يقدم لكم موقع إقرأ في هذا المقال خطبة دينية عن الغضب ، و خطبة عن الغضب ملتقى الخطباء ، و خطبة عن ضبط النفس عند الغضب ، و خطبة علاج الغضب ، و خطبة عن الغضب وأنواعه ، و خطبة لا تغضب ، يعود الغضب لغةً إلى الفعل غَضِبَ؛ أيّ حنق، ثار، هاج، سخط، اغتاظ، أمّا اصطلاحاً فيعرف بأنّه عاطفة طبيعية يشعر بها الإنسان عند تعرضه لخطرٍ ما، أو نتيجة شعوره بالتعب، أو التوتر، أو الاستياء، أو عدم تلبية الاحتياجات البشرية الأساسية، كما قد يكون الغضب رد فعل على بعض المشاعر السلبيّة التي قد تصيب الإنسان سواءاً أكانت هذه المشاعر ذاتيّة أو موجهة إليه من قبل الآخرين، وقد يكون نتيجة عدم تقبّل معتقدات الآخرين، وآرائهم، وأفعالهم، والجدير بالذكر أنّ الغضب يكون رد فعل مقبول ومنطقي أحياناً إلا أنّه يكون مبالغاً فيه بأحيانٍ أخرى؛ حيث ينتج عنه أفعالاً أو كلاماً غير مرغوب به، أو غير عقلاني، وعندها سيشعر الشخص المقابل بالتهديد، والاستياء، وبالتالي سيؤثر سلباً على التواصل الفعال مع الآخرين. فيما يلي سنعرض لكم خطبة دينية عن الغضب.

خطبة دينية عن الغضب

خطبة دينية عن الغضب
خطبة دينية عن الغضب

خطبة دينية عن الغضب

خطبة دينية عن الغضب ، الخطبة الأولى:

إنَّ الحمدَ لله، نحمدُه ونستعينُه، ونستغفرُه، ونتوبُ إليه، ونعوذُ به من شرورِ أنفسِنا، ومن سيِّئاتِ أعمالِنا، من يهدِه اللهُ فلا مُضِلَّ له، ومن يضلل فلا هاديَ له، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أن محمدًا عبدُه ورسولُه صلَّى اللهُ عليه وعلى آلهِ وصحبِهِ، وسلَّمَ تسليمًا كثيرًا إلى يومِ الدين.

أمَّا بعدُ: فيا أيُّها الناسُ، اتَّقوا اللهَ تعالى حَقَّ التقوى.

عباد الله: إن الله -جل وعلا- أعطى نبينا -صلى الله عليه وسلم- جوامع الكلم؛ فيقول قولاً وجيزاً يحتوي من المعاني والفوائد ما لا يخفى ولا يستطيع أحد أن يحصيه، ففي الصحيح، عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه جاء رجل فقال: يا رسول الله، أوصِني. قال: “لاَ تَغْضَبْ!” فَرَدَّدَ مِرَارًا وهو يقول له: “لاَ تَغْضَبْ!”.

أيًّها المسلم: الغضب أمر فطري طبع عليه كثير من الناس، وقلَّ من يسلم من شره وبلاه، ولكنّ من عباد الله من يوفقه الله فيتغلب على غضبه، ومن الناس من يضعف أمام الغضب فربما وقع في السباب والشتم إلى أن ينتهي به إلى العدوان، وسفك الدماء، وتدمير الأموال، والقدح في الأعراض، بلا مبرر شرعي.

أيُّها المسلم: وهذا الغضب هو فوران دم القلب للانتقام لأجل كلام أو فعل سُبب له من غيره، إلا أن هذا الغضب منه ما هو ممدوح ومنه ما هو مذموم، فالممدوح منه ما كان غيرةً لدين الله، وغضباً لانتهاك محارم الله، غضباً يدعوه إلى الغيرة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بطرقه الشرعية، وأساليبه الشرعية، ليس غضباً يدعو إلى الطغيان؛ ولكن غضب يحمل على الخير، والتوجيه، والنصيحة والتحذير من مخالفة شرع الله.

وهناك غضب مذموم وهو ما كان في سبيل الهوى والشيطان والباطل، كغضب مَن يغضب عندما يُقرأ حكمٌ من الأحكام الشرعية عليه فيغضب لذلك، أو يغضب عندما يؤمر بالمعروف ويُنهى عن المنكر، قال الله -جل وعلا- في ذلك ذاماً لهذا النوع: (وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنْكَرَ يَكَادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا) [الحج:72].

أيُّها المسلم: إن الشرع بيّن أنواع الغضب، وأحكام الغضب، وآدابه، والأسباب التي تدعو إليه، وطرق التخلص منه، فمَن سلك السبيل الشرعي نجا من آثار الغضب السيئ.

فأولا: تعرف أخي المسلم أن لهذا الغضب أسبابا، فمن أعظم أسبابه العُجب والهوى؛ إذ المعجب برأيه والمغتر بمكانته أو نسبه أو علمه أو ماله، إذا لم يحكم بحكم الشرع فقد يؤدي ذلك إلى الطغيان والغضب الشديد، يمليه عليه إعجابه بنفسه، إعجابه برأيه، إعجابه بمكانته، إعجابه بنسبه وماله، فقد يطغى ذلك: (كَلاَّ إِنَّ الإِنسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى) [العلق:6-7]، فإذا لم يحكم بحكم الشرع جره الغضب إلى أنواع البلاء والمصائب. خطبة دينية عن الغضب.

ومن أسباب الغضب المراء والجدال الذي ربما يجر إلى الغضب والطغيان؛ ولهذا النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: “أَنَا زَعِيمٌ بِبَيْتٍ فِى رَبَضِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْمِرَاءَ ولو كَانَ مُحِقًّا”.

ومنها المزاح، فالمزاح قد يجر إلى الغضب ويتفرق المتمازحان عن غضب وعداوة، فقد يحمل بعض الناس المزاح على أن يتلفظوا بألفاظ قبيحة قد يفهم منها المخاطَب حطًا من قدره أو استنقاصا منه أو تهمةً له أو لأبيه أو لأسرته ونحو ذلك؛ فيغضب عند ذلك غضباً شديداً أملاه عليه هذا المزاح السيئ؛ ولهذا ينبغي في المزاح الاعتدال وعدم التعدي والتجاوز. خطبة دينية عن الغضب.

وقد يكون المزاح أحياناً ببعض الأمور المؤلمة التي تحزن بعض الناس فيغضب لأجلها، ولهذا النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: “لاَ يَأْخُذْ أَحَدُكُمْ مَتَاعَ غيره لاَ جَادًّا ولا لعِبًا”.

ومما يثير الغضب أحياناً السباب والشتم، فإنها تغري النفوس، وتدعو إلى العدوان والغضب، فإيَّاك أخي! فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: “لَيْسَ المُسلمَ بِالسبَّابِ، وَلا باللَّعَّانِ، وَلا بِالْفَاحِشِ، وَلا الْبَذِيءِ”.

أخي المسلم: الغضب قد يقع ولا يسلم أحد إلا ما عصم الله من الناس، ولكن؛ كيف التخلص من هذا البلاء؟ وكيف النجاة من هذا الخلق السيئ الذي هو عدوان وظلم؟.

أما الغضب المشروع فذاك شيءُ ثانٍ؛ لكن الغضب المذموم، كيف التخلص منه؟ إن من تأمل سنة محمد -صلى الله عليه وسلم- يجد فيها الأسباب والعلاج لهذا الغضب حتى لا يقود الإنسان إلى البلاء، فمن أعظم ذلك التعوذ بالله من الشيطان الرجيم؛ فإن الغضب من إلحاح الشيطان ووساوسه ليقهر بذلك المسلم، فإن الشيطان يستغل العبد عند الشهوة والغضب فيقوده إلى البلاء عند غضبه وطغيان شهوته، فلا يستطيع السيطرة على ذلك، قال الله -جل وعلا-: (وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنْ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) [الأعراف:200].

وجاء في السنَّة أن رَجُلاَنِ يَسْتَبَّانِ عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، احْمَرَّ وَجْهُ أحدهما، فَقَالَ النّبي: “إنَّي لأَعْلَمُ كَلِمَةً لَوْ قَالَهَا لذَهَبَ عَنْهُم مَا يَجِدُ، لَوْ قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرجيم”، فالتعوذ بالله من الشيطان حال الغضب ينجيك من آثاره ونتائجه السيئة.

ومن ذلك -أيضاً- تغيير الحالة التي كنت عليها، فقد أرشد النبي -صلى الله عليه وسلم- الغضبان إذا غضب إن كان قائماً فليقعد، فإن ذهب غضبه وإلا فليضطجع حتى يذهب عنه أثر ذلك الغضب.

ومن الأسباب أيضاً للتخلص من آثار الغضب السيئ السكوت عند الغضب وعدم التحدث، فإن بعضاً من الناس إذا غضب لا يبالي بما يقول، يسيطر الغضب عليه فتخرج منه كلمات بذيئة سيئة يندم عليها عندما يفيق من غضبه؛ ولهذا جاء في الحديث أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: “عَلِّمُوا وَبَشِّرُوا، وَإِذَا غَضِبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْكُتْ”، فسكوت الغضبان ينجيه من آثار الأقوال السيئة، ويخلصه من تبعاتها.

ومنها الوضوء؛ فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- أخبر: بأن “الشيطان خلق من نار، ولا يطفأ النار إلا الماء”، وأن من غضب فعليه أن يتوضأ، فإذا توضأ بتوفيق من الله فوضوءه سيزيل عنه آثار هذا الغضب.

ومنها أيضاً قبول نصيحة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بقوله: “لاَ تَغْضَبْ”، لاَ تَغْضَبْ قالها لمن سأله أن يوصيه قال: ” لاَ تَغْضَبْ”، أي: ابتعد عن الغضب بالإتيان بما يضاده من الحلم والصفح والعفو والكرم وعدم التأثر والثبات عند هذه المواقف، فإذا عملت ذلك فإنك -بتوفيق من الله- تبتعد عن الغضب، أو لا تغضب لا تنقد في الغضب، ولا يقودك الغضب إلى ما فيه بلاءٌ، فتثبَّتْ وكن صابراً محتسبا.

ومنها أن تنصح الغضبان نصيحةً لله إذا رأيته في حال غضبه، فأْمُرْهُ بالخير، وأمره بأن يتعوذ بالله من الشيطان، وابذل له النصيحة، وعليه أن يقبل ذلك، ففي ذلك خير.

ومنها الإكثار من ذكر الله عند الغضب، قال -جل وعلا-: (أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) [الرعد:28]، والمؤمن قد يغضب؛ لكنه سريع الاستفاقة من غضبه، قال -جل وعلا- عن عباده المؤمنين: (وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ) [الشورى:37].

والمسلم -أيضاً- يكظم غيظه، ويتحمل الأشياء، قال تعالى: (وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنْ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) [آل عمران:134]، فكظم الغيظ وعدم التمادي في الانتقام والصبر والعفو من سمات المحسنين، والله يحب المحسنين، وجاء في الحديث: “مَنْ كَظَمَ غَيْظًا يقَدِرُ عَلَى تنفيذه دَعَاهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رُءُوسِ الْخَلاَئِقِ فيُخَيِّرَهُ من الْحُورِ العين ما شَاءَ”؛ لأن من كظم غيظه وعفا وصفح فذلك خير له وأهدى سبيلا.

أيُّها المسلم: فاحذر الغضب، وكن متأنياً في أمورك، وإياك أن يستخفنَّك السفهاء أو تجار أهل الحماقة والغضب! كن ثابتاً في أمورك، ملتجئا إلى الله، واثقاً بالله، آخذًا بوصية نبيك -صلى الله عليه وسلم- في البعد عن الغضب ما وجدت لذلك سبيلا، فالعفو والصفح وتحمل الأذى كله نعمة من الله على مَن وفَّقه الله: (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ) [فصلت:34-35].

نسأل الله لنا ولكم التوفيق والسداد في القول العمل إنَّه على كل شيء قدير، أقولُ قولِي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه وتوبوا إليه، إنَّه هو الغفورٌ الرحيم.

خطبة دينية عن الغضب ، الخطبة الثانية:

خطبة دينية عن الغضب ، الحمدُ لله حمدًا كثيرًا طيِّبًا مباركًا فيه كما يُحِبُّ ربُّنا ويَرضى، وأشهدُ ألا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أن محمَّدًا عبدُه ورسولُه، صلَّى اللهُ عليه وسلّمَ تسليمًا كثيرًا، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعدُ: فيا أيُّها الناسُ، اتَّقوا اللهَ تعالى حقَّ التقوى، وتأملوا سنة نبيكم ووصيته لكم لتكونوا من السعداء: “لا تغضب”.

إِنَّ الغضَبُ جِماعُ كُلِّ شَرٍّ، وجماعُ كُلِّ بَلَاءٍ، وترْكُ الغضب نجاةٌ من البلاء، فبالغضب تقع المشاكل والمصائب؛ فإن الغضبان عندما يفقد عقله وتوازنه يقول ما يقول، ويفعل ما يفعل، ويندم بعد ذلك، ويتمنى لو أنه لم يقع في شيءٍ من الأقوال والأفعال. إذاً؛ فعلينا التمسك بوصية المصطفى -صلى الله عليه وسلم-: “لا تغضبْ”.

أخي المسلم: بالغضب قطعت الأرحام، وبالغضب تعادى الإخوان والجيران، وبالغضب وقعت المصائب والبلايا، وبالغضب ربما يقتل نفسه أو يقتل ولده أو زوجته أو نحو ذلك من التصرفات الخاطئة التي لا نهاية شرها؛ إن الشيطان يستغل العبد عند غضبه، يستغل ضعف قوته وتصرفه فيوقعه فيما يوقعه من البلاء.

أخي المسلم: لابد لكل مسلم أن يفكر في نفسه في حال غضبه: كيف يتصرف وينجو من تلك المصائب؟!.

أيها الأب الكريم: لابد أن يقع بينك وبين أولادك شيءٌ من الاختلاف، فعندما ترى تصرفات خاطئة وأحوالا سيئة فكن ثابت الجأش حليماً رفيقا، عالج قضايا أولادك فيما بينك وبينهم، عالج كل القضايا من أولها، وحافظ على استئصال شرها من أولها، وراقب تصرفاتهم وأحوالهم، وكن رفيقاً بهم، حليماً عليهم.

أعرف لهم ضعفهم وقلة سنهم، وأعرف أحوالهم، فحاول الاختلاط بهم واستئصال الشر والفساد بالطرق السليمة والحكيمة لتنجو، وإيَّاك والغضب الذي يحملك على الانتقام منهم! فإن غضبك عليهم ربما نفرهم منك، وأبعدهم منك، وصاروا يكرهون مجيئك والجلوس معك.

وإياك والغضب عليهم! كن معهم رفيقاً حليماً منبسطاً تتطلع على أحوالهم، وتسألهم عن مشاكلهم، وتقضي حوائجهم، وتفكر معهم ومَن يجالسون ويصاحبون ويخالطون؛ لعلك بذا أن تضع الحلول المناسبة لتخلصهم من أخطائهم وتصرفاتهم الغير اللائقة. خطبة دينية عن الغضب.

أيُّها المعلم الكريم: عليك بتقوى الله، والتعامل مع التلاميذ بالعدل والإحسان، وإياك أن يحملك غضبك على بعضهم على إهانته أو التنقيص من درجاته أو التقليل من منزلته؛ فإن هذا غير لائق بك، أنت مربٍّ؛ فرَبِّهِم على الأخلاق، وليشعروا منك بأنك معلم ذو خلق كريم، وعمل صالح، وتربية صالحة.

أيها الزوجان: لا يخلو البيت من بعض المشاكل والاختلافات؛ ولكن عليكَ -أيها الزوج- أن تشعر بمسؤوليتك، واللهُ -جل وعلا- فضَّلك وقال: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ) [النساء:34]، فلا تستغل قوامتك على امرأتك بإذلالها وإهانتها، أو تتبع أخطائها، أو الغضب عليها، أو معاملتها بالسوء، أو رفع لسانك عليها بالكلمات البذيئة، والحط من قدرها وشأنها، أو أن تعيب أهلها، أو سلوكها. خطبة دينية عن الغضب.

اتَّقِ الله، وعالج أخطاءها بالحكمة، واصبر على بعض أخطائها في سبيل الإصلاح العام، ونبيُّكَ -صلى الله عليه وسلم- يقول لك: “لاَ يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً، إِنْ سخط مِنْهَا خُلُقًا رَضِىَ مِنْهَا خُلقاً آخَرَ”، فليست هي كاملة في كل أحوالها، فإيَّاك والغضبَ عليها بما لا داعي له! كن حليماً رفيقاً معها ذا دين واتزان وملاحظة للأمور بالاعتدال والحكمة والمصلحة.

أيُّها المحقِّق الكريم: اتقِ الله في تحقيقك مع مَن تُحَقِّق، وإياك أن تستغل دماً سفك بغضب شديد يُشْعِر المحقَّق معه أنك غضبان عليه، وربما أدلى بأمور هو بريء منها، وغير واقعة؛ لأجل ما يرى من غضبك وحماقتك وسوء تصرفك، فاتقِ الله في تحقيقك، ولْيَكُن التحقيق عادلاً مبنياً على الإنصاف والعدل، لا على الظلم والجهر والطغيان.

أيها القاضي الموفق: اتقِ الله في قضائك، وعامل الخصوم بالعدل، وإيَّاك والغضبَ أثناء حكمك! فإن غضبك قد يحملك على العُدول عن الحق والهوى والحكم بغير الحق، فاتقِ الله؛ ولهذا نبينا نهى القاضي أن يقضي وهو غضبان؛ لأن حال الغضب قد يتصرف تصرفات غير لائقة، فلا تقضِ وأنت غضبان حتى تفيء إلى رشدك، ويذهب عنك غضبك، فاتقِ الله في ذلك. خطبة دينية عن الغضب.

أيها المسلم: إن البعض من الناس قد يحمله غضبه أثناء قيادة السيارة في ازدحام الطرق أو عند الإشارة، فيكون منه غضب شديد يحمله إلى وقوع الحوادث، فكم من ازدحام في الطرق أو عند الإشارات! تقع من بعض السفهاء تصرفات خاطئة، فإيَّاك أن يحملك هذا التصرف الخاطئ على مقابلته بغضب وحماقة على تصرفات سيئة تنتج عنها حوادث لا داعي لها، أنت تكون سبباً فيها! إياك أن يجرك السفهاء وضعفاء البصائر إلى الغضب والحماقة في قيادة السيارة! أحمل هذا على ضعف عقله وقلة رأيه، وإياك أن تجاري سفاهته وحماقته.

قُد سيارتك بحكمة، وتخلص من المواقف بالحكمة، وإياك أن تجالس السفهاء! فكم من الناس مَن يحمله سفَه بعض الناس على أن يبادر الغضب بالغضب، والحماقة بالحماقة، والنتيجة الضرر على النفس والسيارة والضرر على المجاورين، وهذا أمر غير لائق بك أيها المسلم.

يا رجل المرور، ويا رجال الأمن، إيَّاكم والغضب في تحقيقات الحوادث المرورية أو غيرها! عليكم بالرفق والطمأنينة وأخذ الأمور بالحكمة، أما الغضب والشدة والحماقة فإنها لا تحقق شيئا.

أيها الموظف: اتقِ الله في التعامل مع زملائك، فعاملهم بالحكمة، وإياك والغضبَ الشديد في التعامل مع زملائك ومَن معك في العمل! فإن غضبك وحماقتك تبغضك للناس، ويستثقلونك، ويعلمون عنك أنك امرؤ ذو غضب شديد فلا يستطيعون أن يتفاهموا معك.

أيها المسؤول: إن حالة المراجع وذي الحاجة تحمله على الإلحاح في الطلب وعدم الصبر، فإياك أن تقابله بالغضب! أعرف له حاجته، والنبي يقول: “إن لصاحب الحق مقالاً”، فإيَّاك أن تضجر! وإيَّاك أن تغضب على من يراجعك في أمر من الأمور أنت مسؤول عنه! حاول إقناعه باللطف واللين وتبيين وجهة نظرك حتى يقتنع المراجع، أما أن تغلق الباب أمامه وتظهر الحماقة والغضب عليه والاستهزاء به والسخرية به والحط من قدره فهذا غير مشروع؛ لأن غضبك هنا في غير محله، هذا صاحب حاجة يطلب حاجته، وغايته قضاء حاجته، فلْتقابله برحابة صدر، وسعة أوفق، وبيِّنْ له وجهة النظر حتى يخرج منك مطمئنا، أما أن تقابله بحماقة وسوء أخلاق وسوء كلام تحمّله مع حاجته هماً على هم وغماً على غم، فهذا أمر غير لائق. خطبة دينية عن الغضب.

أيها المسؤول: عامل من تحت يديك بالحسنى والعدل وعدم الحماقة، وناقش أخطاءه التي أخطأها، كالتأخر في الدوام أو قلة الإنتاج، حاول إقناعه وتبيين الحق له وتحذيره من التساهل في أعماله، بيِّن له أن العمل أمانة يجب أن تؤدى وقتاً وأداء، فحاول إقناع المخطئ وتصويب خطئه حتى يكون على بصيرة، ويقتنع منك، ويعلم أن قصدك حسن، ومرادك حسن.

رجال الفكر والأدب، أيها الكتَّاب الأعزاء، اتقوا الله في أنفسكم فيما تناقشون من قضايا في سبيل مصلحة الأمة، فإن البعض من رجال الفكر إذا ناقش قضية حاول أن يحط من قدر مخالفه، وأن يحط من قدره ويسيء الظن به ويحمله عن النوايا السيئة، هذا أمر لا يجوز، حاول عند كتابتك المناقشة لأي رأي، أن تكون هادئ الأعصاب غير غضبان، لست لحاجة غضب وحماقة حتى تناقش الرأي وترد على المخالف بأدب وأسلوب حسن، إذا أعددت رأياً ففكر بعد أن تكتبه، هل كتابتك له كانت بحاجة غضب وتشنج؟ الآن أنت ثابت هادئ فحاول أن يكون هذا القول وهذا العلاج منطلقاً من حال هدوء لا من حال تشنج وغضب؛ فإن بعض الكتابة يكتبها بعض الكتاب.

يجب أن يكون الرد والنقاش والعلاج هادفاً بناءً بعيدا عن التشنج والسب والشتم والأقوال البذيئة، لنكن واقعيين في علاج قضايانا المختلفة حتى نكون على بصيرة من أمرنا، فنبينا أوصانا أن “لا تغضب”، فالغضب يحول بيننا وبين الحق ووعيه.

أسأل الله للجميع التوفيق والسداد والهداية لكل خير، إنه على كل شيء قدير.

واعلموا -رحمكم اللهُ- أنّ أحسنَ الحديثِ كتابُ الله، وخيرَ الهدي هديُ محمدٍ -صلى الله عليه وسلم-، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ بدعةٍ ضلالةٌ.

وعليكم بجماعةِ المسلمين، فإنّ يدَ اللهِ على الجماعةِ، ومن شذَّ شذَّ في النار. خطبة دينية عن الغضب.

خطبة عن الغضب ملتقى الخطباء

الخطبة الأولى:

إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتدي، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.

أما بعد: فأوصيكم -عباد الله- ونفسي المقصرة بتقوى الله وطاعته، كما أمرنا بذلك الله جل وعلا في كتابه العزيز فقال سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) [التوبة: 119]، وقال سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) [الحشر: 18].

أيها الأحبة في الله: كثيرًا ما نذم الأخلاق الذميمة، وننفّر منها الآخرين، وننتقدهم بها، ولكن ذلك يكون منا ونحن بعيدون عما يستدعيها من أسباب، فكلنا يحفظ حديث الرسول -صلى الله عليه وسلم- الذي يقول فيه لرجل طلب منه الوصية: “لا تغضب”، فَرَدَّدَ مِرَارًا.. قَالَ: “لا تَغْضَبْ” (رواه البخاري).

إن مثل هذا الحديث نتذكره ونحن في حالتنا الطبيعية، فإذا استُغضب أحدنا نسيه، واستجاب دون تروٍّ لضغط الغريزة، وفقد السيطرة على نفسه، واندفع ينفّس عن هذا الغضب بلسانه ويده، فإذا انزاحت سحابة الموقف، ورجع إلى نفسه وجد أنه كسر ما لا يجبر، وخرق ما لا يُرقع، وربما طلق امرأته، وضرب أولاده، وربما استقال من عمله، وربما هدم علاقاته بأصدق أصدقائه:

إن النفوس إذا تنافر ودّها *** مثل الزجاجة كسرها لا يجبر

ذكر البخاري في تفسير قول الله -عز وجل-: (وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُمْ بِالْخَيْرِ) [يونس: 11]، قول مجاهد: “أنه قَوْلُ الْإِنْسَانِ لِوَلَدِهِ وَمَالِهِ إِذَا غَضِبَ: اللَّهُمَّ لَا تُبَارِكْ فِيهِ وَالْعَنْهُ (لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ) لَأُهْلِكُ مَنْ دُعِيَ عَلَيْهِ وَلَأَمَاتَهُ”. فانظر إلى أي حد يمكن أن يصل الغضب.

ويكفي الغضب مذمة قول بعض السلف: “أقرب ما يكون العبد من غضب الله -عز وجل- إذا غضب”.

إن كثيرًا من الناس يدَّعِي قوة الشخصية، وصلابة المراس، واكتمال الرجولة، ولكنه ينهار عند أول موقف يستفز أعصابه، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: “لَيْسَ الشَّدِيدُ بِالصُّرَعَةِ، إِنَّمَا الشَّدِيدُ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ” (رواه البخاري في صحيحه).

ويرجع الغضب الزائد كما يقول رتشارد نيكسون في كتابه لا تهتم بصغائر الأمور في موضوع: لا تغضب: “إلى ردود أفعالنا الاعتيادية على أحداث تقع خارج نطاق سيطرتنا”، أي أننا نقع تحت تأثير تصرفات لا نملك نحن إيقافها أو تغييرها؛ لأنها تصرفات غيرنا في الغالب، ولذلك ليس أمامنا إلا أن نكون أكثر حزمًا مع أنفسنا بأن لا نعرِّضها لتغيير مشين يبدأ بشكل الوجه وينتهي بإصدار أفعال أو قرارات قد يعقبها ندم شديد، وخرق واسع، لا يمكن ترقيعه.

الغضب ريح تهب على سراج العقل فتطفئه، ونار تشتعل في القلب فتحرقه، ومرض يستشري في البدن فيتسلط على عروقه ومفاصله فيهلكه. وإن زيادة أمراض الضغط والسكر والغدة الدرقية لدى كثير من الناس اليوم لأثر من آثار هذا الخلق الذميم.

وكبت الغضب من صفات المؤمنين العالية، التي امتدحهم الله تعالى بها فقَال سبحانه: (وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ) [الشورى: 37]، وَقَال -عز وجل-: (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) [آل عمران: 134].

فهو من سمات الأتقياء، وليس من سمات الرجولة والشجاعة كما يروّج بعضهم، فإن معظم دواعيه من الكبر والعجب بالنفس، والغطرسة على الخلق، وحب الدنيا.

أخي المسلم الحبيب: لا تقل أنا غضوب، ولا أستطيع أن أقلع عن هذا الخلق، فإن الحلم بالتحلم والعلم بالتعلم، ومعنى ذلك أننا يمكن أن نتعلم الحلم ولو لم يكن من طباعنا، ومن الوسائل الناجعة لتغيير طبع الغضب في النفس: تدريب النفس على كبت شرارة الغضب قبل أن تكون نارًا، مثل أن تقرر عدم الاستجابة السلبية للموقف الحادث أمامك منذ بداية حدوثه أو بعده مباشرة، وتأمل هذا الموقف: عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ يَهُودَ أَتَوُا النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالُوا: السَّامُ عَلَيْكُمْ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: عَلَيْكُمْ وَلَعَنَكُمُ اللَّهُ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ، قَالَ: -أي رسول الله-: “مَهْلاً يَا عَائِشَةُ! عَلَيْكِ بِالرِّفْقِ، وَإِيَّاكِ وَالْعُنْفَ وَالْفُحْشَ، قَالَتْ: أَوَلَمْ تَسْمَعْ مَا قَالُوا؟ قَالَ: أَوَلَمْ تَسْمَعِي مَا قُلْتُ؟ رَدَدْتُ عَلَيْهِمْ، فَيُسْتَجَابُ لِي فِيهِمْ وَلَا يُسْتَجَابُ لَهُمْ فِيَّ” (رواه البخاري).

فالرسول يوجّه عائشة ألا تغضب من قوم يستحقون الغضب عليهم، حتى لا يكون ذلك طبيعة في الإنسان، بأن يستجيب لكل من يستغضبه، فيسب ويشتم. وإن تهيئة النفس للمواقف الصعبة المثيرة لنار الغضب، وتوقعها قبل أن تحدث، مما يجعل وقعها غير مفاجئ، ولا مثير، وهو ما كان يتوقعه الرسول صلى الله عليه وسلم من هؤلاء اليهود.

وإن من أنجع أدوية الغضب ذكر الله، (الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) [يونس: 28]، والعفو عند القدرة، (وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)[آل عمران: 134]، وطلب المثوبة واحتساب الأجر، فقد قال أبو الدرداء للرسول صلى الله عليه وسلم: دلني على عمل يدخلني الجنة، قال صلى الله عليه وسلم: “لا تغضب، ولك الجنة” (رواه الطبراني وصححه الألباني).

وتحذير النفس من عقوبة الله إذا تحول الغضب إلى محاولة الانتقام من الضعفاء، والاستعاذة من الشيطان الرجيم، وتحول الغاضب إلى حال غير الحال التي كان عليها، كجلوس القائم، واضطجاع الجالس، والوضوء؛ ليطفئ به نار الشيطان. والسكوت، فقد قال صلى الله عليه وسلم: “إذا غضب أحدكم فليسكت” (رواه أحمد والبخاري في الأدب المفرد وصححه الألباني).

والصبر بعد أن يكون داعي الغضب عظيمًا، مع قدرة الإنسان على الانتقام ممن أغضبه؛ من أعلى درجات الحلم، وقد كان ذلك شأن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: فعن عَبْد اللَّهِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَسَمَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَسْمًا، فَقَالَ رَجُلٌ: “إِنَّ هَذِهِ لَقِسْمَةٌ مَا أُرِيدَ بِهَا وَجْهُ اللَّهِ، فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَخْبَرْتُهُ، فَغَضِبَ حَتَّى رَأَيْتُ الْغَضَبَ فِي وَجْهِهِ، ثُمَّ قَالَ: “يَرْحَمُ اللَّهَ مُوسَى قَدْ أُوذِيَ بِأَكْثَرَ مِنْ هَذَا فَصَبَرَ” (رواه البخاري). خطبة دينية عن الغضب.

والاعتراف بالحق فضيلة كما يقال، وإن هذا الاعتراف ليطفئ نار الغضب عند الآخرين ولو بعد حين، فهذه محاورة تشتد بين الصديقين العظيمين أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ -رضي الله عنهما-، فَأَغْضَبَ أَبُو بَكْرٍ عُمَرَ فَانْصَرَفَ عَنْهُ عُمَرُ مُغْضَبًا، فَاتَّبَعَهُ أَبُو بَكْرٍ يَسْأَلُهُ أَنْ يَسْتَغْفِرَ لَهُ، فَلَمْ يَفْعَلْ حَتَّى أَغْلَقَ بَابَهُ فِي وَجْهِهِ، فَأَقْبَلَ أَبُو بَكْرٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ وَنَحْنُ عِنْدَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَمَّا صَاحِبُكُمْ هَذَا فَقَدْ غَامَرَ -أي: سَبَقَ بِالْخَيْرِ-.

قَالَ: وَنَدِمَ عُمَرُ عَلَى مَا كَانَ مِنْهُ، فَأَقْبَلَ حَتَّى سَلَّمَ وَجَلَسَ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَقَصَّ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْخَبَرَ، قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: وَغَضِبَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَجَعَلَ أَبُو بَكْرٍ يَقُولُ: وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَأَنَا كُنْتُ أَظْلَمَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: “هَلْ أَنْتُمْ تَارِكُونَ لِي صَاحِبِي، هَلْ أَنْتُمْ تَارِكُونَ لِي صَاحِبِي، إِنِّي قُلْتُ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا فَقُلْتُمْ كَذَبْتَ وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ صَدَقْتَ” (رواه البخاري).

ومن العجيب أن نرى بعض الناس يرى الخصومات تشتد، والأصوات تعلو، ومع ذلك فإنه لا يتدخل لإصلاح سريع، ولا يأمر ولا ينهى، بل يبقى متفرجًا حتى يرى ما يكره رؤيته المؤمن من فحش وقطيعة، وإن تذكير الغاضب بالحلم ساعة الغضب مطلب عظيم يدخل في باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

وهنا يجب على من يذكر أن يَتذكر وينيب، لا أن يكابر ويستمر في غضبه، فقد اسْتَبَّ رَجُلَانِ عِنْدَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَغَضِبَ أَحَدُهُمَا فَاشْتَدَّ غَضَبُهُ حَتَّى انْتَفَخَ وَجْهُهُ وَتَغَيَّرَ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: “إِنِّي لَأَعْلَمُ كَلِمَةً لَوْ قَالَهَا لَذَهَبَ عَنْهُ الَّذِي يَجِدُ فَانْطَلَقَ إِلَيْهِ الرَّجُلُ فَأَخْبَرَهُ بِقَوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَقَالَ: تَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ. فَقَالَ: أَتُرَى بِي بَأْسٌ أَمَجْنُونٌ أَنَا اذْهَبْ” (رواه البخاري).

فإن هذا الرجل لم يستجب لأخيه، فوقع في محذور عظيم وهو عدم طاعة الرسول -صلى الله عليه وسلم-، ولكن انظر إلى أبي بكر حين أخذه الغضب، فلما تذكر رجع عن كل أيمانه التي عقدها ساعة غضبها، قَالَ ابنه عَبْدُ الرَّحْمَنِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- “جَاءَ أَبُو بَكْرٍ بِضَيْفٍ لَهُ أَوْ بِأَضْيَافٍ لَهُ، فَأَمْسَى عِنْدَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَلَمَّا جَاءَ قَالَتْ لَهُ أُمِّي: احْتَبَسْتَ عَنْ ضَيْفِكَ أَوْ عَنْ أَضْيَافِكَ اللَّيْلَةَ، قَالَ: مَا عَشَّيْتِهِمْ؟ فَقَالَتْ: عَرَضْنَا عَلَيْهِ أَوْ عَلَيْهِمْ فَأَبَوْا، أَوْ فَأَبَى، فَغَضِبَ أَبُو بَكْرٍ فَسَبَّ وَجَدَّعَ وَحَلَفَ لَا يَطْعَمُهُ، فَاخْتَبَأْتُ أَنَا، فَقَالَ يَا غُنْثَرُ فَحَلَفَتِ الْمَرْأَةُ لَا تَطْعَمُهُ حَتَّى يَطْعَمَهُ فَحَلَفَ الضَّيْفُ أَوِ الْأَضْيَافُ أَنْ لَا يَطْعَمَهُ أَوْ يَطْعَمُوهُ حَتَّى يَطْعَمَهُ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: كَأَنَّ هَذِهِ مِنَ الشَّيْطَانِ فَدَعَا بِالطَّعَامِ فَأَكَلَ وَأَكَلُوا فَجَعَلُوا لَا يَرْفَعُونَ لُقْمَةً إِلَّا رَبَا مِنْ أَسْفَلِهَا أَكْثَرُ مِنْهَا، فَقَالَ يَا أُخْتَ بَنِي فِرَاسٍ مَا هَذَا؟ فَقَالَتْ وَقُرَّةِ عَيْنِي إِنَّهَا الْآنَ لَأَكْثَرُ قَبْلَ أَنْ نَأْكُلَ فَأَكَلُوا وَبَعَثَ بِهَا إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَذَكَرَ أَنَّهُ أَكَلَ مِنْهَا” (رواه البخاري).

لقد عاد إلى الصواب، وغفر، فأكرمه الله بهذه الكرامة لساعته، وهي البركة في الطعام، حتى صار يكثر في الإناء وهم يأكلون منه.

وهذا عمر الذي عرف بأنه كان وقّافًا عند كتاب الله، يخبر ابْن عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ: قَدِمَ عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنِ بْنِ حُذَيْفَةَ فَنَزَلَ عَلَى ابْنِ أَخِيهِ الْحُرِّ بْنِ قَيْسٍ وَكَانَ مِنَ النَّفَرِ الَّذِينَ يُدْنِيهِمْ عُمَرُ، وَكَانَ الْقُرَّاءُ أَصْحَابَ مَجَالِسِ عُمَرَ وَمُشَاوَرَتِهِ كُهُولاً كَانُوا أَوْ شُبَّانًا، فَقَالَ عُيَيْنَةُ لِابْنِ أَخِيهِ: يَا ابْنَ أَخِي هَلْ لَكَ وَجْهٌ عِنْدَ هَذَا الْأَمِيرِ، فَاسْتَأْذِنْ لِي عَلَيْهِ قَالَ: سَأَسْتَأْذِنُ لَكَ عَلَيْهِ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَاسْتَأْذَنَ الْحُرُّ لِعُيَيْنَةَ فَأَذِنَ لَهُ عُمَرُ، فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ قَالَ: هِيْ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ، فَوَاللَّهِ مَا تُعْطِينَا الْجَزْلَ، وَلَا تَحْكُمُ بَيْنَنَا بِالْعَدْلِ، فَغَضِبَ عُمَرُ حَتَّى هَمَّ أَنْ يُوقِعَ بِهِ، فَقَالَ لَهُ الْحُرُّ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ لِنَبِيِّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ) [الأعراف: 199]، وَإِنَّ هَذَا مِنَ الْجَاهِلِينَ، وَاللَّهِ مَا جَاوَزَهَا عُمَرُ حِينَ تَلَاهَا عَلَيْهِ وَكَانَ وَقَّافًا عِنْدَ كِتَابِ اللَّهِ” (رواه البخاري).

فعلى المسلم أن يصغر في نفسه كل ما يضخمه الشيطان من مواقف الآخرين المثيرة للغضب الشخصي، وربما من الوسائل النفسية الناجعة التي يوصي بها النفسيون: أن تكتب كل غضباتك صغيرها وكبيرها وأسبابها، وأوقاتها وآثارها، حتى تستدل على أثرها السيئ جدا في حياتك، وترى كيف تحكمت فيك التوافه، وغيّرت مسار عقلك وتفكيرك، فتتخفف منها شيئًا فشيئًا حتى تضمحل وتمحى.. المهم أن تقرر أن تترك الغضب نهائيًّا، وتتوكل على الله تعالى..

أخي المسلم.. لقد جرب الأكياس مثل هذه الوصفات التي سردتها عليك ونجحوا.. فجرِّب أنت وسوف تنجح بإذن الله.

عباد الله التائب من الذنب كمن لا ذنب له؛ توبوا إلى الله واستغفروه.

الخطبة الثانية:

الحمد لله وحده، نصر عبده، وأعز جنده، وهزم الأحزاب وحده، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليمًا كثيرًا.

أما بعد: فإن سرعة الغضب رذيلة شريرة إذا استشرت في مجتمع، قوّضت بنيانه، وهدمت أركانه، ففشا فيها الشقاق، وتقطعت العلاقات، وتخلخلت الأسر.

وقد رأينا وسمعنا قصصًا مروعة، ربما انتهت بالقتل أو تشويه الآخرين، كل ذلك بأسباب ربما تكون تافهة، أو حتى قوية، فإن الغاضب إذا استسلم لغضبه لا يتصرف بعقله، وإنما بغريزته، فيسارع إلى الانتقام الأشد الذي يشفي غليان الدم في صدره، ولذلك نجده يندم على فعله إذا ثاب إلى رشده.

وقبل أن أغلق هذا الموضوع أود أن أبين بأن من يفقد حاسة الغضب تمامًا، حتى في المواطن التي يجب فيها أن يغضب، فإنما ينم ذلك عن برود في الأعصاب، وضعف في الشخصية، يفقد معهما معاني الغيرة والعزة، فيرضى بالذل، ويقبل الإهانة، وليس المسلم كذلك. ولكن الإفراط فيه مذموم أيضًا، فبه يخرج الإنسان عن سياسة العقل والدين والطاعة، ولا يبقى للمرء معه بصيرة، ولا نظر، ولا فكرة، ولا اختيار.

وإن من أجلِّ الغضب المحمود: الغضب إذا ارتُكبت محارم الله، مع الاحتفاظ بالعقل والتمييز والحكمة في التصرف، ومن الدعاء الوارد: “أسألك كلمة الحق في الغضب والرضا” (رواه أحمد في مسنده).

وذلك شأن الرسول -صلى الله عليه وسلم-، الذي لا يغضب لنفسه، وإنما يغضب لمحارم الله، عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ أَهْدَى إِلَيَّ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حُلَّةَ سِيَرَاءَ (مخططة بالحرير)، فَلَبِسْتُهَا فَرَأَيْتُ الْغَضَبَ فِي وَجْهِهِ فَشَقَقْتُهَا بَيْنَ نِسَائِي. (رواه البخاري).

وذلك غضب لله الذي يغضب إذا انتُهكت محارمه، فعَنْ عَبْدِاللَّهِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: “مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ كَاذِبًا لِيَقْتَطِعَ مَالَ رَجُلٍ أَوْ قَالَ أَخِيهِ لَقِيَ اللَّهَ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ”.. الحديث (رواه البخاري).

نعوذ بالله من غضب الله، ونسأله أن يمن علينا بالحلم والعلم.

اللهم يا عزيز يا حكيم أعز الإسلام والمسلمين وانصر إخواننا المجاهدين وارفع البأس والظلم والجوع عن إخواننا المستضعفين، اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح ولاة أمورنا، ووفقهم لإصلاح رعاياهم، اللهم أيدهم بالحق وأيد الحق بهم، واجعلهم هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين، سلمًا لأوليائك حربًا على أعدائك.

اللهم فك أسرى المسلمين، واقض الدين عن المدينين، واهد ضالهم، وهيئ لأمة الإسلام أمرًا رشدًا يعز فيه أهل طاعتك، ويذل فيه أهل معصيتك، ويؤمر فيه بالمعروف وينهى فيه عن المنكر.

اللهم بارك لنا فيما أعطيتنا، وأغننا بحلالك عن حرامك وبفضلك عمن سواك، وأغننا برحمتك يا حي يا قيوم، واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين واجعلنا من أهل جنة النعيم برحمتك يا أرحم الراحمين.

اللهم صل وسلم وزد وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله الطاهرين، وصحبه أجمعين، وعنا معهم برحمتك وفضلك ومنك يا أكرم الأكرمين.

قد يهمك:

خطبة عن ضبط النفس عند الغضب

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له؛ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وسلم.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102]. (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1]. (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71].

أما بعد: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَّا يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ) [لقمان:33].

اتقوا الله -عز وجل-؛ فإن تقوى الله سبب سعادتكم وفلاحكم في الدنيا والآخرة، اتقوا الله -عز وجل- بقلوبكم فاعمروها بالإيمان وبالخوف من الله وخشيته ومراقبته، اتقوا الله بأفعالكم وجوارحكم فلا تفعلوا إلا ما يقربكم من ربكم -سبحانه وتعالى-.

مَنّ الله -عز وجل- عليّ وعليكم بتقواه، وجنبنا جميعا أسباب غضبه وسخطه؛ إن ربي رحيم ودود.

أيها الإخوة المسلمون: إن من الخصال الذميمة والأخلاق الممقوتة التي ينشأ عنها كثير من المفاسد: سرعة الغضب والانفعال لغير مسوِّغٍ شرعي. هذه الخصلة الذميمة بسببها تقطعت أوصال القربى بين بعض الناس، وبسببها تفككت أسر، وضاقت صدور.

ولا غرابة في ذلك؛ فإن الغضب جماع الشر، والتحرز منه جماع الخير؛ ولهذا جاءت وصية نبيكم -صلى الله عليه وسلم- لذلك الرجل الذي قال له: أوصِني، فقال -صلى الله عليه وسلم- موصياً له: “لا تغضب”، ورددها مرارا، قال: “لا تغضب” رواه البخاري.

وروى الإمام أحمد أن رجلا من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: يا رسول الله، أوصني، قال: “لا تغضب”.

قال الرجل: ففكرت حين قال النبي -صلى الله عليه وسلم- ما قال، فإذا الغضب يجمع الشر كله.

وهذا يؤكد -أيها الإخوة في الله- أن الغضب مفتاحٌ للشرّ، وسببٌ للفساد؛ لأن من غضب قد يصدر عنه من السباب والشتم وغير ذلك من قول المنكر ما يندم عليه في حال الرضا وهدوء الأعصاب.

روي في بعض الأحاديث أن رجلا أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- من قبل وجهه، فقال: يا رسول الله، أي العمل أفضل؟ قال: “حُسن الخلق”، ثم أتاه عن يمينه فقال: يا رسول الله، أي العمل أفضل؟ قال: “حسن الخلق”، ثم أتاه عن شمال فقال: أي العمل أفضل؟ قال: “حسن الخلق”، ثم أتاه من بعده -يعني من خلفه-، فقال: يا رسول الله، أي العمل أفضل؟ فالتفت إليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: “ما لك لا تفقه؟ حسن الخلق هو أن لا تغضب إن استطعت”.

أيها الإخوة المسلمون: إن من طبع الإنسان أن يغضب إذا استُغضب، ويثور إذا تعرض لفعل أو قول أو تصرف لا يرضاه ويأنف منه، وقد ينفعل أشد الانفعال، ويرغي، وتنتفخ أوداجه، وتحمرّ عيناه، ويقذف بكلمات الشر.

ولكن الإسلام جاء ليهذب هذا الطبع، فبين أن المسلم مطالب مطالبة أكيدة بأن يضبط أعصابه قدر الإمكان، ويملك نفسه، ويكظم غيظه، ويخفي حنقه؛ بل عد الإسلام هذا الموقف من المسلم دليل الرجولة الفارعة، وعلامة القوة الفتية، وعنوان الشخصية الأبية؛ خلاف ما يفهمه بعض الناس من أن ذلك ضعف وخور.

يقول -صلى الله عليه وسلم- في الحديث المتفق عليه: “ليس الشديد بالصُّرَعةِ؛ إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب”.

وفي صحيح مسلم أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: “ما تعدُّون الصُّرَعَةَ فيكم؟” قلنا: الذي لا تصرعه الرجال. قال: “ليس الشديد بالصُّرَعَةِ؛ ولكن الذي يملك نفسه عند الغضب”.

وفي حديث رواه الترمذي بين فيه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- طبقات الناس في هذه الخصلة، فعدّ من أفضلهم الرجل الذي يملك نفسه فلا يغضب سريعا مهما استثير أو استغضب؛ وفي الوقت ذاته سريع الرجوع إلى الحق والثواب، جاء في الحديث: “ألا وإن منهم -أي: الناس- البطيء الغضب سريع الفيء -يعني: سريع الرجوع إلى الصواب-، ومنهم سريع الغضب سريع الفيء، فتلك بتلك، ألا وإن منهم سريع الغضب بطيء الفيء، ألا وخيرهم بطيء الغضب سريع الفيء، ألا وشرهم سريع الغضب بطيء الفيء”، أي: بطيء الرجوع إلى الصواب بعدما يستبين له.

إن الغضب يولد الحقد، ويورث الحسد، وهما مرضان خطيران يدمّران الفرد والأسر والمجتمعات، الغضب الذي لا تعصمه التقوى ولا تحده مبادئ يلتزم بها المسلم ويأخذ بها نفسه خوفا من الله ورغبة في رضاه، هذا الغضب داء وبيل، وشر مستطير؛ وقد تكون آثار الغضب في بعض الأحيان هلاكا ودمارا وفسادا وخرابا.

تأملوا -رحمكم الله-: كم من شجار بين شخصين حصل بسبب كلمة أو تصرف يسير أدى إلى القتل؛ كان سببه الغضب! وكم فرق الغضب بين زوجين وتفرق أولادهما وتقطعت الأواصر بينهما وهدمت أسر كانت ترفرف عليها السعادة والوئام! كم تقطعت أرحام وساءت علاقات اجتماعية بسبب الغضب وسرعة الانفعال على أمور كان بالإمكان التعامل معها بغير الغضب! إلى غير ذلك من المفاسد التي يسببها الغضب وسرعة الانفعال.

إن الاندفاع وراء الغضب يفقد الإنسان الروية في الحكم والأناة في بحث الأمور بتعقل وهدوء.

عليك أخي المسلم إذا استغضبت أن تتذكر دائما ما أعده الله -عز وجل- للكاظمين الغيظ من عباده الذين يضبطون أعصابهم حتى لا تثور أو تنفعل: (وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) [آل عمران:134].

ومما يبين فضيلة كظم الغيظ ما رواه الإمام أحمد أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: “ما تجرع عبد جرعة أفضل عند الله من جرعة غيظ يكظمها ابتغاء وجه الله تعالى”.

وفي حديث آخر رواه الإمام أحمد وأهل السنن: “مَن كظم غيظا وهو يستطيع أن ينفذه دعاه الله يوم القيامة على رؤوس الخلائق، حتى يخيره في أي الحور شاء”، إلى غير ذلك من الأحاديث الدالة على فضل كظم الغيظ.

ألا ما أعظمه من أجر! وما أكبره من فضل! وما أجزله من ثواب حري بكل مسلم أن يحرص على نيله وتحصيله!.

أيها الإخوة في الله: مما ينبغي التحذير منه في هذا المقام الدعاء في ساعة الغضب، فعلى المسلم أن يحذر من الدعاء على نفسه أو أهله أو ولده أو ماله عند الغضب؛ فإن ذلك ربما يصادف ساعة إجابة فيستجاب له.

جاء في صحيح مسلم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: “لا تدعوا على ‏أنفسكم، ولا تدعوا على أولادكم، ولا تدعوا على أموالكم؛ لا ‏توافقوا من الله ساعة يسأل فيها عطاء فيستجاب لكم”.

كما أنه ينبغي لمن انتابه الغضب ألا يصدر حكما، ولا يتخذ موقفا في هذه الحال التي هو عليها من سرعة الغضب وشدة الانفعال؛ لأنه لو أصدر حكما أو اتخذ موقفا والغضب يملك عليه أعصابه وشعوره فلربما تجاوز الحدّ، وضل طريق الحق والعدل.

كتب عمر بن عبد العزيز -رحمه الله- إلى أحد عماله: “لا تعاقب رجلاً عند غضبك عليه؛ بل احبسه حتى يسكن غضبك، فإذا سكن فأخرجه فعاقبه على قدر ذنبه، ولا تجاوز به خمسة عشر سوطا”.

إنّه ليس أحسن للمرء من التَحَلِّي بخلق العفو، والتجاوز عن المخطئين، وضبط الأعصاب في مواطن الإثارة والانفعال، وفي مثل هذه الأحوال تظهر معادن الرجال، كما قال -صلى الله عليه وسلم- لأشجّ عبد القيس: “إن فيك خصلتين يحبهما الله: الحلم والأناة”.

وإذا كان المرء عنده حدة مزاج وسرعة انفعال فإن هذا لا يعفيه من المسؤولية؛ بل عليه أن يعالج نفسه وأن يؤدبها ويروضها على كظم الغيظ وملك الأعصاب، عليه أن يحاسب نفسه على كل موقف يحصل منه سرعة غضب وانفعال فيه، عليه أن يستحضر دائما عواقب الغضب الوخيمة ونتائجه المدمرة وأخطاره السيئة حتى على صحته وعافيته، مستصحباً في ذلك كله المجاهدة الصادقة، والاستعانة بمن بيده قلوب العباد يصرفها كيف يشاء، فيلح بالدعاء والتضرع لله -عز وجل- في أن يخلصه ويعافيه من هذا الخلق السيئ، ويسأل ربه الحفظ والسلامة.

نسأل الله -عز وجل- أن يجعلنا من الكاظمين الغيظ والعافين عن الناس، وأن يرزقنا الحلم والأناة، إن ربي لطيف لما يشاء؛ إنه هو العليم الحكيم.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ) [الأعراف:201].

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب؛ إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله الحليم الكريم، لا تنفعه -سبحانه- طاعة المطيع، ولا تضرُّه معصية العاصي، أحمده سبحانه وأشكره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، الرحمن المبعوث رحمة للعالمين، إمام المتقين، وقائد الغُرِّ المحجَّلين، وحبيب رب العالمين، وعلى آله وأصحابه أجمعين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

وعليكم بجماعة المسلمين، فإن يد الله مع جماعة المسلمين، ومن شذ عنهم شذ في النار.

أيها الإخوة المسلمون: إن من أشد الناس حاجة إلى الحلم والأناة وكظم الغيظ الدعاة إلى الله، والمصلحين، والمحتسبين؛ ما أحوجهم وهم يعالجون انحراف المنحرفين وفساد المفسدين إلى الحلم والأناة! ما أحوجهم وهم يرون انتفاش الباطل وانتفاخه إلى كظم الغيط وشدة التحمل! ما أحوجهم وهم يرون صدود الصادّين، وإعراض المعرضين، وسخرية المستهزئين، ما أحوجهم مع ذلك كله إلى الحلم والأناة وكظم الغيظ وعدم الانتقام للنفس! (وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) [الشورى:43].

لقد ضرب رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- أروع الأمثلة للدعاة والمصلحين في هذا المجال، ها هو -صلى الله عليه وسلم- يجد من أهله وعشيرته من أهل مكة الإعراض والصدود والتكبر والطغيان والسخرية واللمز والأذية وهو يدعوهم إلى ما فيه سعادتهم وفلاحهم في الدنيا والآخرة.

يأتيه ملَك الجبال في يوم من الأيام وقد ضاق صدره -صلى الله عليه وسلم- ويعرض عليه أن يطبق عليهم الأخشبين، وهما جبلان عظيمان بمكة، فيقول له الرسول -صلى الله عليه وسلم-: “لا، ولكني أستأني بهم؛ لعل الله يخرج من أصلابهم من يعبد الله وحده لا شريك له”.

وفي حديث عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-: “كأني أنظر إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يحكي نبياً من الأنبياء أذاه قومه وهو يمسح الدمع عن وجهه ويقول: اللهم اهدِ قومي فإنهم لا يعلمون، اللهم اهدِ قومي فإنهم لا يعلمون”.

إنَّ همَّ الداعية والمحتسب والآمر بالمعروف والناهي عن المنكر، إن همّه وغايته إصلاح الناس ودلالتهم على الحق، وإرجاعهم إلى الدين، وهو في ذلك كله لا يبني مجدا شخصيا له، وإنما يسعى إلى كسب رضا الله -عز وجل-، وتجنيب المجتمع شرور المنكرات والموبقات، وشرور الانحراف عن صراط الله المستقيم، وهو لا يبالي بما أصابه في سبيل ذلك كله إذا كان الله راضيا عنه، ولسان حاله: “إن لم يكن بك غضبٌ عليَّ -يا ربي- فلا أبالي، غير أن عافيتك أوسع لي”.

إخوة الإسلام: إن العلاج الناجع لمن ابتلي بالغضب اتّباع ما أرشد إليه النبي -صلى الله عليه وسلم- في حديث سليمان بن صرد: استَبَّ رجلان عند النبي -صلى الله عليه وسلم- وأحدهما يسبّ صاحبه مغضبا قد احمر وجهه، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: “إنِّي لأعلم كلمة لو قالها، لذهب عنه ما يجد، لو قال: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم”.

ومن العلاج للغضب ما جاء في حديث آخر: “ألا إنَّ الغضبَ جمرةٌ في قلب ابن آدم، أما رأيتم إلى حُمرة عينيه وانتفاخ أوداجه؟ فمَن أَحَسَّ بشيءٍ من ذلك فليلصق بالأرض”.

وفي حديث آخر: “إذا غضب أحدكم وهو قائم فليجلس، فإذا ذهب عنه الغضب، وإلّا فلْيَضطجِعْ”.

وفي حديث آخر: “إنَّ الغضب من الشيطان، وإن الشيطان خُلِقَ من نارٍ؛ وإنما تطفأ النار بالماء؛ فإذا غضب أحدكم فلْيَتَوَضَّأْ”.

إن الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم، وتغيير الحال التي عليها الغاضب، والوضوء، أسبابٌ نبوية، أسبابٌ شرعية، حث عليها المصطفى -صلى الله عليه وسلم-، ووجَّهَ إليها في اتقاء شر الغضب وآثاره المدمرة، وهي أسباب كفيلة لتخفيف حدة الغضب أو إزالته.

هذا هو واجب المسلم مع خلُق الغضب: كظم الغيظ، والتحمُّل، والصبر، والحلم، والأناة.

واجبه في مقام الأُبُوَّةِ وهو يجد من أبنائه ما يُغْضِبُه ويُحْزِنُهُ ويشق عليه من تصرُّفاتهم وأقوالهم وأفعالهم، واجبه كظم الغيظ، والاستمرار على النصيحة، والتوجيه، والتقويم.

واجبه معلما أن يصبر على تعليم تلاميذه، ويكرر لهم الدرس والمادة مرة بعد أخرى؛ يصبر على قلة ذكاء الطالب، وعلى سوء فهمه، فيعيد له الدرس والموضوع مرة بعد أخرى بلطف ورفق وبُعد عن الغضب.

واجبُهُ وهو يعالج أخطاء تلاميذه وتصرفاتهم السيئة أن يستعين بالصبر والحلم والأناة وكظم الغيظ حتى يؤتي عمله ثماره الطيبة.

واجِبُهُ زوجاً أن يحلم ويعفو عن تقصير زوجته وأهله في حقه أو في حق أولاده.

واجبه داعية ومحتسبا يدعو إلى الله -عز وجل- أن يصبر على صدود الصادّين وإعراض المعرضين، ولا تمنعه مواقفهم من عدم قبول نصحه، أو قبول احتسابه من الاستمرار في طريق الاحتساب والدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، مستحضرا أن مهمته ووظيفته إرشاد الناس، وتبليغ حكم الله -عز وجل-، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والدعوة إلى الله -عز وجل-.

وأما القلوب فأمرها إلى الله -عز وجل-، يقول الله -عز وجل- لنبيه محمد -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) [القصص:56]، (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ) [المائدة:67].

وهو مع ذلك يراجع وسائله ويراجع أساليبه، فيبعد عن كل وسيلة فيها شبهة أو وسيلة لا تتناسب مع أحكام الدين وأحكام الشرع، يراجع أساليبه حتى يسلك الوسيلة والسبيل الأكثر نفعا والأبعد عن الضرر له ولمجتمعه.

نسأل الله -عز وجل- أن يوفقنا جميعا إلى ما يحب ويرضى.

هذا وصلوا وسلموا على نبيكم محمد بن عبد الله، فقد أمركم ربكم بهذا في كتابه، فقال عز من قائل: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب:56].

خطبة علاج الغضب

الحمد لله ذي العظمة والجلال العزيز الغفار، أحمده سبحانه من إله عزيز ذي انتقام، وأشكره على إمهاله وحِلْمه وسَعة عفوه، ونعمٍ لا تُحصى ولا تُعَد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في أسمائه وصفاته، وفي عبادته وفي ربوبيته، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله المبعوث رحمة للعالمين، الداعي إلى رِضوان الله والطمع في مغفرته، والتخويف من غضبه، اللهم صلِّ وسلِّم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وأصحابه المشمِّرين إلى طلب عفو الله، والخائفين من الوقوع فيما يُسخِط الله.

أما بعد:

فأيها الناس، اتقوا الله، واعلموا أن الرسول صلى الله عليه وسلم أُعطي جوامع الكَلِم من ربه – سبحانه وتعالى – لعِلْمه بخلود الشريعة وبقائها وشمولها، وهذا الأمر لا يَحصُل إلا بقواعد وأُسس.

فمِن جوامع الكَلِم التي حوتْ لنا كلَّ خير، ونفت عنا كلَّ شر: ما نطق بها الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، الذي لا يَنطِق عن الهوى في مقالته للرجل الذي طلَب الوصية من الرسول صلى الله عليه وسلم عدة مرات، وفي كل مرة يقول الرسول المعلِّم صلى الله عليه وسلم: ((لا تغضب))، وفي بعض الألفاظ أن الرجل قال: قلت: يا رسول الله، دُلَّني على عملٍ يدخلني الجنة ويُباعِدني من النار، ولا تُكثِر عليَّ، قال: ((لا تغضب))، ومعلوم أن الوصية: طلب الشيء مع تأكيده، فالرسول صلى الله عليه وسلم أكثر عليه بعدم الغضب، والغضب لفظ وارد في الكتاب والسُّنة، يكون من الله بمعنى: إنكاره على مَن عصاه، وسخط عليه وأعرض عنه؛ مُعاقَبة له، ويكون من الناس على ضربين: محمود ومذموم؛ فالمحمود: ما كان في جانب الدين والحق، أما المذموم، فما كان في خلافه، وما نهى عنه الرسول صلى الله عليه وسلم هذا الرجلَ من قبيل المذموم؛ ولهذا قال الرجل: ففكَّرتُ حينما قال لي النبي صلى الله عليه وسلم ما قال، فإذا الغضب يجمع الشرَّ كله.

أيها المسلمون، إن وصية النبي صلى الله عليه وسلم لهذا الرجل ليست له وحده، بل هي لكل مَن يأتي بعده إلى يوم القيامة، فجدير بكل مسلم التخلُّق بخُلُق الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، وأن يَعقِل ما يقول ويتفهَّم معناه، ومما لا شك فيه أن صفة الغضب مذمومة؛ لما يترتَّب على وجودها من جلْب الشر وعدم إدراك الخير؛ لأن الغضب هو: غليان دم القلب طلبًا لدفع المؤذي عنه؛ خشية وقوعه، أو طلبًا للانتقام ممن حصل منه الأذى بعد وقوعه، وينشأ عن ذلك كثير من الأفعال المُحرَّمة؛ كالقتل والضرب وأنواع الظلم والعدوان، وكثير من الأقوال المُحرَّمة؛ كالقذف، والسب، والفحش، وربما ارتقى إلى درجة الكُفْر كما وقع لجَبَلة بن الأيهم، وكالأيمان التي لا يجوز التزامها شرعًا، وطلاق الزوجة الذي يَعقُبه الندم.خطبة دينية عن الغضب.

وقوله صلى الله عليه وسلم لمن استوصاه: ((لا تغضب)) يحتمل أمرين:

أحدهما: أن يكون مراده الأمر بالأسباب التي تُوجِب حُسْن الخلق؛ من الكرم والسخاء، والحِلْم والحياء، والتواضع والاحتمال، وكف الأذى، والصفح والعفو، وكَظْم الغيط، والطلاقة والبِشْر، ونحو ذلك من الأخلاق الجميلة، فإن النفس إذا تخلَّقت بهذه الأخلاق، وصارت لها عادة، أوجب لها ذلك دفْعَ الغضب عند حصول أسبابه.

والثاني: أن يكون المراد: لا تعمل بمقتضى الغضب إذا حصل لك، بل جاهِد نفسك على ترْك تنفيذه والعملِ بما يأمر به؛ فإن الغضب إذا ملَك شيئًا من بني آدم، كان الآمر والناهي له؛ ولهذا المعنى قال الله – عز وجل -: ﴿ وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ ﴾ [الأعراف: 154]، فإذا لم يَمتثِل الإنسان ما يأمره به غضبُه، وجاهد نفسه على ذلك، اندفع عنه شرُّ الغضب؛ ولهذا امتدح الله تعالى مَن هذه صفتُه: ﴿ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ ﴾ [الشورى: 37]، ويقول تعالى: ﴿ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [آل عمران: 134]، وكما حذَّرنا النبي من صِفة الغضب، وبيَّن أنها داء مُضِر ينبغي التباعد عن الوقوع فيه، أوضح لنا عليه الصلاة والسلام كلَّ الإيضاح علاجَ هذا الداء إذا ما وقع، فهناك أسباب وعلاجات للغضب أمَر بها النبي صلى الله عليه وسلم، ومن ذلك:

التعوذ بالله من الشيطان الرجيم حين وجود الغضب، فهو علاج ما أَحسَنه! يدل على الاعتصام بالله والالتجاء إليه من هذا الشيطان الرجيم، الذي يريد أن يُوقِع الإنسان في الردى والهلاك؛ ففي الحديث المتَّفَق عليه عن سليمانَ بنِ صُرَدَ رضي الله عنه قال: استبَّ رجلان عند النبي صلى الله عليه وسلم ونحن جلوس عنده، وأحدهما يَسُب صاحبَه مُغضَبًا قد احمرَّ وجهه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إني لأعلم كلمة لو قالها، لذهب عنه ما يَجِد؛ لو قال: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم))، فقالوا للرجل: ألا تسمع ما يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: إني لست بمجنون.

ومن الأسباب المهدِّئة للغضب: جلوسه إن كان قائمًا، فإن أجدى ذلك، وإلا فليضطجع؛ كما في الحديث الذي أخرجه الإمام أحمد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا غضِب أحدُكم وهو قائم، فليَجلِس، فإن ذهب عنه الغضب وإلا فليضطجع)).

قال ابن رجب رضي الله عنه في “جامع العلوم والحِكم”: “وقد قيل: إن المعنى في هذا أن القائم متهيئ للانتقام، والجالس دونه في ذلك، والمضطجع أبعد عنه، فأمَره بالتباعد عنه حالة الانتقام”.

ومن الأسباب التي تُتَّخذ لدفع الغضب ومضارِّه: السكوتُ، قال صلى الله عليه وسلم: ((إذا غضِب أحدُكم، فليَسكُت))، قالها ثلاثًا، فهذا أيضًا دواء عظيم للغضب؛ لأن الغضبان يَصدُر منه في حالة غضبه من القول ما يَندَم عليه في حال زوال غضبه – كثير من السِّباب وغيره مما يَعظُم ضررُه، فإذا سكت زال عنه هذا الشر كله.

ومن العلاجات النبوية لدفع حرارة الغضب: أن يتوضأ أو يَغتسِل؛ لأن الغضب جمرة في قلب كل إنسان؛ ولهذا تحمرُّ عيناه، قال صلى الله عليه وسلم: ((إن الغضب من الشيطان، وإن الشيطان خُلِق من النار، وإنما تُطفأ النار بالماء؛ فإذا غضِب أحدُكم فليتوضَّأ))، وعن معاوية رضي الله عنه أنه قال: سمعتُ رسول الله يقول: ((إن الغضب من الشيطان، والشيطان من النار، والماء يُطفئ النارَ؛ فإذا غضِب أحدكم فليَغتسِل)).

نسأل الله العفو والعافية، والتوفيق لاتباع الرسول صلى الله عليه وسلم في أقواله وأفعاله، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ﴿ وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ ﴾ [الشورى: 37].

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذِّكر والحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الكريم لي ولكم ولسائر المسلمين والمسلمات من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

خطبة عن الغضب وأنواعه

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102]، ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً ﴾ [النساء: 1]، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً ﴾ [الأحزاب: 70، 71].

أما بعد:

فإن أصدق الحديث كتابُ الله، وخيرَ الهديِ هديُ محمد صلى الله عليه وسلم، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ محدثةٍ بدعة، وكلَّ بدعة ضلالة، وكلَّ ضلالةٍ في النار، أعاذنا الله وإياكم وسائر المسلمين من النار، ومن كل عمل يقرب إلى النار، اللهم آمين.

أيها الإخوة الكرام؛ مَن منَّا لا يغضب؟ لكن من مِنا يتحكم في غضبه؟ وكم منَّا من ينجرُّ وراء غضبه ثم يندم بعد ذلك؟

فالغضب نوعان؛ نوع محمود؛ ويكون لله سبحانه وتعالى؛ يغضب لدين الله، يغضب لانتهاك حرمات الله جل جلاله، فقد غضِب موسى عليه السلام على قومه حين عبدوا العجل من دون الله، قال سبحانه: ﴿ وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الْأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلَا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْدَاءَ وَلَا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ﴾ [الأعراف: 150].

ثم قال سبحانه: ﴿ وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الْأَلْوَاحَ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ ﴾ [الأعراف: 154].

وغضبَ النبيُّ محمدٌ صلى الله عليه وسلم لله سبحانه، لما رأى قذارةً في المسجد؛ في بيتِ الله سبحانه، فقد (رَأَى رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلَّم نُخَامَةً فِي قِبْلَةِ الْمَسْجِدِ، فَغَضِبَ حَتَّى احْمَرَّ وَجْهُهُ، فَقَامَتِ امْرَأَةٌ مِنَ الْأَنْصَارِ فَحَكَّتْهَا وَجَعَلَتْ مَكَانَهَا خَلُوقًا)، أي: طِيبًا. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلَّم: (“مَا أَحْسَنَ هَذَا!”). (س) (728)، (جة) (762). فهل نغضب لبيوت الله عندما تُنتَهك حرماتُها وتمتلئُ جدرانُها بالصور؟

وغضب صلى الله عليه وسلم عندما رأى مَن يتخلَّف عن صلاةِ الجماعة، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: (جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمَسْجِدِ، فَرَآهُمْ عِزِينَ مُتَفَرِّقِينَ)، قَالَ: (فَغَضِبَ غَضَبًا شَدِيدًا مَا رَأَيْنَاهُ غَضِبَ غَضَبًا أَشَدَّ مِنْهُ)، قَالَ -صلى الله عليه وسلم-: («وَاللَّهِ، لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ رَجُلًا يَؤُمُّ النَّاسَ، ثُمَّ أَتَتَبَّعَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَتَخَلَّفُونَ عَنِ الصَّلَاةِ فِي دُورِهِمْ، فَأُحَرِّقَهَا عَلَيْهِمْ»). (حم) (8903). خطبة دينية عن الغضب.

فهل نغضب عندما يتلكَّأُ أولادُنا فيتركون الصلوات؟ وعندما يرتكبون المعاصي والسيئات؟

وغضب صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عندما اتهمه بعضهم بعدم العدل فقد (قَسَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا قِسْمَةً، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ: إِنَّ هَذِهِ لَقِسْمَةٌ مَا أُرِيدَ بِهَا وَجْهُ اللَّهِ)… (فَغَضِبَ حَتَّى احْمَرَّ وَجْهُهُ)، ثُمَّ قَالَ: («رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَى مُوسَى، أُوذِيَ بِأَكْثَرَ مِنْ هَذَا فَصَبَرَ»). (خ) (6291).

فهل نغضبُ عندما تُمتهَن سنته؟ ويستهزئُ المستهزئون من دينه وطريقته؟

وغضب صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين تنازع الصحابة رضي الله عنهم في القرآن فقد (سَمِعَ أَصْوَاتَ رَجُلَيْنِ اخْتَلَفَا فِي آيَةٍ)، قال -عبد الله ابن عمرو-: (فَخَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يُعْرَفُ فِي وَجْهِهِ الْغَضَبُ)، فَقَالَ: (“إِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، بِاخْتِلَافِهِمْ فِي الْكِتَابِ”). (م) 2- (2666).

وغضب عندما تنازعوا في القدَر، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: (خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ نَتَنَازَعُ فِي القَدَرِ، فَغَضِبَ حَتَّى احْمَرَّ وَجْهُهُ، حَتَّى كَأَنَّمَا فُقِئَ فِي وَجْنَتَيْهِ الرُّمَّانُ)، فَقَالَ: (“أَبِهَذَا أُمِرْتُمْ؟ أَمْ بِهَذَا أُرْسِلْتُ إِلَيْكُمْ؟ إِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ حِينَ تَنَازَعُوا فِي هَذَا الأَمْرِ، عَزَمْتُ عَلَيْكُمْ أَلَّا تَتَنَازَعُوا فِيهِ”). (ت) (2133).

فهل نغضب عندما يحصل التنازع بين المسلمين، مما يؤدي إلى الشقاق والتفرق والتشرذم؟

ويغضب صلى الله عليه وسلم عندما يخطُب، فقد (كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ إِذَا خَطَبَ احْمَرَّتْ عَيْنَاهُ، وَعَلَا صَوْتُهُ، وَاشْتَدَّ غَضَبُهُ، حَتَّى كَأَنَّهُ مُنْذِرُ جَيْشٍ) يَقُولُ: (“صَبَّحَكُمْ وَمَسَّاكُمْ”)، وَيَقُولُ: (“بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةُ كَهَاتَيْنِ”)، وَيَقْرُنُ بَيْنَ إِصْبَعَيْهِ السَّبَّابَةِ، وَالْوُسْطَى، وَيَقُولُ: (“أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ خَيْرَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ، وَخَيْرُ الْهُدَى هُدَى مُحَمَّدٍ، وَشَرُّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ”) ثُمَّ يَقُولُ: (“أَنَا أَوْلَى بِكُلِّ مُؤْمِنٍ مِنْ نَفْسِهِ، مَنْ تَرَكَ مَالًا فَلِأَهْلِهِ، وَمَنْ تَرَكَ دَيْنًا أَوْ ضَيَاعًا فَإِلَيَّ وَعَلَيَّ”). (م) 43- (867).

لأنه يريد أن يثير اهتمام المصلين لما سيلقيه عليهم من الموعظة، فلا يجعل خطبته مثل المحاضرة أو الندوة.

وغضِب الصحابةُ رضي الله عنهم، والعلماء والصالحون من أجل فَسَادِ كثير من النَّاسِ، وَذَهَابِ الصَّالِحِين، عَنْ أُمَّ الدَّرْدَاءِ رضي الله عنها قَالَتْ: (دَخَلَ عَلَيَّ أَبُو الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه وَهُوَ مُغْضَبٌ، فَقُلْتُ: مَا أَغْضَبَكَ؟) فَقَالَ: (وَاللهِ مَا أَعْرِفُ) (فِيهِمْ) -أَيْ: فِي أَهْل الْبَلَدِ الَّذِي كَانَ فِيه (شَيْئًا مِنْ أَمْرِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم) -أَيْ: مِنْ شَرِيعَة مُحَمَّدٍ شَيْئًا لَمْ يَتَغَيَّر عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ (إِلَّا أَنَّهُمْ يُصَلُّونَ جَمِيعًا). (خ) (650).

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى: فَيَا لَيْتَ شِعْرِي إِذَا كَانَ ذَلِكَ الْعَصْرُ الْفَاضِلُ بِالصِّفَةِ الْمَذْكُورَةِ عِنْدَ أَبِي الدَّرْدَاء؛ فَكَيْفَ بِمَنْ جَاءَ بَعْدَهُمْ مِنْ الطَّبَقَات إِلَى هَذَا الزَّمَان؟! (فتح الباري).

فالغضب الممدوح ما كان من أجل الله، ومن أجل دين الله، ومن أجل رسول الله صلى الله عليه وسلم.

أمّا الغضبُ المذمومُ فهو ما كان لغير الله، كأن يكون لأمورٍ شخصية أو مالية، أو يغضبُ لعصبية أو قَبَليّة، فهذا الغضب قد يخرج صاحبَه من دين الله، فقد يكفر أثناء غضبه، أو يسبُّ الـمِلَّة، والعياذ بالله.

عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ صُرَدٍ رضي الله عنه قَالَ: (اسْتَبَّ رَجُلَانِ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى اللهُ عليه وسلَّم فَغَضِبَ أَحَدُهُمَا فَاشْتَدَّ غَضَبُهُ، حَتَّى احْمَرَّ وَجْهُهُ وَانْتَفَخَتْ أَوْدَاجُهُ)، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلَّم: (“إِنِّي لَأَعْلَمُ كَلِمَةً لَوْ قَالَهَا لَذَهَبَ عَنْهُ مَا يَجِدُ)؛ (لَوْ قَالَ: أَعُوذُ بِاللهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ)، (ذَهَبَ عَنْهُ مَا يَجِدُ”)، (فَقَامَ إِلَى الرَّجُلِ رَجُلٌ مِمَّنْ سَمِعَ النَّبِيَّ صلى اللهُ عليه وسلَّم)، (فَأَخْبَرَهُ بِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى اللهُ عليه وسلَّم)، (وَقَالَ: تَعَوَّذْ بِاللهِ مِنْ الشَّيْطَانِ) (الرَّجِيمِ)، (فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ -الغضبان-: أَمَجْنُونًا تَرَانِي؟) (اذْهَبْ). (خ) (3282)، (6048)، (6115)، (م) 109- (2610)، (م) 110- (2610).

عباد الله؛ والغضب المذموم يؤدي إلى الظلم:

فالغضبان يظلم زوجته أو زوجاته، والواجب العدل والإنصاف، فعَنْ أَزْهَرَ بْنِ سَعِيدٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا أُمَامَةَ رضي الله عنه يَقُولُ: (إِنَّ الشَّيْطَانَ يَأْتِي إِلَى فِرَاشِ أَحَدِكُمْ بَعْدَمَا يَفْرِشُهُ أَهْلُهُ وَيُهَيِّئُونَهُ، فَيُلْقِي) -الشيطان يأتي ويلقي- عَلَيْهِ الْعُودَ، أَوِ الْحَجَرَ، أَوِ الشَّيْءَ، لِيُغْضِبَهُ عَلَى أَهْلِهِ، فَإِذَا وَجَدَ ذَلِكَ؛ فَلَا يَغْضَبْ عَلَى أَهْلِهِ)، قَالَ: (لِأَنَّهُ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَان). (مساوئ الأخلاق) للخرائطي (310)، انظر صَحْيح الْأَدَبِ الْمُفْرَد: (911).

والغضب على الزوجة قد يؤدّي إلى ضربها أو أهانتها أو طلاقها، فعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رضي الله -تعالى- عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (“إِنَّ إِبْلِيسَ يَضَعُ عَرْشَهُ عَلَى الْبَحْرِ”) –أي: أَنَّ مَرْكَزَهُ الْبَحْر، وَمِنْهُ يَبْعَثُ سَرَايَاهُ فِي نَوَاحِي الْأَرْض. شرح النووي (9/ 193)-، -قال:- (“ثُمَّ يَبْعَثُ سَرَايَاهُ”)، -شياطينه وجنوده- (“فَيَفْتِنُونَ النَّاسَ؛ فَأَعْظَمُهُمْ عِنْدَهُ مَنْزِلَةً أَعْظَمُهُمْ فِتْنَةً، يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ: فَعَلْتُ كَذَا وَكَذَا، فَيَقُولُ: مَا صَنَعْتَ شَيْئًا! ثُمَّ يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ: مَا تَرَكْتُهُ حَتَّى فَرَّقْتُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ، قَالَ: فَيُدْنِيهِ مِنْهُ وَيَلْتَزِمُهُ”)، -أَيْ: يَضُمُّهُ إِلَى نَفْسِهِ وَيُعَانِقُهُ. شرح النووي على مسلم (9/ 194)-، (“وَيَقُولُ: نِعْمَ أَنْتَ أنت”). (م) (2813)، (حم) (14377). -أَيْ: يَمْدَحُهُ لِإِعْجَابِهِ بِصُنْعِهِ، وَبُلُوغِهِ الْغَايَةَ الَّتِي أَرَادَهَا. النووي (9/ 194).-

والغضبان قد يظلم أولاده ويدعو عليهم بالهلاك، والواجب العدل والإنصاف، والدعاء لهم بالخير والرحمة.

قَالَ الْبُخَارِيُّ -رحمه الله (ج6 ص72) في قوله تعالى-: ﴿ وَلَوْ يُعَجِّلُ اللهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُمْ بِالخَيْرِ ﴾: قَالَ مُجَاهِدٌ: -استعجال الشر-؛ قَوْلُ الإِنْسَانِ لِوَلَدِهِ وَمَالِهِ إِذَا غَضِبَ: اللَّهُمَّ لاَ تُبَارِكْ فِيهِ، وَالعَنْهُ. ﴿ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ ﴾ قال: لَأُهْلِكُ مَنْ دُعِيَ عَلَيْهِ، وَلَأَمَاتَهُ.

أخي الغضبان، لا تستخدم يدك بالضرب، أو الحذف إذا كنت تمسك بيدك شيئًا، لئلاّ تندم، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: (نَحَلْتُ)، أي: أعطيت ووهبت (لِرَجُلٍ مِنْ بَنِى مُدْلِجٍ جَارِيَةً، فَأَصَابَ مِنْهَا)، أي: وَلَدت له (ابْنًا، فَكَانَ يَسْتَخْدِمُهَا، فَلَمَّا شَبَّ الْغُلاَمُ دَعَاهَا) سيدها (يَوْمًا)، فَقَالَ -الرجل السيد-: (اصْنَعِي كَذَا وَكَذَا)، (فَقَالَ) الولد: (لَا تَأتِيكَ! حَتَّى مَتَى تَسْتَأمِي) -أَيْ: تستعبد- (أُمِّي؟!) قَالَ: (فَغَضِبَ -الرجل- فَحَذَفَهُ بِسَيْفِهِ، فَأَصَابَ رِجْلَهُ، فَنَزَفَ الْغُلاَمُ فَمَاتَ، فَانْطَلَقَ فِي رَهْطٍ مِنْ قَوْمِهِ إِلَى عُمَرَ رضي الله -تعالى- عنه فَقَالَ) عمر رضي الله عنه: (يَا عَدُوَّ نَفْسِهِ! أَنْتَ الَّذِي قَتَلْتَ ابْنَكَ؟! لَوْلاَ أَنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: (“لَا يُقَادُ الأَبُ مِنِ ابْنِهِ لَا يُقْتَلُ وَالِدٌ بِوَلَدِهِ”)؛ (“لَقَتَلْتُكَ”). (جة) (2662)، (ت) (1400)، حسنه الألباني في الإرواء تحت حديث: (2214).

والغضب يا عباد الله، يسبب ظلمَ الأصحاب والزملاء؛ بالاعتداء عليهم ضرباً، أو جرحاً أو قتلاً، فقد ثبت أَنَّ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ رضي الله عنه قَالَ: (إِنِّي لَقَاعِدٌ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ إِذْ جَاءَ رَجُلٌ يَقُودُ آخَرَ بِنِسْعَة)ٍ -أي: رجل يقود آخر بحبلٍ-، فَقَالَ: (يَا رَسُولَ اللهِ! هَذَا قَتَلَ أَخِي)، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (“أَقَتَلْتَهُ؟!”) فَقَالَ: (إِنَّهُ لَوْ لَمْ يَعْتَرِفْ أَقَمْتُ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةَ)، قَالَ: (نَعَمْ قَتَلْتَهُ)، قَالَ: (“كَيْفَ قَتَلْتَهُ؟”) قَالَ: (كُنْتُ أَنَا وَهُوَ نَخْتَبِطُ مِنْ شَجَرَةٍ، -يضربون الشجر ليسقط الورق- فَسَبَّنِي، فَأَغْضَبَنِي، فَضَرَبْتُهُ بِالْفَأْسِ عَلَى قَرْنِهِ، فَقَتَلْتُهُ)، -وفي رواية (لَا وَاللَّهِ مَا أَرَدْتُ قَتْلَهُ). (س) (4722)، د (1407)-، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (“هَلْ لَكَ مِنْ شَيْءٍ تُؤَدِّيهِ عَنْ نَفْسِكَ؟!”) قَالَ: (مَا لِي مَالٌ إِلَّا كِسَائِي وَفَأْسِي)، قَالَ: (“فَتَرَى قَوْمَكَ يَشْتَرُونَكَ؟”) قَالَ: (أَنَا أَهْوَنُ عَلَى قَوْمِي مِنْ ذَاكَ)، فَرَمَى إِلَيْهِ بِنِسْعَتِهِ، -أي: بالحبل- وَقَالَ -صلى الله عليه وسلم-: (“دُونَكَ صَاحِبَكَ”)، -يعني يجوز لك أن تذهب فتقتله- فَانْطَلَقَ بِهِ الرَّجُلُ، فَلَمَّا وَلَّى قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (“إِنْ قَتَلَهُ فَهُوَ مِثْلُهُ”)، فَرَجَعَ، فَقَالَ: (يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّكَ قُلْتَ: “إِنْ قَتَلَهُ فَهُوَ مِثْلُهُ”، وَأَخَذْتُهُ بِأَمْرِكَ!) فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: (“أَمَا تُرِيدُ أَنْ يَبُوءَ بِإِثْمِكَ، وَإِثْمِ صَاحِبِكَ؟”) قَالَ: (يَا نَبِيَّ اللهِ -لَعَلَّهُ قَالَ-: بَلَى!) قَالَ: (“فَإِنَّ ذَاكَ كَذَاكَ”)، قَالَ: (فَرَمَى بِنِسْعَتِهِ وَخَلَّى سَبِيلَه). (م) 32- (1680).

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم. خطبة دينية عن الغضب.

خطبة لا تغضب

خطبة دينية عن الغضب ، الحَمْدُ للهِ ربِّ العَالَمِينَ، أَمَرَ عِبَادَهُ بِالتَّسَلُّحِ بِالعِلْمِ، والتَّخَلُّقِ بِخُلُقِ الحِلْمِ، والعَيْشِ فِي ظِلالِ الأَمْنِ والسِّلْمِ، أَحمَدُهُ سُبْحَانَهُ بِمَا هُوَ لَهُ أَهلٌ مِنَ الحَمْدِ، وأُثنِي عَلَيهِ، وأُومِنُ بِهِ، وأَتَوكَّلُ عَلَيه، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ، ومَنْ يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ الكَبِيرُ المُتَعَالُ، حَثَّنَا عَلَى حُسْنِ الأَقوَالِ والأَفعَالِ، ونَهَانَا عَنِ الغَضَبِ وسُرعَةِ الانفِعَالِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، أَكثَرُ النَّاسِ صَبْرًا، وأَوسَعُهمْ صَدْرًا، وأَغزَرُهمْ عِلْمًا، وأَعظَمُهمْ حِلْمًا صلى الله عليه وسلم، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ، وَعَلَى كُلِّ مَنِ اهتَدَى بِهَدْيِهِ، وَاستَنَّ بِسُنَّتِهِ إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ، أما بعد:

فاتقوا الله عباد الله، وراقبوه في السرِّ والعَلَن أيُّها المسلمون:

هناك مرض وداء خطير جدًّا منذ زمن الأنبياء وحتى الآن، هذا المرض سببٌ في تفكُّك المجتمعات، وفي زيادة حالات الطلاق، هذا المرض سبب في زرع البغضاء والشحناء بين الناس، وسبب في زيادة أعداد الأيتام، وأعداد الجرحى، يُحْدِثُ فِرَاقًا وطَلاقًا، ثُمَّ نَدَمًا وتَعَبًا، وأَلَمًا ونَصَبًا، وهو مَدْخَلٌ مِنْ مَدَاخِلِ الشَّيْطَانِ الكُبْرَى، ومَكِيدَةٌ مِنْ مَكَائِدِهِ العُظْمَى، يا ترى ما هو هذا المرض أيها المسلمون؟ إنه داء الغضب.

ولم أرَ فضلًا تمَّ إلا بشيمةٍ

ولم أرَ عقلًا صحَّ إلا على الأدب

ولم أرَ في الأعداءِ حين اختبرتهم

عدوًّا لعقلِ المرءِ أعدَى مِن الغَضَب

عَنْ سُلَيمَانَ بنِ صَرْدٍ رضي الله عنه قَالَ: استَبَّ رَجُلانِ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَجَعَلَ أَحَدُهُما يَغْضَبُ، ويَحْمَرُّ وَجْهُهُ، وتَنتَفِخُ أودَاجُهُ؛ فَنَظَرَ إِليهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: ((إِنِّي لأَعلَمُ كَلِمَةً لَو قَالَها، لَذَهَبَ عَنْهُ مَا يَجِدُ: أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ)).

أرأيتم أيها الكرام خطر هذا المرض.

روى البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلًا قال للنبي صلى الله عليه وسلم: أوصني، قال: ((لا تغضب))، فردَّد مرارًا: أوصني أوصني، والنبي صلى الله عليه وسلم لا يزيد على: ((لا تغضب)).

فهذا الرجل ردَّد السؤال، لعلَّه يسمع وصية أنفع وأبلغ، فلم يزد على قوله: ((لا تغضب)).

قال ابن القيم رحمه الله: “جمع النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: ((لا تغضب)) خيري الدنيا والآخرة؛ لأن الغضب يؤول إلى التقاطع، ودلَّ أن الغضب يجمع الشرَّ كلَّه، فهو مفتاح الفتن والآثام، وبريد التفرُّق والانقسام، ويستدل به على ضعف العقل والإيمان”، فمن حافظ على هذه الوصية: ((لا تغضب))، حاز خيري الدنيا والآخرة.

نُشِر في بعض الجرائد أن عدد حالات الطلاق في إحدى المدن، في عام سابق فقط، قد بلغت أكثر من ثلاثة آلاف حالة طلاق؛ أي: بمعدل 10 حالات كل يوم تقريبًا، فبالله عليكم، هل تظنُّون أن جميع هؤلاء الأزواج قد أمضوا قرارات الطلاق بناءً على تفكير وتَرَوٍّ ونظرٍ وتأمُّلٍ، أم أن أكثرها مبنيٌّ على غضب واستعجال. خطبة دينية عن الغضب.

فكَمْ لِلغَضَبِ أيها الكرام مِنْ أَضْرارٍ اجتِمَاعِيَّةٍ، فَهُوَ يُدَمِّرُ مَا بَيْنَ النَّاسِ مِنْ علاقات، ويَقْطَعُ مَا بَيْنَهُم مِنْ صِلاتٍ.

والغضب منه المحمود ومِنْه المذموم؛ فالغضب المحمود ما كان في الحقِّ؛ غيرةً على دين الله أن تُنْتَهك محارِمُه، فهذا النَّوع من الغضب صفة كمال؛ فلِذا اتَّصف بها ربُّنا عزَّ وجلَّ، فهو يغضب على الكافرين به، الطَّاعنين في رسُلِه ودينه، من اليهود والنصارى والمنافقين وسائر طوائف الكفر؛ ﴿ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا ﴾ [الفتح: 6]؛ بل ربُّنا عزَّ وجلَّ يغضب حتَّى على الموحِّدين حينما يتجاوزون حدودَه، ويقعون في كبائر الذنوب ﴿ وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا ﴾ [النساء: 93].

أيُّها المسلمون: “وما غضب رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه قطُّ”؛ متفق عليه (أي: لا يغضب لتقصير من حوله في حظوظ نفسه إلا إن تُنْتَهك محارم الله، فإذا انتهكت محارم الله تعالى غضب).

فأين حاله صلى الله عليه وسلم ممن يشتدُّ غضبُه ويسب ويلعن، وقد يطلِّق أُمَّ أولاده، إذا تأخَّر غداؤه أو عشاؤه، أو لو وقف بسيارته عند إشارة، وأضاءت خضراء، وتأخَّر مَنْ أمامَه بالمشي أو غير ذلك من مجريات الحياة.

فالغضب أيها الأحبة، يُغضِب الرحمن، ويُرضي الشيطان، وهو كثيرًا ما يذل الإنسان؛ لأنه يعقبه الاعتذار واللوم، وإذا اشتدَّ الغضب ربما يُنسي الإنسان نفسَه، فينتهك الحرمات، وينسف ما حصَّله من الحسنات، ويجلب على نفسه المصائب والجنايات، وكثيرٌ من الناس لا يعرف لماذا يغضب.

عن معاذ بن أنس الجهني: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم قَالَ: ((مَنْ كَظَمَ غَيْظًا، وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُنْفِذَهُ، دَعَاهُ اللهُ عَلَى رُؤُوسِ الْخَلَائِقِ، حَتَّى يُخَيِّرَهُ مِنْ أَيِّ الْحُورِ شَاءَ))؛ صحَّحه الألباني. خطبة دينية عن الغضب.

وكتب عمر بن عبدالعزيز إلى عامله: “لا تعاقب عند غضبك، وإذا غضبت على رجل فاحبسه، فإذا سكن غضبُكَ، فأخرجه، فعاقبه على قدر ذنبه، ولا تجاوز خمسة عشر سوطًا”.

وعَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ رضي الله عنه قَالَ: كُنْتُ أَضْرِبُ غُلَامًا لِي، فَسَمِعْتُ مِنْ خَلْفِي صَوْتًا: (اعْلَمْ، أَبَا مَسْعُودٍ، لَلَّهُ أَقْدَرُ عَلَيْكَ مِنْكَ عَلَيْهِ)، فَالْتَفَتُّ، فَإِذَا هُوَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، هُوَ حُرٌّ لِوَجْهِ اللهِ، فَقَالَ: ((أَمَا لَوْ لَمْ تَفْعَلْ لَلَفَحَتْكَ النَّارُ)) أَوْ ((لَمَسَّتْكَ النَّارُ)).

فإذا كان الإنسان شديد الغضب تجده مصابًا بأمراض كثيرة؛ كالسكر، والضغط، والقولون العصبي، وغيرها من الأمراض الخطيرة، كما أنه بسببه تصدر من الغاضب تصرُّفات قولية أو فعلية يندم عليها بعد ذهاب الغضب؛ فعَنْ وَائِلِ بْنِ حَجرٍ رضي الله عنه، قَالَ: “إِنِّي لَقَاعِدٌ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِذْ جَاءَ رَجُلٌ يَقُودُ آخَرَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، هَذَا قَتَلَ أَخِي، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ((أَقَتَلْتَهُ))، فَقَالَ: نَعَمْ قَتَلْتُهُ، قَالَ: ((كَيْفَ قَتَلْتَهُ؟))، قَالَ: كُنْتُ أَنَا وَهُوَ نَخْتَبِطُ مِنْ شَجَرَةٍ، فَسَبَّنِي، فَأَغْضَبَنِي، فَضَرَبْتُهُ بِالْفَأْسِ عَلَى قَرْنِهِ، فَقَتَلْتُهُ، وَاللهِ مَا أَرَدْتُ قَتْلَهُ”، فأزهق الرجلُ روح صاحبه في لحظة غضب، وأبدى ندمه، وظهرت حسرته. خطبة دينية عن الغضب.

جاء غلامٌ لأبي ذرٍّ الغفاري رضي الله عنه قد كسر رِجْلَ شاةٍ له، فقال له أبو ذرٍّ: مَنْ كسر رِجْل هذه الشاة؟ قال: أنا، قال: ولمَ؟ قال: لأغيظك فتضربني، فتأثم! فقال أبو ذرٍّ: لأغيظَنَّ مَنْ حرَّضَكَ على غيظي؛ فأعتقه.

وأَسْمَعَ رجلٌ الشعبِيَّ كلامًا، وعدَّد فيه خصالًا قبيحةً – والشعبِيُّ ساكت – فلمَّا فرغ الرجلُ مِن كلامه، قالَ: واللِّهِ لأغيظنَّ مَن أمْرَكَ بِهذا: إِن كُنت صادِقًا، فغفرَ اللهُ لي، وإِن كنتَ كاذِبًا، فغفرَ اللهُ لك. قيل: يا أَبا عامر: ومَنْ أمَرَهُ بهذا؟ قال: الشيطانُ.

يَقُولُ الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم: ((ثَلاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ آوَاهُ اللهُ فِي كَنَفِهِ، وسَتَرَ عَلَيهِ بِرَحمَتِهِ، وأَدخَلَه فِي مَحَبَّتِه: مَنْ إِذَا أُعطِيَ شَكَرَ، وإِذَا قَدَرَ غَفَرَ، وإِذَا غَضِبَ فَتَرَ)).

فاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ، واعلَمُوا أَنَّ ذَا اللُّبِّ السَّوِيِّ، والحَزْمِ القَوِيِّ مَنْ يَتَلقَّى قُوَّةَ الغَضَبِ بِالحِلْمِ فَيَصُدُّها، وشِدَّةَ انفِعَالِ نَفْسِهِ بِالحَزْمِ فَيَملِكُها.

أقُولُ قَوْلي هَذَا، وَأسْتغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ لي وَلَكُمْ، فَاسْتغْفِرُوهُ يَغْفِرْ لَكُمْ، إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ، وَادْعُوهُ يَسْتجِبْ لَكُمْ، إِنَّهُ هُوَ البَرُّ الكَرِيْمُ. خطبة دينية عن الغضب .

الخطبة الثانية

خطبة دينية عن الغضب ، الحمد لله المتفرِّد بكل كمال، والشكر له، فهو المتفضل بجزيل النوال، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبدُه ورسولُه، صاحب الخُلُق العظيم، وشريف الخلال، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه خير صحب وآل، والتابعين ومَنْ تَبِعَه بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:

أيها المسلمون، كما حذَّرنا النبي من صِفة الغضب، وبيَّن أنها داء مُضِرٍّ ينبغي التباعُد عن الوقوع فيه، أوضح لنا عليه الصلاة والسلام كلَّ الإيضاح علاجَ هذا الداء إذا ما وقع، ومن ذلك:

التعوُّذ بالله من الشيطان الرجيم حين وجود الغضب، فهو علاج ما أَحسَنه! يدل على الاعتصام بالله والالتجاء إليه من هذا الشيطان الرجيم، الذي يريد أن يُوقِعَ الإنسان في الردى والهلاك؛ ففي الحديث المذكور آنفًا، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إني لأعلم كلمة لو قالها، لذهب عنه ما يَجِد؛ لو قال: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم)).

ومن الأسباب المهدِّئة للغضب: جلوسه إن كان قائمًا، فإن ذهب عنه، وإلَّا فليضطجع؛ كما في الحديث الذي أخرجه الإمام أحمد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا غضِب أحدُكم وهو قائم، فليَجلِس، فإن ذهب عنه الغضب، وإلا فليضطجع)).

قال ابن رجب رضي الله عنه في “جامع العلوم والحِكَم”: “وقد قيل: إن المعنى في هذا أن القائم متهيِّئ للانتقام، والجالس دونه في ذلك، والمضطجع أبعد عنه، فأمَره بالتباعُد عنه حالة الانتقام”.

ومن الأسباب التي تُتَّخذ لدفع الغضب ومضارِّه: السكوتُ؛ قال صلى الله عليه وسلم: ((إذا غضِب أحدُكم، فليَسكُت))، قالها ثلاثًا، فهذا أيضًا دواء عظيم للغضب؛ لأن الغضبان يَصدُر منه في حالة غضبه من القول ما يَندَم عليه في حال زوال غضبه؛ كثير من السِّباب، وغيره مما يَعظُم ضررُه، فإذا سكت زال عنه هذا الشر كله. خطبة دينية عن الغضب

ومن العلاجات النبوية لدفع حرارة الغضب: أن يتوضَّأ أو يَغتسِل؛ لأن الغضب جمرة في قلب كل إنسان؛ ولهذا تحمرُّ عيناه؛ قال صلى الله عليه وسلم: ((إن الغضب من الشيطان، وإن الشيطان خُلِق من النار، وإنما تُطفأ النار بالماء؛ فإذا غضِب أحدُكم فليتوضَّأ))، وفي حديث معاوية رضي الله عنه أنه قال: سمِعْتُ رسول الله يقول: ((فإذا غضِب أحدكم فليَغتسِل)).

ومن الأمور المهمة في علاج الغضب: ذكر الله عز وجل؛ أن يتذكَّر ما مدح الله تعالى به عباده المؤمنين بقوله لما ذكر الجنة: ﴿ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [آل عمران: 133]، ثمَّ بيَّن صفاتهم، فقال: ﴿ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [آل عمران: 134]، وقال تعالى: ﴿ خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ ﴾ [الأعراف: 199].

ومن العلاج: التفكُّر في النصوص الواردة في فضل كظم الغيظ والعفو والحلم؛ جاء في حديث أبي الدرداء رضي الله عنه، قال: قلت: يا رسول الله، دلني على عمل يدخلني الجنة! قال صلى الله عليه وسلم: ((لا تغضب ولك الجنة))؛ رواه الطبراني. خطبة دينية عن الغضب.

ومن العلاج: تخويف النفس من عقاب الله عز وجل، وهو أن يقول: قدرة الله تعالى عليَّ أعظم من قدرتي على هذا الإنسان، فلو أمضيت فيه غضبي لم آمن أن يُمضي الله تعالى غضبه عليَّ يوم القيامة.

ومن العلاج: تفكُّر الغاضب في قبح صورته؛ فلو نظر إلى صورته في مرآة حال غضبه لاستحى من قُبْح صورته واستحالة خِلْقَتِه! يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((ليس الشديد بالصُّرَعَة؛ إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب))؛ رواه البخاري، وقد أحسن القائل: لا يُعرَفُ الحلمُ إلا ساعَةَ الغَضَبِ. خطبة دينية عن الغضب .

وكان ابن عون لا يغضب فإذا أغضبه الرجل التفت إليه، وقال: بارك الله فيك.

وأخيرًا؛ فإن علاج الغضب بألَّا نكثر من الغضب في غير موضعه الصحيح، وقد مرَّت بنا وصية النبي صلى الله عليه وسلم إلى الرجل بقوله: ((لا تغضب))؛ ولذا تجد العاقل إذا تغيَّر حالُه من الغضب إلى الرضا، تعجب من نفسه، وقال: ليت شعري! كيف اخترت تلك الأفعال القبيحة؟ ويلحقه الندم.

وَلا خَيْرَ فِي حِلْمٍ إِذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ

بَوَادِرُ تَحْمِي صَفْوَهُ أَنْ يُكَدَّرَا

وَلا خَيْرَ فِي جَهْلٍ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ

حَلِيمٌ إِذَا مَا أَوْرَدَ الأَمْرَ أَصْدَرَا

هَذَا وَصَلُّوْا وَسَلِّمُوْا عَلَى إِمَامِ الْمُرْسَلِيْنَ، وَقَائِدِ الْغُرِّ الْمُحَجَّلِيْنَ، فَقَدْ أَمَرَكُمُ اللهُ تَعَالَى بِالصَّلاةِ وَالسَّلامِ عَلَيْهِ فِي مُحْكَمِ كِتَابِهِ حَيْثُ قَالَ عَزَّ قَائِلًا عَلِيْمًا: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ ﴾ [الأحزاب: 56]، اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى نبينا مُحَمَّدٍ.

نسأل الله تعالى أن يهدينا لأحسن الأخلاق والأقوال والأعمال، اللهم حَسِّن أخلاقَنا، وارزُقْنا العدل في الغضب والرضا، اللهم إنا نسألك فعل الخيرات، وترك المنكرات، وحب المساكين.

اللَّهُمَّ اجْعَلْ جَمْعَنَا هَذَا جَمْعًا مَرْحُوْمًا، وَاجْعَلْ تَفَرُّقَنَا مِنْ بَعْدِهِ تَفَرُّقًا مَعْصُوْمًا، وَلا تَدَعْ فِيْنَا وَلا مَعَنَا شَقِيًّا وَلا مَحْرُوْمًا، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ أَنْ تَرْزُقَ كُلًّا مِنَّا لِسَانًا صَادِقًا ذَاكِرًا، وَقَلْبًا خَاشِعًا مُنِيْبًا، وَعَمَلًا صَالِحًا زَاكِيًا، وَعِلْمًا نَافِعًا رَافِعًا، وَإِيْمَانًا رَاسِخًا ثَابِتًا، وَيَقِيْنًا صَادِقًا خَالِصًا، وَرِزْقًا حَلالًا طَيِّبًا وَاسِعًا، يَا ذَا الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ.

اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلامَ وَالْمُسْلِمِيْنَ، وَوَحِّدِ اللَّهُمَّ صُفُوْفَهُمْ، وَأَجمع كلمتهم عَلَى الحق، وَاكْسِرْ شَوْكَةَ الظالمين، وَاكْتُبِ السَّلامَ وَالأَمْنَ لِعَبادك أجمعين، اللَّهُمَّ رَبَّنَا، احْفَظْ أَوْطَانَنَا، وَأَعِزَّ سُلْطَانَنَا، وَأَيِّدْهُ بِالْحَقِّ وَأَيِّدْ بِهِ الْحَقَّ يَا رَبَّ العَالَمِيْنَ.

اللَّهُمَّ رَبَّنَا، اسْقِنَا مِنْ فَيْضِكَ الْمِدْرَارِ، وَاجْعَلْنَا مِنَ الذَّاكِرِيْنَ لَكَ في اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، الْمُسْتَغْفِرِيْنَ لَكَ بِالْعَشِيِّ وَالأَسْحَارِ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُؤْمِنِيْنَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، وَالْمُسْلِمِيْنَ وَالْمُسْلِمَاتِ، الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالأَمْوَاتِ، إِنَّكَ سَمِيْعٌ قَرِيْبٌ مُجِيْبُ الدُّعَاءِ، رَبَّنَا آتِنَا في الدُّنْيَا حَسَنَةً، رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا، سبحان ربك رب العزة عما يصفون. خطبة دينية عن الغضب .