يقدم لكم موقع إقرأ في هذا المقال خطبة دينية عن الغش ، و خطبة عن الغش في البيع والشراء ، و خطبة الجمعة عن الغش ، و خطبة عن التحذير من الغش ، و خطبة عن من غشنا فليس منا ، يُعَدُّ الغِشُّ من الآفات المُضِرَّة التي تَطالُ الجميع، فيتَّصِفُ الشخصُ الغشَّاشُ بالطَّمعِ فلا يَنظُرُ إلا للأطماعِ والمَكاسبِ التي يُمكنُه أن يحصلَ عليها، دون أن يلتفتَ إلى ضحايا ذلك الغِشِّ، أو إلى المُجتمَع الذي جنى عليه، وتتعدَّد مَجالات الغِشِّ على حسب قُدرةِ الشخصِ الغشَّاشِ، أو حسب اهتماماتِه. فيما يلي سنعرض لكم خطبة دينية عن الغش.

خطبة دينية عن الغش

خطبة دينية عن الغش
خطبة دينية عن الغش

خطبة دينية عن الغش ، الخطبة الأولى: 

الحمد لله، أحمده على نعمه وآلائه، وأشكره على فضله وعطائه، وأشهد أن لا إله إلا الله جل في عليائه، وتعزز في عظمته وكبريائه، وتقدس في صفاته وأسمائه، وأشهد أن سيدنا محمدا خاتم رسله وأنبيائه، وأعزُّ أحبابه وأوليائه، صلى الله وسلم عليه وعلى آله، وأصحابه والمتمسكين بهديه إلى يوم لقائه.

معشر المومنين والمومنات: حديثنا في خطبة اليوم سائلين الله عز وجل التوفيق والسداد، حول ظاهرة انتشرت واستفحلت، وعمت جميع الميادين والقطاعات، وصارت وسيلة لكسب المال، وبلوغ المناصب، والحصول على الشهادات، إنها ظاهرة الغش، فمن الصغير إلى الكبير، ومن الغني إلى الفقير، ومن الشريف إلى الحقير، يكاد الغش يكون السمة البارزة التي يلجأ إليها الكل لتحقيق أهدافه، وبلوغ مقاصده وغاياته، والغش أيها الإخوة، هو ضد النصيحة، ونقيض الحقيقة، وعكس ما يأمر به ديننا الحنيفية، وتدعو إليه شريعتنا الإسلامية، فالإسلام يأمر بالنصيحة في جميع المجالات، وفي شتى الميادين، أخرج الإمام مسلم رحمه الله في صحيحه عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «الدِّينُ النَّصِيحَةُ، الدِّينُ النَّصِيحَةُ، الدِّينُ النَّصِيحَةُ، لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِنَبِيِّهِ وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ»

 فالنصيحة واجبة في هذا الدين، وفريضة عينية على جميع المسلمين، ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يفرضها على أصحابه، ويأخذ عليها البيعة من أتباعه، عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال: «بَايَعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى إِقَامِ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالنُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ» 

 عباد الله: كما أوجب الله النصيحة على المؤمنين، وجعلها فرضا عينيا على المسلمين، فقد حرم عليهم الغش بضروبه وأنواعه، وبكل أشكاله وألوانه، لأن الغش ينافي الإيمان، ويناقض الصدق، ويضادُّ الإخلاص، فالمؤمن لا يكون غشاشا، والغشاش لا يكون مؤمنا، فالغش حرام، منهي عنه في الإسلام، معدود من كبائر الآثام، وما ذلك إلا لعموم ضرره، وشمول خطره، واستفحال أمره، وكثرة شره، يدفع المجتمع كله ثمنه، ويجني الصغير والكبير نتيجته وثمره، فهو عائق من عوائق النهضة، وأحد أسباب تخلف الأمة، وأيم الله ما تخلف المسلمون إلا لما انتشر فيهم الغش والخيانة، والغدر والخديعة، إلى جانب أمراض فتاكة غيرِها، ولهذا فإن الغاش لا يحق له أن يعد نفسه من المسلمين، وليس له أن ينتحل هُوية المؤمنين، وإن استقبل قبلتهم، وحج بيتهم، وصام معهم، وأدى زكاته لفقرائهم.  خطبة دينية عن الغش.

 الذي يغُش الناس ويخدعهم ويمكُرُهم، طرده النبي صلى الله عليه وسلم من صفوف أمته، وأخرجه من دائرة أتباع ملته، روى الإمام مسلم رحمه الله في صحيحه، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ حَمَلَ عَلَيْنَا السِّلَاحَ فَلَيْسَ مِنَّا، وَمَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا»

 إخوة الإيمان: الغِش لا يقتصر على ميدان، ولا يخص مجالا دون آخر، فالغش يمكن أن يمارس في جميع الحرف والمهن، وفي كل المناصب والوظائف، بل وحتى في التعليم والدراسة، والزعامة والإمامة، إلا أن المجال الذي برز فيه بشكل فظيع ومثير، مجال التجارة، وميدان البيع والشراء، ولذلك نبه النبي صلى الله عليه وسلم عليه، وحذر التجار منه، وأمرهم أن يبينوا ما قد يكون في السلع والبضائع من عيوب يمكن أن تخفى على المشتري ولا يطلع عليها إلا لاحقا بعد إبرام الصفقة وفوات الأوان، فهذا هو الغش التجاري،روى الإمام مسلم رحمه الله في صحيحه، عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم: مَرَّ عَلَى صُبْرَةِ طَعَامٍ فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِيهَا، فَنَالَتْ أَصَابِعُهُ بَلَلًا فَقَالَ: «مَا هَذَا يَا صَاحِبَ الطَّعَامِ؟» قَالَ أَصَابَتْهُ السَّمَاءُ يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: «أَفَلَا جَعَلْتَهُ فَوْقَ الطَّعَامِ كَيْ يَرَاهُ النَّاسُ، مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنِّي»

 عباد الله: ومن الغش التجاري الذي حرمه الإسلام، الخلط بين البضاعة الجيدة، والبضاعة الرديئة، أو البضاعة الرخيصة والبضاعة الثمينة، فالإسلام يأمر التاجر أن يعرض كل نوع من البضاعة على حدة، روى الإمام أحمد رحمه الله في مسنده عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِطَعَامٍ وَقَدْ حَسَّنَهُ صَاحِبُهُ، فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِيهِ، فَإِذَا طَعَامٌ رَدِيءٌ فَقَالَ: «بِعْ هَذَا عَلَى حِدَةٍ، وَهَذَا عَلَى حِدَةٍ، فَمَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا»

 والغش كله دمار، وهلاك وخسار، يذهب بالبركات، ويجر الويلات، ويأتي بالآفات، ويفتح على صاحبه أبواب المهلكات، فما يخسره الغاش أكثر بكثير مما يربحه، وما يفقده أعظم وأعظم مما يستفيده، فقد خسر دينه، وخسر عاقبته، وخسر السعادة التي يَنْشُدُهَا العباد، ويسعى إليها الناس، فلا تغرنكم كثرة أموال الغاشين، ولا غناهم وتَرَفُهُم، ولا تنعمهم في حياتهم، فالعبرة بالعاقبة، والنتيجة عند الخاتمة، فعما قليل ليصبحن هؤلاء نادمين، إذا وضع ميزان العدل أمامهم يوم الدين، فيفضحون على رؤوس الأشهاد من الأولين والآخرين، روى البيهقي في شعب الإيمان عن صفوان بن سليم أن أبا هريرة رضي الله عنه مر بإنسان يحمل لبنا قد خلطه بالماء يبيعه فقال له أبو هريرة: كيف لك إذا قيل لك يوم القيامة: “خلص الماء من اللبن؟”. خطبة دينية عن الغش .

 فاتقوا الله أيها الإخوة المسلمون، واحذروا الغِش فإنه حرام على المسلمين، ولا يحل إلى يوم الدين، وكونوا من الذين يستمعون فيتبعون، ولا تكونوا كالذين قالوا سمعنا وهم لا يسمعون، 

 أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين، والحمد لله رب العالمين. 

خطبة دينية عن الغش ، الخطبة الثانية: 

الحمد لله حق حمده، والشكر له كما ينبغي لعزه ومجده، والصلاة والسلام على رسوله وعبده، وعلى آله وصحبه ومن آمن به ووفى بعهده، أما بعد: 

معشر المومنين والمومنات: لا بد أن يرجع المسلمون إلى دينهم، وأن يتمسكوا بشريعة ربهم، وأن يلتزموا بتعاليم كتابهم، وأن يستنوا بسنة نبيهم صلى الله عليه وسلم على كل حال، وفي كل ميدان ومجال، إن أرادوا أن يشرق من جديد سعدهم، ويعود إليهم فخرهم ومجدهم، ويتحقق لهم نصر ربهم، ووعد خالقهم، لا بد أن يكون سلوكهم وأخلاقهم ومعاملاتهم وَفق ما يُرضي الله، وإلا فحالهم سيبقى كما هو عليه إن لم يزدد سوءا، لقول الله تعالى: (إِنَّ اَ۬للَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّيٰ يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ)

الختم بالدعاء…

خطبة عن الغش في البيع والشراء

إنَّ الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيِّئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مُضِلَّ له، ومَن يُضلِل الله فلا هادي له، وأشهَد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله -صلَّى الله عليْه وسلَّم-.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء: 1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب: 70 – 71].

أمَّا بعدُ:

الغشُّ آفةٌ يَطُول ضررُها الجميع، فالغشَّاش شخص همُّه تحصيل المال على حِساب غيره، فالطمع حَجَبَ عقله، فلا ينظر إلا للمَكاسِب التي حصَل عليها والتي يسعى للحصول عليها، ولا يَلتَفِت إلى ضحاياه الذين أرداهم غشُّه لا يلتَفِت إلى جنايته على المجتمع، وكيف أصبح أداةَ إفسادٍ فيه، الغشَّاشون كُثُر ومجالات الغشِّ مختلفة، كلُّ غشَّاش على حَسْبِ اهتِماماته، وعلى حسب موقعه وقدرته على الغش، والكلام في هذه الدقائق حول الغشِّ في البيع والشراء.

الغِشُّ ضد النُّصْحِ مأخوذٌ من الغَشَشِ وهو المَشُوبُ الكَدِر، والغش المحرَّم في البيع أن يُخفِي البائع شيئًا في السلعة لو أطلع عليه المشتري لم يشترها بذلك الثمن، الغشاش حينما يسعى لكسب المال يحرص على جمع المال، لكنَّ الطمع أعماه عن حقيقة؛ وهي: أنَّ المسألة ليست مسألة كَثرة ربح، بل المسألة مسألة بركة، فقد يَربَح الغشَّاشُ المال الكثير لكن يتعرَّض لآفةٍ تَجتاح هذا المال، وقد يَربَح التاجر الصادق المال القليل، فيُبارِك الله في كسبه؛ فعن حكيم بن حزام -رضِي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلَّى الله عليْه وسلَّم-: “البيِّعان بالخِيار ما لم يتفرَّقا، فإن صدَقَا وبيَّنا، بُورِك لهما في بيعهما، وإن كتَمَا وكذَبَا، مُحِقت بركة بيعهما”. رواه البخاري (2079)، ومسلم (1532).

ويشتدُّ الإثم حينما ينفق الغشَّاش سلعته بالحلف الكاذب، بأنه اشتَراها بكذا، أو بأنَّ فلانًا سامَها بكذا… أو غير ذلك من أساليب الغشاشين؛ فعن أبي هريرة -رضِي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلَّى الله عليْه وسلَّم- يقول: “الحلف مَنْفَقَةٌ للسلعة مَمْحَقَة للبركة”. رواه البخاري (2987)، ومسلم (1606).

على مَن باع أنواعًا مُتعدِّدة من الحبوب والثِّمار وغيرها، فيها الطيِّب والرديء، أن يعزلَ الطيِّب عن الرَّدِيء، فيكون المشتَرِي على بيِّنة من أمر السلعة، أمَّا إن جعَل الطيِّبَ في الأعلى والرَّدِيء أخفاه تحتَه، إمَّا لآفةٍ فيه أو لصِغَره أو غير ذلك من الأشياء التي تُزهد الناس فيه، وتقلِّل من قيمته، فجعل الرَّدِيء في الأسفل من الغشِّ المحرَّم؛ فعن أبي هريرة: أن رسول الله -صلَّى الله عليْه وسلَّم- مرَّ على صبرة طعام، فأدخَل يده فيها، فنالت أصابعه بللاً، فقال: “ما هذا يا صاحب الطعام؟!”، قال: أصابته السماء يا رسول الله، قال: “أفلا جعلته فوق الطعام؛ كي يراه الناس، مَن غشَّ فليس مِنِّي”. رواه مسلم (102).

فخابَ وخسر في الدنيا والآخرة مَن تبرَّأ منه النبيُّ، ولا يُعذَر الشخص بِحُجَّة أنَّ العمَّال قاموا بهذا، فالواجب عليه المُتابَعة، فلو فعَلُوا فعلاً يضرُّ بسلعته، ويُنقِص من قيمتها، لم يرضَ بذلك وعمل على عدم تَكرار ذلك، فكذلك الواجب عليه إذا أضرُّوا بإخوانه المسلمين. خطبة دينية عن الغش.

الواجب على مَن باع سلعةً فيها عيبٌ أن يُبيِّن هذا العيب للمشتري ولا يكتمه؛ فعن عُقبة بن عامر قال: سمعت رسول الله -صلَّى الله عليْه وسلَّم- يقول: “المسلم أخو المسلم؛ لا يحلُّ لمسلمٍ باعَ من أخيه بيعًا فيه عيبٌ إلا بيَّنه له”. رواه ابن ماجه (2246)، بإسناد حسن، فإذا بيَّن العيب برأ البائع في الدنيا والآخرة، وليس للمشتري الحقُّ في ردِّ السلعة إلا إذا رضي البائع، فأقالَه بيعته، أمَّا إذا لم يُبيِّن البائع عيبَ السلعة، فللمشتري الردُّ.

البعض يَبِيع سلعة، ويشترط عدم ردِّها إذا تبيَّن فيها عيب، فما الحكم؟! فالجواب: إذا شرط البائع على المشتري عدم ردِّ السلعة إذا تبيَّن بها عيب، فلا يخلو الأمر من حالين:

الأولى: أن يعلمَ البائع العيب ولا يبيِّنه للمشتري، ويشترط البراءة من كلِّ عيب، كما يفعل بعض معارض السيارات، فيقول: بعتك كُومة حديدٍ أو نحو ذلك من العِبارات التي يُرِيدون بها البراءة من العيوب الموجودة في السيارة، فللمشتري خِيار الردُّ؛ لأنَّ البائع غشَّه، ولا ينفع البائع شرطه، فللمشتري ردُّ المبيع، وبهذا حكَم الخليفة الراشد عثمان بن عفان -رضِي الله عنه- فعن سالم بن عبد الله أنَّ عبد الله بن عمر -رضِي الله عنهما- باع غلامًا له بثمانمائة درهم وباعه بالبَرَاءة، فقال الذي ابتاعه لعبد الله بن عمر -رضِي الله عنهما-: بالغلام داءٌ لم تسمِّه لي، فاختَصَما إلى عثمان بن عفان -رضِي الله عنه- فقال: الرجل باعني عبدًا وبه داءٌ لم يُسمِّه، وقال عبد الله -رضِي الله عنه- بعتُه بالبراءة، فقضى عثمان بن عفان -رضِي الله عنه- على عبد الله بن عمر -رضِي الله عنهما- أن يَحلفَ له لقد باعَه العبد وما به داءٌ يعلَمه، فأبى عبد الله -رضِي الله عنه- أن يحلف وارتَجَع العبد، فصَحَّ عنده، فباعَه عبد الله -رضِي الله عنه- بعد ذلك بألف وخمسمائة درهم. رواه الإمام مالك (2/613)، وعبد الرزاق (14721) (14722)، بإسناد صحيح، فلمَّا نَكَلَ ابن عمر -رضِي الله عنه- عن اليَمِين ردَّ عليه عثمان -رضِي الله عنه- العبدَ، مع أنَّ ابن عمر شرط البراءة على المشتري.

الحال الثانية: إذا كان البائع جاهِلاً بالعيب؛ مثل: شخص اشتَرَى سلعةً ثم باعَهَا في الحال، فيبرأ من العيب إذا اشتَرَط البراءة من العيب الذي يجهله؛ لمفهوم قضاء عثمان -رضِي الله عنه- فلو حلَف ابن عمر -رضِي الله عنهما- أنَّه باعَه العبد وما به داء يعلمه، لم يردَّه إليه عثمان -رضِي الله عنه- والله أعلم.

فأرجَح الأقوال في مسألة شرط البراءة من العيب أنَّ البائع يبرَأ من العيب الذي لا يعلَمُه ولا يبرأ من العيب الذي يعلَمه إذا لم يبيِّنه، ولو حصل صلحٌ بين البائع والمشتري بردِّ جزءٍ من الثمن مُقابِل رضا المُشتَرِي بالسلعة، فهذا من الصالح الجائز، لكن لا يلزم البائع بذلك، فالمشتري بين أن يَقبَل السلعة على عيبها أو يرد السلعة ويأخذ الثمن الذي دفعه للبائع.

الخطبة الثانية:

ومن الغشِّ المحرَّم حينما يأتِي شخصٌ بسلعةٍ من عقار أو غيره لا يعرف قيمتها، فيقول للسِّمسار: بعها بكذا، والسِّمسار يَعرِف أنَّ قيمتَها أكثر من ذلك، فيُحابِي السِّمسار أحدًا بالبيع، فيبيعها عليه برخصٍ أو يشتَرِيها لنفسه، أو يبيعها بأكثر من الثمن الذي حدَّده صاحبها، ويأخُذ ما زاد بحُجَّة أن صاحب السلعة حدَّد الثمن، وهذا كلُّه من الغش المحرَّم؛ فالسِّمسار وكيل لصاحب السلعة، فيجب عليه أن يبين له قيمتها، وأن يبيعها بقيمتها الحقيقية، وليس بما حدَّدَه صاحبها، وهذا من النصح المفترض عليه؛ فعن تميم الداري أنَّ النبي -صلَّى الله عليْه وسلَّم- قال: “الدين النصيحة”، قلنا: لِمَن، قال: “لله ولكتابه ولرسوله ولأئمَّة المسلمين وعامَّتهم”. رواه مسلم (55).

وما زاد يعطى مالك السلعة؛ فعن عروة البارقي أنَّ النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- أعطاه دينارًا يشتري له به شاة، فاشترى له به شاتين، فباع إحداهما بدينار وجاءَه بدينار وشاة، فدعا له بالبركة في بيعه، وكان لو اشترى التراب لربح فيه. رواه البخاري (3643). فلا يحلُّ شيءٌ من الزائد للسِّمسار إلا لو قال له صاحب السلعة: بعها بكذا، وما زاد، فهو لك فجائز، فهذا من باب الجعالة المباحة.

وكذلك من الغش المحرَّم لو وكَّله بالشراء فشرى من نفسه أو قريبه أو صديقه وحابَى ولم ينصح لموكِّله.

ومن الغش ما يفعله البعض حينما يريد أن يبيعَ سلعةً يجعلها تبدو للمشتري أفضل من الواقع، فينخدع المشتري، فيشتريها بأكثر من قيمتها، ثم بعد أن يحوزها يكتشف أنَّ البائع دلَّس عليه، ففي هذه الحال للمشتري خِيار الردِّ؛ لقول النبي -صلَّى الله عليْه وسلَّم-: “لا تُصَرُّوا الإبلَ والغنم، فمَن ابتَاعَها بعدُ فإنَّه بخير النَّظَرِين بعد أن يحْتَلِبَها، إن شاء أمسَك، وإن شاء ردَّها وصاعَ تمرٍ”. رواه البخاري (2148)، ومسلم (1515).

فحكَم النبي لِمَن اشتَرَى بهيمة -وقد أوهمه البائع أنَّ حليبها كثيرٌ- حكم له بخيار الردِّ، وأنَّ هذا البيع لا يلزمه إلا برضاه.

من جناية الغشَّاشين على صحَّة أفراد مجتمعهم حينما يقومون ببيع الأطعمة التي يتضرَّر بها الناس، فيقوم المُزارِع ببيع بعض محصولاته الزراعية بعد فترة قصيرة من رشِّها بالمبيدات الزراعية، التي هي سموم تَفتِك بالحشرات وغيرها، فلا يَنتظر الوقت المحدَّد حَسْبَ ما هو مكتوب على علبة المبيد، فيبيعها قبل ذلك رغبةً في تحصيل المال، فيجني على إخوانه المسلمين، فيجعل هذا المبيد يَفتك بصحتهم ويعرضهم للأمراض، كما فتَك بالآفات التي أصابَت محصوله الزراعيَّ.

من جَناية الغشَّاشين على صحَّة أفراد مجتمعهم بيعهم مواد غذائية انتهت مدَّة صلاحيَّتها.

ومن جناية الغشَّاشين على صحَّة أفراد مجتمعهم بيعهم أطعمة مُسمَّمة مرَّت عليها مُدَّة طويلة، أو لم تُراعَ الطرق الصحيَّة في إعدادها وحفظها.

عجبًا للغشَّاش!! يسعى في جمع المال من الوُجُوه المُباحَة والمحرَّمة، فيَشقى في جمعه ويكسب عَداوَة الآخَرين وفقدان الثقة به، فيَعِيش منقوصَ القدر مَحلَّ ريبةٍ وشكٍّ، ثم يموت ويترك هذا المال الذي شقي به حيًّا؛ ليَشقَى به ميِّتًا يُحاسِب عليه وغيره يتنَّعم به ويترف، فغنمه لغيره وغُرْمُه عليه. نعوذ بالله من عمى البصيرة.

قد يهمك:

خطبة الجمعة عن الغش

خطبة دينية عن الغش ، هذا الدين قائم على الطهر والنقاء، والوضوح والصفاء، والصدق والوفاء، واضح في أحكامه، جليٌّ في تشريعاته، صادق في توجيهاته، إنه نورٌ يشرق، وضياء يتلألأ؛ واضحٌ وضوحَ النهار، ساطع سطوع الشمس، نقيٌّ نقاءَ الماء الزلال: (نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ) [النور:35].

نور يبدد ظلمات الجهل، ويطرد غياهب الخنا، ويمقت دهاليز الرذيلة؛ يرفض الغموض، ويبغض الالتواء، ويكره المخادعة؛ شعائره لا تؤدى في سراديبَ مظلمةٍ، ولا زوايا مختبئة، ولا أنفاق معتمة؛ فهو قائم على الوضوح والصفاء في المظهر والمخبر، والسر والعلن، والليل والنهار؛ وأتباعه يجب أن يجللهم هذا الصفاء، ويعمهم هذا النقاء، ويسودهم ذلك الوضوح.

دعاهم إلى جمال الظاهر، وحسن السمت، وروعة الهندام، وطهارة البدن؛ وأمرهم بصفاء النفس، وطهارة الفؤاد، ونقاء القلب، وسلامة الصدر، والصدق في القول والعمل؛ بل جعلها هي الأصل، وبيَّن أنها محل نظر الرب فقال: “إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم” رواه مسلم.

ولقد حذر القرآن الكريم، وحذر النبي -صلى الله عليه وسلم- من كل الصفات التي تنافي جمال الظاهر والباطن، وتخالف صدق المظهر والمخبر، وتتنافى مع صفاء، الدين ووضوح الشرع، ونصاعة المنهج. ومن أسوأ الصفات التي نهى عنها الإسلام، وحذَّر منها الدين: الغش.

الغش كلمة مأخوذة من الغشش، وهو المشرب الكدر، وللكلمة معان عدة متقاربة، فالغش بمعنى عدم النصح، وبمعنى الغل والحقد، وبمعنى ما يخلط من الرديء بالجيد، وبمعنى سواد القلب وعبوس الوجه.

ومفهوم الغش مفهوم واسع، فهو ليس فقط في البيع والشراء، بل هو أشمل من ذلك وأعم، فكل ما لم يصدق فيه المرء من نية أو قول أو عمل فهو غش؛ والغش بكل أنواعه، وجميع أقسامه، يشمله حديث من جوامع كلمه -صلى الله عليه وسلم- هو قوله: “من غش فليس منا” صحيح الجامع؛ فهذا تبرؤ من الغاش، وتنكر للخائن، وثورة في وجه المخادع.

إن الغش من كبائر الذنوب، وعظائم المعاصي، وفظائع الخطايا، يدل على خبث النفس، وظلمة القلب، وسواد الفؤاد، وقلة الدين. وسنوجز القول في بعض أنواع الغش؛ لنبين فداحة أمره، وسوء عاقبته، وخبث سبيله.

أولا: الغش للنفس: إن أعظم أنواع الغش أن يغش الإنسان نفسه فلا يصدق لها في النصيحة، ولا يقيمها على الدين، ولا يهذبها بالشرع، ولا يزكيها بالهدى، وقد قال تعالى: (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا) [الشمس:9-10]؛ فالذي غش نفسه مصيره الخيبة، وعاقبته الخسران: (أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللَّهِ كَمَنْ بَاءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) [آل عمران:162].

ثانيا: الغش في البيوع والمعاملات: هذا ميدان الغش الواسع، ومجاله الفسيح، تزل فيه الأقدام، وتكثر فيه الآثام، ويتهاوى فيه الأنام، إلا من رحم الملك العلام. انظر إلى أرباب التجارة، وأصحاب الحرف، وذوي المهن، ومُلاك البضائع، قليلٌ منهم من يصدق في تجارته، وينصح في بضاعته، ويخلص في مهنته؛ أما الأغلبية الساحقة فغش وخداع، وزور وبهتان، وكذب وخيانة، وغدر وتغرير، وبخس وتزوير.

إنَّ الغِشَّ كبيرةٌ من الكبائر، ومُحَرَّمٌ أشدَّ التحريم، مُوجِبٌ لمــَقْتِ الله، جالب لسخطه، سبب في عقوبته؛ إنه أكل للمال بالباطل، وإنباتٌ للجسم من الحرام والسحت، وأيّما جسم نبت من حرام فالنار أولى به.

إن المجال لا يسمح لعرض كثير من أنواع الغش في البيوع والمعاملات فهي أكثر من أن تحصى، ولكن الحلال بين والحرام بين، والإثم ما حاك في النفس وكرهت أن يطلع عليه الناس. قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا) [النساء:29].

فنهى -سبحانه- عن أكل الأموال بالباطل، والغشُّ من الباطل، وبيَّن أن التجارة لا تحمد ولا تحل إلا إن كانت عن التراضي من الجانبين، والموافقة من الطرفين، وذلك لا يكون إلا بالصدق في البيع، والبعد عن الغش، والسلامة من الكذب.

كم من مسلم جمَع أمواله، وضيَّق على نفسه، ومكث عمرا طويلا يضع الريال على الريال، أو الدرهم على الدرهم؛ ليشتري سلعة يستعين بها في مسيرة حياته، ويصون بها نفسه، ويسعد بها أهله، من عقار أو سيارة أو آلة أو غير ذلك، ثم يضع ثقته في إنسان يتوهم فيه التدين، ويظن به الخير، فيوهمه بروعة السلعة، وحسن فائدتها، وعظم جودتها، وزهادة سعرها، وقد يغلف ذلك الكلام بأيمان مغلظة، وحلف فاجر، وبتمثيل خبيث، وهو قد دس السم في العسل، ونوى على الغش والدغل، فينخدع له المسلم، وينغر به المؤمن، فيقع في الفخ، ويذهب ضحية الغش، ويبقى على الغاش الجرم والإثم، واللعنة والسخط، والبغض والمقت!.

يقول -صلى الله عليه وسلم-: “المسلم أخو المسلم، ولا يحل لمسلم باع من أخيه بيعا فيه عيب إلا بينه له” صحيح ابن ماجه، ويقول -صلى الله عليه وسلم-: “مَن غَشَّنَا فليس منا، والمكر والخديعة في النار” حسنه الألباني.

ويبين -صلى الله عليه وسلم- أن كتم العيب في السلعة والكذب في البيع محق للبركة قد يربح المرء، ولكنه ربح منزوع البركة، قليل الثمرة، كبير الإثم، فيقول: “البيِّعان بالخيار ما لم يتفرقا، فإنْ صدق البِّيعان وبيَّنا بورك لهما في بيعهما؛ وإن كتَما وكذبا فعسى أن يربحا، ويمحقا بركة بيعها” متفق عليه.

ومر -صلى الله عليه وسلم- على رجل وبين يديه صبرة طعام يبيعها وقد حسَّنَها، فأدخل يده فيها فنالت أصابعه بللا؛ فقال: “ما هذا يا صاحب الطعام؟” قال: أصابته السماء يا رسول الله. قال: “أفلا جعلتَه فوق الطعام كي يراه الناس؟ من غش فليس مني” أخرجه مسلم.

ألا يكفي الغاشَّ تهديداً تبرؤ الرسول -صلى الله عليه وسلم-؟ ومَن تبرأ منه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقد تبرأ منه الله، وتبرأ منه الدين؛ انظر إلى أحوال كثير من الباعة، وكيف يعرضون الفواكه ويبيعون الثمار فيجعلون أعلاها حسنا جميلا، ويكون الذي في الأسفل رديئا مغشوشا!.

ومن صور الغش في البيوع: بخس الكيل والميزان. قال تعالى: (وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ * الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ) [المطففين:1-3]. عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: لما قدم النبي -صلى الله عليه وسلم- المدينة كانوا من أخبث الناس كيلا -يعني أهل المدينة- فأنزل الله -عز وجل- (ويلٌ للمطفِّفين) فأحسَنوا المكيال بعد ذلك. صحيح ابن ماجه.

وقد عَدَّ بعضُ العلماءِ تركَ مكافأةِ مَن يستحق المكافأة من التطفيف؛ لأنه بخْس لحقه، ويقول -صلى الله عليه وسلم-: “إذا وزنتم فأرجحوا” صحيح الجامع؛ وقال تعالى: (وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ) [الأنعام:152].

ومن صور الغش في البيوع: إنفاق السلعة بالحلف الكاذب، قال -صلى الله عليه وسلم-: “ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا ينظر إليهم، ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم”، فذكر منهم: “رجلا باع رجلا سلعة بعد العصر فحلف له بالله لأخذها بكذا وكذا فصدَّقه وهو على غير ذلك” متفق عليه. انظر إلى هذا الحديث، وقِسْه على أحوال الناس اليوم، ولا سيما بعد العصر، وما يحدث في معارض السيارات، وأنواع الحراجات. خطبة دينية عن الغش.

قال الإمام الشعبي -رحمه الله-: إن رجلا أقام سلعته أول النهار، فلما كان آخره جاء رجل يساومه فحلف: لقد منعها أول النهار من كذا وكذا، ولولا المساء ما باعها منه، فأنزل الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) [آل عمران:77]. ما أكثر ما تسمع اليوم: والله لقد جاني فيها كذا وكذا! والله لو غيرك ما يأخذها بهذا المبلغ! والله ما أعطيتك بهذا السعر إلا استفتاح الصباح! إلى غير ذلك من أنواع الحلف الكاذب، والغش الفاضح.

ومن صور الغش في البيوع: التناجش، وهو نوع من أنواع المكر والختل والخديعة، وهو بمعنى أن يزيد الرجل في ثمن السلعة وهو لا يريد شراءها، ولكن ليسمعه غيره فيزيد بزيادته، وقد نهى -صلى الله عليه وسلم- عن النجش وقال: “لا تناجشوا” صحيح الجامع؛ فهو حرام وخداع، وتغرير بالمشتري، وأي مال أو ربح حصل عن طريقه فهو مال حرام، وكسب باطل.

أرسل عمر بن عبد العزيز -رضي الله عنه-‏ عاملا له يبيع له بيعا فلما باعه وعاد قال: لولا أني كنت أزيد فأنفقه لكان كاسدا. فقال له عمر: هذا بخس لا يحل. فبعث مناديا ينادي: إن البيع مردود، وإن البيع لا يحل. ولقد كان هذا ديدن السلف -رضي الله عنهم-، فهم بعيدون عن الغش، منزهون عن الكذب، مترفعون عن الخداع، مصونون من أكل الحرام.

كان لأبي بكر -رضي الله عنه-‏ غلام يخرج له الخراج، وكان أبو بكر يأكل من خراجه، فجاء يوما بشيء فأكل منه أبو بكر، فقال له الغلام: أتدري ما هذا؟ فقال أبو بكر: وما هو؟ قال: كنت تكهنت لإنسان في الجاهلية، وما أُحْسِنُ الكهانة، إلا أني خدعته فأعطاني بذلك، فهذا الذي أكلتَ منه. فأدخل أبو بكر يده، فقاء كل شيء في بطنه!.

إن أمة يشيع فيها الغش، ويكثر فيها الخداع، ويظهر فيها الكذب، لهي أمة معرضة للسخط، بعيدة عن التوفيق، محرومة من النجاح، تُعاقَب في الدنيا قبل الآخرة، تحل بها الكوارث، وتنزل بها المصائب، ويسلط عليها الأعداء.

يقول -صلى الله عليه وسلم-: “خمس خصال إذا ابتليتم بهن -وأعوذ بالله أن تدركوهن-: لم تظهر الفاحشة في قوم قط فيعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا”. وتأمل اليوم: الزهري والسيلان والإيدز والسرطان وتليف الكبد وغيرها. “ولم ينقصوا الكيل والميزان إلا أخذوا بالسنين، وشدة المؤونة، وجور السلطان؛ ولم يمنعوا زكاة أموالهم رلا منعوا القطر من السماء، ولولا البهائم لم يمطروا؛ ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلط الله عليهم عدوا من غيرهم فأخذوا بعض ما في أيديهم، وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله ويتخيروا فيما أنزل الله إلا جعل الله بأسهم بينهم” صحيح ابن ماجه.

ثالثا: الغش في النصيحة: وذلك بعكس الصدق في النصح والإخلاص في التوجيه، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قال -صلى الله عليه وسلم-: “الدين النصيحة” قالوا لمن؟ قال: “لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين، وعامتهم” رواه مسلم.

ومن النصح للمسلم أن تحب له، وتنصح له بما تحب لنفسك، قال -صلى الله عليه وسلم-: “لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه -أو قال لجاره– ما يحب لنفسه” رواه مسلم.

رابعا: الغش في الدعوة إلى الله: وأكثر ما يحدث ذلك في بعض الجماعات وأرباب الحزبيات، الذين يبينون للمدعو أنهم هم أهل الحق وذوو الصدق، وأن ما عداهم زور وبهتان، وباطل وخسران، فالقول قولهم، والرأي رأيهم، والطريق طريقهم، من مشى مع غيرهم فقد ضل، ومن استمع لسواهم فقد غوى؛ فتنبت دواعي الحقد، وتقوى عوامل الفرقة، وتشتعل نيران الشتات. والصدق في الدعوة أن تكون خالصة لله، ملتزمة بهداه، مقصودا بها رضاه، (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) [فصلت:33].

خامسا: الغش في الوظيفة: وذلك يكون من الموظف بالتقصير في وظيفته، وعدم القيام بحقها، وعدم الصدق والنصح لمن وضعه فيها، وأقامه عليها؛ ويكون الغش باختيار الموظف أيضا، وذلك بعدم النصح في اختياره، وإسناد الأمر إليه وهو ليس أهلا له، ولا مستحقا إياه. وصور الغش في الوظائف كثيرة: الغش في عدم العدل بين الموظفين، الغش في الترقيات، الغش في الترشيحات، الغش في النقولات، الغش في المسابقات، الغش في التقارير.

سادسا: الغش في المدارس: وذلك بإعطاء الطالب ما لا يستحق، وتقديمه على من هو أفضل منه، أو إخباره بالأسئلة، والذي يفعل ذلك يغش نفسه، ويغش المدرسة، ويغش الطالب، ويغش الدولة، ويغش الأمة؛ ويكون كذلك من الطالب الذي يغش في الامتحان، فكلها من الغش المحرم، ومَن غشنا فليس منا.

سابعا: الغش للرعية: وهذا من أعظم أنواع الغش، ومن أشدها عقوبة، وأكثرها حرمة، وأكبرها خطرا؛ يقول -صلى الله عليه وسلم-: “ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة” متفق عليه؛ وهي تشمل كل راع: الوالي في ولايته، والرئيس في رئاسته، والمدير في إدارته، والرجل في بيته ومع أهله وأبنائه، والمرأة في بيتها ومع زوجها وأبنائها. خطبة دينية عن الغش.

والغش للرعية من كبائر الذنوب، وغش الرعية يكون بعدم حكمهم بما أنزل الله، وترك أمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر، وعدم إعطاء كل ذي حق حقه، وعدم النصح لهم، وعدم إحسان تربيتهم، وإقامة العدل فيهم، و”كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته” (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) [الأنفال:27].

إن الغش يجمع أسوأ الصفات، وأقبح المعاصي، فهو يجمع الكذب والبتهان، والزور، والخداع، والمكر، والاحتيال، والنصب، وخيانة الأمة، والتغرير، وأكل المال بالباطل، وعدم الرضا بقدر الله، وما قسم من الرزق إلى غير ذلك، من ذميم الأخلاق، وسيئ الخصال، فهو ظلمات بعضها فوق بعض؛ أجارنا الله وإياكم من أهله، وحفظنا من أربابه.

خطبة عن التحذير من الغش

الخطبة الأولى:

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ ونتوب إليه، وَنَعُوذُ باللِهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، ومن سيئات أعمالنا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ، وَأَشهَدُ أَنَّ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وحده لا شريك له، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، َصَلَّى عَلَيِه وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا إلَى يَوْمِ الدِّينِ.

 أمَّا بَعْدُ.. فيا أيها الناس: اتقوا الله -تعالى- حق التقوى عباد الله؛ روابط الإيمان بين المؤمنين أعظم من كل العلاقات والصلات، قال – جَلَّ وعَلا- (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) [الحجرات: 12].

 هذه الأخوة الإيمانية تقتضي محبة المؤمن لأخيه، ونصحه وتوجيهه ونصرته وتأييده والوقوف بجانبه إن كان مظلومًا وردعه عن الظلم إن كان ظالمًا، هذه الأخوة هي عن محبة والمودة والتأييد والنُصرة والاستشعار بأن الإيمان هو الذي جمع هذه القلوب (هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ * وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) [الأنفال: 62- 63].

أخي المسلم: إذًا فحبك الخير لذلك المسلم من الإيمان أن تُحِب له ما لنفسك كما في الحديث: «لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ»، ترى هذا المسلم عزيز عليك تحب له الخير ما تُحِبه لنفسك وتكره له من الشر ما تكرهه لنفسك هذا الإيمان الصحيح.

إذًا فغش المسلم وخيانته وخداعه والمكر به أمر يُخالِف شرع الله، غش المسلم وخيانته وخداعه والمكر به أمور تُخالف شريعة الإسلام؛ لأن الواجب عليك محبة أخيك والنصيحة له إذا استنصحك تُشير عليه بما تعلم له الخير وتمنعه عما تعلمه من سوء.

إن من أعظم الغش أن تغش أخاك المؤمن بأن تُزين له الباطل وتفتح له باب الباطل وتسويف له التوبة حتى يستمر بمعاصيه وطغيانه، إن الواجب عليك أن تأمره بالمعروف وتنهاه عن المنكر (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ) [التوبة: 71]، أما أن تعينه على فساده وعلى الاستمرار على طغيانه فهذا غش له وخيانة يجب عليك أن تردعه عن ظلمه: «انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ نَصَرْتُهُ مَظْلُومًا فَكَيْفَ أَنْصُرُهُ ظَالِمًا قَالَ تَكُفُّهُ عَنْ الظُّلْمِ فَذَاكَ نَصْرُكَ إِيَّاهُ».

أخي المسلم: يقول نبيك -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «قَالَ الدِّينُ النَّصِيحَةُ قُلْنَا لِمَنْ قَالَ لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ».

أخي المسلم: فالمسلمون عمومًا تنصح لهم، من غشّ المسلم للمسلم أن يُزين له الباطل ويُعزز له المعاصي والخطايا والسيئات، أو يحثّه ويحرضه في المذاهب الضالة والآراء الشاذة والمذاهب الضالة التي هي على خلاف طريق الإسلام وهديه، فأعظم الغش من يغشُون شبابهم ويزين لهم الباطل ويُحسِن الخطايا والسوء ويدعوهم للخروج مع الفئات الضالة لا يعلمون حقيقة أمرهم إلا أنهم على خلاف أمرهم خُدِعوا وانخدعوا ولو علموا حقيقة أمرهم ما تبعوهم على باطلهم وضلالهم.

فأعظم الغش: الغش الفكري، من أعظم الغش الفكري الدعوة إلى اعتناق هذه المذاهب الباطلة والآراء الضالة التي يزينها أهل الباطل ويحسنوها.

من الغش يا أخي المسلم: من الغش الدعوة السيئة لكل باطل، من الغش يا أخي المسلم ما يسلكه بعض أعلام المسلمين في أبناء المسلمين: من تشكيكهم بالإسلام وأهله والعقيدة والدعوة إلى كل ضلال وباطل.

أخي المسلم: من غشك لأخيك للمسلم أن تغشه في التعامل معه فأخوك المسلم يلجأ إليك لكونك مؤمنا مثله فإذا غششته وخنته كُنت من الخائنين (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا) [النساء: 58].

ومن الأمانة النصح لأخيك المسلم إذا أراد اتهام الباطل بحد ظلمه وأنقده منه وقل له: هذه سُبل ضلال ويجتهد أن يبتعد عنها وأنك أن تكون من المسلمين حقًّا. خطبة دينية عن الغش.

أخي المسلم: يقول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- «لَا يُؤْمِنُ وَاللَّهِ لَا يُؤْمِنُ وَاللَّهِ لَا يُؤْمِنُ قِيلَ وَمَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ الَّذِي لَا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَايِقَهُ قُلْتُ وَمَا بَوَائِقُهُ؟ قَالَ غِشُّهُ وَظُلْمُهُ» فغشك لجارك وخيانتك لجارك يُنافي كمال إيمانك.

أيها المسلم: من غش المسلم أن تغشه في البيع والشراء؛ فإن هذا من كبائر الذنوب أن تخدعه بمبايعتك له وشرائك منه، فتغشه وتخدعه بأن تظهر له الخداع الواقع وهذا من المصائب العظيمة يقول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- «مَنْ حَمَلَ عَلَيْنَا السِّلَاحَ فَلَيْسَ مِنَّا وَمَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا».

 فانظر أخي المسلم إلى اقتران الأمرين لأن الأصل حُرمة أموال المسلمين بغير حق وحرمة دمائهم بغير حق «الْمُؤْمِنُ مَنْ أَمِنَهُ النَّاسُ عَلَى دِمَائِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ»، فمن حمل السلاح فليس منا لأن حامل السلاح يُهدد أمننا واستقرارنا ويدل على من نفسه حيث من أمة الإسلام الظلم وعدوانا، ومن غشنا فليس منا لأنه لو كان مؤمنا ما غش أخاه المسلم بل يُصدقه ويوضح له يقول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا فَإِنْ صَدَقَا وَبَيَّنَا بُورِكَ لَهُمَا فِي بَيْعِهِمَا وَإِنْ كَتَمَا وَكَذَبَا مُحِقَتْ بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا».  

أيها المسلم: وللغش صور عدة؛ فمنها: إخفاء عيوب السلع وعدم نشرها وبيان المُشتري فإن هذا من الغش، النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دخل السوق يومًا فرأى بائع طعام فأدخَل يديه في الطعام فرأى فيه رطبًا وأرى فيه يبسا فقال: «مَا هَذَا يَا صَاحِبَ؟ الطَّعَامِ” قَالَ أَصَابَتْهُ السَّمَاءُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ “أَفَلَا جَعَلْتَهُ فَوْقَ الطَّعَامِ كَيْ يَرَاهُ النَّاسُ مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنِّي فهلَّا جعَلْتَه فوقَ الطَّعامِ يراه النَّاسُ، مَن غشَّنا فليس منَّا».

ومن أنواع الغش أيضًا: أن تُظهِر السلع بأنها سلع أساسية نافعة مُفيدة تجارية، ولكنها أصلية أعظم من غيرها وتظهر عليها شعار مبيعات معروفة بالجودة والإتقان، والواقع خلاف ذلك فيرى هذا الإعلان عليها وهذه المواصفات عليها يظن أنها الصدق والواقع أنها مغشوشة ظاهرها السلامة ولكن باطنها غش وخيانة في كل أمورها، فيظن المُشتري سلامة ذلك والواقع خلاف ذلك، وربما حدث أيمانا فاترة لأن هذه السلعة سلعة جيدة أصلية ولكنها على خلاف الواقع وهذا كله من الغش والخيانة. خطبة دينية عن الغش.

ومن الغش يا عباد الله للمسلم: ما يعمل أرباب السيارات وغيره بياع السيارات من الكذب والافتراء بالتخلي عن كل العيوب التي فيها فينادي أن هذه السيارة أنا بريء من كل عيب فيها يبيعها على أنها معيبة كلها والواقع أن يتراءى الناس فيها ويشتريها على أنها فيها عيب، ولكن العيب الداخل الموجود فيها أكثر مما يتوقع وهو يروج سلعته لأنه بريء من كل العيوب هذا خطأ قد يقول هذا وهو يعلم عيوبها ويعلم ما فيها من عيوب ولابد أن يوضح هذا للمُشتري ولا يخدعه بهذه الدعايات الباطلة.

ومن الغش أيها المسلم: غش أهل العقار عقارهم فالمنفذ في المشاريع الجماعية يغشون أحيانًا وعماراتهم ويبنون، ولكن البناء ليس على الأوصاف المعروفة وليس على التقنية المعروفة ولكنه تنفيذ سيء في ظاهره حسن، ولكن مدة يسيرة ثم يتفتح المشتري ما فيها من العيوب وما فيها من نقص وهذا كله من الخطأ.

والواجب عليك أن تعامل إخوانك ما تحب أن تُعامل به نفسك فإن كُنت تُعد هذا لنفسك أتقنتَ البناء على مواصفات والتنفيذ المطلوب وكما يقولون بيع تجارة تكونها على مواصفات دينة ظاهرها السلامة، ولكن بعد قليل تأتي العيوب عيبًا بعد عيب يدل على الغش والخيانة.

ومن الغش أيضًا: بيع الأراضي بصكوك مزيفة ووثائق غير سليمة يظنها المشتري سليمة في ظاهرها، ولكن في الواقع خداع اجتمع على تأسيس هذا الخداع سماها صلة الأراضي وقد يعين على ذلك كُتّاب -أجارنا الله وإياكم- وتخرج صكوك شرعية على أن المساحة كذا وكذا والواقع أنه قد أدخل فيها ما ليس منها وأُضيف إليها ما ليس منها فعند قليل الدعوى بغير الحق يوجب على أن هذه المساحة مغشوش فيها فيقع المشتري في إشكال بين السماسرة وبين كُتّاب العدل وغير ذلك. خطبة دينية عن الغش.

فمن الغش: أن تكون الوثائق سليمة بل يجب أن تكون الوثائق وثائق سليمة وثائق معتمدة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ) [البقرة: 282].

 فلا بد من كاتب العدل الصدق في الوثائق، وعدم تزوريها مع نقص في الأشياء فإن المشتري يشتريها على أنها سالمة وأن مساحتها كذا بعد حين، ويدعي أن هذه المساحة وفي الحديث: «وَلَعَنَ اللَّهُ مَنْ غَيَّرَ تُخُومَ الْأَرْضِ» أي مراسيمها قّدم فيها وأخر.

ومن الغش أيها الأخوة: أن بعض الباعة يبيعون سلع قد انتهى دورها وصلاحيتها ولم تبقى صالحة للاستعمال، فيبيعها ويغش بالناس بها «ومَن غشَّنا فليس منَّا»؛ لأن دائما التجارة تكشف عن هؤلاء الغشاشين الذين يبيعون السلع الفاسدة وخضراوات فاسدة كل ذلك حرام لا يجوز «مَن غشَّنا فليس منَّا».

فيا إخواني أنواع الغش كثيرة جدًّا ومتعددة لا يجمعها أنواع البيع على خلاف الواقع والواجب علينا تقوى الله وعدم الغش والصدق في القول والعمل، فإن كل ما يدخل عليه بغير حق فإنه حرام عليه لا يجوز له يقول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:  « إِنَّ اللَّهَ -تعالى- طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّبًا، وَإِنَّ اللَّهَ -تعالى- أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ». فَقَالَ: (يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالحا)، وَقَالَ تَعَالَى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ)، ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ: أَشْعَثَ أَغْبَرَ، يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ: يَا رَبِّ يَا رَبِّ، وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ، وَغُذِّيَ بِالْحَرَامِ، فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ؟».

فيا أخي المسلم: يقول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلَاةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ، وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا، وَقَذَفَ هَذَا، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا، وَسَفَكَ دَمَ هَذَا، وَضَرَبَ هَذَا، فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ، فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ، ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ» فليتقي هذا والصدق في أحواله كلها.

 أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) [التوبة: 119]، بارك الله لي ولكم ونفعني الله وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول قولي هذا وأستغفره الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمدُ للهِ رب العالمين حمدًا كثيرًا طيِّبًا مُباركًا فيه كما يُحِبُّ ربُّنا ويرضى، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحدهُ لا شريك له، وأشهدُ أنَّ مُحمَّدًا عبدُهُ ورسولُهُ صلى اللهُ عليه وعلى آلِهِ وصحبِهِ وسَلَّمَ تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدِّين.

أما بعدُ: فيا أيها الناس: اتقوا الله -تعالى- حق التقوى عباد الله، المؤمن إيمانه عليه غالي، وحسناته عليه غالية لا يُفرط بهما من أعماله الصالحة دينه عنه أغلى من كل شيء، الدنيا لا تبعده عن دينه ولا تخدعه عن إسلامه.

اشترى رجل من بيت ناقة قال: فلما اشتريتها خرج إليَّ الصاحب، وقال لي: يا هذا اشتريت مني؟ قلت: نعم. قال: إني لأولينك أمر إنها ناقة سمينة بدينة هل تريدها للذبح للحم؟ قلت: أصبت. قال: استرجعها فإنها غير صالحة للسفر. قال: أتريد أن تفسد علي بيعي؟ قال: لا لكني سمعت النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ : «فَلَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ بَاعَ مِنْ أَخِيهِ بَيْعًا يَعْلَمُ فِيهِ عَيْبًا لَّا بَيَّنَهُ».

انظر كيف الإيمان يسترجع المبيع ويوضح له أن هذه الناقة سليمة في ظاهرها، لكنها غير قادرة عن سُبل الحج أراد أن يُبين له الحق حتى يكون علْى بصيرة.

قال الأسود –رَضي اللهُ عنه- خرج علينا رسول الله – صلى الله عليه وسلم فرأى صِبرًا من طعام وأدخل يده فيه فقال: ما هذا؟ فقال صاحبه: يا رسول الله والذي بعثك بالحق نبيًّا إنه لطعام واحد. قال: لماذا لم تضع الرطب في جانب واليابس في جانب حتى يتبايعون ما تعرفون؟

أيها الإخوة: هذا الإيمان الصادق يحمل المسلم على الصدق على نفسه فإذا كان سعلته سيئة بيّن قال هذه السيارة هذه العمارة فيها كذا فيها كذا يوضح له الأمر حتى يكون على بصيرة أما أن يخدعه بالكلام السيئ أو سمسار سيئ ويعرف ما فيها من العيوب كل هذا من الغش وكل هذا من أكل أموال الباطل (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ) [النساء: 29].

أيها الشباب المسلم: إياك أن تغتر بالسيئة لكل امرئ له نصيحة أو رأي هل هذا الرأي صواب أو خطأ، فإذا أشار إلى رأي سيئ فاعلم أنه خائن لأمانته خائن لك من أشار عليك بالآراء الباطلة السيئة، فاعلم أنه خائن لك غاشّ لك؛ لأن الواجب عليه أن يدعوك إلى الخير ويحذرك من السوء، أما أن يجر بك في ترهات الأمور هذا كله من الخطأ وما أغرّ شبابنا وأبنائنا إلا الدعايات المضللة هذا غش وخيانة وعليهم أن يتقوا الله في أنفسهم وفي المسلمين أعاذنا الله وإياكم.

 إن المكاسب الطيبة الدنيا والآخرة والمكاسب الخبيثة في الدنيا والآخرة يقول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّ الْعَبْدَ لَيَقْذِفُ اللُّقْمَةَ الْحَرَامَ فِي جَوْفِهِ مَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنْهُ عَمَلَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، وَأَيُّمَا عَبْدٍ نَبَتَ لَحْمُهُ مِنْ سُحْتٍ، فَالنَّارُ أَوْلَى بِهِ».

فاتقوا الله في أنفسكم وتعاملوا بالصدق واحذروا الغش والخداع والمكر ولا يهمكم أمور الدنيا أخلصوا لله أعمالكم فالرزق الذي يأتي من الصدق والبيان مبارك فيه حاضرًا ومستقبلًا والمكاسب الخبيثة وإن عظمت فإنه لا خير فيها نسأل الله السلامة والعافية.

عباد الله: اعلموا أنَّ أحسن الكتاب كتاب الله، وأن خير الهَدي هَدي مُحمدٍ–صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وشرُّ الأمور مُحدثاتُها، وكلّ بدعة ضلالة، وعليكم بجماعة المُسلمين، فإنَّ يد اللهِ على الجماعة، ومَنْ شَذَّ شذ في النار، وصلّوا رحمكم الله على عَبْدِ الله ورسوله محمد؛ كما أمركم بذلك ربُّكم، قال-تعالى-: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) [الأحزاب: 56].

اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدِكَ ورسُولِكَ مُحمَّد، وارضَ اللهم عن خلفائِهِ الرَّاشدين الأئمة المهديين؛ أبي بكرٍ وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر أصحاب نبيك أجمعين، وعن التابعين وتابعيهم بإحسانٍ إلى يومِ الدِّين، وعنَّا معهم بعفوك وكرَمِك وجودك وإحسانك يا أرحم الراحمين.

اللهم أعِزَّ الإسلامَ والمُسلمين، وأذِلَّ الشِّركَ والمُشْرِكين، ودَمِّر أعداءَ الدِّين، وانصُر عِبادك المُوَحِّدين، واجعل اللهم هذا البلد آمنًا مُطمئنًا وسائر بلاد المُسلمين يا رب العالمين.

اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وَأصلِح أئمتنا وولاة أمرنا، اللهم وفقهم لِمَا تحب وترضى، اللهم إمامنا إمام المُسلمين سلمان بن عبدالعزيز ووفقه لما تُحِب وترضى، وبارك له في سمعه وبصره وعقله، ووفقه لكل خير، إنَّك على كل شيء قدير، اللهم دله على كل عمل لما تُحب وترضى، إنك على كل شيء قدير، اللهم وفقه للخير أينما كان، وشُدَّ بأزره بولي عهده، وولي ولي عهده، وأصلحهم للحق والهُدى، إنك على كل شيءٍ قدير.

(رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ)، (رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنْ الْخَاسِرِينَ)، (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ).

عباد الله: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) [النحل: 90]، فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نِعَمه يزدكم، (وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُون) [العنكبوت: 45].

خطبة عن من غشنا فليس منا

خطبة دينية عن الغش ، إنسان تبرأ منه رسول الله -صلى الله عليه وسـلم- فتُرى ما يكون حاله وما يكون مصيره ومآله إن لم يتب؟ فعن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مر على صبرة طعام فأدخل يده فيها، فنالت أصابعه بللًا فقال: “ما هذا يا صاحب الطعام؟” قال أصابته السماء يا رسول الله، قال: “أفلا جعلته فوق الطعام كي يراه الناس، من غش فليس مني”(رواه مسلم)، بل ونفى -صلى الله عليه وسلـم- عنه أن يكون من المسلمين؛ ففي رواية في صحيح مسلم أيضًا: “من حمل علينا السلاح فليس منا، ومن غشنا فليس منا”.

ألا وإن جزاء من غش ومكر وخدع المسلمين هو النار -والعياذ بالله-؛ فعن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:  “من غشنا فليس منا، والمكر والخداع في النار”(رواه ابن حبان).

بل لقد جعل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- القاعدة والأصل في التجار جميعًا أنهم يبعثون فجارًا ثم استثنى منهم الأتقياء؛ فعن رفاعة بن رافع الأنصاري قال: خرجنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فإذا الناس يتبايعون بكرة، فناداهم: “يا معشر التجار” فلما رفعوا أبصارهم ومدوا أعناقهم، قال: “إن التجار يبعثون يوم القيامة فجارًا، إلا من اتقى الله وبر وصدق”(رواه ابن ماجه).

ومن غش المسلمين فقد أضر بهم وشق عليهم، وقد روى أبو صرمة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: “من ضار أضر الله به، ومن شاق شق الله عليه”(رواه ابن ماجه).

***

وإنك لتجد اليوم في المجتمعات الإسلامية ألف نوع ونوع من الغش والخداع والتدليس والتزوير، ولطالما كان أشهر أنواع الغش ما كان في البيع والشراء والكيل والميزان والتجارة، لذا فقد حذَّر القرآن قائلًا: (وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ * الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ * أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ * لِيَوْمٍ عَظِيمٍ * يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ) [المطففين: 1-6].

وقد سئل الإمام أحمد بن حنبل عن رجل يعمل القلانس ويبيعها فربما خلط القطن العتيق بالقطن الجديد أو بشيء من الصوف وحشي القلانس به؟ قال: “هذا من الغش وأكره له ذلك إلا أن يعرف من يشتريها أن القطن فيه عتيق وفيه صوف”(بدائع الفوائد، لابن القيم)، فانظر إلى أي مدى يحرم الغش مهما صغر!

وللغش والخداع صور عديدة أخرى، فربما كان أسهلها وأكثرها انتشارًا هي اليمين الكاذبة، فهو يستغل تعظيم الله -تعالى- في قلوب المسلمين فيقسم به -عز وجل- كاذبًا ليروج لكذبه ويبيع سلعته فبئست التجارة البائرة هي؛ فاليمين الكاذبة تؤدي لا محالة إلى الخراب والدمار عاجلًا أو آجلًا؛ فعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “اليمين الفاجرة تدع الديار بلاقع”(رواه الشهاب في مسنده)، يقول المناوي: البلاقع “جمع بلقع؛ وهي الأرض القفراء التي لا شيء فيها، يريد أن الحالف كاذبًا يفتقر ويذهب ما في بيته من الرزق”، وفي الصحيحين: “الحلف منفقة للسلعة، ممحقة للبركة”، وهو في مسند أحمد بلفظ: “اليمين الكاذبة منفقة للسلعة ممحقة للكسب”. خطبة دينية عن الغش.

بل عن عبد الله بن عمرو أن النبي -صلى الله عليه وسلم- عدَّها من الكبائر فقال: “الكبائر: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وقتل النفس، واليمين الغموس”(رواه البخاري)، وإنما سميت “غموسًا” لأنها تغمس صاحبها في الإثم ثم في نار جهنم -والعياذ بالله- إذا لم يتب منها.

ومن أشكال الغش وصوره: غش الرعية لتي استرعاه الله إياها، فكلٌ فيما خوله الله راع، وكلٌ مسئول عن رعيته، وقد سمع معقل بن يسار رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو يقول: “ما من عبد يسترعيه الله رعية، يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته، إلا حرم الله عليه الجنة”(متفق عليه)، وفي لفظ للطبراني في المعجم الكبير: “ما من عبد يسترعى رعية وهو لها غاش إلا دخل النار”.

ومن أشكاله: الغش في الامتحانات، وقد سئل الشيخ ابن باز -رحمه الله-: ما حكم الغش في الاختبارات الدراسية، علمًا بأن المدرس على علم من ذلك؟ فأجاب: “الغش محرم في الاختبارات كما أنه محرم في المعاملات، فليس لأحد أن يغش في الاختبارات في أي مادة، وإذا علم الأستاذ بذلك فهو شريكه في الإثم والخيانة، والله المستعان”.

***

هذا وقد قرر ابن القيم في “الطرق الحكمية” قائلًا: “ويمنع صاحب كل صناعة من الغش في صناعته”، وقال ابن تيمية في “الحسبة” عن أرباب الصناعات: “فيجب نهيهم عن الغش والخيانة والكتمان”، ويقول أيضًا: “وإذا لم ير ولي الأمر عقوبة الغاش بالصدقة أو الإتلاف، فلا بد أن يمنع وصول الضرر إلى الناس بذلك الغش؛ إما بإزالة الغش، وأما ببيع المغشوش ممن يعلم أنه مغشوش ولا يغشه على غيره.

قال عبد الملك بن حبيب: قلت لمطرف وابن الماجشون:… فما وجه الصواب عندكما فيمن غش أو نقص من الوزن؟ قالا: يعاقب بالضرب والحبس والإخراج من السوق”، فيجب الأخذ على يد الغشاشين في كل مجال من المجالات ومنعهم من خداع الناس والتدليس عليهم… خطبة دينية عن الغش.