أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا ».ويظل رسول الله صلى الله عليه وسلم قائمًا بين يدي ربه، يذكره، ويستغفره، ويناجيه، ويتفكر في خلق السماوات والأرض حتى قُبَيل الفجر، ثم يرجع إلى فراشه، وما أن يسمع صوت بلال يرفع أذان الفجر حتى يثب من فراشه ويقول صلى الله عليه وسلم: «أَصْبَحْنَا وَأَصْبَحَ الْمُلْكُ للهِ» (رواه مسلم) ، لحديث عائشة رضي الله عنها: لما سئلت عن صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بالليل قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «تَنَامُ عَيْنِي وَلَا يَنَامُ قَلْبِي» (رواه البخاري). قالت: «كَانَ يَنَامُ أَوَّلَهُ، وَيَقُومُ آخِرَهُ، فَيُصَلِّي ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى فِرَاشِهِ، فَإِذَا أَذَّنَ المُؤَذِّنُ وَثَبَ، فَإِنْ كَانَ بِهِ حَاجَةٌ اغْتَسَلَ، وَإِلاَّ تَوَضَّأَ وَخَرَجَ» (رواه البخاري) ، فإذا خرج من بيته قال صلى الله عليه وسلم: «بِاسْمِ اللهِ تَوَكَّلْتُ عَلَى اللهِ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلاَّ باللَّه» (رواه أبو داود والترمذي) ، وعن أُمِّ سلَمَةَ رضي اللَّهُ عنها أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم كانَ إذَا خَرجَ مِنْ بيْتِهِ قالَ: «بِاسْمِ اللَّهِ، توكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ، اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذُ بِكَ أنْ أَضِلَّ أو أُضَلَّ، أَوْ أَزِلَّ أوْ أُزلَّ، أوْ أظلِمَ أوْ أُظلَم، أوْ أَجْهَلَ أو يُجهَلَ عَلَيَّ» (رواه أبو داود والترمذي) ، فإذا دخل المسجد أمر بلالًا بإقامة الصلاة، ثم يسوِّي صلى الله عليه وسلم صفوف المصلين، ثم يشرع صلى الله عليه وسلم في صلاة الفجر.. وبعد الصلاة كان صلى الله عليه وسلم يجلس في مصلاه ، يذكر الله حتى تطلع الشمس، ففي مسند أحمد : (حَدَّثَنِي سِمَاكٌ قَالَ قُلْتُ لِجَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ كَيْفَ كَانَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- يَصْنَعُ إِذَا صَلَّى الْفَجْرَ قَالَ كَانَ يَجْلِسُ فِي مُصَلاَّهُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ ).        

وكان أصحابه رضي الله عنهم يجالسونه ،فيتدارس شؤونهم، ويحدثهم ويحدثونه في أمور دينهم ودنياهم ،فيعلمهم ،ويعظهم ويستمع إلى شكواهم، وربما ذكروا شيئًا من أمور الجاهلية فيضحكون ويبتسم صلى الله عليه وسلم ، فقد روى مسلم في صحيحه : (عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ قَالَ قُلْتُ لِجَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ أَكُنْتَ تُجَالِسُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ نَعَمْ كَثِيرًا كَانَ لاَ يَقُومُ مِنْ مُصَلاَّهُ الَّذِى يُصَلِّى فِيهِ الصُّبْحَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ فَإِذَا طَلَعَتْ قَامَ وَكَانُوا يَتَحَدَّثُونَ فَيَأْخُذُونَ فِي أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ فَيَضْحَكُونَ وَيَتَبَسَّمُ -صلى الله عليه وسلم- ) ،وقد سنَّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم صلاة الضحى وواظب عليها؛ لحديث عائشة -رضي الله عنها- أنّها قالت: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي الضُّحَى أَرْبَعًا، وَيَزِيدُ مَا شَاءَ اللَّهُ» (رواه مسلم) ، وكان صلى الله عليه وسلم إذا عاد من صلاة الضحى ،ربما سأل أهل بيته عن طعام ، فإذا لم يجد طعامًا كان يصوم؛ لحديث عائشة -رضي الله عنها- قالت: «قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ يَوْمٍ: يَا عَائِشَةُ هَلْ عِنْدَكُمْ شَيْءٌ؟» قَالَتْ: «فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا عِنْدَنَا شَيْءٌ!! قَالَ: فَإِنِّي صَائِمٌ» (رواه مسلم) ، وكان صلى الله عليه وسلم إذا قُدِّم له طعام يأكله « ومَا عَابَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم طَعَامًا قَطُّ، إِنِ اشْتَهَاهُ أَكَلَهُ وَإِلَّا تَرَكَهُ» (متفق عليه). وكان صلى الله عليه وسلم لا يأكل منبطحًا ولا متكئًا؛ لحديث علي بن الأَقْمَر: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لاَ آكُلُ مُتَّكِئًا» (رواه البخاري)، وكان من دأبه صلى الله عليه وسلم أن يأكل على الأرض فكانت جلسته للطعام صلى الله عليه وسلم جاثيًا على ركبتيه قال صلى الله عليه وسلم : «آكُلُ كَمَا يَأْكُلُ الْعَبْدُ، وَأَجْلِسُ كَمَا يَجْلِسُ الْعَبْدُ» (الألباني في السلسلة الصحيحة).ويضرب لنا النبي صلى الله عليه وسلم أروع المثل في التواضع، فكان يقوم على خدمة أهله ونفسه فكان صلى الله عليه وسلم يخصف نعله ويخيط ثوبه، ويحلب شاته، دل على ذلك حديث عائشة -رضي الله عنها- عندما سُئلت عما كان يصنع النبي صلى الله عليه وسلم في بيته، فقالت: «كَانَ يَكُونُ فِي مِهْنَةِ أَهْلِهِ – تَعْنِي خِدْمَةَ أَهْلِهِ – فَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلَاةُ خَرَجَ إِلَى الصَّلاةِ» (رواه البخاري).وقالت أيضًا: «كَانَ بَشَرًا مِنَ البَشَر يُفَلِّي ثَوْبَهُ ( أي: ينظفه)، وَيَحْلِبُ شَاتَهُ، وَيَخْدِمُ نَفْسَهُ» (رواه أحمد).

وكان صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يجمع الناس لأمر مهم، أمر من يجمعهم له أو ينادي فيهم «الصلاة جامعة»، فينبئُهم بما جمعهم من أجله، فإذا أراد أن يُذكِّرْهم ذكَّرهم، وإذا أراد أن يخبرهم بتشريع أخبرهم ، وعندما تحين صلاة الظهر يقوم للصلاة، فكان صلى الله عليه وسلم يطيل في الركعة الأولى ما لا يطيل في غيرها؛ حتى يدرك المسلمون الصلاة، فروي عنه صلى الله عليه وسلم أنه «كَانَ يُطَوِّلُ فِي الرَّكْعَةِ الأُولَى مِنَ صَلَاةِ الظُّهْرِ، وَيُقَصِّرُ فِي الثَّانِيَةِ» (رواه البخاري) ، وكان صلى الله عليه وسلم يقيل -أي: ينام في الظهيرة – إذا انتصف النهار ، ليستعين بالقيلولة على قيام الليل، قال صلى الله عليه وسلم: «قِيلُوا؛ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَقِيلُ» (رواه الطبراني) ، وكان صلى الله عليه وسلم يتفقد أحوال الناس في معايشهم ،وتعاملاتهم ،وأسواقهم، فروي «أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَرَّ عَلَى صُبْرَةِ ( أي: كومة مجموعة من الطعام) طَعَامٍ فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِيهَا، فَنَالَتْ أَصَابِعُهُ بَلَلًا فَقَالَ: «مَا هَذَا يَا صَاحِبَ الطَّعَامِ؟»، قَالَ أَصَابَتْهُ السَّمَاءُ يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: «أَفَلَا جَعَلْتَهُ فَوْقَ الطَّعَامِ كَيْ يَرَاهُ النَّاسُ، مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنِّي» (رواه مسلم) ، وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: «كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَسْمُرُ عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ اللَّيْلَةَ كَذَلِكَ فِي الْأَمْرِ مِنْ أَمْرِ الْمُسْلِمِينَ، وَأَنَا مَعَهُ» (رواه الترمذي) ، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يجالس الناس في مجالسهم، ويزور مريضهم ،ويجيب داعيهم ،ويمشي في حاجة الضعيف والمسكين، فروي عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان «لَا يَأْنَفُ أَنْ يَمْشِيَ مَعَ الْأَرْمَلَةِ، وَالْمِسْكِينِ فَيَقْضِيَ لَهُ الْحَاجَةَ» (رواه النسائي ) ،                

وكان صلى الله عليه وسلم يتفقد أصحابه ،ويعود المريض منهم، ومن ذلك ما رواه جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «انْطَلِقُوا بِنَا إِلَى الْبَصِيرِ الَّذِي فِي بَنِي وَاقِفٍ نَعُودُهُ، وَكَانَ رَجُلًا أَعْمَى». (الألباني في السلسلة الصحيحة) ، وهكذا كان شأنه صلى الله عليه وسلم ، يقضي عامة وقته بين أمته ، يدعوهم ، ويذكرهم ، ويأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ،ويزور مريضهم ،ويعين محتاجهم… فكانت الدعوة وتفقد أحوال الأمة هي شغله الشاغل صلى الله عليه وسلم .خطب دينية عن الرسول

وأما عن شمائله وأحواله الخاصة ، فكان صلى الله عليه وسلم إذا مشى كأنما ينحط من صبب ،وإذا التفت ألتفت جميعا ، وكان خافض الطرف ، نظره إلى الأرض أطول من نظره إلى السماء ، جل نظره الملاحظة ، يسوق أصحابه ،يبدر من لقي السلام ،كانمتواصل الأحزان ،دائم الفكر ، لا يتكلم في غير حاجة ،طويل السكوت ، ويتكلم بجوامع الكلم ، ليس بالجافي ولا المهين ، يعظم النعمة وإن دقت، لا يذم منها شيئا ،لا يذم ذواقا ولا يمدحه ،ولا تغضبه الدنيا ،ولا ما كان لها ،فإذا تعوطي الحق لم يعرفه أحد ،ولم يقم لغضبه شيء حتى ينتصر له ،لا يغضب لنفسه ،ولا ينتصر لها ،إذا أشار أشار بكفه كلها، وإذا تعجب قلبها ،وإذا غضب أعرض وأشاح ،وإذا فرح غض طرفه، وجل ضحكه التبسم ،ويفتر عن مثل حب الغمام ، وكان إذا أوى إلى منزله جزأ نفسه ،فدخوله ثلاثة أجزاء ،جزء لله ،وجزء لأهله ،وجزء لنفسه ،ثم جزء جزءه بينه وبين الناس ،فيرد ذلك على العامة بالخاصة ، فلا يدخر عنهم شيئا ،  فإذا جَنَّ الليل ،صلى بالمسلمين العشاء، فإن وجد ما يهتم له من أمور المسلمين انشغل به مع كبار الصحابة، وإلا سمر مع أهله شيئًا. وإذا أراد صلى الله عليه وسلم أن يأوي إلى فِراشه فإنه كان يتوضأ قبل نومه، ثم ينفض فراشه ،ويذكر الله ويدعوه، ثم ينام على جنبه الأيمن؛ لما رواه البراء بن عازِب قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : «إِذَا أَتَيْتَ مَضْجَعَكَ، فَتَوَضَّأْ وُضُوءَكَ لِلصَّلاَةِ، ثُمَّ اضْطَجِعْ عَلَى شِقِّكَ الأَيْمَنِ، ثُمَّ قُلْ: اللَّهُمَّ أَسْلَمْتُ وَجْهِي إِلَيْكَ، وَفَوَّضْتُ أَمْرِي إِلَيْكَ، وَأَلْجَأْتُ ظَهْرِي إِلَيْكَ، رَغْبَةً وَرَهْبَةً إِلَيْكَ، لاَ مَلْجَأَ وَلاَ مَنْجَا مِنْكَ إِلَّا إِلَيْكَ، اللَّهُمَّ آمَنْتُ بِكِتَابِكَ الَّذِي أَنْزَلْتَ، وَبِنَبِيِّكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ، فَإِنْ مُتَّ مِنْ لَيْلَتِكَ، فَأَنْتَ عَلَى الفِطْرَةِ، وَاجْعَلْهُنَّ آخِرَ مَا تَتَكَلَّمُ بِهِ».(صحيح مسلم)، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : «إِذَا أَوَى أَحَدُكُمْ إِلَى فِرَاشِهِ فَلْيَنْفُضْ فِرَاشَهُ بِدَاخِلَةِ إِزَارِهِ [أي طَرَفُه]، فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي مَا خَلَفَهُ عَلَيْهِ، ثُمَّ يَقُولُ: بِاسْمِكَ رَبِّ وَضَعْتُ جَنْبِي وَبِكَ أَرْفَعُهُ، إِنْ أَمْسَكْتَ نَفْسِي فَارْحَمْهَا، وَإِنْ أَرْسَلْتَهَا فَاحْفَظْهَا بِمَا تَحْفَظُ بِهِ عِبَادَكَ الصَّالِحِينَ» (متفق عليه).

                               أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم

الخطبة الثانية ( يوم في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم) 

 الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه  الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين 

                                     أما بعد  أيها المسلمون    

هكذا كان يقضي النبي صلى الله عليه وسلم يومه العادي ، يستفتحه بذكر الله ، والصلاة، والدعاء، ويقضي عامة يومه في الدعوة ،والنصح والتوجيه والتشريع ،ومخالطة أمته، وتفقد أمورهم ،وقضاء حوائج المحتاجين منهم، فكانت حياته صلى الله عليه وسلم كلها لله، مصداقًا لقوله تعالى: (قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) [الأنعام: 162].

 أيها المسلمون

كيف نقتدي به صلى الله عليه وسلم في قضاء يومنا ، وفي سائر أعمالنا ؟ ، أولا : احرص على أن تبدأ يومك بذكر الله وتختمه بذكر الله، وتكثر في يومك من ذكر الله، كما كان يفعل الرسول صلى الله عليه وسلم ، ثانيا : واظب على قيام الليل، واعلم أن «شَرَفُ المُؤْمِنِ قِيَامُ اللَّيْلِ» (رواه الحاكم) وواظب على أذكار الصباح والمساء وغيرها، وعلى صلاة الضحى وغيرها من النوافل. ، ثالثا : احرص على الصلاة جماعة في المسجد، وخاصة صلاة الفجر؛ لما في ذلك من الخير والأجر الكبير. ،رابعا : اقضِ يومك فيما ينفعك وينفع أهل بيتك، وقم على خدمتهم وخدمة نفسك، كما كان يفعل النبي صلى الله عليه وسلم. ، خامسا : خالط مجتمعك وساعد المحتاج منهم، وزر المريض واحضر ولائمهم واجتماعاتهم واخدمهم وادعهم إلى الله وعلمهم مقتديًا برسول الله صلى الله عليه وسلم. ، سادسا : عش لأُمَّتِك ،ولنصرةِ دينك، داعيًا ومعلمًا ومتعلمًا ومساعدًا الناس، ورافعًا عنهم الجهل والمرض والفقر؛ اقتداءً به صلى الله عليه وسلم. ، سابعا : اضبط نومك ووقته ومدته وآدابه، واضبط حياتك كلها، ولا تنس أن تتعلم هدي النبي صلى الله عليه وسلم في كل ذلك.خطب دينية عن الرسول

خطبة عن أخلاق الرسول مكتوبة

إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتد، ومن يضلل فلن تجد له وليًّا مرشدًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُ الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين وتابعيهم وسلم تسليمًا كثيرًا.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب:70-71].

أما بعد: فإنَّ خير الحديث كتابُ الله، وخير الهدي هديُ محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.خطب دينية عن الرسول

أيها المسلمون: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- أسوة حسنة وقدوة صالحة للمسلمين في كل شيء، وكان منارة عالية وقمة سامقة وطودًا شامخًا في أخلاقه العظيمة، ولذا وصفه ربه أحسن توصيف فقال: (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ)[القلم:4].

وكان حُسن خُلق النبي -صلى الله عليه وسلم- شاملاً لكل شيء، للصغير والكبير، الذكر والأنثى، الحي والميت، المسلم والمشرك، مع الحيوان والجماد، فصلوات ربي وسلامه عليه.

كان النبي -صلى الله عليه وسلم- حَسَن الخلق مع ربه -جل وعلا-، معظِّم لربه، عارفًا بمقامه العظيم، ولذا قضى قريبًا من شطر زمن رسالته يدعو لتوحيد الله -جل شأنه- وإفراده بالعبادة والطاعة والمحبة.

وكان -صلوات ربي وسلامه عليه- كثير التعبُّد لله، قام بالطاعة والعبادة خيرَ قيام، قدَماه تتشقَّقُ من طول القيام، خاشعٌ لله يُصلِّي وفي صدره أزيزٌ كأزيز المِرجَل من البكاء، ولسانُه لا يفتُر عن ذكر الله، قالت عائشةُ -رضي الله عنها-: “كان يذكر الله على كل أحيانه“(رواه مسلم).

وقال ابن عمر -رضي الله عنه-: “إن كنَّا لنعُدُّ لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- في المجلس الواحد مائةَ مرةٍ: ربِّ اغفر لي وتُب عليَّ، إنك أنت التواب الرحيم”.

يقينُه بالله عظيم، يحب ما يحبه ربه، فكان يُحبُّ الصلاة ويُوصِي بها؛ قال أنس -رضي الله عنه-: كانت عامةُ وصية النبي -صلى الله عليه وسلم- حين موته: “الصلاةَ، وما ملكَت أيمانُكم“، قال: حتى جعل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يُغرغِرُ بها صدرُه وما يكادُ يُفيضُ بها لسانُه -أي: يُوصِي بها حتى فاضَت روحُه- (رواه أحمد).

وكان -صلى الله عليه وسلم- مُعظِّمًا للرسل من قبله؛ قال له رجل: يا خير البرية، فقال: “ذاك إبراهيم“(رواه مسلم).

ونهى عن إطرائه وتعظيمه؛ فقال -صلى الله عليه وسلم-: “لا تُطروني كما أطرَت النصارَى ابنَ مريم، فإنما أنا عبدٌ، فقولوا: عبدُ الله ورسوله“(رواه البخاري).

عباد الله: وكان -صلى الله عليه وسلم- حَسَن الخلق مع الناس، يدعو كلَّ أحدٍ إلى هذا الدين ولو كان المدعو صغيرًا، زار غلامًا يهوديًّا فقعدَ عند رأسه وقال له: “أسلِم“، فأسلَم الغلام (رواه البخاري).

كان يتواضَعُ للصغير ويغرِسُ في قلبه العقيدة؛ قال لابن عباس: “يا غلام: إني أُعلِّمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجِده تُجاهَك، إذا سألتَ فاسأل الله، وإذا استعنتَ فاستعِن بالله“(رواه الترمذي).

يتلطّفُ في تعليم صحابته ويُظهِر ما في قلبه من حبِّه لهم؛ أخذ بيدِ مُعاذ وقال له: “والله إني لأُحبُّك، أُوصيك -يا معاذ- لا تدعنَّ في دُبُر كل صلاةٍ أن تقول: اللهم أعنِّي على ذكرك وشكرك وحُسن عبادتك“(رواه النسائي).

لا يُعنِّفُ ولا يتكبَّر؛ بل صدره مُنشرحٌ لكل أحد؛ دخل رجلٌ -وهو يخطُب-، فقال: يا رسول الله: رجلٌ غريبٌ جاء يسأل عن دينه لا يدري ما دينُه، قال: فأقبَل عليَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وترك خطبتَه حتى انتهَى إليَّ، فأُتِي بكرسيٍّ حسبتُ قوائمَه حديدًا، قال: فقعد عليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وجعل يُعلِّمني مما علَّمه الله، ثم أتى خطبتَه فأتمَّ آخرها (رواه مسلم).خطب دينية عن الرسول

وكان -صلى الله عليه وسلم- رفيقًا بالشباب مُشفقًا عليهم، قال مالك بن الحويرث: أتينا النبي -صلى الله عليه وسلم- ونحن شَبَبةٌ مُتقاربون، فأقَمنا عنده عشرين ليلة، فظنَّ أنَّا اشتقنَا أهلَنا، وسألَنا عمن تركنا في أهلنا، فأخبرناه، قال: وكان رفيقًا رحيمًا، قال: “ارجعوا إلى أهليكم، فعلِّموهم ومُروهم، وصلُّوا كما رأيتموني أُصلِّي“(متفق عليه).خطب دينية عن الرسول

أيها المسلمون: لقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- نموذجًا فذًّا في حسن أخلاقه، فليس بفاحشٍ ولا مُتفحِّشٍ في الألفاظ، وحياؤه أشد من العذارء في خدرها، عفُّ اليد لم يضرب أحدًا في حياته؛ قالت عائشة -رضي الله عنها-: “ما ضربَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- شيئًا قطُّ بيده، ولا امرأةً ولا خادمًا، إلا أن يُجاهد في سبيل الله، ولم ينتقم لنفسه؛ بل يعفو ويصفَح، وإذا خُيِّر بين أمرين أخذ أيسَرهما ما لم يكن إثمًا”.

كل هذا وهو طلْقُ الوجه؛ قال جرير بن عبد الله: “ما رآني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قطُّ إلا تبسَّم”.

واصلٌ لرحمه، صادقٌ في حديثه، قاضٍ لحوائج المكروبين؛ قالت له خديجة: “إنك لتصِلُ الرَّحِمَ، وتصدُق الحديث، وتحمِلُ الكلَّ، وتكسِبُ المعدوم، وتَقري الضيفَ، وتُعينُ على نوائب الحق”.

بارٌّ بوالدته؛ زار قبرها فبكى وأبكى من حوله، وقال: “استأذنتُ ربي في أن أستغفر لها فلم يُؤذَن لي، واستأذنتُه في أن أزور قبرَها فأذِن لي“(رواه مسلم).

يُوصِي بالجار ويحُثُّ على حُسن جواره وإكرامه، قال لأبي ذرٍّ: “إذا طبختَ مرقةً فأكثِر ماءَها وتعاهَد جيرانك“(رواه مسلم).

رقيقُ القلب رفيقٌ بمن تحته؛ خدَمه أنسٌ عشر سنين، فما قال له أفٍّ قط، ولا قال لشيءٍ صنعَه: لم صنعتَ؟! ولا ألا صنعتَ!!

رحيمٌ بالضعفاء والمرضى؛ أمر من يُصلِّي بهم أن يُخفِّف صلاتَه من أجلهم.

رءوفٌ بالناس شديد الحِلم؛ بالَ أعرابيٌّ جهلاً منه في مسجده، فتناولَه الناس، فقال لهم: “دَعوه حتى يقضِي بولَه، وهَريقوا على بوله سجلاً من ماءٍ أو ذنوبًا من ماء؛ فإنما بُعِثتُم مُيسِّرين ولم تُبعَثوا مُعسِّرين“(رواه البخاري).

كثيرُ البذل والعطاء، لا يردُّ سائلاً ولا مُحتاجًا، قال حكيمُ بن حزامٍ -رضي الله عنه-: “سألتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأعطاني، ثم سألتُه فأعطاني، ثم سألتُه فأعطاني”(متفق عليه).

كريمُ اليد واسعُ الجُود؛ جاءه رجلٌ فأعطاه غنمًا بين جبلَين، ورأى رجلٌ عليه بُردةً فقال: اكسنيها ما أحسنها، فأعطاه إياها (رواه البخاري).

طيبٌ لا يأكل إلا طيبًا، يتوارى عن أي شُبهةٍ في المطعَم أو المشرَب، قال: “إني لأنقلبُ إلى أهلي فأجِدُ التمرةَ ساقطةً على فراشي فأرفعها لآكلَها، ثم أخشى أن تكون صدقةً فأُلقيها“(متفق عليه).

يُجِلُّ صحابته ويُعظِم مكانتهم -وإن كانوا حديثي السن-، قال عن أسامة بن زيد -وهو لم يتجاوز حينذاك الثامنة عشرة من عمره-: “أُوصيكم به فإنه من صالحيكم“(رواه مسلم).

فأين نحن -عباد الله- من هذا السمو والرقي الأخلاقي، لنبينا محمد -صلى الله عليه وسلم-؟!

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.