يقدم لكم موقع إقرأ في هذا المقال خطبه محفليه عن كبار السن ، و خطبة حقوق كبار السن في الإسلام ، و خطبة عن كبار السن قصيرة ، و خطبة محفلية عن علاقتنا بكبار السن ، كبار السن هم من تقدمت بهم الأعمار، وهم من ألطف الأشخاص الذين تقابلهم، وبعمل بسيط جداً لهم يسعدهم، سيردونه لك بدعوات ترضي قلبك وخاطرك من كل النواحي، لذا يجب أن تحرص على احترامهم، وتتعامل معهم بكل صبر ورحمة وتأن، مهما أصابهم من أمراض، وتلبي احتياجاتهم بكلّ رحابة صدر، وتكون ليّن الكلام معهم، فكلمة بسيطة قد تكون سبباً في سعادتهم ، فيما يلي خطبه محفليه عن كبار السن.

خطبه محفليه عن كبار السن

خطبه محفليه عن كبار السن
خطبه محفليه عن كبار السن

خطبه محفليه عن كبار السن ، الْحَمْدُ للهِ الَّذِي خَلَقَ الْخَلائِقَ وَحَدَّدَ أَعْمَارَهَا وَآجَالَهَا، وَقَدَّرَ أَقْوَاتَهَا وَأَرْزَاقَهَا، نَحْمَدُهُ سُبْحَانَه وَتَعَالَى وَنَشْكُرُهُ وَنَتُوبُ إِلَيهِ ونَستَغفِرُهُ، وَنَشْهَدُ أَن لَا إلَهَ إلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيه وَعَلَى آلِه وَأَصْحَابِهِ، وَالتَّابِعِينَ وَتَابِعِيهِمْ بِإحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

أَمَّا بَعْدُ:

فاتقُوا اللهَ – عبادَ اللهِ – فقَد نَجَا مَنِ اتَّقَى، وضَلَّ مَن قَادَهُ الهَوَى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُوا اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].

دَخلَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ فَاتحاً مُنتصِراً، وإذا بأَبي بَكْرٍ رضيَ اللهُ عَنهُ وأَرضَاهُ آخِذًا بَيَدِ أبيهِ أَبِي قُحَافَةَ، ذلكَ الشيخُ الكَبِيرُ، يَسُوقُهُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلمَّا رَآهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ: “أَلَا تَرَكْتَهُ حَتَّى نَكُونَ نَحْنُ الَّذِي نَأْتِيهِ”، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: هُوَ أَحَقُّ أَنْ يَأْتِيَكَ. رواهُ الإمامُ أَحمدُ، وصَححهُ الألبانيُّ.

أيهَا المؤمنونَ:

من المكارمِ العَظيمةِ، والفَضَائِلِ الجَسيمَةِ التي كَفَلَهَا الإسلامُ ودَعَا وأَكَّدَ عليهَا: مُراعَاةُ قَدْرِ كِبارِ السِّنِّ، ومَعرفةُ حَقِّهِمْ، وحِفظُ وَاجِبِهِمْ، والتَّأدُّبُ مَعهُم، ومَعرفَةُ مَا لَهم مِن حُقُوقٍ ووَاجِبَاتٍ.

أيُّهَا الإِخوةُ:

إنَّ مَراحِلَ حَياةِ الإِنسانِ إنَّمَا هِيَ قُوةٌ بَينَ ضَعْفَيْنِ؛ وقَد عَبَّرَ القُرآنُ الكَريمُ عَن ذَلكَ في قَولِهِ تَعالَى: ﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ ﴾ [الروم: 54].. هكَذا أرادَ اللهُ بحكمَتِهِ، يُولَدُ الطِّفلُ لا يَعلَمُ شَيئاً، يَكتَسِبُ المعَارِفَ، والمهَاراتِ مِن خِلالِ تَفَاعُلِهِ معَ البِيئةِ، ثُم يَبلُغُ، ثُم يَكُونُ شَابًّا قَوِيًّا مَفْتُولَ الْعَضَلَاتِ، مُتحَكِّمًا فِي شُؤونِهِ، ثُمَّ يَكُونُ كَهْلاً بَعْدَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَمَيلُ خَطُّهُ الْبَيَانِيُّ نَحْوَ النُّزُولِ إِلَى أَنْ يَصِلَ إِلَى سِنِّ الشَّيْخُوخَةِ، وَهَذَا قَدَرُ جَمِيعِ الْبَشَرِ، مَهْمَا كَانَ قَدْرُهُمْ وَمَكَانَتُهُمْ، يَقُولُ اللهُ عزَّ وجلَّ: ﴿ وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لَا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ ﴾ [النحل: 70].

وذكرَ الإمامُ مُسلمْ في مقدمةِ كِتابهِ عَنْ عَائِشَةَ رضى اللهُ تعالى عنها أَنَّهَا قَالَتْ: “أَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نُنَزِّلَ النَّاسَ مَنَازِلَهُمْ”. وثَبتَ عَنهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قالَ: “مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا، وَيَعْرِفْ حَقَّ كَبِيرِنَا فَلَيْسَ مِنَّا” رواهُ أبو دَاودَ. وثَبتَ عَنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قَالَ: ” إِنَّ مِنْ إِجْلَالِ اللَّهِ إِكْرَامَ ذِي الشَّيْبَةِ الْمُسْلِمِ، وَحَامِلِ الْقُرْآنِ غَيْرِ الْغَالِي فِيهِ وَالْجَافِي عَنْهُ، وَإِكْرَامَ ذِي السُّلْطَانِ الْمُقْسِطِ” رواهُ الإمامُ أَحمدُ.

عبادَ اللهِ:

إنَّ إكْرَامَ ذِي الشَّيْبَةِ مِنْ إجْلالِ اللَّهِ سُبْحَانَه وَتَعَالَى، إِنَّ إكْرَامَ ذِي الشَّيْبَةِ الْمُسْلِمِ مِمَّا يَتَقَرَّبُ بِهِ الْمُؤْمِنُونَ إِلَى اللهِ وَيَطْلُبُونَ بِهِ ثَوابَ اللَّهِ عَزَّ وَجلَّ وَعَظِيمَ مَوْعُودِهِ.

ثُم إِنَّ هَذَا الْحَقَّ يَعَظُمُ وَيَكْبُرُ مِنْ جِهَةِ مَا يَتَنَاوَلُهُ؛ فَإِذَا كَانَ قَرِيبًا فَلَهُ حَقُّ الْقَرَابَةِ مَعَ حَقِّ كِبَرِ السِّنِّ، وَإِذَا كَانَ جَارًا فَإضافَةً إِلَى حَقِّهِ فِي كِبَرِ سِنِّهِ فَلَهُ حَقُّ الْجِوَارِ، وَإِذَا كَانَ مُسْلِمًا فَلَهُ مَعَ حَقِّ كِبَرِ السِّنِّ حَقُّ الْإِسْلامِ، وَإِذَا كَانَ الْكَبِيرُ أَبًا أَوْ جَدًّا فَالْحَقُّ أَعْظَمُ، بَلْ إِذَا كَانَ الْمُسِنُّ غَيْرَ مُسْلِمٍ فَلَهُ حَقُّ كِبَرِ السِّنِّ؛ إِذْ إِنَّ الشَّرِيعَةَ جَاءَتْ بِحِفْظِ حَقِّ الْكَبِيرِ حَتَّى مَعَ غَيْرِ الْمُسْلِمِينِ، فَهَا هُوَ الْفَارُوقُ رَضِيَ اللهُ عَنْه وَأَرْضَاهُ رَأَى شَيْخًا ضَرِيرًا يهُودِيًّا، يَمُدُّ يَدَهُ إِلَى النَّاسِ، وَيَطْلُبُ مِنْهُمُ الْمُسَاعَدَةَ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: مَا أَلْجَأَكَ إِلَى مَا أَرَى، قَالَ الْيَهُودِيُّ: فَرَضْتُمْ عَلِيَّ الْجِزْيَةَ وَأَنَا كَبِيرُ السِّنِّ لَا أَسْتَطِيعُ الْعَمَلَ لِأُؤَدِّيَ مَا عَلَيَّ، فَلَجَأْتُ إِلَى مَدِّ يَدِي إِلَى النَّاسِ، فَرَقَّ لَهُ عُمَرُ وَأَخَذَ بِيَدِهِ، وَذَهَبَ بِهِ إِلَى مَنْزِلِهِ فَأَعْطَاهُ مَالًا، وَأَمَرَ بِإِسْقاطِ الْجِزْيَةِ عَنْه وَقَالَ: “وَاللهُ مَا أَنْصَفْنَاهُ، أَنْ أَكَلْنَا شَبِيبَتَهُ، ثُمَّ نَخْذُلُهُ عِنْدَ الْهَرَمِ”، وَأَسْقَطَ الْجِزْيَةَ عَنْ كُلِّ يَهُودِيِّ كَبِيرٍ فِي السِّنِّ.خطبه محفليه عن كبار السن .

أيهَا الإِخوةُ:

وَقَدْ أَكَّدَ مَجْمَعُ الْفِقْهِ الْإِسْلامِيِّ بِضَرُورَةِ تَوْعِيَةِ الْمُسِنِّ بِمَا يَحْفَظُ صِحَّتَهُ الْجَسَدِيَّةِ وَالرُّوحِيَّةِ وَالْاِجْتِمَاعِيَّةِ، وَمُوَاصَلَةِ تَعْرِيفِهِ بِالْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ الَّتِي يَحْتَاجُ إِلَيهَا فِي عِبَادَتِهِ وَمُعَامَلَاتِهِ وَأَحْوالِهِ، وَتَقْوِيَةِ صِلَتِهِ بِرَبِّهِ، وَحَسُنِ ظَنِّهِ بِعَفْوِهِ تَعَالَى وَمَغْفِرَتِهِ، وَتَأْكِيدِ أهَمِّيَّةِ عُضْوِيَّةِ الْمُسِنِّينَ فِي الْمُجْتَمَعِ، وَتَمَتُّعِهِمْ بِجَمِيعِ الْحُقوقِ الإِنْسانِيَّةِ، وَأَنْ تَكُونَ أُسَرُهُمْ هِي الْمَكَانُ الْأَسَاسِيُّ الَّذِي يَعِيشُونَ فِيه؛ لِيَسْتَمْتِعُوا بِالْحَيَاةِ العائلية؛ ولِيَبَرَّهُمْ أَوْلاَدُهُمْ وَأَحْفادُهُمْ، وَيَنْعَمُوا بِصِلَةِ أقرِبائِهِمْ وَأصدِقائِهِمْ وَجِيرَانِهِمْ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ أُسَرٌ فيَنبغِي أَنْ يُوَفَّرَ لَهُمُ الْجَوُّ العَائلِيُّ فِي دُورِ الْمُسِنِّينَ.

كَمَا يَجِبُ تَوْعِيَةُ الْمُجْتَمَعِ بِمَكَانَةِ الْمُسِنِّينَ وَحُقوقِهِمْ مِنْ خِلاَلِ مَنَاهِجِ التَّعْلِيمِ وَالْبَرامِجِ الإعلاميةِ، مَعَ التَّرْكِيزِ عَلَى بِرِّ الْوَالِدَيْنِ، وَإِنْشاءِ دُورِ الرِّعايَةِ لِلْمُسِنِّينَ الَّذِينَ لَا عَائِلَ لَهُمْ، أَوْ تَعْجَزُ عَائِلَاتُهُمْ عَنِ الْقِيَامِ بِهِمْ. وَالْاِهْتِمَامُ بِطِبِّ الشَّيْخُوخَةِ فِي كُلِّيَّاتِ الطِّبِّ وَالْمَعَاهِدِ الصِّحِّيَّةِ، وَتَدْرِيبُ بَعْضِ الْأَطْبَاءِ عَلَى اكْتِشَافِ أَمْرَاضِ الْمُسِنِّينَ وَعِلاَجِهَا، مَعَ تَخْصِيصِ أَقْسَامٍ لِأَمْرَاضِ الشَّيْخُوخَةِ فِي الْمُسْتَشْفَيَاتِ، وَتَخْصِيصِ مَقَاعِدَ لِلْمُسِنِّينَ فِي وَسَائِلِ النَّقْلِ، وَالْأَمَاكِنِ الْعَامَّةِ، وَمَوَاقِفِ السَّيَّارَاتِ، وَغَيْرِهَا لِرِعايَتِهِمْ.

وَهَذِهِ الْحُقوقُ – أَيُّهَا السَّادَةُ – إِنَّمَا هِيَ بَعْضٌ مِمَّا كَفَلَهُ الإِسْلامُ لَهُمْ، فَلَا يُوجَدُ دِينٌ اعتَنَى بِحُقُوقِ الشُّيُوخِ وَكِبَارِ السِّنِّ كَمَا اعتَنَى بِهَا هَذَا الدِّينُ، فَالإِسْلامُ يُعْنَى بِالْإِنْسانِ طِفْلًا، وبِهِ صبياً، وبِهِ شَابًّا، وبِهِ كَهْلاً، وَيُعْنَى بِهِ شَيْخًا، إِنَّه يَمْضِي مَعَ الْإِنْسانِ فِي رِحْلَةِ حَيَاتِهِ كُلِّهَا، مِنَ الْمَهْدِ إِلَى اللَّحْدِ، مِنْ صَرْخَةِ الْوَضْعِ إِلَى أَنَّةِ النَّزْعِ، يُشَرِّعُ لِهَذَا الْإِنْسانِ، وَيُوَجِّهُهُ فِي جَوَانِبِ حَيَاتِهِ كُلِّهَا.

نَسْأَلُ اللهَ طُولَ الْعُمُرِ مَعَ حُسْنِ الْعَمَلِ، كَمَا نَسْأَلُهُ صَحةً فِي قُلُوبِنَا وَصِحَّةَ أبدانِنَا وَأَنْ يَخْتِمَ لَنَا بِخَيْرٍ، أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ..

الخطبة الثانية

الحمدُ للهِ عَظيمِ الإِحسَانِ وَاسعِ الفَضلِ والجُودِ والامتِنَانِ، وأَشهدُ أن لا إِلهَ إلاَّ اللهُ وَحدَهُ لا شَريكَ لَهُ، وأَشهدُ أنَّ محمَّداً عَبدُهُ ورَسولُهُ؛ صلى اللهُ عليهِ وعَلى آلِهِ وأصحَابِهِ أَجمعِينَ وسَلَّمَ تَسلِيماً كَثِيرًا. خطبه محفليه عن كبار السن .

أمَّا بَعدُ:

فمِن أَهَمِّ آثَارِ الاهتِمَامِ بكِبارِ السِّنِّ ورِعايَتِهِمْ التَيسِيرُ والبَركَةُ، وانصِرافُ الفِتَنِ والِمحَنِ والبَلايَا والرَّزايَا عَن العَبدِ، وسَببٌ للخَيراتِ والبَركاتِ المتتالياتِ عَليهِ في دُنيَاهُ وعُقبَاهُ، لَقد جَاءَ في حَديثِ النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “هَلْ تُنْصَرُونَ وَتُرْزَقُونَ إِلَّا بِضُعَفَائِكُمْ” رواهُ البخاريُّ.

ومن الآثَارِ أنَّنَا إذَا احتَرَمْنَا الكَبيرَ، ورَعَينَا حُقُوقَه، يَسَّرَ اللهُ تعَالى لنَا في كِبَرِنَا مَن يَرعَى حُقُوقَنَا، جَزاءً مِن جِنسِ إِحسانِنَا، وسَيأتِي عَلينَا يَومٌ – إنْ مَدَّ اللهُ في أعمَارِنَا – نَكونُ فيهِ كُبرَاءَ مُسنِّينَ، ضَعِيفِي البَدَنِ والحَوَاسِّ، في احتياجٍ إلى مَن حَولَنَا؛ وإنْ كنَّا مُضيعِينَ حُقُوقَهُم في شَبَابِنَا، فسَيُضَيِّعُ الشَّبابُ حُقوقَنَا في كِبَرِنَا. جَزاءً وِفَاقاً.خطبه محفليه عن كبار السن .

فاللهُ عزَّ وجلَّ يقولُ: ﴿ هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ ﴾ فإنَّ جَزاءَ الإِحسانِ الإِحسَانُ، والإساءةُ جَزاؤها الإِساءةِ ولا رَيْب.

روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((مَا أَكْرَمَ شَابٌّ شَيْخًا لِسِنِّهِ إِلَّا قَيَّضَ اللَّهُ لَهُ مَنْ يُكْرِمُهُ عِنْدَ سِنِّهِ)) رواه الترمذي وغيره. وفي معناه ما رواه يحي بن سعيد المدني قال: بلغنا: أنَّ مَن أَهانَ ذَا شَيبةٍ لَمْ يَمُتْ حتَّى يَبعثَ اللهُ عَليهِ مَن يُهيِنُ شَيبَتَهُ إذَا شَابَ.

فإَذا أَكرمتَ شَيخاً وأَنتَ شَابٌّ، جازاكَ اللهُ مِن جِنسِ عَمَلِكَ؛ فهَيَّأ لكَ وأَنتَ شَيخٌ مَن يُكرِمُكَ وأَنتَ في حَاجةٍ إِلى الإِكرامِ، هذِه الأُمورُ كمَا يَقولُ النَّاسُ (سَلَفٌ)؛ البِرُّ سَلفٌ، والعُقوقُ سَلفٌ، بِرُّوا آباءَكُم، تَبَرُّكُم أبنَاؤُكُم.

ومِنَ الآثَارِ مَا يُصيبُكَ مِن دَعوةٍ طَيبةٍ لَكَ مِن رَجٍل شَابتْ لحيَتُه في الإسلامِ ربَّمَا سَعِدْتَ بها في دِينِكَ ودُنياكَ.

وأمَّا عَنِ الحقوقِ الوَاجبةِ لهذِه الفِئَةِ الغَاليةِ ففِي الاسبوعِ القَادمِ حَديثٌ عَن ذَلكَ بإذنِ اللهِ.

اللهمَّ اخْتمْ لنَا بخَيرِ، اللهمَّ اخْتمْ لنَا بخيرٍ، اللهمَّ اجْعلْ خَيرَ أَعمالِنا أوَاخِرهَا، وخيرَ أعمَالِنَا خَواتِيمَها، وخيرَ أيامِنا يومَ نلقاكَ، اللهم اجعلْ أَسعدَ اللحظاتِ وأعزَّهَا لحظةَ الوقوفِ بينَ يَدَيْكَ برحمتكَ يا أرحمَ الراحمين، اللهم ارْحمْ كِبارَنَا، ووفِّقْ للخيرِ صِغَارَنا، وخُذْ بنَواصِينَا لِمَا يُرضِيكَ عَنَّا. خطبه محفليه عن كبار السن .

خطبة حقوق كبار السن في الإسلام

عباد الله: دَخلَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ فَاتحًا مُنتصِرًا، وإذا بأَبي بَكْرٍ رضيَ اللهُ عَنهُ وأَرضَاهُ آخِذًا بَيَدِ أبيهِ أَبِي قُحَافَةَ، ذلكَ الشيخُ الكَبِيرُ، يَسُوقُهُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلمَّا رَآهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ: « أَلَا تَرَكْتَهُ حَتَّى نَكُونَ نَحْنُ الَّذِي نَأْتِيهِ »، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: هُوَ أَحَقُّ أَنْ يَأْتِيَكَ؛ رواهُ الإمامُ أَحمدُ، وصَححهُ الألبانيُّ.

أيهَا المؤمنونَ:

من المكارمِ العَظيمةِ، والفَضَائِلِ الجَسيمَةِ التي كَفَلَهَا الإسلامُ ودَعَا وأَكَّدَ عليهَا: مُراعَاةُ قَدْرِ كِبارِ السِّنِّ، ومَعرفةُ حَقِّهِمْ، وحِفظُ وَاجِبِهِمْ، والتَّأدُّبُ مَعهُم، ومَعرفَةُ مَا لَهم مِن حُقُوقٍ ووَاجِبَاتٍ.

وإن مِن حقوق الكبير في الإسلام أن يُحسَن معاملاته، بحسن الخطاب، وجميل الإكرام، وطيب الكلام، وسديد المقال، والتودد إليه؛ فإن إكرام الكبير وإحسان خطابه هو في الأصل إجلال لله عز وجل؛ فعن أبي موسى أنه صلى الله عليه وسلم قال: « إن من إجلال الله تعالى: إكرام ذي الشيبة المسلم، وحامل القرآن غير الغالي فيه والجافي عنه، وإكرام ذي السلطان المقسط »؛ حديث حسن، رواه أبو داود.

أيُّهَا الإِخوةُ: إنَّ مَراحِلَ حَياةِ الإِنسانِ إنَّمَا هِيَ قُوةٌ بَينَ ضَعْفَيْنِ؛ وقَد عَبَّرَ القُرآنُ الكَريمُ عَن ذَلكَ في قَولِهِ تَعالَى: ﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ ﴾ [الروم: 54].

عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: جاء شيخ يريد النبي صلى الله عليه وسلم، فأبطأ القوم عنه أن يوسعوا له، فقال صلى الله عليه وسلم: « ليس منَّا من لم يرحم صغيرنا، ويوقر كبيرنا »؛ حديث صحيح، رواه الترمذي، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح. خطبه محفليه عن كبار السن .

كبار السن الصالحون هم خير الناس؛ فعن عبدالله بن بسر: أن أعرابيًّا قال: يا رسول الله، من خير الناس؟ قال: « من طال عمره، وحسُن عمله ».

وعن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « خيارُكم أطولكم أعمارًا، وأحسنكم أعمالًا ».

وعن ابن عباس رضي الله عنهما، عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال: « الخيرُ مع أكابرِكم ».

عبادَ اللهِ: من مكارمِ الإسلامِ وفضائلهِ العظيمةِ حرصُه على كبارِ السنِّ، وأمرُه برعايتهِم، والقيامِ بحقوقهِم، لتتحققَّ الثمرةُ المرجوةُ وهي نزولُ الرحمةِ، ونيلُ رضا اللهِ جلَّ وعلا، وحلولُ الخيرِ والبركةِ، قال صلى اللهُ عليه وسلم: « هَلْ تُنْصَرُونَ وَتُرْزَقُونَ إِلَّا بِضُعَفَائِكُمْ »؛ رواه البخاري.

وقال صلى اللهُ عليه وسلم: « ابْغُونِي ضعفاءَكم؛ فإنَّما تُرزقونَ وتُنصرونَ بضعفائِكم »؛ رواه أحمد.

ومن حقوق كبار السن الْبَدْءُ بِالْكَلَامِ فَهُوَ أَحَقُّ بِالْإِكْرَامِ، فقد جاء أخوان إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأراد الأصغر أن يتكلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ” كبِّر كبِّر”.

مِنْ حُقُوقِ الْمُسْلِمِ عَلَى أَخِيهِ – وَكِبَارُ السِّنِّ مِنَ الْمُسِنِّينَ بِهَا أَوْلَى وَأَجْدَرُ؛ لِضَعْفِهِمْ -: الْحِرْصُ عَلَى قَضَاءِ حَوَائِجِهِمْ، وَكَشْفِ كُرُبَاتِهِمْ، وَسَتْرِ عَوَرَاتِهِمْ، وَرِعَايَتِهِمْ:

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ – كَمَا فِي «صَحِيحِ مُسْلِمٍ»: «مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا؛ نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ فِي الدُّنْيَا؛ يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَمَنْ سَتَرَ عَلَى مُسْلِمٍ فِي الدُّنْيَا؛ سَتَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ».

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم…

الخطبة الثانية

عباد الله: إِنَّ هَذَا الْحَقَّ يَعَظُمُ وَيَكْبُرُ مِنْ جِهَةِ مَا يَتَنَاوَلُهُ؛ فَإِذَا كَانَ قَرِيبًا فَلَهُ حَقُّ الْقَرَابَةِ مَعَ حَقِّ كِبَرِ السِّنِّ، وَإِذَا كَانَ جَارًا فَإضافَةً إِلَى حَقِّهِ فِي كِبَرِ سِنِّهِ فَلَهُ حَقُّ الْجِوَارِ، وَإِذَا كَانَ مُسْلِمًا فَلَهُ مَعَ حَقِّ كِبَرِ السِّنِّ حَقُّ الْإِسْلامِ، بَلْ إِذَا كَانَ الْمُسِنُّ غَيْرَ مُسْلِمٍ فَلَهُ حَقُّ كِبَرِ السِّنِّ. خطبه محفليه عن كبار السن .

وإن من أعظم من يجب علينا إكرامهم والإحسان إليهم هم الوالدان لاسيما عند الكِبَر قال تعالى: ﴿ وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا ﴾ [الإسراء: 23، 24].

ومن الآثَارِ أنَّنَا إذَا احتَرَمْنَا الكَبيرَ، ورَعَينَا حُقُوقَه، يَسَّرَ اللهُ تعَالى لنَا في كِبَرِنَا مَن يَرعَى حُقُوقَنَا؛ فعن أنس بن مالك قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: « ما أكرم شابٌّ شيخًا لسِنِّه إلا قيَّض الله له مَن يُكرمه عند سِنِّه ».

قد يهمك:

خطبة عن كبار السن قصيرة

الخطبة الأولى:

أما بعد: فيا عباد الله، أوصيكم ونفسي بتقوى الله -عز وجل-.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ) [الروم:54].

سبحان من خلق الخلق بقدرته, وصرَّفهم في هذا الوجود والكون بعلمه وحكمته, وأسبغ عليهم الآلاء والنعماء بفضله وواسع رحمته, خلق الإنسان ضعيفًا خفيفًا ثم أمده بالصحة والعافية فكان به حليمًا رحيمًا لطيفًا (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً) قوة الشباب التي يعيش بها أجمل الأيام والذكريات مع الأصحاب والأحباب.

 ثم تمر السنين والأعوام وتتلاحق، الأيام تلو الأيام، حتى يصير إلى المشيب والكبر، ويقف عند آخر هذه الحياة فينظر إليها فكأنها نسج من الخيال أو ضرب من الأحلام. يقف في آخر هذه الحياة وقد ضعف بدنه وانتابته الأسقام والآلام ثم بعد ذلك يفجع بفراق الأحبة والصحب الكرام.

إنه الكبير الذي رق عظمه وكبر سنه وخارت قواه وشاب رأسه، إنه الكبير الذي نظر الله إلى ضعفه وقلة حيلته فرحمه وعفا عنه (إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً  فَأُوْلَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا) [النساء: 98, 99].

نقف اليوم مع الكبير مع حقوقه التي طالما ضُيَّعت ومشاعره وأحاسيسه التي طالما جُرحت ومع آلامه وهمومه وغمومه وأحزانه التي كثرت وعظمت.

أصبح الكبير اليوم غريبًا حتى بين أهلِه وأولاده ثقيلاً حتى على أقربائه وأحفاده من هذا الذي يجالسه؟ من هذا الذي يؤانسه؟ من هذا الذي يباسطه ويدخل السرور عليه؟

إذا تكلم الكبير قاطعه الصبيان, وإذا أبدى رأيه ومشورته سفَّهه الصغار والصبيان, فأصبحت حكمته وحنكته إلى ضيعة وخسران, أما إذا خرج من بيته فقد كان يخرج بالأمس القريب إلى الأصحاب والأحباب وإلى الإخوان والخلان, فإذا خرج اليوم يخرج بالأشجان والأحزان, يخرج إلى الأحباب والأصحاب يُشيع موتاهم, ويعود مرضاهم, فالله أعلم كيف يعود إلى بيته, يعود بالقلب المجروح المنكسر, وبالعين الدامعة, وبالدمع الغزير المنهمر.

يا معاشر الكبار، الله يرحم ضعفكم, الله يجبر كسركم، في الله عوض عن الفائتين, في الله أنس للمستوحشين.

يا معاشر الكبار، أنتم كبار في قلوبنا, وكبار في نفوسنا, وكبار في عيوننا, كبار بعظيم حسناتكم وفضلكم بعد الله علينا، أنتم الذين علمتم وربيتم وبنيتم وقدمتم وضحيتم لئن نسي الكثير فضلكم فإن الله لا ينسى, ولئن جحد الكثير معروفكم فإن المعروف لا يَبْلى, ولئن طال العهد على ما قدمتموه من خيرات وتضحيات فإن الخير يدوم ويبقى ثم إلى ربك المنتهى, وعنده الجزاء الأوفى (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً) [الكهف:30].

يا معاشر الكبار, أمّا الآلام والأسقام التي تجدونها فالملائكة كتبت حسناتها, والله عظم أجورها, وستجدونها بين يدي الله, فالله أعلم كم كان لهذه الأسقام والآلام من حسنات ودرجات, اليوم تُزعجكم وتقلقكم وتُبكيكم وتقض مضاجعكم, ولكنها غدًا بين يدي الله تفرحكم وتضحككم, فاصبروا على البلاء واحتسبوا عند الله جزيل الأجر والثناء فإن الله لا يمنع عبده المؤمن حسن العطاء قال –صلى الله عليه وسلم-: “عجبت لأمر المؤمن إن أمره كله خيرٌ، إن أصابته ضراء صبر فكان خيرًا له, وإن أصابته سراء شكر فكان خيرًا له”(رواه مسلم 18/ 125).

عظّم الله أجوركم, وأجزل في الآخرة ثوابكم فأحسنوا الظن بما تجدونه عند الله ربكم.

يا معاشر الشباب، توقير الكبير وتقديره أدب من آداب الإسلام, وسنة من سنن سيد الأنام عليه من الله أفضل الصلاة وأزكى السلام.

يا معاشر الشباب: إجلال الكبير وتوقيره وقضاء حوائجه سنة من سنن الأنبياء وشيمة من شيم الصالحين الأوفياء (قَالَتَا لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ  فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ) [القصص:23, 24].

يا معاشر الشباب، ارحموا الكبار وقدروهم ووقروهم وأجلُّوهم فإن الله يحب ذلك ويثني عليه خيرًا كثيرًا, قال –صلى الله عليه وسلم-: “إن من إجلال الله إجلال ذي الشيبة المسلم”  (رواه أبو داود عن أبي موسى بلفظ (إن من إجلال الله إكرام ذي الشيبة المسلم) في كتاب الأدب).

 إذا رأيت الكبير فارحم ضعفه, وأكبر شيبَهُ, وقدِّر منزلته, وارفع درجته, وفرج -بإذن الله- كربته يعظم لك الثواب, ويجزل الله لك به الحسنى في المرجع والمآب.

يا معاشر الشباب، أحسنوا لكبار السن لاسيما من الوالدين من الآباء والأمهات (إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا  وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنْ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا) [الإسراء:23، 24].

 لاسيما إن كان الكبار من الأعمام والعمات والأخوال والخالات, كم تجلسون مع الأصحاب والأحباب من ساعات وساعات, كم تجالسوهم وتباسطوهم وتدخلوا السرور عليهم, فإذا جلستم مع الأقرباء الكبار مللتم وضقتم وسئمتم, فالله الله في ضعفهم… اللهَ الله في ما هم فيه من ضيق نفوسهم.

يا معاشر الشباب، ما كان للكبار من الحسنات فانشروها واقبلوها واذكروها, وما كان من السيئات والهنات فاغفروها واستروها فإن الله يُعظم لكم الأجر والثواب.

اللهم اختم لنا بخير, اللهم اختم لنا بخير, اللهم اجعل خير أعمالنا أواخرها, وخير أعمالنا خواتمها, وخير أيامنا يوم نلقاك, اللهم اجعل أسعد اللحظات وأعزها لحظة الوقوف بين يديك برحمتك يا أرحم الراحمين, اللهم ارحم كبارنا, ووفق للخير صغارنا, وخذ بنواصينا لما يرضيك عنا.

أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 الخطبة الثانية:

الحمد لله الحليم الرحمن، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده, العظيم الديان, وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبده ورسوله, أرسله بالهدى والفرقان, صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه, أهل الرحمة والرضوان, وعلى جميع من سار على نهجهم واهتدى بهديهم إلى يوم الدين.

أما بعد: فأوصيكم ونفسي بتقوى الله -عز وجل-.

سُئل بعض السلف فقيل له: من أسعد الناس؟ قال: “أسعد الناس من ختم الله له بالخير”.

أسعد الناس من حسُنت خاتمته, وجاءت على الخير قيامتُه, قال –صلى الله عليه وسلم-: “خيركم من طال عمره وحسن عمله, وشركم من طال عمره وساء عمله” (رواه أحمد (5/40) والترمذي في كتاب الزهد, باب ما جاء في طول العمر للمؤمن عن أبي بكرة, وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح).

يا ابن آدم إذا رق عظمك, وشاب شعرك فقد أتاك النذير (أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ) [فاطر: 37]. قال بعض العلماء: وهْنُ العظام والشيب في الشعر والرأس.

تذكرة من الله -جل جلاله-, وتنبيه من الله -سبحانه وتعالى- رحمة بعباده, وإلا فلربما غفلوا وكانوا عن طاعته بعيدين, فرحمهم الله -جل وعلا- بهذا النذير؛ حتى يُحسن خاتمتهم؛ حتى يُحسن الختام لهم -سبحانه وتعالى-, كان السلف الصالح -رحمة الله عليهم- إذا بلغ الرجل أربعين سنة لزم المساجد, وسأل الله العفو عما سلف وكان, وسأله الإحسان فيما بقي من الأزمان (حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنْ الْمُسْلِمِينَ  أُوْلَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ) [الأحقاف:15, 16].

كانوا إذا بلغوا أربعين عامًا لزموا بيوت الله, وأكثروا من ذكر الله, وأحسنوا القدوم على الله -جل جلاله-, أما اليوم فأبناء ستين وسبعين في الحياة يلهثون, غافلون لاهون, أما اليوم فنحن في غفلة عظيمة من طلوع الصباح إلى غروب الشمس والإنسان يلهث في هذه الدنيا, لا يتذكر ولا يعتبر, لا ينيب ولا يدَّكر, وتجده إذا غابت عليه الشمس وقد مُلئ بالذنوب والآثام من غفلة الدنيا وسيئاتها, ينطلق إلى المجالس, إلى مجلس فلان وعلان, وغيبة ونميمة وغير ذلك مما لا يُرضي الله, فيأتي عليه يومه خاملاً كسلانًا بعيدًا عن رحمة الله.

كبارنا خيارنا أهل الفضل والحلم فينا، هم قدوتنا في كل خير هم أئمتنا إلى الطاعة والبر.

يا معاشر الكبار، أنتم قدوة لأبنائكم وبناتكم وأهليكم, قدوة في مجتمعاتكم إذا جلست مع الأبناء والبنات، فإن كنت محافظًا على الخير والطاعات أحبوك وهابوك وأجلّوك وأكرموك, وإن وجدوك تسب الناس وتشتمهم وتنتقصهم وتعيبهم وتغتابهم أهانوك وأذلوك ثم سبوك وعابوك, وهكذا يجزي المحسن بالإحسان, والمسيئون بالخيبة والخسران.

يا معاشر الكبار، إنابة إلى الله الواحد القهار, وتوبة من الحليم الغفار إذا تقربت إلى الله شبرًا تقرب منك ذراعًا, وإن تقربت منه ذراعًا تقرب منك باعًا, وإذا أتيته تمشي أتاك هرولة, إذا نظر الله إلى قلبك أنك تحب التوبة وتحب الإنابة إليه فتح لك أبواب رحمته ويسر لك السبيل إلى مغفرته وجنته, إلى متى وأنت عن الله بعيد, إلى متى وأنت في غفلة؟ إلى متى وأنت بعيدُ عن الله طريد؟ ما الذي جنيت من السهرات؟ وما الذي جنيت من الجلوس هنا وهناك؟ توبة إلى الله.

قال بعض كبار السن: “اللهم أحسن لي الخاتمة”, فمات بين الركن والمقام. وقال ثان: اللهم أحسن الختام, فمات وهو ساجد بين يدي الله -جل جلاله-. وقال ثالث: اللهم إني أسألك حسن الخاتمة, فمات يوم الخميس صائمًا لله جل جلاله. أحسنوا الختام, وأقبلوا على الله جل جلاله بسلام وودعوا هذه الدنيا بأحسن العمال وشيم الكرام.

وصلوا وسلموا على الرحمة المهداة والنعمة المسداة, فقد أمركم الله بذلك حيث يقول جل في علاه: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب:56].

خطبة محفلية عن علاقتنا بكبار السن

الخطبة الأولى:

الحمد لله المتفرد بالعظمة والجلال، والمتفضل بجزيل النوال، أحمده سبحانه وأشكره، وأشهد ألاّ إله إلا الله وحده لا شريك له الكبير المتعال، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى الحق، والمنقذ من الضلال صلى الله عليه وعلى الصحب والآل وسلم تسليماً..

أما بعد فاتقوا الله عباد الله.. يقول الله تعالى: (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ) [الروم: 54]، سبحان من خلق الخلق بقدرته، خلق الإنسان ضعيفًا ثم أمده بالصحة والعافية، فكان به حليمًا رحيمًا لطيفًا، وعمرُ الإنسان يمتد به من طفولة ثم شباب ثم كهولة تحتفظ بذكريات الشباب يعيش بها أجمل الأيام فكأنها نسج خيال وقد ضعف بدنه وانتابته الأسقام والآلام، فأصبح لسانُ حاله..

ولقد بكيتُ على الشبابِ ولُمّتي *** مسودةٌ ولماءِ وجهي رونـقُ

حذِراً عليه قبلَ يومِ فـراقـهِ حتى *** لكدتُ بماءِ جفني أشرقُ

عباد الله.. حديثنا اليوم سيكون عن المسنين، فكبار السن موجودون في مجتمعنا من الأهل والأقارب والجيران، وممن نخالطهم في المساجد والمجالس.. ووجودهم والعناية بهم دليل خير وبركة نظر الله إلى ضعفهم وقلة حيلتهم فرحمهم وعفا عنهم (إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً فَأُوْلَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا) [النساء: 98].

إنها حقوق المسنين التي تضُيِّع، ومشاعره وأحاسيسه التي تجُرح، مع آلامه وهمومه التي كثرت وعظمت فلم يراع عمرُه ولا شيبته..

إن ما نراه من إهمالٍ في دولٍ غربيّة للمسنين تهملهم أسرهم، ولا يراهم أولادهم إلا القليل!! ولكننا نستغرب في مجتمعنا المسلم أن ترى في مراكز المسنين؛ حالات لآباء كبار أُهملوا من قِبل أولادهم وأهلهم، وباتوا في مركز الإيواء لا يسأل عنهم أحد يتصل المشرفون على أولادهم فيتبرءون منهم ويعتذرون مراراً عن زيارتهم، أو التواصل معهم، وإن وُفِّقُوا بجهاتٍ حكومية ورجالٍ سخرهم الله للعناية بهم ورعاية بعضهم حتى في منازلهم..

لقد حزنت كثيراً وأنا أرى بعضهم إما في دار المسنين أو يجلس لوحده؛ حيث لا أنيس ولا صاحب، وأولاده بعيدون عنه لاهون بدنياهم وهو بعجزه وشيبته لا يهتم به أحد.. إن منظر الأب المسن وهو يتفرس في زوّاره يظنهم أبناءه منظرٌ يبكي القلب قبل العين.. ولسان حاله وهو بدار المسنين يقول:

أرسلتُ روحي إلى داري تطوف بها *** لمّا خــُـــطانا إليها مالها سـبلُ

أن تسـأَل الدار إن كانت تذكّرُنا *** أم أنّها نســيت إذ أهلَها رحلوا

هيهاتُ يا دار أن تصفو الحياةُ بنا *** ويرجع الجمعُ بعد النأي مكتمــلُ

إن مِتُ يا ولدي أو طال الفراق بـنا *** فالصبر يا ولدي لا يضعفْ لنا أمــــلُ

أصبح كبير السن اليوم غريبًا حتى بين أهلِه وأولاده، إلا من رحم الله، ثقيلاً حتى على أقربائه وأصدقائه، لا يجالسه أحد! هذا إن كان معافًى فكيف بغير ذلك؟! نرى عدداً من صغارنا لا يُوقّرُ كبار السن؛ إذا تكلم قاطعه، وإذا أبدى رأيه سفَّهه فأصبحت حكمته وخبرته في الحياة إلى ضياع وخسران.. ولاشك أن لدينا من الأمثلة الرائعة في البرّ والإحسان بالوالدين وكبار السن ما يثلج الصدر ويسعد القلب..

أيها الأحبة..كبارُنا خيارنا، أهل الفضل والحلم، هم قدوتنا وأئمتُنا إلى الطاعة والبر، هم خبرات تنتظر من يستفيد منها، ويوظّفها لصالح العباد والبلاد بدلاً من إضاعتها سدًى كما يُفعل بالمتقاعدين ممن أنهى خبرة عملية، ثم لا يُستفادُ من خبرته أو يبذل شيئاً منها لجهةٍ اجتماعية أو خيريّة..

وقد اعتنت الدول بهذه المرحلة من عمر الإنسان، فوجد نظام التقاعد والتأمينات الاجتماعية، وتأسست -بحمد الله- جمعيات خاصة بالمتقاعدين لخدمتهم وتلبية احتاجاهم والاستفادة منهم، وتوظيف خبراتهم، والإسلام يؤكد على ضرورة العناية بكبار السن اقتصادياً واجتماعياً وطبياً ونفسياً..

معاشر كبار السن.. الله يرحم ضعفكم، ويجبر كسركم، إنا لنعلم أنه قد تجعّد جلدكم، وثقل سمعكم، وضعف بصركم، وتغيّر لون شعركم، ومع ذلك فأنتم كبارٌ في قلوبنا ونفوسنا، بعظيم حسناتكم وفضلكم بعد الله علينا، فأنتم من علَّم وربىّ وضحى..

ولئن نسي البعض فضلكم ومعروفكم فالله لا ينسى، والمعروف لا يَبْلَى، والخير يدوم ويبقى، ثم إلى ربك المنتهى، وعنده الجزاء الأوفى..

اصبروا على البلاء، واحتسبوا عند الله جزيل الأجر والثناء، فإن الله لا يمنع عبده المؤمن حسن العطاء، وأمر المؤمن كله خيرٌ؛ إن أصابته ضراء صبر فكان خيرًا له، وإن أصابته سراء شكر فكان خيرًا له فأحسنوا الظن بما تجدونه عند ربكم..كونوا حليمين ودعوا عنكم سرعة الغضب التي بها تخسرون من حولكم واستمتعوا بحياتكم بالنافع المفيد والنزهة بدلا من الوحدة والعزلة!

 وأنتم يا معاشر الشباب، توقير الكبير وتقديره وخدمته من آداب الإسلام وسنةٌ للأنبياء (قَالَتَا لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ) [القصص: 23- 24].

ارحموا كبارَ السن وقدَّروهم ووقِّروهم وأجلُّوهم؛فالله يحب ذلك ويثني عليه خيرًا قال -صلى الله عليه وسلم-: “إن من إجلال الله إكرامَ ذي الشيبة المسلم”، وقال عليه الصلاة والسلام: “ليس منّا من لم يرحم صغيرنا ويوقِّر كبيرنا”.

إذا رأيت الكبير فارحم ضعفه، وأكبر شيبَهُ، وقدِّر منزلته وارفع درجته، وفرَّج كُربته، يَعظُم لك الثواب، جاء أبو بكر -رضي الله عنه- بأبيه أبي قحافة للنبي -صلى الله عليه وسلم- يوم فتح مكة، يحمله حتى وضعه بين يدي رسول الله فقال له: “لو أقررتَ الشيخ في بيته لأتيناه”.

أحسنوا لكبار السن، لا سيما الوالدين، (إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنْ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا) [الإسراء: 23- 24].

 أحسنوا للأقارب الكبار.. كم تجلسون مع الأصحاب والأحباب من ساعات، وتباسطونهم!! فإذا جلستم مع الأقرباء الكبار مللتم وضقتم وسئمتم، فالله الله في ضعفهم، وما أجمل إسعادهم.. ما كان للكبار من الحسنات فانشروها واذكروها، وما كان من السيئات فاغفروها واستروها، فليس من البر إظهارُ زلتهم، وليس من البر تسمية الأب بالشايب أو الأم بالعجوز كما يفعل البعض، فهذا من قلة الذوق.. سُئل بعض السلف عن أسعد الناس؟ فقال: من ختم الله له بالخير.. ومن حسُنت خاتمته، وجاءت على الخير قيامتُه، قال -صلى الله عليه وسلم-: “خيركم من طال عمره وحسن عمله، وشركم من طال عمره وساء عمله”.

أأنعمُ عيشاً بعد ما حلَّ عــارضي*** طلائعُ شيبٍ ليس يغني خضابهـا

وعزةُ عمر المرء قبل مشيبـــه *** وقد فنيت نفس تولى شبابهــا

إذا اصفر لون المرء وابيض شعره *** تنغّص من أيامه مستطابـهــا

يا ابن آدم، إذا رق عظمك وشاب شعرك فقد أتاك النذير، (أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمْ النَّذِيرُ) [فاطر: 37]، كان بعض السلف -رحمهم الله- إذا بلغ أربعين سنة لزم المساجد وسأل الله العفو عما سلف، وكان يسأله الإحسان فيما بقي من الأزمان، (حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنْ الْمُسْلِمِينَ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ) [الأحقاف: 15]، اليوم بعض أبناء ستين وسبعين في الحياة يلهثون في الغفلة واللهو.. وضياع الوقت والإكثار من مجالس الغيبة والنميمة.

واعلم أخي المُسنّ أنه لم ينته البذل لديك فابذله ولا تحرم الناس من خبرتك.. وكن قدوةً لأولادك وأهليك، ومجتمعك، كن محافظًا على الخير والطاعات ليكرموك، وابتعد عن الخطأ فأنت قدوة للصغار ينظرون إليك نظرة إجلال واقتداء، فاحذر يا كبير السنّ من المخالفة والعصيان أو بتصرفات لا تليق بعمرك فلقد عابت العرب على الكبير سفاهته

وإن سفاه الشيخ لا حلم بعده *** وإن الفتى بعد السفاهة يحلُمِ

أحسنوا الختام، وأقبلوا على الله -جل جلاله- بسلام، وودِّعوا الدنيا بأحسن الأعمال وشيم الكرام، فالأعمال بالخواتيم.. ومما يحفظُ الصحةَ والقوة مع كبر السن: طاعة الله –تعالى-، وعدم استخدام الجوارح في معصيته، وهذا معنى قوله -صلى الله عليه وسلم-: “احفظ الله يحفظك”، فمن حفظ الله في صباه وقوته حفظه الله في حال كبره وضعف قوته، ومتَّعه بسمعه وبصره وحوله وقوته وعقله..

كان -صلى الله عليه وسلم- قلّما يقوم من مجلس حتى يدعو الله “اللهم اقسم لنا من خشيتك ما يحول بيننا وبين معاصيك، ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك، ومن اليقين ما تهوّن به علينا مصائب الدنيا، ومتعنا بأسماعنا وأبصارنا وقوتنا ما أحييتنا، واجعله الوارث منا” (رواه الترمذي)، والمراد إبقاء قوته إلى وقت الكبر..

وبعض الأعمال بسببها يطول عمر الإنسان؛ كبرِّ الوالدين وصلة الأرحام وحسن الخُلق وحسن الجوار وتقوى الله -عز وجل-.

وتعوّذ -صلى الله عليه وسلم- فقال: “اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل، والجبن والهرم” (رواه البخاري).

 وكان عليه الصلاة والسلام يتعوذ من أن يُرَدَّ إلى أرذل العمر. وعدّها -صلى الله عليه وسلم- آخر مرحلةٍ قبل الموت، قال -صلى الله عليه وسلم-: “بادروا بالأعمال سبعًا هل تنتظرون إلا فقرًا مُنسيًا أو غنى مطغيًا، أو مرضًا مفسدًا، أو هرمًا مفندًا، أو موتًا مجهزا؟!”.

وإن من إكرام ذي الشيبة المسلم نشرَ الوعي لأولادهم وأقاربهم بفضل القيام عليهم أولاً، ثم مساءلة من يتخلّى عن أحد والديه، كما أن مِن إكرامهم عمل أندية خاصة بهم، ومجالس تجمعهم تناسبهم كما قدمته بلدية المحافظة مشكورة بمنتديات الأحياء ومجلس (أبو علي) الذي يجمع بعضهم.. وكذلك يحتاجون للمدافعة عن حقوقهم ومراعاتهم، وإنهاء إجراءاتهم..

كما أن من إكرامهم: مراعاتهم في الحديث معهم فيما يعرفونه ويخبرونه، فبعض الشباب يتكلم الساعات في أمور رياضية، أو شبابية، أو سياسية بحضور آبائهم وأجدادهم الذين لا يفقهون من حديثهم شيئاً، وهذا خطأ.

 ومن إكرامهم رفع روحهم المعنوية، بكلمات التشجيع والبر.. وهو أقل الواجب، نسأل الله طول العمر مع حسن العمل، كما نسأله صحةً في قلوبنا وصحة أبداننا وأن يختم لنا بخير، أقول ما تسمعون..

الخطبة الثانية:

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وبعد..فاتقوا الله عباد الله..

أيها المؤمنون..من رحمة الله بالمسنين اختصاصهم ببعض الأحكام؛ مراعاةً لحالتهم الصحية والبدنية؛ فأُمرَ الإمام بتخفيف الصلاة مراعاةً لهم، قال -صلى الله عليه وسلم-: “إذا صلى أحدكم للناس فليخفف؛ فإن منهم الضعيف والسقيم والكبير، وإذا صلى أحدكم لنفسه فليطول ما شاء” (رواه البخاري).

ويُحَج عن كبير السن غير القادر ويُعتمَر، ولو كان حيًّا، جاءت امرأةٌ من خثعم عام حجة الوداع قالت: يا رسول الله، إن فريضة الله على عباده في الحج أدركت أبي شيخًا كبيرًا لا يستطيع أن يستوي على الراحلة، فهل يقضي عنه أن أحج عنه؟ قال: “نعم” (رواه البخاري).

وإخواننا المقيمون الذين لا يستطيع آباؤهم وأمهاتهم الحج يمكن لهم الحج عنهم.. وإذا عجز عن الصيام اُطْعِمَ عنه عن كل يوم مسكينًا.

 والسنة تقديم الكبير بالسلام والشراب تقديراً لسنّه، قال -صلى الله عليه وسلم-: “يسلم الصغير على الكبير، والمارّ على القاعد، والقليل على الكثير” (رواه البخاري).

وكان -صلى الله عليه وسلم- يقول: “ابدءوا بالكبراء”، وجاءه عيينة بن حصن فأجلسه وقال: “إذا أتاكم كبير قوم فأكرموه”.

ومن رحمة الإسلام بالمسنين أنه شمل بها حتى غير المسلمين، فنهى عن قتل الشيخ الكبير من العدو الكافر في الجهاد، وأعفاه من الجزية؛ لفقره بالصدقة عليه كما فعل عمر، وخالد بن الوليد -رضي الله عنهما- عندما صالح أهل الحيرة كتب “وجعلت لهم أيّما شيخ ضعف عن العمل أو أصابته آفة من الآفات أو كان غنيًّا فافتقر وصار أهل دينه يتصدقون عليه طرحت جزيته، وعِيلَ من بيت مال المسلمين”.

فأين منظمات حقوق الإنسان اليوم عن مثل هذه الأحكام في الإسلام والعالم اليوم يدّعي الحقوق، ثم يهملون كبار السن بل يرى بعضهم ما يسمونه بالموت الرحيم لهم بالإبر المميتة حتى لا يكلّفهم بعلاجه ورعايته.. فقيمة الإنسان لديهم ليست في ذاته، وإنما في قدرته على الإنتاج، ومن لا ينتج فمصيره الموت، ولذلك انظر كيف يهملون آباءهم وأمهاتهم إذا كبروا؟!

هذه هي الحضارة التي يُنادى بها في مجتمعاتنا، ويسوّق لها مَن أُعجب بنمط عيشهم وبرّهم، فأخذوا الحسن والسيئ منهم بلا تفريق..

أما الإسلام فقد أعطانا نموذجًا للرحمة يجب أن نتعامل به ونلتزمه فيما بيننا؛ مراعاةً للكبير والصغير والمرأة والفقير.

اللهم اجعل خير أعمالنا أواخرها، وخير أعمارنا خواتمها، وخير أيامنا يوم لقائك، اللهم ارحم كبارنا، ووفق للخير صغارنا واجعل عامنا الجديد عام خير وبركة للإسلام والمسلمين..

عباد الله أنتم بشهر محرم، وردت فيه سُنة الصيام، ومنه سُنة صيام يوم عاشوراء الذي يوافق يوم السبت بعد القادم، وصيام يوم قبله أو بعده، تقبل الله منا ومنكم..

اللهم انصر الإسلام وأعز المسلمين، وأعلِ رايتي الحق والدين، وكن لإخواننا المستضعفين في كل مكان، اللهم يا ذا القوة والمنة انصر جنودنا وإخواننا في اليمن وسوريا وفلسطين، وأنعم علينا بالأمن والأمان يا رب العالمين. اللهم أغثنا…