يقدم لكم موقع إقرأ في هذا المقال خطبة دينية عن النفاق ، و خطبة عن النفاق وأضراره ، و خطبة عن النفاق وأثره علي المجتمع ، و خطبة عن المنافق ، و خطبة عن المنافقين ملتقى الخطباء ، المُنافق هو مَن يُخالِف قولَهُ فعلَه، وسِرَّهُ علانيّتَه، ومَشهده مَغيبه، أمّا النِفاق في الشرع: فهو إظهارُ الخير وإسرار الشّرِّ، وأمّا أنواعهُ فهي: نفاقٌ اعتقاديٌّ، ونفاقٌ عمليٌّ، ونفاقٌ أكبر؛ وهو المُخرج من الملّة، أمّا النفاقُ الأصغرُ فهو الذي لا يُخرج صاحبَه من الملّة، وتعريف النِّفاق في اللُّغة يدُلُّ على الإخفاء وعدم الإظهار، وفي الاصطلاح يكون بإظهار الإنسان ما يدلّ على الحقّ، وإخفاء ما به من الباطل، فالمعنى الاصطلاحي لا يَخرج عن المعنى اللُغويّ، وجاء عن ابن منظور أنَّ النِفاق من المصطلحات الشرعيّة، ولم تكُن معروفة بمعناها الاصطلاحيّ قبل الإسلام، وهو كذلك إظهار الإسلام وإخفاء الكُفر وستره. فيما يلي سنعرض لكم خطبة دينية عن النفاق.

خطبة دينية عن النفاق

خطبة دينية عن النفاق
خطبة دينية عن النفاق

خطبة دينية عن النفاق

خطبة دينية عن النفاق ، الخطبة الأولى

خطبة دينية عن النفاق ، عباد الله، تفكروا في الأمراض المهلكة، والأوبئة الفتاكة، والجراثيم الضارة والكوارث المدمرة؛ كيف يتقي الناس أسبابها، ويعدون لها الأدوية الناجعة، ويرصدون لها المبالغ الطائلة، وينقذون المرضى والمصابين مما نزل بهم، ومما قد ينـزل بهم.

إخوة الإيمان، إنَّ أعظم الأمراض هو مرض النفاق وشُعبِه؛ فهو مرض خطير وشر كبير إذا استولى على القلب أماته، وصار صاحبه حياً كميت، وصحيح البدن مريض الروح، قال الله – تعالى – في المنافقين: ﴿ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللّهُ مَرَضاً وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ ﴾ [البقرة:10].

النفاق داء عضال ووباء قتَّال لا يبتلى به إلا من أظهر الإسلام، أما الكافر فلا يوصف بالنفاق؛ لأنه مجاهر بكفره، والكفر مشتمل على أنواع النفاق كلها.

وقد خاف من النفاق المؤمنون ووجل منه الصالحون؛ قال البخاري في صحيحه: قال ابن أبي مليكة: (أدركت ثلاثين من الصحابة كلهم يخاف النفاق على نفسه). وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه لحذيفةَ رضي الله عنه: (أنشدك الله هل ذكرني رسول الله من المنافقين؟ قال: لا، ولا أزكي بعدك أحداً). ويقصد حذيفة أنه لا يريد يفتح باب السؤال لغير عمر.

وقال الحسن البصري – رحمه الله -: (لا يأمنُ المؤمنُ النفاقَ على نفسه)، وقال الإمام أحمد: (ومن يأمن النفاق)، وقال (ومن نجا من النفاق فقد نجا من شرور الدنيا وعذاب الآخرة، ومن وقع في شَرَكِ النفاق خسر الدنيا والآخرة، قال الله – تعالى – عن المنافقين: ﴿ فَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُم بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ ﴾ [التوبة: 55].

والنفاق نوعان: النوع الأول: نفاقُ اعتقاد؛ ويُسمَّى النفاق الاعتقادي، وهو مخرج من ملة الإسلام.

ويراد بنفاق الاعتقاد: اعتقاد المرء ما يضاد الإسلام ولو عمل بأركان الإسلام بجوارحه؛ لأن الأعمال لا يقبل الله منها إلا ما كان مبنياً على الإيمان؛ فنفاق الاعتقاد: هو أن يظهر الإسلام ويبطن الكفر، قال – تعالى -: ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ * يُخَادِعُونَ اللّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُم وَمَا يَشْعُرُونَ ﴾ [البقرة: 8 – 9].

وصاحب النفاق الاعتقادي مخلد في النار -والعياذ بالله-، قال الله – تعالى -: ﴿ يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءكُمْ فَالْتَمِسُوا نُوراً فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ لَّهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِن قِبَلِهِ الْعَذَابُ * يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُن مَّعَكُمْ قَالُوا بَلَى وَلَكِنَّكُمْ فَتَنتُمْ أَنفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِيُّ حَتَّى جَاء أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ * فَالْيَوْمَ لا يُؤْخَذُ مِنكُمْ فِدْيَةٌ وَلا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مَأْوَاكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ﴾ [الحديد: 12-15].

وقد تتبع المحققون من أهل العلم الأدلة من القرآن والحديث، واستقرأوا النصوص التي ذكرت أقسام النفاق الاعتقادي المخرج من الإسلام؛ فوجدوا أن النفاق الاعتقادي يأتي في عدة صور؛ منها: بغض الرسول وكراهته صلى الله عليه وسلم فمن أبغض النبي محمداً صلى الله عليه وسلم ؛ فقد كفر ولو عمل بأركان الدين؛ قال الله – تعالى -: ﴿ إِن تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُواْ قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِن قَبْلُ وَيَتَوَلَّواْ وَّهُمْ فَرِحُونَ ﴾ [التوبة: 50] وقال – تعالى -: ﴿ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ ﴾ [المنافقون: 4] والعدو هو المبغض الفرح بالمصيبة الكاره للنعمة.

ومن صور نفاق الاعتقاد: بغضُ وكراهة ما جاء به النبي محمد صلى الله عليه وسلم قال – تعالى -: ﴿ وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْساً لَّهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ * ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ ﴾ [محمد: 8-9] وقال – تعالى -: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ * ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الأَمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ ﴾ [محمد: 25-26].

ومن نفاق الاعتقاد المكفر: تكذيبُ النبيِّ محمدٍ -صلى الله عليه وسلم- ﴿ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللّهُ مَرَضاً وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ ﴾ [البقرة: 10] (في قراءة: يُكذِّبون)، وقال – تعالى -: ﴿ وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُم مَّن يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَـذِهِ إِيمَاناً فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ فَزَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كَافِرُونَ ﴾ [التوبة: 124-125]، فتكذيبهم زادهم نَجَسًا ونفاقا وخُبثا.

ومن نفاق الاعتقاد المضاد للإسلام: تكذيبُ بعض ما جاء به النبي محمدٌ صلى الله عليه وسلم ، قال الله – تعالى -: ﴿ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاء مَن يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ﴾ [البقرة: 85].

ومن نفاق الاعتقاد: الفرحُ بضعف الإسلام، والسرور بتمرد الناس عليه، وتمني الانفلات من تعاليمه، والكراهة لظهور هدي الرسول صلى الله عليه وسلم وعلو دينه، قال الله – تعالى -: ﴿ لَقَدِ ابْتَغَوُاْ الْفِتْنَةَ مِن قَبْلُ وَقَلَّبُواْ لَكَ الأُمُورَ حَتَّى جَاء الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللّهِ وَهُمْ كَارِهُونَ ﴾ [التوبة: 48]، وقال تعالى: ﴿ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُم مِّن بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُواْ اللّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾ [التوبة: 67].

فصاحب هذا النفاق الاعتقادي في الدرك الأسفل من النار، سواء اجتمعت فيه هذه الأنواع كلها، أو وقع في واحد منها إلا أن يتوب إلى الله – تعالى -، لأن الضررَ من المنافق أشدُّ من الضرر بالكافر المجاهر. ولذلك كان لصاحبه أشد العذاب إذا مات عليه، قال الله عز وجل: ﴿ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً ﴾ [النساء: 145].

عباد الله، وأما النوع الثاني من أنواع النفاق فهو النفاق العملي وهو: أن يعمل بخصلة من خصال النفاق التي ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو مع ذلك يؤمن بالله واليوم الآخر، ويحب الإسلام ويعمل بأركانه، فهذا قد ارتكب معصية بوقوعه في هذه الخصلة من خصال النفاق العملي، ولا يُكَفَّر بها، وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أربعٌ مَنْ كُنَّ فيه كان منافقاً خالصا، ومَنْ كانتْ فيه خصلةٌ منهن كانتْ فيه خصلةٌ مِنَ النفاقِ حتى يدَعَها: إذا حدَّث كذَب، وإذا وَعدَ أخْلف، وإذا اؤتمنَ خَان، وإذا خاصمَ فجَر) رواه البخاري ومسلم ومعنى: (إذا خاصم فجر): طلب أكثر من حقه، وادعى ما ليس له، أو لم يعطِ ما عليه من الحق. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (آيةُ المنافِقِ ثلاث: إذا حدَّثَ كذَب، وإذا وَعَدَ أخْلف، وإذا اؤتمن خان) رواه مسلم.

فهذه الخصال إذا فعلها المسلم وهو عامل بأركان الإسلام محب له؛ فمعصيته نفاقٌ عملي وليس باعتقادي، وخصال النفاق العملي أكثر من هذه الخصال؛ لأن شعب النفاق تقابل شعب الإيمان، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الإيمانُ بضعٌ وسبعونَ شُعبة فأعلاها (لا إله إلا الله)، وأدْناهَا إمَاطةُ الأذى عنِ الطرِيق) رواه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه .

وإذا لم ينزجر المسلم، ويكفَّ عن خصال النفاق العملي ويتب إلى الله منها؛ استحكمت فيه وربما جرّته إلى النفاق الاعتقاد، قال الله – تعالى -: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ ﴾ [التوبة: 119] أي مع المؤمنين.

جعلنا الله من الصادقين، وأعاذنا من النفاق وشر المنافقين، أقول قولي هذا؛ وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين.

الخطبة الثانية

عباد الله: إن الذنوب مهما عظُمت ومهما كثُرت؛ فإنها في جانب رحمة الله مغفورة بالتوبة إلى الله – تعالى -.

وقد فتح للمنافقين باب التوبة فقال – تعالى -: ﴿ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً * إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ وَاعْتَصَمُواْ بِاللّهِ وَأَخْلَصُواْ دِينَهُمْ لِلّهِ فَأُوْلَـئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْراً عَظِيماً ﴾ [النساء: 145-146].

فيا أيها المسلم:

إنِ ابْتليتَ بشيء من خصال النفاق؛ فتب إلى الله – تعالى -، وطهر نفسك قبل الممات، وادع الله – تعالى – أن يحفظك من النفاق وشعبه؛ فإن الله – تبارك وتعالى – قريب مجيب، فمن دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: (اللهم إني أعوذُ بك من النِّفاق والشِّقاقِ وسوءِ الأخلاق)، وفي الدعاء: (اللهمَّ طهِّرْ قلوبَنَا من النفَاق، وأعمالَنا من الرِّياء، وأعينَنا من الخيانة).

اللهم ارزقنا أيمانا صادقا، وعملا صالحا متقبلا.

اللهم إنا نعوذ بك من النفاق كبيره وصغيره، ونعوذ بك شر ومكر وكيد المنافقين.

خطبة عن النفاق وأضراره

الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الكريم، وعلى آله وصحبه أجمعين، أمَّا بعد:

خطبة دينية عن النفاق ، النِّفاق هو إظهار الخير وإسرار الشر، قال ابن جريج رحمه الله: (المُنافق يُخالِف قولُه فِعلَه، وسِرُّه علانيتَه، ومدخلُه مخرجَه، ومشهدُه مغيبَه). وقال ابن القيم رحمه الله: (إِنَّ بَلِيَّةَ الْإِسْلَامِ بِالمُنافِقِين شَدِيدَةٌ جِدًّا؛ لِأَنَّهُمْ مَنْسُوبُونُ إِلَيْهِ، وَهُمْ أَعْدَاؤُهُ فِي الْحَقِيقَةِ).

والنفاق نوعان:

الأول: نِفاقٌ أكبر، يُخرِج من المِلَّة، وهو النفاق الاعتقادي؛ وهو أنْ يُظهر صاحبُه الإيمانَ بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وبالقدر خيره وشره، ويُبطن ما يُناقِض ذلك كلَّه أو بعضَه، وهذا هو النِّفاق الذي كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونزل القرآنُ بذم أهلِه وتكفيرِهم، وأخبرَ أنهم في الدرك الأسفل من النار.

والنوع الآخَر: نِفاقٌ أصغر، لا يُخرج من الملة، وهو النِّفاق العملي؛ وهو أن يُظهِرَ صاحبُه علانيةً صالحةً، ويُبطن ما يُخالف ذلك، وأصولُ هذا النِّفاقِ ترجع إلى حديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما؛ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا، وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنَ النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَهَا: إِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ، وَإِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ، وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ» متفق عليه. ولحديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه؛ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلاَثٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ» متفق عليه.

ومن هدي النبيِّ صلى الله عليه وسلم في شأن المنافقين أنه كان يكشف صِفاتِهم وأعمالَهم أكثر من التركيز على معرفة أعيانهم وأسمائهم؛ بل هذا هو هدي القرآن الكريم؛ كما في قوله تعالى: ﴿ وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ ﴾ [محمد: 30]. أي: وَلَوْ نَشَاءُ يَا مُحَمَّدُ! لَأَرَيْنَاكَ أَشْخَاصَهُمْ، فَعَرَفْتَهُمْ عِيَانًا، وَلَكِنْ لَمْ يَفْعَلْ تَعَالَى ذَلِكَ فِي جَمِيعِ الْمُنَافِقِينَ؛ سِتْرًا مِنْهُ عَلَى خَلْقِهِ، وَحَمْلًا لِلْأُمُورِ عَلَى ظَاهِرِ السَّلَامَةِ، وَرَدًّا للسَّرَائِرِ إِلَى عَالِمِهَا.

﴿ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ ﴾ أَيْ: فِيمَا يَبْدُو مِنْ كَلَامِهِمُ الدَّالِّ عَلَى مَقَاصِدِهِمْ، فلا بد أنْ يَظْهَرَ ما في قلوبهم، ويتبيَّن بفلتات ألسنتهم، فإنَّ الألسنَ مَغارِفُ القلوب، يَظهر منها ما في القلوب من الخير والشر.

عباد الله.. ومن أبرز صفات المنافقين والمنافقات التي بيَّنها الله تعالى في كتابه الكريم، وبيَّنها النبيُّ صلى الله عليه وسلم: أنهم يدَّعون الإيمانَ وهم كاذبون، وهم مُخادعون بطبعهم اللئيم، يخونون اللهَ ورسولَه صلى الله عليه وسلم والمؤمنين، في قلوبهم مرضٌ فزادهم الله مرضاً، يدَّعون الإصلاحَ وهم مفسدون، ودائماً ما يرمون المؤمنين بالسَّفَه، ويستهزئون بالمؤمنين ويسخرون منهم، يشترون الضَّلالة بالهدى، قولُهم حَسَن وهم ألَدُّ الخِصام، يُشْهِدون اللهَ على ما في قلوبهم وهم كاذبون، وهم ماهرون في الجدال بالباطل.

ومن صفاتهم:

أنهم إذا اختفوا عن الأنظار اجتهدوا في الباطل، وإذا قيل لهم: اتقوا اللهَ؛ أخذتهم العِزَّةُ بالإثم، يُوالون الكفارَ وينصرونهم ويخدمونهم؛ بل يعتزُّون بالكفار ويستنصرون بهم. وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كُسالى، يُراءون الناسَ بأعمالهم. ولا يذكرون الله إلاَّ قليلاً.

ومن أقبح صفاتهم:

كفرُهم بالله تعالى، ورسولِه صلى الله عليه وسلم، يقبضون أيدِيَهم فلا يُنفقون في طرق الخير، ولا يُنفقون إلاَّ وهم كارهون، يَلمِزُون المُطَّوِّعين من المؤمنين في الصدقات، يأمرون بالمُنكر وينهون عن المعروف، نَسُوا اللهَ فنَسِيَهم، يسخرون من القرآن العظيم، ولكلِّ واحدٍ منهم وجهان: وجهٌ للمؤمنين، ووجهٌ لأعداء الدِّين، فهم مُترَدِّدُون بين الكفار والمؤمنين.

ومن صفاتهم القبيحة:

أنهم يتأخَّرون عن صلاة الجماعة، ويُؤخِّرون الصلاةَ عن وقتها، وينقرونها نقراً لا يذكرون اللهَ فيها إلاَّ قليلاً، وأثقل الصلوات عليهم العشاء والفجر، قلوبهم قاسية، وعقولهم قاصرة، لم يرضوا بالإسلام دِيناً، يأخذون من الدِّين ما وافق رغباتهم، يقولون ما لا يفعلون، يُظهِرون الشجاعةَ في السِّلْم وهم جُبَناء في الحرب، يُخذِّلون المؤمنين عن الجهاد، ويقصدون بجهادهم الدنيا، وإذا يئسوا من ذلك تثاقلوا، يَيْأَسون من رحمة الله وينقطع أملُهم في نَصْرِه.

ولا يتحاكمون إلى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم؛ بل يجدون الحرجَ والضِّيقَ في أنفسهم من حُكم الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، ويفجرون في المخاصمة، يُحاربون الإسلامَ وأهلَه عن طريق الخفية والتسمِّي به، لا يعتنون إلاَّ بمصالحهم الذاتية، يُبغضون أنصار الدِّين، يطعنون في العلماء المُخلِصِين بالكذب وتغيير الحقائق، يُثِيرون الشُّبهات حول الإسلام؛ ليصدوا الناسَ عن الدخول فيه.

ومن أبرز صفاتهم:

الكذب في الحديث، وإخلاف الوعد، ونقض العهود من أجل الدنيا، وعندما يُسِرُّون سرائرَ النِّفاق يُظهِرُها اللهُ تعالى على وجوههم وألسنتهم، تسبق يمينُ أحدِهم كلامَه؛ لِعِلْمِه أنَّ قلوب المؤمنين لا تطمئن إليه، قلوبُهم عن الخير لاهية وأجسادُهم إليه ساعية، هُمْ أخبثُ الناس قلوباً وأحسنُهم أجساماً، لا يعقلون ما ينفعهم، ولا يسمعون ما يُفيدهم، ولا ينظرون إلى آيات الله التي تدل على قدرته.

عباد الله.. من فوائد ذِكْرِ صفات المنافقين: تحذير المؤمنين من هذه الصفات، حتى يحذروها ويبتعدوا عنها، وفي الوقت ذاته حضٌّ للمؤمنين على الصدق مع الله، وتصفية سرائرهم، وإسلام وجوههم لله تعالى.

وقد كان النبيُّ صلى يقرأ في صلاة الجمعة “سورةَ الجمعة”، و”سورةَ المنافقون”؛ توبيخاً للمنافقين، وحثًّا لهم على التوبة؛ قال النووي رحمه الله: (قِرَاءَةُ سُورَةِ الْمُنَافِقِينَ لِتَوْبِيخِ حَاضِرِيهَا مِنْهُمْ، وَتَنْبِيهِهِمْ عَلَى التَّوْبَةِ؛ لِأَنَّهُمْ مَا كَانُوا يَجْتَمِعُونَ فِي مَجْلِسٍ أَكْثَرَ مِنِ اجْتِمَاعِهِمْ فِيهَا).

خطبة دينية عن النفاق ، الخطبة الثانية

الحمد لله… عباد الله.. النِّفاق الأكبر له أثارٌ خطيرة، وأضرارٌ مُهلِكة، منها: أنه يوجب لصاحبه النار، ويُحرِّم عليهم الجنة، قال تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا ﴾ [النساء: 140]؛ ويوجب لعنةَ الله تعالى، والخلودَ في نار جهم؛ كما قال سبحانه: ﴿ وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمْ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ ﴾ [التوبة: 68].

ومن أضرار النِّفاق الأكبر:

أنه يُحبِطُ جميعَ الأعمال، قال الله تعالى: ﴿ قُلْ أَنفِقُوا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ إِنَّكُمْ كُنتُمْ قَوْمًا فَاسِقِينَ * وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى وَلَا يُنفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ ﴾ [التوبة: 53، 54]، ويَحرِمُ العبدَ دُعاءَ المؤمنين، والصلاةَ عليه عند موته، قال الله عز وجل: ﴿ وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ ﴾ [التوبة: 84].

والنفاق الأكبر يُسَبِّبُ نِسيانَ اللهِ لصاحبه؛ قال الله تعالى: ﴿ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمْ الْفَاسِقُونَ ﴾ [التوبة: 67].

ويُطفِئُ اللهُ نورَ أصحابِه يوم القيامة: ﴿ يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ ﴾ [الحديد: 13].

والنِّفاق الأكبر يُوجِب عذابَ الدنيا والآخرة، قال تعالى: ﴿ فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ ﴾ [التوبة: 55].

وأمَّا النِّفاق الأصغر، وهو النفاق العملي، يُنقِصُ الإيمانَ ويُضعِفُه، ويكون صاحِبُه على خطرٍ من عذاب الله تعالى، فقد يجُرُّه هذا النفاق إلى النفاق الأكبر، ويكون فيه هلاكه، والعياذ بالله.

اللَّهُمَّ إِنِّا نَعُوذُ بِكَ مِنْ مُنْكَرَاتِ الأَخْلاَقِ وَالأَعْمَالِ وَالأَهْوَاءِ، ونعوذ بك من غَضَبِك، ونعوذ بك من النِّفاق كُلِّه صغيرِه وكبيرِه، ونسألك العفوَ والعافيةَ في الدنيا والآخرة. خطبة دينية عن النفاق.

قد يهمك:

لم تجد ما تبحث عنه؟ ابحث هنا

خطبة عن النفاق وأثره علي المجتمع

خطبة دينية عن النفاق ، الخطبة الأولى:

أما بعد: فيها أيها الناس: لما بعث النبي -صلى الله عليه وسلم- تبعه من تبعه من المؤمنين، ونابذه من نابذه من المشركين، ولم يكن هناك نفاق؛ لأن الإسلام وأهله كانوا ضعفاء، والإسلام قوي في نفسه، ولكنه يضعف في قلوب أهله، وإنما ينجم النفاق إذا قوي المسلمون وقوي الدين.

وإذا كان الإسلام قويا، وكان الكفار يتلبسون بلباس الإسلام، والنفاق في قلوبهم، ولم يعد بين صفوف المسلمين إلا مؤمن أو كافر، تجد المنافقين يحاولون الإفساد عن طريق الخفية، ويخشون أن يفتضح أمرهم، وينتهزون الفرص للنيل من الإسلام وأهله، وتجدهم دائما في صورة الناصح المشفق، ولكن ما إن يضعف الإسلام في قلوب أهله، ويضعفون هم إلا وتسقط الأقنعة، وتسفر عن وجوه النفاق، ويتميز المؤمن من المنافق.

عباد الله: في هذه الأيام ومع ضعف أهل الدين سقطت أقنعة كثير من المتأسلمين، وأصبحوا يجاهروا بنفاقهم بلا خوف ولا حياء.

عباد الله: ما أحوجنا أن نستكشف سمات النفاق والمنافقين، لنحذر منهم، فلقد حذرنا الله منهم، وبين لنا صفاتهم، ولقد قال الله -تعالى- لنبيه -صلى الله عليه وسلم- في شأن المنافقين: (وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْل)[محمد: 30]، قال الله -تعالى- في وصفهم: (بَشِّرِ المنافقين بأنَّ لهم عَذاباً أليماً * الذين يَتّخذون الكافرين أولياءَ من دونِ المؤمنين أيَبْتَغون عندهمُ العزّةَ فإن العزّة لله جميعاً)[النساء: 138- 139]، وقال تعالى: (الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِن كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِّنَ اللّهِ قَالُواْ أَلَمْ نَكُن مَّعَكُمْ وَإِن كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُواْ أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُم مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ فَاللّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَن يَجْعَلَ اللّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً)[النساء: 141]، وقال سبحانه: (مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا)[النساء: 143].

أيها الناس: لقد كان للمنافقين في زمن النبوة صولات وجولات، ونزل في شأنهم آيات تتلى بل نزلت فيهم سورة كاملة، ولعلنا نستعرض بعضا من مواقفهم لنقيس عليها مواقف منافقينا هذه الأيام، فهم إخوة من الرضاعة رضعوا من ثدي واحد لا يختلفون؛ فمن مواقف المنافقين في غزوة أحد استشار النبي -صلى الله عليه وسلم- أصحابه قبل المعركة فكان رأي عبد الله بن أبيّ بن سلول وهو رأس النفاق،  التحصّنُ في المدينة، بدل الخروج لمواجهة المشركين، وكان هذا رأي النبي -صلى الله عليه وسلم- كذلك، لكنّ الشباب والمتحمسين، لا سيما الذين فاتهم حضور غزوة بدر، كانوا يرون الخروج للقتال، فنزل النبي -صلى الله عليه وسلم- على رأيهم، وخرج في ألف رجل، قال ابن إسحاق: “حتى إذا كان المسلمون بين المدينة وأحُد، انخذل ابن أبي سلول بثُلث الناس، وقال: أطاعهم وعصاني! ما ندري علامَ نقتُلُ أنفسنا ههنا أيها الناس؟!”.

وهكذا انسحب ثلاثمائة من المنافقين وممن كان مخدوعاً بابن سلول، في ذلك الموقف الحرج، وصار المسلمون في خطر داهم، فإن معنويات بقية الجيش ضعفت بانسحاب من انسحب، وقلّ عدد الجيش من ألف إلى سبعمائة، وصارت المدينة النبوية مهددةً بأن يجتاحها المشركون وينهبوا خيراتها ويَسْبوا نساءها.

فأكبر صفات المنافقين: الخذلان والخيانة وقت الحاجة، وللمنافقين في غزوة الخندق خيانة أخرى، كان من أبرز ما عبّر به المنافقون عن مواقفهم المتخاذلة في غزوة الخندق هو النكوص عن المشاركة في حفر الخندق، وقلّة انضباطهم في صفّ المسلمين، وكثرة تردّدهم إلى بيوتهم بهدف تفتيت الصف، ونشر التخاذل بين المجاهدين، يقول تعالى: (قد يعلمُ اللهُ المُعَوِّقينَ منكم والقائلين لإخوانِهِمْ هَلُمَّ إلينا ولا يأْتون البأسَ إلا قليلاً)[الأحزاب: 18].

وأخذ المنافقون ينفثون مكنون نفوسهم، ويعملون على نشر الوهن والخذلان في صفوف المؤمنين، ويُكذِّبون وعد الله ورسوله بالفتح، يقول تعالى: (وإذْ قالت طائفةٌ منهم يا أهل يَثرب لا مقامَ لكمُ فارجعوا)[الأحزاب: 13]، وأخذوا يتندّرون بأحاديث الفتح ويَسخرون منها، وقالوا عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “يُخبركم أنه يُبْصِر قصور الحيرة ومدائن كسرى وأنتم تحفرون الخندق لا تستطيعون أن تبرزوا!”، قال تعالى: (وإذْ يقولُ المنافقون والذين في قلوبهم مرضٌ ما وَعَدنَا الله ورسولُه إلا غروراً)[الأحزاب: 12].

وكانوا يحرّضون أهل المدينة على ترك الصفوف والعودة إلى بيوتهم، ويتعذّرون بأن بيوتهم عورة، وقد فضحهم الله -تعالى- في قوله: (ويستأذن فريقٌ منهمُ النبيّ يقولون إن بيوتنا عورةٌ وما هي بعورةٍ إن يريدون إلا فراراً)[الأحزاب: 13].

ومع كلّ هذا لم يستطع المنافقون أن يفُتّوا في عضد المسلمين الصادقين فثبتوا عند الخندق حتى أرسل الله -تعالى- الريح على الأحزاب فانقلبوا خاسرين، وفرح المؤمنون بنصر الله.

ولا يزال للمنافقين في زمن النبوة قصص في الخيانة نأتي عليها في الخطبة الثانية -بإذن الله-.

اللهم طهر قلوبنا من النفاق…

أقول قولي…

خطبة دينية عن النفاق ، الخطبة الثانية:

أما بعد: فيا أيها الناس: لا نزال نستعرض قصص المنافقين في زمن النبوة التي تتشابه مع قصص منافقي زماننا، فمن قصصهم ما صنعوا في غزوة بني المصطلق
بعد الفراغ من شأن بني المصطلق وردت واردة المسلمين على ماء “المُرَيْسيع”، فازدحم جهجاه بن مسعود الغفاري أجير عمر بن الخطاب، وسنان بن وَبْر الجُهَنيُّ حليف بني عوف بن الخزرج على الماء، فاقتتلا، فصرخ الجهني: يا معشر الأنصار، وصرخ جهجاه: يا معشر المهاجرين، فغضب عبد الله بن أبيّ بن سلول، وعنده رهط من قومه، فيهم زيد بن أرقم الأنصاري (وكان صغير السن) فقال عبد الله بن أبيّ: أوَقد فعلوها؟ قد نافرونا وكاثرونا في بلادنا، والله ما أعُدُّنا وجلابيب قريش إلا كما قال القائل: “سمّن كلبك يأكلْك، أما والله لئن رجعنا إلى المدينة ليُخرجنَّ الأعزُّ منها الأذلّ”، فأنزل الله  -تعالى-: (يقولون لئن رجعنا إلى المدينة ليُخرِجنَّ الأعزُّ منها الأذلَّ ولله العزّة ولرسوله وللمؤمنين ولكنّ المنافقين لا يعلمون)[المنافقون: 8].

وفي غزوة تبوك التي ظهر النفاق فيها جليا، ونزلت فيها سورة تبوك فاضحة المنافقين بصفاتهم، حيث كان من الطبيعي أن يتخلّف المنافقون عن غزوة تبوك لما فيها من شدة وعسرة، حتى سمّيت (غزوة العسرة)، وهكذا بدأ المنافقون يختلقون الأعذار الواهية والحُجج الواهنة، فهذا يعتذر من الافتتان بنساء بني الأصفر، وآخر يعتذر بشدّة الحرّ، قال تعالى: (ومنهم مَن يقول ائذَنْ لي ولا تفتنّي ألا في الفتنة سقطوا)[التوبة: 49]، وقال تعالى: (وَقَالُواْ لاَ تَنفِرُواْ فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَّوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ)[التوبة: 81].

وتجاوز بعض المنافقين حد الاعتذار، بل أخذوا يبثّون الشائعات المثبّطة عن الجهاد، فكان عبد الله بن أبيّ يقول: يغزو محمد بني الأصفر مع جهد الحال، والبعد البعيد إلى ما لا طاقة له به، يحسب أن قتال بني الأصفر معه اللعب، والله لكأنّي أنظر إلى أصحابه مقرّنين في الحبال.

فلما نزلت سورة التوبة فاضحة لهم ما زالت تنزل قائلة ومنهم.. ومنهم.. حتى خافوا أن يذكروا بأسمائهم.

أيها المؤمنون: احذروا المنافقين الذين يأتون في صورة المصلحين، وهم إلى الخيانة أقرب، احذروهم في الإعلام، واحذروهم في وسائل التواصل الاجتماعية، واحذروا كل من تلبس بلباس الناصح وهو مخالف لشرع الله داع للفسق والفجور وتقليد الكفار، فنحن في زمن رفع النفاق فيه رأسه، مبينا أنه الحق وغيره هم المنافقون، فإذا كان فرعون يقول لقومه: (مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ)[غافر: 29] ما الظن بأمثاله اليوم؟

ومن أبرز صفات المنافقين: السخرية بأهل الإيمان؛ كما قال سبحانه: (فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ)[التوبة: 79] فيسخرون بالمتصدقين وبالمجاهدين وبكل صادق في عمله ونصحه، وهاهم اليوم يملؤون الصحف سخرية بأهل الإيمان، ولكن كما قال سبحانه: (وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ)[النساء: 113]، فلنصبر كما صبر الأوائل، فلم يضرهم كيد المنافقين، وانقلبوا بنعمة من الله وفضل.

فالحذر الحذر، وعلى العبد أن يسأل الله دائما الهداية والسداد، وأن يعصمه من الفتن، فالمعصوم من عصمه الله.

اللهم وفقنا لهداك…

خطبة عن المنافق

خطبة دينية عن النفاق ، الخطبة الأولى:

خطبة دينية عن النفاق ، إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتد، ومن يضلل فلن تجد له وليًّا مرشدًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُ الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين وتابعيهم وسلم تسليمًا كثيرًا.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب:70-71].

أما بعد: فإنَّ خير الحديث كتابُ الله، وخير الهدي هديُ محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

عباد الله: المؤمن بالله حقًّا، الذي يصدق قولَه فعلُه، يعيش صافي النفس، مطمئن الروح، سعيد القلب، نشيط البدن في طاعة الله، عرف ربه إلهًا واحدًا، فعبده وحده لا شريك له، وآمن بنبيه -صلى الله عليه وسلم- واتبعه في سنن وأقواله وأعماله، فاستقام على الشرع، وانقاد للحق.

بخلاف المرء المعوج، الذي لم يطمئن قلبه للإيمان، فزاغ مع الزائغين، وانحرف عن الصراط المستقيم، فأظهر إسلامه وأعلن إيمانه كلامًا بلسانه، دون أن تصل حقيقة هذا الإسلام والإيمان إلى قلبه، فعاش حياته منافقًا، متذبذبًا بين المؤمنين وغيرهم، يحمل قلبًا قاسيًا حاقدًا، ويعيش حياة مليئة بالاضطراب وعدم الاطمئنان، وهذا هو المنافق، فإن النفاق مرادف للكذب، وهو إظهار أمرٍ، وإبطان نقيضه.

فالمنافقون يظهرون أمام الناس بمظهر المسلمين، وهم في قرارة أنفسهم يكفرون بالإسلام ولا يؤمنون بالله ولا برسله، قال الله -تعالى-: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ * يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ)[البقرة:8-9].

فإظهارهم لشعائر الإسلام كذب وبهتان، وتزييف وخداع، يقولون بألسنتهم ما تخالفه قلوبهم، ويحسبون أن ذلك يخفى على الله: (وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ)[المنافقون:1].

إخوة الإسلام: وإذا النِّفاق في الشرع: معناه إظهارُ الإسلام، وإبطانُ الكفر والشرِّ، فإنه ينبغي أن يُعلَم أن النفاق نوعانِ:

الأول: النفاق الاعتقادي، وهو النفاقُ الأكبر الذي يُظهر صاحبُه الإسلامَ، ويُبطِن الكفرَ، وهذا النوع مُخرِج من الدين بالكلية، مثل: الكفر، وعدم الإيمان، والاستهزاء بالدِّين وأهلِه، والسخرية منهم، والميل بالكليةِ إلى أعداء الدِّين. فالنفاق الأكبر فيه تكذيب الرسولِ صلى الله عليه وسلم، وبُغْضُه، وبُغْضُ ما جاء به، وكراهية الانتصار له، والسرور بإيذائه.

والنوع الثاني: النفاقُ العَمَلي، وهو نابع من اختلاف السر والعلانية في الواجبات، وذلك بعمل شيء من أعمال المنافقين؛ مع بقاء أصل الإيمان في القلب وصاحبه لا يخرج من الملة، ولا يُنفى عنه مطلق الإيمان، ولا مسمى الإسلام، وهو معرّض للعذاب كسائر المعاصي، دون الخلود في النار، وصاحبه ممن تناله شفاعة الشافعين بإذن الله.

وهذا النوع من النفاق ينبغي الحذر منه؛ إذ هو مقدمة وطريق للنفاق الأكبر؛ لمن سلكه وكان ديدنه. وأمثلة ذلك: الكذب في الحديث، وإخلاف الوعد، وخيانة الأمانة، والفجور في الخصومة، والغدر بالعهود، وكالرياء الذي لا يكون في أصل العمل، وإظهار المودة للغير والقيام له بالخدمة مع إضمار عكسه في النفس. ودليله قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: “أربع من كن فيه كان منافقاً خالصاً، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا اؤتمن خان، وإذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر“(متفق عليه).

ومن سمات المنافقين -أيها المؤمنون- أنهم مخادعون، قال رب العالمين: (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ)[النساء:142]، يحسبون أنهم يخدعون ربهم، ألا ساء ما يظنون!

وهم مع ذلك كُسالى عن كلِّ خير، بعيدون عن كل فضيلة، لا ينشطون إلا في المحافل، ولا يعبدون الله إلا مراءاة للناس، وصف الله حالهم مع أم العبادات الصلاة، فقال: (وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا)[النساء:142]، وإذا كان هذا حالهم مع الصلاة وهي عمود الإسلام، فما بالك بتفريطهم في غيرها؟!

ومن سمات هؤلاء المنافقين: حب الرياء والتظاهر بالخير وإعلانه، فإذا اجتمعوا بأهل الإيمان كانوا هم العُبّاد الناسكون، والفقهاء المنظرون، وإذا خلوا بأمثالهم تواثقوا على كفرهم وعنادهم: (وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ)[البقرة:14].

ومن سوءات هؤلاء المنافقين تحاكمهم إلى القوانين البشرية، ونبذ الاحتكام إلى شريعة الله: (يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ)[النساء:60].

والمنافقون ينفِّرون الناسَ عن دين الله والاحتكام إليه، ويثبطونهم عن الأعمال الصالحة، ففي يوم الأحزاب لم يصبروا، وأرادوا إشاعة الوهن والتخذيل في صفوف الصحابة الكرام فقالوا: (مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا)[الأحزاب:12]، وحكى الله عن بعض جرائمهم يوم الأحزاب فقال: (إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هَؤُلَاءِ دِينُهُمْ )[الأنفال:49].

والمنافقون حَمَلة راية الإفساد في المجتمعات، فلا تجدهم إلا وهم يحاربون المعروف، ويبغضون التواصي بالحق، ويدعون إلى الرذيلة والفساد: (الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ)[التوبة:67].

المنافقون -عباد الله- ينادون إلى إفساد المجتمع باسم الحضارة، ويسعون لنشر الرذيلة باسم الحرية، وينافحون لنبذ الفضيلة باسم المدنية، ويدعون لنشر الباطل باسم التقدم: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ * أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ)[البقرة:11-12].

ومن سمات المنافقين: دأبهم الاستهزاء بدين الله، والسخرية من شعائر الله، والتندر بالمصلحين، في منتدياتهم وقنواتهم وسائل وتواصلهم: (الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ)[التوبة:79]، وقال الله عنهم: (إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ * وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ * وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ * وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلَاءِ لَضَالُّونَ)[المطففين:29-32].

ومن جرائم المنافقين: الاستخفاف بشريعة الله، وعدم تعظيم شعائر الإسلام، فلا يوَقِّرون الصحابة -رضي الله عنهم- ولا يُجِلُّون أئمة الإسلام، ولا يعطوا العلماء قَدْرَهم: (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ)[التوبة:64-65].

فيا عبدالله: احذر مسالك المنافقين وقنواتهم، وتغريداتهم، وتفطن لما يكتبون في صحفهم، وتفطن لما ينشرونه في حساباتهم، ولا تشارك في منتدياتهم، ولا تحضر مجالسهم، حتى لا تشاركهم إثمهم، ويحل عليك عقابهم: (فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا)[النساء:140].

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.

خطبة دينية عن النفاق ، الخطبة الثانية:

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله؛ وبعد:

عباد الله: فإن الله -تعالى- توعد المنافقين بالهوان في الدنيا والآخرة، وتوعدهم بالعذاب الشديد يوم القيامة، وحكى لنا ربنا في القرآن بعض مواقف الخزي التي يتعرضون لها في عرصات القيامة، فقال: (يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ)[الحديد:13].

وتوعد الله المنافقين بعذاب شديد، فقال جل وعلا: (وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ)[التوبة:68].

وأكد ربنا -سبحانه- أن عذاب المنافقين والكافرين دائم مستمر في عذاب جهنم، فقال سبحانه: (وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا)[الفتح:6].

عباد الله: الله لطيف بعباده، رءوف بخلقه، رحيم بهم، لم يغلق باب رحمته عن أحد، فهو يفتح باب الأمل لمن سلك سبل التوبة، وأناب إلى ربه وبيَّن، وأصلح ما كان أفسد: (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا)[النساء:145-146]، فمتى تاب المنافق وحقق إيمانه، ونبذ مسالك المنافقين، فيرجى له رحمة رب العالمين.

فاتقوا الله -عباد الله-، واحذروا الوقوع في شراك المنافقين، واسلكوا سبل الثبات على دينكم، والْتَفُوا حول العلماء الربانيين الصالحين المصلحين، ولا تنخدعوا بشعارات أهل النفاق والشقاق ودعاوى أهل الهواء.

اللهم إنا نعوذ بك من أسباب النفاق والشقاق، وسيء الأخلاق، واجعلنا يا ربنا مؤمنين صادقين، واجعلنا من عبادك المخلِصين.

هذا؛ وصلوا وسلموا على رسول الله…

خطبة عن المنافقين ملتقى الخطباء

خطبة دينية عن النفاق ، الخطبة الأولى:

خطبة دينية عن النفاق ، الحمد لله عالم الخفيات، المطلع على الضمائر والنيات، أحمده -تعالى- على ما علم، وأشكره -جل وعلا- على ما هدى وقوَّم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، عَلَا على سماواته ثم علا على عرشه استوى، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبدُهُ ورسوله، أكرم الأصفياء والداعي إلى سلوك المحجة البيضاء، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه خلفاء الدين وحلفاء اليقين، صلاة وسلاما دائمين إلى يوم حشر العباد أجمعين.

أما بعد: فاتقوا الله -عباد الله- حق التقوى؛ فأوثق العرى كلمة التقوى، وأعمى العمى الضلالة بعد الهدى.

أيها المسلمون: لقد ميز الله أهل البصائر والإيقان من الذين في قلوبهم مرض وضَعْف إيمان، ورفع أقواما إلى الدرجات العالية؛ كما خفض آخرين إلى المنازل الهاوية، والناس متفرقون ما بين شقي وسعيد، ولقد كانوا قبل هجرة المصطفى -صلى الله عليه وسلم- إلى المدينة إما مؤمن وإما كافر، ولم يكن فيهم صنف متذبذب بينهما، ولما استقر في طابة صار الناس؛ إما مؤمن مجتهد في نصرة الدين، وإما كافر مظهر للكفر وعداوة أهل الإيمان، وإما منافق ظاهره الإسلام وباطنه الكفران.

وقد ذكر الله ذلك في مطلع سورة البقرة فأنزل أربع آيات في صفة المؤمنين، وآيتين في صفة الكافرين، وبضع عشرة آية في صفة المنافقين، وكان هذا الابتلاء تمييزا من الله لعباده؛ ليجزي الصادقين بصدقهم، ويعذب المنافقين إن شاء أو يتوب عليهم.

وقد حذر الله في كتابه من النفاق ومن صفات المنافقين في أكثر من ثلاثمائة آية، في سبع عشرة سورة، وأفرد لهم سورة كاملة في القرآن؛ حتى قال ابن القيم: “كاد القرآن أن يكون كله في شأنهم”، وهم أنواع وأقسام شتى؛ منهم من حصل له الإيمان ثم رجع عنه، ومنهم من استحب الضلالة على الهدى، ومنهم قوم ظهر لهم الحق تارة، وشكوا فيه أخرى.

وإن بلية المسلمين بهم شديدة ينتسبون إلى الإسلام وهم أعداؤه، محتارون في معتقدهم بين التصديق والتكذيب، يطلبون الدنيا مع الكافرين أو المؤمنين، مترددون حيارى بين الفريقين؛ ليسوا بمسلمين مخلصين ولا بمشركين مصرحين، لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء، ظواهرهم مع المؤمنين وبواطنهم مع الكافرين، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: “مثل المنافق كمثل الشاة العائرة بين الغنمين، تعير إلى هذه مرة وإلى هذه مرة”.

أيها المسلمون: لقد هتك الله أستار المنافقين وكشف أسرارهم وجلى لعباده أمورهم؛ ليكونوا منها ومن أهلها على حذر؛ فقولهم يخالف فعلهم، وسرهم ضد علانيته.. أعملوا أفكارهم وأجالوا آراءهم في كيد الإسلام وأهله، يفسدون في الأرض وينافحون عن فسادهم بدعوى الصلاح والإصلاح، (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ)[البقرة:11]؛ كيف يكونون هم المصلحون وهم صم بكم عمي قد نهكت أمراض الشهوات والشبهات قلوبهم، دأبهم السعي لوقوع المنكرات وفشوها في المجتمعات، ويمنعون الخير والإصلاح فيها، ويبغضون شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومن يقوم بها ويعادونه؛ لذلك يقول الله -عز وجل-: (الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ)[التوبة:67].

ويلقبون أهل الإيمان بأقبح الصفات، ويسخرون منهم ويتربصون ويهزؤون بهم، قالوا عن المؤمنين: إنهم سفهاء، ولكن الله حصر السفاهة فيهم فقال: (أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لَا يَعْلَمُونَ)[البقرة:13].

ويغررون بالمسلمين، ويوردنهم حِيَضَ العطب، (يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ)[البقرة:9].

ويسعون بالفتنة والنميمة والبغضاء، قال تعالى: (يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ)[التوبة:47].

إن أصاب المسلمين خير أسفوا وإن أصابهم بلاء فرحوا، متسمون بالكبر والغرور، يصدون وهم مستكبرون، متصفون بالعجب بذواتهم واحتقار غيرهم، (يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ)[المنافقون:8].

عهودهم غادرة، ومواثيقهم منقوضة، ووعودهم مخلفة، وأماناتهم خائنة، ومخاصماتهم فاجرة، يخون أحدهم صاحبه أحوج ما يكون إليه، لا ذمة لهم ولا أمان، فلا تثق بعهودهم ولا تطمئن إلى وعودهم، وفي الحديث عنه -صلى الله عليه وسلم-: “إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف، وإذا ائتمن خان، وإذا خاصم فجر، وإذا عاهد غدر”.

أخلب الناس ألسنة وألطفهم بيانا، وأعسلهم مقالا، وأخبثهم قلوبا، يصورون الباطل بصورة الحق إذا سمعهم السامع يصغي لقولهم قال تعالى: (وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ)[المنافقون:4]، ولكن أجسادهم خواء (كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ)[المنافقون:4].

يزدرون الآخرين في مخاطباتهم، فأقوالهم في المجالس كاذبة، وربك شهيد عليهم بذلك قال -عز وجل-: (وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ)[المنافقون:1]؛ بل ويؤكدون كذبهم بالأيمان الفاجرة الآثمة، قال الله عنهم: (وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ)[المجادلة:14].

حالهم في الأمن علو ألسنتهم بالقول العنيف بألفاظ متنوعة شديدة مؤذية على الدين وأهله، وعند البأس هم أجبن قوم وأخذلهم للحق، يقول -تعالى-: (أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ)[الأحزاب:19].

شأنهم الخوف والفزع، يحسبون كل صيحة عليهم، يبادون إلى تصديق الخبر المخوف، وتكذيب خبر الأمن، وفي الإنفاق عباد للدنيا، أبخل الناس في بذل الخير، أيديهم شحيحة عن البذل والعطاء، لذوي المسكنة والفقراء، وشر ما في المرء شح هالع، وجبن خالع، يقول ابن القيم: “هم أخبث بني آدم، وأقذرهم وأرذلهم، آذوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه أذية شديدة، فعابوا على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قسمته، وسخروا بصحابته، وهزئوا بالمتصدقين منهم، ورجع رأسهم عبد الله بن أبي يوم أحد بثلث الجيش والمسلمون في أحوج ما يكونون للعدد والعدة، وهموا بالفتك بسيد البشر في ظلماء الليل في غزوة تبوك”، يقول ابن كثير: “لم يسلم أحد من عيبهم ولمزهم في جميع الأحوال”.

أيها المسلمون: ليس للمنافقين في عبادتهم قدم صحيحة، ولا همة في العمل عالية؛ فأشرف الأعمال وأفضلها الصلاة إذا قاموا إليها قاموا وهم كسالى، لا نية لهم لله فيها ولا إيمان لهم بها، صلاة أحدهم صلاة أبدان لا صلاة قلوب، يقول المصطفى -صلى الله عليه وسلم-: “تلك صلاة المنافق، يظل يرقب الشمس حتى إذا كانت بين قرني الشيطان قام فنقر أربعا لا يذكر الله فيها إلا قليلا” (رواه مسلم)، وذكرهم لربهم قليل (اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ)[المجادلة:19].

وإن أنفقوا أموالهم أنفقوها على كره ومنة وتردد، ولسوء معتقدهم وخبث طويتهم فنفقاتهم غير مقبولة عند الله مهما أنفقوا، يقول -تعالى-: (قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ)[التوبة:53]، وأموالهم وأولادهم عذاب عليهم، (فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ)[التوبة:55].

وبواطنهم في الأعمال فاسدة مدنسة بالرياء وطلب السمعة؛ فلا إخلاص لله في أعمالهم؛ ولذا يتخلفون كثيرا عن صلاة الجماعة التي لا يرون فيها غالبا، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: “أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبوا” (متفق عليه)؛ هذه معاملتهم للخالق وتلك معاملتهم للخلق.

وأما عددهم فهم كثير منتشرون في بقاع الأرض وهم أصناف ولهم أحوال وصفات يقول حذيفة -رضي الله عنه-: “النفاق اليوم أكثر منه على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-“، ويقول شيخ الإسلام: “وما زال النفاق بعده -عليه الصلاة والسلام-، بل هو بعدَه أكثرُ منه على عهده؛ لكون مُوجِبات الإيمان على عهده أقوى، فإذا كان النفاق مع قوتها موجودا فوجوده فيما دون ذلك أولى”.

ولهذا لما سمع حذيفة -رضي الله عنه- رجلا يقول: “اللهم أهلك المنافقين” قال: “يا بن أخي، لو هلك المنافقون لاستوحشتم في الطرقات من قلة السالكين”، وقد عين رسول الله -صلى الله عليه وسلم- جماعة من المنافقين وأطلع حذيفة على أسمائهم، وخفي عليه آخرون منهم، يقول الله -تعالى- لنبيه: (لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ)[التوبة:101]. وإذا جاز على سيد البشر -صلى الله عليه وسلم- ألا يُعلم ببعض المنافقين وهم معه في المدينة سنوات فمن الأولى أن يخفى حال جماعة منهم على من بعده.

ومعرفة المنافقين في لحن القول ثابتة مقسم عليها في الكتاب، لكن هذا إذا تكلموا، وأما معرفتهم بالسيما فهو موقوف على مشيئة الله، يقول عثمان بن عفان -رضي الله عنه-: “ما سر أحد سريرة إلا أظهرها الله على صفحات وجهه وفلتات لسانه”، وكلما قويت شوكة المسلمين ضعفوا وإذا ضعفت شوكة المسلمين برزوا، وبلية المسلمين بهم أعظم من بليتهم بالكافرين المجاهرين، ولهذا قال الله عنهم: (هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ)[المنافقون:4].

ولجرم أفعالهم ليسوا أهلا لأن يستغفر لهم، ولا أن يقام على قبورهم بعد دفنهم، وفي الآخرة هم في الدرك الأسفل من النار، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ)[التوبة:68].

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني به وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم

خطبة دينية عن النفاق ، الخطبة الثانية:

الحمد على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيما لشانه، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه.

أما بعد:

أيها المسلمون: إن من النفاق ما هو أكبر ويكون صاحبه في الدرك الأسفل من النار؛ وذلك بأن يكذب المرء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أو يجحد بعض ما جاء به، أو يبغضه أو لا يعتقد وجوب اتباعه، أو يسر بانخفاض دينه ونحو ذلك.

ومنه ما هو أصغر؛ بأن يعمل شيئا من أعمال المنافقين مع بقاء الإيمان في القلب، وصاحبه يكون فيه إيمان ونفاق، وإذا كثر صار بسببه منافقا خالصا، وإن صام وصلى ظاهرا، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: “أربع من كن فيه كان منافقا خالصا، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا ائتمن خان، وإذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر” (متفق عليه)؛ فمن اجتمعت فيه هذه الخصال فقد اجتمع فيه الشر، وخلصت فيه نعوت المنافقين، ومن كانت فيه واحدة منها صار فيه خصلة من النفاق، والنفاق الأصغر وسيلة إلى النفاق الأكبر.

ولعظيم خطره قطع خوف النفاق قلوب السابقين؛ فساءت ظنونهم بأنفسهم، يقول ابن أبي مليكة: “أدركت ثلاثين من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كلهم يخشى النفاق على نفسه”، ويقول الحسن -رحمه الله-: “لا يأمنه إلا منافق، ولا يخافه إلا مؤمن”.

فاحذر الوقوع في صفات المنافقين وجانب نعوتهم، واجتهد في إخلاص عملك لله، والقيام بالعبادة له ظاهرا وباطنا، وأد الصلوات المفروضة مع جماعة المسلمين في المساجد وأنتم عظيم الرغبة شديد الفرح بها، وأمر بالمعروف وانه عن المنكر فهو آية الإيمان، وعليك بالثبات عند النوازل وأكثر من ذكر الله، يقول أهل العلم: “لو لم يكن من فوائد الذكر إلا أنه ينفي عن صاحبه النفاق لكفى به فائدة”، واصدق في حديثك، وأد ما ائتمنت عليه على التمام، وَأَوفِ بعهدك على الدوام، وكن حليما في الخصام، وابتعد عن سماع الأغاني والمعازف؛ فإنها تنبت النفاق في القلب كما ينبت الماء البقل، وألح على ربك بأن يهب لك إيمانا راسخا، وأن يحميك من النفاق وخلاله. خطبة دينية عن النفاق.

ثم اعلموا أن الله أمركم بالصلاة والسلام على نبيه، فقال في محكم التنزيل: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الذِيْنَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيْمًا)[الأحزاب:56].

اللهم صلِّ وسلِّم وَزِدْ وبارك على نبينا محمد، وارضَ اللهم عن خلفائه الراشدين؛ الذين قَضَوْا بالحق وبه كانوا يعدِلون: أبي بكرٍ، وعُمَر، وعثمان، وعليٍّ، وعن سائر الصحابة أجمعين، وعنَّا معهم بجودك وكرمك يا أكرم الأكرمين.

اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، وأذِلَّ الشرك والمشركين، ودمِّر أعداءَ الدين، واجعل اللهم هذا البلدَ آمِنًا مُطمئنًّا رخاءً وسائر بلاد المسلمين.

اللهم إنا نعوذ بك من النفاق والشقاق وسوء الأخلاق.

اللهم وفِّق إمامنا لهداك، واجعل عمله في رضاك، ووفِّق جميع ولاة أمور المسلمين للعمل بكتابك، وتحكيم شرعك يا ذا الجلال والإكرام.

اللهم أنت الله لا إله إلا أنت أنت الغنيّ ونحن الفقراء، أَنْزِلْ علينا الغيثَ ولا تجعلنا من القانطين، اللهم أَغِثْنَا، اللهم أَغِثْنَا، اللهم أَغِثْنَا، (رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ)[الأعراف:23].

عباد الله: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)[النحل:90].

فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على آلائه ونعمه يزِدكم، (وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ)[العنكبوت:45].