يقدم لكم موقع إقرأ في هذا المقال خطبة دينية عن الزكاة ، و خطبة عن الزكاة ملتقى الخطباء ، و خطبة عن الزكاة صيد الفوائد ، و خطبة عن منع الزكاة ، و خطبة عن الزكاة الألوكة ، الزكاة هي صدقة فرضها الله سبحانه وتعالى المسلمين بدفعها من أموالهم وممتلكاتهم سنوياً، ويتم دفعها للفقراء والضعفاء والمستحقين تقرباً لله.وقد وردت الزكاة في قول النبي صلى الله عليه وسلم، على أنها الركن الثالث من أركان الإسلام الخمس التي بني عليها الإسلام. فيما يلي خطبة دينية عن الزكاة .

خطبة دينية عن الزكاة

خطبة دينية عن الزكاة
خطبة دينية عن الزكاة

مقدمة الخطبة

خطبة دينية عن الزكاة ، الحمد لله الكريم الوهاب، الرازق من يشاء من عباده بغير حساب، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، ﷺ وعلى آله وصحبه وأتباعه الشاكرين الأنجاب.

أما بعد، فاتـقوا الله -عباد الله- فإن التقوى سبيل الخيرات، ومفتاح الأرزاق والبركات {ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب}.

الخطبة الأولى

أيها المؤمنون: إن من عادة الإنسان حب المال ولو كان من كان؛ فإن الله تبارك وتعالى لما ذكر أهـل البر ذكرهم بإيتاء المال على حبه {وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب}، وذكر أنهم ينفقون مما يحبون طلبا لدرجة البر {لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون}.

فحب المال أمر طبع عليه الإنسان، ولما كان الأمر على هذه الصفة امتحن الله الإنسان في ماله؛ فكتب عليه حقوقا فيه، لا يتم إيمانه إلا بها، وفي ذلك تربية للإنسان ليست من بعدها تربية؛ فيكون المال عند الإنسان وسيلة إلى الخير لا غاية، ومكانه اليد لا القلب، ويكون القلب عندها خالصا لله جل جلاله، وذلك هو الإخلاص في العبادة {وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة}.

عباد الله: إذا كانت الصلاة أداء شيء من وقت الإنسان لمناجاة الله، فإن الزكاة أداء شيء من مال الإنسان لله، ومع استمرار الإنسان على هاتين العبادتين العظيمتين، تتربى النفس على بذل الوقت في الخيرات: من عون لمحتاج وسعي في حاجة الناس، وتعلم وتعليم؛ فتتحرر النفس من الأنانية، وتتربى النفس بالزكاة على بذل المال؛ لأنها تتحرر من البخل المذموم والشح المطاع، فتكون تلك النفس نفسا ربانية؛ تؤمن أن المال مال الله.

والخلق عيال الله «وأحب الخلق إلى الله أنفعهم لعياله»، فتترقى تلك النفس من إيتاء الزكاة الواجبة عليها إلى المسارعة إلى الإنفاق في وجوه الخير المتنوعة، بالليل والنهار، سرا وعلانية؛ فتسلم تلك النفوس الطاهرة من الخوف، ويذهب عنها الحزن؛ لتكون من {الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرا وعلانية فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون}، ولذلك كانت الزكاة في كتاب الله قرينة الصلاة وأختها.

يا أيها الذين آمنوا: إن في المال حقا غير الزكاة، به يتفاوت الناس عند الله في الدرجات، ويختلفون في المقامات، بل إن الله تبارك وتعالى ذكره قبل ذكر إيتاء الزكاة فقال: {ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب وأقام الصلاة وآتى الزكاة}.

فإيتاء المال على حبه لمن خصهم الله مذكور قبل إيتاء الزكاة؛ تذكيرا به، وتنبيها عليه، وبيانا أن ذلك مما يهدي إلى البر، والبر يهدي إلى الجنة، بل إن البر لا يناله إلا من أنفق مما يحب، لا من قصد ما يريد أن يتخلص منه من متاع فدفعه إلى محتاج {ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه واعلموا أن الله غني حميد}.

والإنسان بين وعدين: وعد الشيطان بالفقر، ووعد الله مغفرة منه وفضلا {الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء والله يعدكم مغفرة منه وفضلا والله واسع عليم}، فيا للعجب ممن يأخذ وعد الشيطان ويترك وعد الرحمن! والشيطان يقول لمن تبعه متبرئا منه يوم القيامة: {إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم}.

أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم، فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم، وادعوه يستجب لكم إنه هو البر الكريم.

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا رسول الله، ﷺ وعلى آله وصحبه ومن والاه.

أما بعد، فاعلموا -عباد الله-، أن إيتاء الزكاة والإنفاق في سبيل الله أمر جرى على خلاف العادة في المال؛ فإن العادة في المال أن ينقص ببذله، ولكن المال يزيد بإيتاء الزكاة وإنفاقه في وجوه الخير، وذلك أمر أخبر به الرزاق ذو القوة المتين؛ فإن الله جل جلاله يقول {مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم}.

وتلك المضاعفة تتنوع صورها وتختلف أشكالها، فـ «ما نقصت صدقة من مال»، فقد تكون تلك المضاعفة تجارة رابحة، وقد تكون سلامة من تجارة خاسرة، وقد تكون توفيقا في الإنفاق من غير إسراف مؤد إلى الترف الذي يذهب بالحال والمال، وقد تكون وقاية من مصارع السوء وميتة السوء، وقد تكون شفاء من مرض عضال، وقد تكون ولدا صالحا، وقد تكون دعوات يستجيبها رب الأرض والسماوات {ما عندكم ينفد وما عند الله باق}، وتتابع الخيرات على المؤتين الزكاة والمنفقين في سبيل الله شيء يراه الإنسان رأي العين، حتى إن الإنسان نفسه ليأخذه العجب، وما إن يلبث ذلك العجب حتى يستحيل فرحا بفضل الله وبرحمته، ويكون خيرا من الدنيا وما فيها {قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون}.

هذا، وصلوا وسلموا على رسول الله الأمين، فقد أمركم بذلك حين قال: {إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما}.

اللهم صل وسلم على نبينا محمد وعلى آل نبينا محمد، كما صليت وسلمت على نبينا إبراهيم وعلى آل نبينا إبراهيم، وبارك على نبينا محمد وعلى آل نبينا محمد، كما باركت على نبينا إبراهيم وعلى آل نبينا إبراهيم في العالمين، إنك حميد مجيد، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين، وعن أزواجه أمهات المؤمنين، وعن سائر الصحابة أجمعين، وعن المؤمنين والمؤمنات، وعن جمعنا هذا برحمتك يا أرحم الراحمين.

خطبة عن الزكاة ملتقى الخطباء

الخطبة الأولى:

الحمد لله ربِّ العالمين، جَعَلَ في أموالِ الأغنياء حقّاً للفقراء والمساكين، وللمصارف التي بها صلاحُ الدنيا والدين.

وأشهَدُ أنْ لا إلهَ إلا الله وحده لا شريكَ له، ولا نعبدُ إلا إيَّاه مخلصين موحدين، وأشهَدُ أنَّ محمداً عبده ورسوله الصادق الأمين، صَلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسانٍ إلى يومِ الدين، وسَلَّمَ تسليماً كثيراً.

أما بعدُ:

أيها الناس: اتقوا الله -تعالى-، واعلَمُوا أنَّ الزكاة هي الركنُ الثالث من أركانِ الإِسلام، وهي المواليةُ للصلاة بينَ تلك الأركان، وقرينتها في الذكر في كثيرٍ من آي القرآن، حيثُ قَرَنَها الله -سبحانه- بالصلاة في نيفٍ وثلاثين آيةً، مما يدُلُّ على أهميتِها، وعظيمِ مكانتها، وفيها مصالحُ عظيمةٌ؛ أعظمُها: شكرُ الله -تعالى-، وامتثالُ أمرِه بالإِنفاق مما رَزَقَ، والحصولُ على وعده الكريم للمنفقين بالأجر.

ومنها: مواساةُ الأغنياء لإِخوانهم الفقراء في سَدِّ حاجاتهم، ودفع الفاقة عنهم.

ومنها: تطهيرُ نفس المزكِّي من البُخلِ والشُّحِّ، والأخلاقِ الذميمةِ، وجعلُه في صفوف المحسنين الذين يُحبُّهم الله ويحبهم الناسُ، قال تعالى: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا)[التوبة:103].

وقال تعالى: (وَأَحْسَنُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) [المائدة:93].

ومنها: أنَّها تسببُ نماءَ المال، وحلولَ البركة فيه، قالَ تعالى: (وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) [سبأ:39].

وفي الحديث الصحيح: “يقولُ الله -تعالى-: يا ابنَ آدم أَنفقْ أُنْفِقْ عليك”.

ومنع الزكاة يسببُ أضراراً عظيمة، منها: الحرمانُ من هذه المصالح المترتبة على إخراجِها، ومنها: تعريضُ المال للتلَفِ والهلاك، ففي الحديث الذي رواه البزارُ عن عائشة -رضي الله عنها-: “ما خالَطَتِ الزكاةُ مالاً قَطُّ إلا أهلَكَتْه”.

وأنتم تَرَوْنَ وتسمعون اليومَ ما يُصيبُ الأموالَ من الكوارث التي تتلفُها من حريقٍ، وغَرَقٍ، ونَهْبٍ، وسلبٍ، وخسارةٍ، وإفلاسٍ، وما يصيبُ الثمارَ من الآفاتِ التي تقضي عليها أو تُنقُصها نقصاً ظاهراً.

وهذا من عقوباتِ منع الزكاة.

ومنها: منعُ القطرِ من السماء الذي به حياةُ الناس والبهائم، ونموُّ الأشجار والثمار، وفي الحديث: “وما مَنَعَ قومٌ زكاةَ أموالهم إلا مُنِعُوا القَطْرَ من السماءِ”.

كما تشاهدون انحباسَ الأمطارِ عن كثير من البلاد، وما نَتَجَ عن ذلك من الأضرار العظيمة.

هذه عقوبات عاجلة.

وأمَّا العقوباتُ الآجلة، فهي أشدُّ من ذلك، قال تعالى: (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ) [التوبة:34-35].

وكلُّ ما لا تؤدَّى زكاتُه، فهو كنزٌ يعذّبُ به يومَ القيامة، يدُلُّ على ذلك الحديثُ الصحيح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قالَ: “ما مِنْ صاحبِ ذهبٍ ولا فضة لا يؤدِّي حقَّها إلا إذا كانَ يوم القيامة صُفِحَت له صفائحُ من نارٍ، فأُحْمِيَ عليها في نارِ جهنم، فَيُكوى بها جنبهُ وجبينه وظهرُهُ، كلَّما بَرَدت أُعيدت له في يومٍ كان مقدارُه خمسين ألف سنة حتى يُقْضَى بينَ العباد، فيرى سبيلَه إما إلى الجنةِ وإما إلى النار”.

وقال تعالى: (وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) [آل عمران:180].

يدُلُّ على ذلك الحديثُ الصحيح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قالَ: “مَنْ آتاه الله مالاً فلم يؤدِّ زكاتَهَ مُثِّلَ له شجاعاً أقرع -أيْ: ثعباناً عظيماً- كريهَ المنظر، له زبيبتان يطوِّقُهُ يوم القيامة، ثم يأخُذُ بِلَهْزِمَتَيْه -يعني: شدقيه- ثم يقولُ: أنا مالُك، أنا كنزُك”.

هذه عقوبةُ مانعِ الزكاة في الآخرة، قد بيَّنها الله ورسوله، وهي أنَّ المال غيرَ المزكى يجعَلُ صفائح تُحْمَى في نار جهنم يُكْوَى بها جبهتُه وجنبُه وظهرهُ، ويُجْعَلُ أيضاً ثعباناً عظيماً يطوِّقُ به عنقَه، ويُمسكُ بشدقيه ويلدَغُه، ويُفرغُ فيه السمَّ الكثيرَ الذي يتألَّم منه جسمه.

وليسَ هذا العذابُ يحصُلُ في ساعةٍ وينقطعُ، بل يستمرُّ خمسين ألفَ سنة.

نعوذُ بالله من ذلك.

ومانعُ الزكاة إذا عُرِفَ عنه ذلك، فإنه لا يجوزُ تركُه، بل يجبُ الإِنكارُ عليه ونصحه، فإن أَصَرَّ على منعِها وَجَبَ على وليِّ الأمر أن ينظُرَ في شأنِه، فإن كان جاحداً لوجوبِها، وجبَ أن يُستتابَ، فإن تاب وأدَّى الزكاة، وإلا وَجَبَ قتلُه مرتدّاً عن دين الإِسلام.

وإن كان مقرّاً بوجوبِها، ولكنه منعَها بُخلاً، وجبَ تعزيرُه، وأخذُها منه قهراً.

وإن لم يمكن أخذُها منه إلا بقتالٍ، فإنه يقاتَلُ، كما قاتَلَ الصحابةُ -رضي الله عنهم- مانعي الزكاة، بعد وفاةِ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، حتى خَضَعُوا لدِفعِها، والتزموا بحُكْمِها.

واعلم -عبادَ الله-: أنَّ الأموالَ التي تَجِبُ فيها الزكاةُ أربعة أنواع:

النوع الأول: النقدان: الذهب والفضة، وما يقومُ مقامَهما من الأوراق النقدية التي يتعامَلُ بها الناس اليوم، سواء سُميت دراهم، أو ريالات، أو دنانير، أو دولارات، أو غير ذلك من الأسماء.

فمن كان عنده نصاب من الذهب أو الفضة، أو ما يعادِلُ النصابَ من تلك الأوراق النقدية، أو أكثر من النصاب، وحالَ عليه الحَوْلُ، فإنه تجبُ فيه الزكاة.

ومقدارُها: ربعُ العشر.

أي: ريالان ونصف من كل مئة.

سواءٌ ادَّخرها للتجارةِ، أو للنفقة، أو للزواج، أو لشراء بيت، أو سيارة، أو غير ذلك من حوائجِه.

وسواءٌ كانت هذه النقودُ لكبيرٍ أو لصغير أو لمجنون.

فتجبُ الزكاةُ في أموال الأيتام والقصار، ويخرجها عنهم وليُّهم.

ورِبْحُ الدراهم حولُه حولُها، فيُزكي الربحَ معَ رأسِ المال ولو لم يَمْضِ على الربحِ إلا مدةٌ يسيرة، أو لم يَمْضِ عليه شيءٌ.

والموظَّفُ الذي يدَّخِرُ من مُرَتَّبِه كُلَّ شهر مبلغاً، الأحوطُ له، والأسهل عليه: أن يجعَلَ شهراً من السنة كشهرِ رمضان وقتاً لإِخراجِ زكاةِ ما اجتمع لديه من النقودِ إلى مثل هذا الشهر من السنةِ القادمة.

ومَنْ كان له ديونٌ في ذمم الناس، سواءٌ كانت قروضاً، أو أثمانَ مبيعات مؤجَّلة أو أُجوراتٍ، فإن كانت هذه الديون على أناسٍ مُوسرين باذلين، يستطيعُ الحصولُ عليها عندما يطلبها منهم، فإنه يُزَكِّيها إذا تَمَّ لها حولٌ من حينِ العقد، سواءٌ قبضَها منهم أو لم يقبِضْها، كما يزكِّي المالَ الذي بيده. خطبة دينية عن الزكاة

وإن كانت هذه الديون على معسرين أو على مماطلينَ، ولا يدري هل يحصُلُ عليها، أم تذهَبُ، فإنه يُزَكِّيها إذا قَبَضَها عن سنة واحدة فقط على الأصح.

وإذا كان على الإِنسان ديونٌ للناس وعنده نقودٌ، أو عروض تجارة، فالأصحُّ من قولي العلماء: أنَّ الديْنَ لا يمنَعُ وجوبَ الزكاة فيما عنده فيزُكي ما عندَه من النقودِ والعروض.

النوع الثاني من الأموال التي تجبُ فيها الزكاة: عُروضُ التجارة، وهي السلعُ المعروضة للبيع طلباً للربحِ، كالأقمشة، والسيارات، والآليات، وقطع الغيار، والأراضي، والعمارات المعدة للبيع، ومحتويات البقالات من أنواعِ الأطعمة، والأشربة، والمعلبات، ومحتويات الصيدليات من الأدوية والأدوات الطبية، وأدوات البناء بأنواعها، وما تحويه المكتباتُ التجارية من الكتبِ وغيرها، فإنه عندَ تمامِ الحول عليها أو على ثمنِها الذي اشتُريت به يُقَوِّمها، أي: يقدرُ قيمتَها التي تساويها عندَ تمامِ الحول، سواءٌ كانت قدرَ قيمتها التي اشتراها بها أو أقلَّ أو أكثرَ، ولا ينظرُ إلى ما اشتراها به، ويُخرجُ ربعَ العشر من القيمة المقدرة.

ولا يتركُ شيئاً مما أُعِدَّ للبيعِ كبيراً كان أو صغيراً إلا ويُقَدِّرُ قيمتَه، بأن يُجرِّدُ كُلَّ ما عنده، ويقوِّمَه لإِخراج زكاتِهِ، ولا زكاة فيما أُعِدَّ للتأجيرِ من العمارات والسيارات والدكاكين والآليات وغيرِها، فلا زكاة في نفسِ هذه الأشياء، وإنما الزكاة في أُجرتِها إذا حالَ عليها الحولُ من حينِ عقد الإِجارة.

ولا زكاة على الإِنسان فيما أعدَّه للاستعمالِ كالمسكن والمتجر، أي: المحل الذي يجلسُ فيه للبيع والشراء، والسيارات التي يركبها، وغير ذلك من مستعملاته.

والذي عنده مصنعٌ، أو ورشةٌ للحدادة، أو لإِصلاح السيارات، أو عنده مطبعةٌ، لا زكاةَ عليه في الآليات التي يستخدمُهَا للعمل، وإنما الزكاةُ في الغَلَّةِ التي يحصُلُ عليها من ذلك المصنع أو الورشة أو المطبعة، بأنْ يُخْرِجَ ربعَ العشر مما حال عليه الحول من الدراهمِ التي يحصُلُ عليها من هذه الأشياء.

والأسهُمُ التي للإنسان في الشركات: إن كانت شركاتِ استثمارٍ، كشركات المصانع، أو شركات النقل، وشركات الكهرباء والإِسمنت.

فهذه تجبُ الزكاة في غلتها، فإذا حَصَلَ المسهمُ على شيءٍ من غلة أسهُمِه في الشركة، فإنه يزكيه.

وأما الأسهمُ التي له في الأراضي التجارية، فتجبُ عليه زكاة أسهمه منها بأن يقوِّمَ تلك الأراضي عند تمامِ حولها، ويخرجَ ربع عشر قيمة نصيبه منها. خطبة دينية عن الزكاة

النوع الثالث: من الأموال التي تجب فيها الزكاة: بهيمةُ الأنعام من الإِبل والبقر والغنم.

والنوعُ الرابع: الخارجُ من الأرض.

وتفاصيلُ أحكام زكاةُ هذين النوعين، مبسوطة في كتب الفقه، وبإمكان مَنِ احتاج إلى شيءٍ منها أن يسأَلَ أهلَ العلم؛ لأنه لا يتسعُ هذا المقامُ لذكرِها.

واعلموا -رحمكم الله-: أنه لا بُدَّ من النيةِ عندَ دفع الزكاة، لأنها عبادة، والعبادة لا تَصِحُّ إلا بنيةٍ، لقولِهِ صلى الله عليه وسلم: “إنما الأعمالُ بالنياتِ، وإنَّما لِكُلِّ امرئٍ ما نَوَىَ”.

فينوي عندَ دفعها أنَّها زكاةٌ.

ولو دَفَعَ دراهِمَ وهو لم ينوِها زكاةً، ثم نَوَىَ بعد زكاة لم تجز، وعلى المسلمِ أن يُحصيَ ما لديه من المال الذي تجبُ فيه الزكاة إحصاءً دقيقاً لئلا يبقى من ماله شيءٌ لم تُخْرَجْ زكاتُهُ.

فيوجبَ ذلك محقَهُ وتلفَه.

ويجوزُ للإِنسان: أن يوكِّلَ مَنْ يُحصي مالَه، ويخرجُ زكاته نيابةً عنه.

ويجبُ على المزكي: أن يُخرجَ الزكاة طيبة بها نفسُه غير متمنِّن بها، ولا مستكثرِ لها، ولا كاره لإِخراجها، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى) [البقرة:264].

وكراهية إخراج الزكاة من علامات النفاق، قال تعالى في المنافقين: (وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى وَلَا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ) [التوبة:54].

ويستحَبُّ: أن يدعو عند إخراجها، فيقول: “اللهُمَّ اجعَلْها مغنماً، ولا تجعلْها مغرماً”.

ويقول آخذُها: “آجرَك الله فيما أَعطيتَ، وباركَ لك فيما أبقيتَ، وجعلَه لك طَهوراً”.

فاتقوا الله -عبادَ الله- في أمور دينِكم عامةً، وفي زكاةِ أموالكم خاصة.

عبادَ الله: وينبغي للإِنسان: الاستكثارُ من صدقة التطوع أيضاً في هذا الشهر الكريم، والموسمِ العظيم، لحديث أنس: “سُئِلَ النبي -صلى الله عليه وسلم-: أيُّ الصدقةِ أفضلُ؟ فقال: “صدقة في رمضانَ”[رواه الترمذي].

وقال صلى الله عليه وسلم: “مَنْ تصدَّقَ بعَدْلِ تمرةٍ من كسبٍ طيبٍ، ولا يصعَدُ إلى الله إلا الطيبُ، فإن الله يقبَلُها بيمينه، ثم يربيها لصاحبِها حتى تكونَ مثلَ الجبل العظيمِ”[متفق عليه].

وعن أنس مرفوعاً: “إنَّ الصدقةَ لتُطفئُ غضبَ الرب، وتدفَعُ ميتةَ السوءِ”.

والآيات والأحاديث في هذا كثيرةٌ معروفة.

والصدقةُ في هذا الشهر فيها اقتداءٌ بالرسول -صلى الله عليه وسلم-، فقد كان يتضاعَفُ جودُه فيه أكثر من غيره.

نسألُ الله أن يوفِّقَنا وإيَّاكم لما يُحِبُّه ويرضاه، وأن يشملَنا بعفوِهِ ومغفرته ورحمته.

أعوذُ بالله من الشيطان الرجيم: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) [التوبة:103-104].

بارك الله لي ولكم في القرآن.

الخطبة الثانية:

الحمدُ لله رب العالمين، له الحمدُ في الآخرة والأولى، أغنى وأقنَى، ووَعَدَ من أعطى وأتقى، وصدَّق بالحسنى، أن ييسرَه اليُسرى، وتوعَّدَ مَنْ بَخِلَ واستغىَ وكَذَّبَ بالحسنى، أن يُيسرهَ للعُسرى.

وأشهَدُ أنْ لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الأسماءُ الحسنى، وأشهَدُ أنَّ محمداً عبده ورسوله صاحب المقام المحمود. والحوض المورود والشفاعة العُظمى، صَلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه الذين بَذَلُوا أنفسَهم وأموالَهم في سبيل الله، واستمسكوا من الإِسلام بالعروِة الوثقى، وسلَّمَ تسليماً كثيراً.

أما بعدُ:

أيها الناس: اتقوا الله -تعالى-، واعلمُوا أنَّ ما تُخرجونه من الزكاةِ وغيرها من الصدقاتِ بنية خالصة، ومن كسبٍ حلالٍ: أنه يكون قرضاً حسناً تُقرضونه رَبَّكم، وتجدونه مدَّخراً لكم، ومضاعفاً أضعافاً كثيرة، فهو الرصيدُ الباقي، والتوفيرُ النافع، والاستثمار المفيدُ، مع ما يخلفُ الله لكم في الدنيا، من نموِّ أموالكم، وحلولِ البركة فيها.

فلا تستكثروا مبالغَ الزكاةِ التي تدفعونها، فإنَّ بعضَ الناس الذين يملكون الملايينَ الكثيرة قد يستكثرون زكاتها، ولا ينظرون إلى فضلِ الله عليهم حيثُ مَلَّكَهم هذه الملايين، وأنه قادرٌ على أن يسلُبَها منهم، ويحوِّلَهُم إلى فقراءَ مُعْوزِين في أسرع لحظة، أو يأخُذَهم على غِرَّةٍ فيتركوها لغيرهم، فيكونَ عليهم مسؤوليتها ولغيرِهم منفعتُها. خطبة دينية عن الزكاة .

ثمَّ اعلَمُوا: أنَّ الله -سبحانه- عيَّنَ مصارفَ للزكاة لا يجوزُ ولا يُجزئُ في غيرها، قال تعالى: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) [التوبة:60].

فمن كان يملكُ ما يكفيه، ويكفي من يمونَهم لمدةِ سنة، أو له إيرادٌ من راتبٍ، أو غيره يكفيه، فهو غنيٌّ لا يجوزُ ولا يجزئُ صرفُ الزكاة إليه.

ولا يجوزُ له هو أن يأخُذَها.

وكذا مَنْ كانَ عنده القدرةُ على الكسب الذي يكفيه -وهناك فرصٌ للكسب-، فإنه لا يجوزُ ولا يجزئُ دفع الزكاة إليه، ولا يجوز له هو أخذها.

فلا يجوز للمزكي: أن يدفَعَ زكاته إلا لِمَنْ يغلِبُ على الظنِّ أنه من أهلِ الزكاة، فقد جاءَ في الحديث: “أَنَّ الزكاة لا تَحِلُّ لغنيٍّ، ولا لقويٍّ مكتسِب”[رواه أبو داود والنسائي].

وكذا لا يجوزُ صرفُ الزكاة في المشاريع الخيرية، كبناءِ المساجد والمدارس وغيرها.

وتُمَوَّلُ هذه المشاريع من بيتِ المال، أو من التبرعاتِ.

فالزكاةُ حقٌّ لله شَرَعَهُ لهذه المصارف المعينة، لا تجوز المحاباةُ بها لِمَنْ لا يستحقُّها، ولا أَنْ يجلِبَ بها لنفسه نفعاً دنيوياً، أو يدفَعَ بها عنه ضرراً، ولا أن يقيَ بها مالَه بأن يجعلَها بدلاً من حق يجبُ عليه لأحد.

ولا يجوزُ أن يدفَعَ بالزكاةِ عنه مذمةً، ولا يجوزُ دفعُها إلى أصوله، ولا إلى فروعهِ، ولا إلى زوجته أو إلى أحد ممن تلزمه نفقته.

فاتقوا الله -عبادَ الله-، وليكُنْ إخراجُ الزكاة وصرفُها وسائر عباداتكم على مقتضى كتابِ الله، وسنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

فإنَّ خيرَ الحديثِ كتاب الله، وخير الهَدْيِ هَدْيُ محمد -صلى الله عليه وسلم-… إلخ. خطبة دينية عن الزكاة .

قد يهمك:

خطبة عن الزكاة صيد الفوائد

خطبة دينية عن الزكاة ، إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهديه الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأزواجه وصحبه وسلم تسليما كثيراً.

 أما بعد، فاتقوا الله معاشر المسلمين، (اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ). 

عباد الله ؛ تحتل الزكاة في الإسلام مكانة رفيعة ومنزلة سامية، فهي ركن من أركانه الأساسية، وشعيرة من شعائره الدينية الكبرى، وفريضة من فرائضه المؤكدة المعلومة من الدين بالضرورة، التي ورد ذكرها في عشرات الآيات القرآنية وأحاديث السنة النبوية جاحدها ومُنكرها مرتد كافر، يستتاب فإن تاب وإلا قتل كافرا، ومانعها بخلا وشحا أو تهاونا يقاتل عليها حتى يؤديها وتؤخذ منه طوعا أو كرها، كما قال أبو بكر الصديق:” والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة، فإن الزكاة حق المال، والله لو منعوني عناقا كانوا يؤدونه لرسول الله r لقاتلتهم عليها “رواه البخاري. وقال النبي r حين بعث معاذًا رضي الله عنه إلى اليمن: ” أخبرهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم) أخرجه البخاري ومسلم.

ومما يؤكد أهميتها فعل الرسول r، حيث كان يرسل السعاة لجباية الزكاة من الناس، وكذلك خلفاؤه من بعده وإلى يومنا هذا.  

الزكاة شرعها الله تعالى رحمة بعباده لحِكم بالغة، وأهداف سامية، ومصالح كثيرة، ومنافع لا تحصى، من أهمها ما أشار إليه قوله تعالى في سورة التوبة:{خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم}. فهي تطهر النفس من الشح والبخل، وسيطرة حب المال على الإنسان، كما تطهر المزكي من الذنوب والآثام، كما قال تعالى:{إن تبدوا الصدقات فنِعِمّا هي وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم ونكفر عنكم من سيئاتكم}.

الزكاة وقاية للمال المزكى من الضياع والتلف، وأمان له من الآفات والكوارث تطهر الأموال وتطيبها.

تطهر المجتمع الإسلامي ماديا من الفقر والبؤس والحرمان والتسول، وتطهره نفسيا من البغض والحقد والحسد والكراهية، وتطهره من صراع الطبقات وما يترتب على ذلك من المآسي والآفات.

شرعها الله تعالى امتحانا لعباده واختبارا لصدقهم في إسلامهم وصحة إيمانهم وثقتهم في وعد ربهم، كما قالr: “والصدقة برهان” يعني برهانا على صحة إسلام مخرجها وإيمان باذلها وثقته بوعده في قوله تعالى: {الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء، والله يعدكم مغفرة منه وفضلا}. فالمسلمون يؤدونها بدافع الإيمان بالله، بخلاف الضرائب التي يتهرب الكثيرون من دفعها متى وجدوا غفلة من الرقيب.

الزكاة من الفرائض التي يتم بها إسلام العبد ويتحقق إيمانه لتكون طريقا معبدا لدخول الجنة والنجاة من النار،

عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن أعْرَابيًا أتَى النبي r فقال: يا رسول الله، دُلَّنِي على عمل إذا عَمِلتُه، دخلت الجنة. قال: «تَعْبُدُ الله لا تُشرك به شيئا، وتُقِيم الصلاة، وتُؤتي الزكاة المَفْرُوضَة، وتصوم رمضان» قال: والذي نفسي بيده، لا أَزِيْدُ على هذا، فلمَّا ولَّى قال النبي  r : «من سَرَّه أن يَنْظَر إلى رجُل من أهل الجَنَّة فَلْيَنْظر إلى هذا» متفق عليه.

شرعها الله تعالى للتزكية، تزكي أنفس الأغنياء وقلوبهم، كما تزكي أموالهم، ومجتمعاتهم، الكل يزكو بالزكاة، ويسمو بزكاته عند ربه، وفي أعين مجتمعه، وتكفل الله بإخلافها في الدنيا، وتضعيفها في الآخرة أضعافا مضاعفة، مصداقا لقوله تعالى:{وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه، وهو خير الرازقين}وقوله:{يمحق الله الربا ويربي الصدقات}وقوله:{وما آتيتم من زكاة تريدون وجه الله فأولئك هم المضعفون}.

الزكاة عبادة مالية، لها آثارها الاقتصادية الحسنة التي تعود على الفرد والمجتمع والدولة فهي تشكل أهم دعامة من دعائم الاقتصاد، وتُكوّن موردا من موارده المالية، ووسيلة من وسائله الناجحة لتحقيق التكافل الاجتماعي، وتقوية أواصر الأخوة والمحبة بين الأغنياء والفقراء بين دافعي الزكاة وآخذيها لتحقيق السلم الاجتماعي والأمن الوطني.

 إنها قيمة أخلاقية تبني لدى الإنسان صفة الرحمة والتعاطف والتواد والبذل، وتعزز الشعور بالفقراء والمعوزين، فالزكاة وسيلة مثالية لتحقيق معنى التعاون بين المسلمين.

فاتقوا الله، عباد الله وأدوا زكاة أموالكم طيبة بها نفوسكم تفلحوا وتسعدوا : ” إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة لهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون

 بارك الله لي ولكم في القرآن والسنة، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر والحكمة، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم.. خطبة دينية عن الزكاة

 الخطبة الثانية

 الحمد لله وكفى وسمع الله من دعا، وبعد فاتقوا الله عباد الله، وأعلموا أن الله عزوجل تولى أمر الزكاة وتحديد مصارفها وحصرها في الثمانية المذكورين في قوله تعالى:{إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم، وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم}، لم يترك هذا الأمر لملك مقرب ولا نبي مرسل ، فإن هذا التوزيع من العليم الحكيم له حِكَم سامية في أهدافها، نبيلة في مقاصدها ومراميها، كثيرة المصالح والمنافع لمستحقيها والمجتمع.

والمسلم يتحرى في زكاته وصدقته أهل الزكاة، والجمعيات الرسمية الموثوقة التي تشرف عليه الدولة، كمنصتي إحسان وفرجت ويحذر من الجهات المشبوهة التي ليس لها وجود على أرض الواقع أو عصابات التسول.

خطبة عن منع الزكاة

الخطبة الأولى:

الحمد لله المتوحد بالعظمة والجلال، المتفرد بالبقاء والكمال، أحمده سبحانه على جزيل الإنعام، وأشكره على عظيم الإفضال، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الكبير المتعال.

وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبد الله ورسوله، المنقذ -بإذن ربه- من الضلال، والداعي إلى كريم السجايا والخلال، وشريف الأخلاق والخصال، صلى الله وسلم وبارك عليه، دل على حسن الأقوال، وطيب الأفعال، وحثَّ على أفضل الأعمال، وحذَّر من التسويف والإهمال، والصغار والإذلال، وعلى آله خير أهل وآل، وعلى أصحابه أهل الإكبار والإجلال، وتابعيهم بإحسان بلغوا بتقواهم أعالي الجبال، ومن سار على نهجهم إلى يوم المآل.

أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، فبتقوى الله تنال الدرجات، وتكثر الحسنات، وأكثروا من ذِكْره وشكره، فبذكره تطمئن القلوب، وبشكره تحفظ النعم وتدوم، وتسير الحياة وتقوم، وتزودوا من الصالحات فخير الزاد التقوى للخصوص والعموم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران: 102]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ) [البقرة: 254].

أمة الإسلام: كان الناس قبل البعثة المحمدية أمة مبعثرة، ومجتمعات متفرقة، وشعوب متناثرة، غابة موحشة، يأكل القوي الضعيف، ولا يُعرف الفقير العفيف، ثم جاء الإسلام وضاءً، نيِّراً ساطعاً معطاءً، فشقشق للإنسانية فجر جديد، وبزغ للحياة عيش رغيد، ورام الناس عزًّا تليدًا، وعصراً مجيدًا. خطبة دينية عن الزكاة

آخى الإسلام بين المسلمين، وجمع شعث المؤمنين، دعا الإسلام أهله إلى التكافل الاجتماعي، والعطف الإنساني، إسلام وتراحم، إيمان وتلاحم، مراعاة للأخوة الإسلامية، والوحدة الإيمانية، قال تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) [الحجرات: 10]، وقال -صلى الله عليه وسلم-: “المسلم أخو المسلم”

إخوة الإيمان: موضوع مؤرِّق وخطير، حفي بالطرح والتحرير، سبب للأمة كوارث وفواجع، وألحق بها نكبات ومواجع، حقيق بالعرض والإسهاب، والأخذ بالأسباب، موضوع غفل عنه أكثر الناس اليوم، وربما عدَّه البعض من ثنايا الأحكام، وهو من أُسسها الجسام، وثوابتها العظام، إنه موضوع البخل والزكاة، فكم من الأغنياء من لا يؤدِّي زكاة ماله.

 وكم مِن الموسرين مَن يبخل على أهله وعياله، نعم أيها الناس، يوجد اليوم بين أظهر المسلمين من يمنع الزكاة عن المستحقين، ويبخل بماله، ويجحد حسن أحواله، فتذكروا أيها الناس، قول الحق شديد البأس: (وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ) [محمد: 38].

لقد غفل أكثر أصحاب الأموال عن قول ذي العزة والجلال: (وَآَتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آَتَاكُمْ) [النور: 33]، قال -صلى الله عليه وسلم-: “يقول العبد: مالي مالي، وإنما له من ماله ثلاث: ما أكل فأفنى، أو لبس فأبلى، أو أعطى فأبقى، وما سوى ذلك فهو ذاهب وتاركه للناس” (أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-).

لقد نسي الأغنياء والمترفين، قول الحق المبين: (وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) [آل عمران: 180]، فأدوا الزكاة أيها التجار، يا أهل المال والعقار، فكُّوا رقابكم من النار، يقول العزيز الجبار: (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ) [التوبة: 34- 35].

أمة الإسلام: لو أخرج كل موسر زكاة ماله، لما بقي على الأرض فقير من المسلمين، ولن ينقطع الاحتياج بالناس، حتى تؤدى الزكاة على وجهها المشروع، ألا فاعلموا أيها الناس أن في الزكاة تنمية للمال، وحفظاً له من الزوال، قال الله تعالى: (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) [البقرة: 245]، وقال تعالى: (وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) [سبأ: 39]، وقال -صلى الله عليه وسلم-: “ما نقصت صدقة من مال” (أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-).

فسبحان الله العظيم! رب العرش الكريم، الله يستقرض عباده ليضاعف لهم الثواب والأجور، ويُذهب عنهم العقاب والشرور، وهم معرضون عن الأوامر، مقترفون للزواجر، ألا وإن أعظم العقوبات، وأشد الحسرات، ما يلقاه العبد عندما يفارق أهله وذويه، وماله وبنيه، ويُودَع في قبره لا أنيس ولا جليس فيه، إلا ما عمل من عمل وقدَّم، في ذلك الحين لا ينفعه الندم، ولا يدفع عنه العذاب حشم ولا خدم: (يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) [الشعراء: 88- 89].

عند ذلك إن كان من مانعي الزكاة، فأعظم موحش له ماله، ودرهمه وديناره، يُمَثَّل له ثعباناً يتقاطر سُمُّه، فيعظم همُّه وغمُّه، فيا له من هول ما أفظعه! ومنظر ما أشنعه! أخرج البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “من آتاه الله مالاً فلم يؤدِّ زكاته، مُثِّل له يوم القيامة شجاعاً أقرع -ثعباناً ضخماً- له زبيبتان، يطوِّقه يوم القيامة، ثم يأخذ بلهزمتيه –شدقيه-، ثم يقول: أنا مالك، أنا كنزك”، فيعضه عضّاً، ويقضمه قضماً .

أيها الإخوة المؤمنون: الزكاة واجبة من واجبات الدين العظيم، وركن من أركان الإسلام القويم، قال تعالى: (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ) [البينة: 5]، ويقول -صلى الله عليه وسلم-: “وأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقةً، تُؤخَذ من أغنيائهم، وتُرَدُّ على فقرائهم”.

فمن أنكر الزكاة وجحد وجوبها فقد كفر بالكبير المتعال، ومن تهاون بها أثم وغرم، وتعرض للعذاب والنكال، قال تعالى: (فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ) [التوبة: 11]، الله يأمر عباده بدفع الزكوات، وإخراج الصدقات، ليزيد لهم في الحسنات، ويمحو عنهم الذنوب والخطيئات، وهم يمنعون الأعطيات، ويبخلون بالإحسان والهبات، ويصرُّون على معصية فاطر الأرض والسموات، في الحديث الحسن الصحيح، قال -صلى الله عليه وسلم-: “مانع الزكاة يوم القيامة في النار” (أخرجه الطبراني في الصغير، وقال الألباني حديث حسن صحيح).

أمة الإسلام: في منع الزكاة ضرر يتعدى الأفراد، ليصل لكافة البلاد والعباد، هلاك يلحق ببني الإنسان، ودمار يقضي على النبات والحيوان، تَمنع السماء قَطْرها، وتُمسك الأرض نباتها، تضعف الأمطار، ويقل الخير المدرار، وتجف الآبار، وتموت الأشجار، قال -صلى الله عليه وسلم-: “ما منع قوم الزكاة إلا حبَس الله عنهم القطر”، وفي رواية: “إلا ابتلاهم الله بالسنين” أي: الجدب والقحط (أخرجه الطبراني وحسنه الألباني). خطبة دينية عن الزكاة

فاتقوا الله عباد الله وأدوا زكاة أموالكم، طيبةً بها نفوسكم، تدخلوا جنة ربكم، تلمَّسُوا أحوال إخوانكم الفقراء، واليتامى والضعفاء، الذين أعياهم التعفف عن السؤال، قال تعالى: (لِلْفُقَرَاء الَّذِينَ أُحصِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاء مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ لاَ يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافاً وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ) [الحشر: 9].

إخوة العقيدة والدين: ليس المسلم الذي يشبع، وجاره جائع، ليس المسلم الذي يجمع ويمنع، ألا فاعلموا أيها الناس أن إخراج الزكاة، وإعطاء الصدقة، تحل كثيراً من مشاكل الفقر المعاصر، الذي تعانيه الأمة في الوقت الحاضر، ملايين من البشر يموتون بسبب الجوع والفقر، يأكلون الأشجار والدواب، ويلتهمون الميتة من الحيوان، يتسابق إليهم المنصِّرُون، ويتهافت عليهم المبشِّرُون، ومن أغنياء المسلمين من لا يفكر ولا يقدر، فهل من متعظ ومفكر؟!

من الموسرين من ماتت أحاسيسهم، وفقدت شعورهم، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: “من استطاع منكم أن يستتر من النار ولو بشق تمرة، فليفعل” (أخرجه مسلم)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: “إذا أديت زكاة مالك فقد أذهبت عنك شرَّه” (أخرجه مسلم من حديث جابر -رضي الله عنه-).

فاتقوا الله أيها الأغنياء، أخرجوا زكاة أموالكم، أنفقوا مما جعلكم الله مستخلفين فيه، تعرضوا لنفحات المولى -جل وعلا-، ولدعاء الفقراء واليتامى، والأرامل والثكالى، قال -صلى الله عليه وسلم-: “إن العبد إذا تصدق من طيِّب تقبلها الله منه، وأخذها بيمينه فرباها، كما يربي أحدكم مهره أو فصيله، وإن الرجل ليتصدق باللقمة، فتربوا في يد الله حتى تكون مثل الجبل، فتصدقوا” (حديث صحيح أخرجه ابن خزيمة في صحيحه).

 ارأفوا بكبير سنٍّ عجَز عن مؤونة أهله، واعطفوا على أمّ تعكف على صغارها، تحسسوا حاجات إخوانكم المسلمين، ساعدوا المساكين والمعوزين، لتنالوا رضا رب العالمين، قال الله تعالى: (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا) [الإنسان: 8- 9]، وقال -صلى الله عليه وسلم-: “سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، وذكر منهم: ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه” (متفق عليه).

فأدوا زكاة أموالكم، وقدموا صدقاتكم، تكن لكم حصناً من النار، وحرزاً من الأشرار والفجار، اللهم بارك لنا في الكتاب المبين، واجعلنا لأوامره مذعنين، ولنواهيه منتهين، وانفعنا بهدي نبي الثقلين، واجعلنا لسنته متبعين، وبهديه متمسكين، أقول ما سمعتم، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروا ربكم، إنه رحيم رءوف بكم .خطبة دينية عن الزكاة

الخطبة الثانية:

الحمد لله دائم الفضل والإحسان، ذي العطاء الواسع والامتنان، ربَط بين المؤمنين برابطة الإيمان، فكانوا إخوة متحابين كالمرصوص من البنيان، أحمده سبحانه وأشكره وهو الواحد المنان، وأتوب إليه وأستغفره وهو كريم الإحسان.

 وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، كل يوم هو في شأن، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، سيد ولد عدنان، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه والتابعين ومن تبعهم بإحسان..

أما بعد: فاتقوا الله وراقبوه، وأطيعوه ولا تعصوه، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) [التوبة: 119]، واسمعوا عباد الله لهذا الحديث الصحيح الذي أخرجه مسلم في صحيحه من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: “مَا مِنْ صَاحِبِ ذَهَبٍ وَلَا فِضَّةٍ لَا يُؤَدِّي مِنْهَا حَقَّهَا إِلَّا إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ صُفِّحَتْ لَهُ صَفَائِحَ مِنْ نَارٍ؛ فَأُحْمِيَ عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَيُكْوَى بِهَا جَنْبُهُ وَجَبِينُهُ وَظَهْرُهُ، كُلَّمَا بَرَدَتْ أُعِيدَتْ لَهُ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ، حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ الْعِبَادِ، فَيَرَى سَبِيلَهُ إِمَّا إِلَى الْجَنَّةِ وَإِمَّا إِلَى النَّارِ” قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ: فَالْإِبِلُ؟ قَالَ: “وَلَا صَاحِبُ إِبِلٍ لَا يُؤَدِّي مِنْهَا حَقَّهَا، وَمِنْ حَقِّهَا حَلَبُهَا يَوْمَ وِرْدِهَا، إِلَّا إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ بُطِحَ لَهَا بِقَاعٍ قَرْقَرٍ، أَوْفَرَ مَا كَانَتْ، لَا يَفْقِدُ مِنْهَا فَصِيلًا وَاحِدًا، تَطَؤُهُ بِأَخْفَافِهَا، وَتَعَضُّهُ بِأَفْوَاهِهَا، كُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ أُولَاهَا رُدَّ عَلَيْهِ أُخْرَاهَا، فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ، حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ الْعِبَادِ، فَيَرَى سَبِيلَهُ إِمَّا إِلَى الْجَنَّةِ وَإِمَّا إِلَى النَّارِ، قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ: فَالْبَقَرُ وَالْغَنَمُ ؟ قَالَ: وَلَا صَاحِبُ بَقَرٍ وَلَا غَنَمٍ، لَا يُؤَدِّي مِنْهَا حَقَّهَا، إِلَّا إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ بُطِحَ لَهَا بِقَاعٍ قَرْقَرٍ، لَا يَفْقِدُ مِنْهَا شَيْئًا، لَيْسَ فِيهَا عَقْصَاءُ – معكوفة القرن – وَلَا جَلْحَاءُ – ليس لها قرن – وَلَا عَضْبَاءُ، تَنْطَحُهُ بِقُرُونِهَا، وَتَطَؤُهُ بِأَظْلَافِهَا، كُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ أُولَاهَا رُدَّ عَلَيْهِ أُخْرَاهَا، فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ، حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ الْعِبَادِ، فَيَرَى سَبِيلَهُ إِمَّا إِلَى الْجَنَّةِ وَإِمَّا إِلَى النَّارِ”.

يا لها من عقوبةٍ مغلَّظة، ترجُف منها القلوبُ المؤمِنة!! ألا فتذكروا أيها الناس، أن الله أوجب في أموال الأغنياء نصيباً للفقراء، هي هذه الزكاة التي فرضها الله فرضاً، وهي مدخرة لصاحبها عند الله قرضاً، فيها أجر وفير، وخير كثير، قال الله تعالى: (إِنْ تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ) [التغابن: 17].

هذا وصلوا وسلموا على النبي رفيع القدر، والرسول عظيم الذكر، فقد أمركم بذلك العزيز الجبار، فقال في القرآن ذي الذكر: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56]، اللهم صلِّ على خير الورى، النبي المجتبى، والخليل المصطفى، وعلى آله وأصحابه ومن بسنته اقتدى، وبهديه اهتدى، وسلم تسليماً كثيراً.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمِّر أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً سخاءً رخاءً وسائر بلاد المسلمين، اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك، ولا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك فينا ولا يرحمنا يا ذا الجلال والإكرام.

اللهم وفق ولي أمرنا بتوفيقك، وأيده بتأييدك، واجعل عمله في رضاك، وهيئ له البطانة الصالحة الناصحة، التي تدله على الخير وتعينه عليه، اللهم أيد به العلماء والناصحين، وأيده بهم يا ذا الجلال والإكرام، يا ذا الطول والإنعام.

اللهم يا باسط اليدين بالعطايا، اغفر لنا الذنوب والخطايا، اللهم أصلح لنا شأننا كله، ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين، اللهم إنا نسألك رضاك والجنة، ونعوذ بك من سخطك والنار يا عزيز يا غفار.

اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق والأعمال والأقوال والأهواء، لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عنا سيئها، لا يصرف عنا سيئها إلا أنت برحمتك يا أرحم الراحمين، اللهم أصلح لنا الأبناء والبنات، وجميع الزوجات، يا مجيب الدعوات، ربنا آتتا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار برحمتك يا رب العالمين.

عباد الله: يقول الله -جل شأنه-: (الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) [الرعد: 28]، فاذكروا الله ذكراً كثيراً، وسبِّحوه بكرة وأصيلاً، واشكروه على نعمه نهاراً وليلاً، سبحان ربك، رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين .خطبة دينية عن الزكاة

خطبة عن الزكاة الألوكة

الخُطبَةُ الأُولَى

عِبَادَ اللهِ، الزَّكَاةُ فَرِيضَةٌ مِنْ فَرَائِضِ الْإِسْلَامِ، وَثَالِثُ أَرْكَانِهِ، دَلَّ عَلَى وُجُوبِهَا: الْكِتَابُ وَالسنَّةُ، وَالْإِجْمَاعُ، مَنْ أَنْكَرَ وُجُوبَهَا فَهُو كَافِرٌ مُرْتَدْ عَنِ الْإِسْلَامِ، يَسْتَتَابُ، فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ، وَمَنْ بَخِلَ بِهَا أَوْ انْتَقَصَ مِنْهَا شَيْئاً؛ فَهُوَ مِنَ الظَّالِمِينَ، الْمُسْتَحِقِّينَ لِعقُوبَةِ اللهِ تَعَالَى، قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿ وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ﴾ [آل عمران: 180]. قَالَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “مَنْ آَتَاهُ اللهُ مَالاً فَلَمْ يُؤْدِ زَكَاتَهُ مُثِّلَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ شُجَاعاً أَقْرَعَ لَهُ زَبِيبَتَانِ يُطَوِّقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ يَأْخُذُ بِلِهْزَمِتِيهِ، يَقُولُ: أَنَا مَالُكَ، أَنَا كَنْزُكَ” رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. فَانظُرْ يَا عَبْدَ اللهِ، كَيْفَ تُسَلَّطُ عَلَيْهِ ذُكُورُ الْحَيَّاتِ، الَّتِي تَمَعَّطَ جِلْدُ رَأْسِهَا مِنْ كَثْرَةِ سُّمِّهَا؛ فَتَأْخُذُ بِشِدْقِيْهِ تَعْذِيبًا لَهُ. وَاسْمَعْ إِلَى صُورَةٍ مِنْ صُوَرِ تَعْذِيبِهِمْ، قَالَ تَعَالَى: ﴿ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ ﴾ [التوبة: 34، 35]. وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “مَا مِنْ صَاحِبِ ذَهَبٍ وَلَا فِضَّةٍ لَا يُؤَدِّي حَقَّهَا إِلَا إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ صُفِّحَتْ لَهُ صَفَائِحَ مِنْ نَارٍ فَأُحْمِيَ عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ، فَيُكْوَى بِهَا جَنْبُهُ وَجَبِينُهُ وَظَهْرُهُ، كُلَّمَا بَرَدَتْ أُعِيدَتْ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ، حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ الْعِبَادِ، فَيَرَى سَبِيلَهُ، إِمَّا إِلَى الْجَنَّةِ وَإِمَّا إِلَى النَّارِ” رَوَاه مُسْلِمٌ.

وَمِنَ الْأَمْوَالِ الَّتِي تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ: عُرُوضِ التِّجَارَةِ، وَهِيَ كُلُّ مَا أُعِدَّ لِلْتِجَارَةِ مِنْ: عَقَّارَاتٍ وَسَيَّارَاتٍ، وَمَواشٍ، وَأَقْمِشَةٍ، وَغَيْرِهَا مِنْ أَصْنَافِ الْمَالِ، وَالْوَاجِبُ فِيهَا رُبْعُ الْعُشْرِ، فَيُقوِّمُهَا عَلَى رَأْسِ الْحَوْلِ بِمَا تُسَاوِي وَيُخْرِجُ رُبْعَ عُشْرِهِ، سَوَاءٌ كَانَ أَقَلَّ مِمَّا اشْتَرَاهَا بِهِ، أَمْ أَكْثَرَ أَمْ مُسَاوِياً يُقَوِّمُ ثَمَنَهَا جُمْلَةً. فَأَمَّا مَا أَعَدَّهُ لِحَاجَتِهِ؛ فَلَا زَكَاةَ فِيهِ لِقَوْلِه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “لَيْسَ عَلَى الْمُسْلِمِ فِي عَبْدِهِ وَلَا فَرَسِهِ صَدَقَةٌ”.

عِبَادَ اللهِ، يَتَسَاهَلُ بَعْضُ الْمُسْلِمِينَ فِي إِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَيَتَثَاقَلُونَ عَنْ إِخْرَاجِهَا، حَتَّى يُعَطِّلَ الْوَاحِدُ مِنْهُمْ هَذَا الرُّكْنَ الْعَظِيمَ، وَبَعْضُهُمْ مِنَ: الْمُصَلِّينَ، الصَّائِمِينَ، الْقَارِئِينَ لِلْقُرْآنِ، لَكِنَّهُ لَا يُؤْتِي الزَّكَاةَ، يَفْعَلُ النَّوَافِلَ، وَيَذَرُ الْفَرَائِضَ؛ واللهَ تَعَالَى جَعَلَ مَنْعَ الزَّكَاةِ مِنْ صِفَاتِ الْكَافِرِينَ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِنِعَمِهِ سُبْحَانَهُ: ﴿ وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ * الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ ﴾ [فصلت: 6، 7]. إِنَّ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَحْبِسُ الْبُخْلُ يَدَهُ عَنْ أَدَاءِ الزَّكَاةِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَظُنُّ أَنَّهُ يَحْتَالُ عَلَى رَبِّهِ سُبْحَانَهُ لِيُسْقِطَهَا بِأَنْ يَتَخَلَّصَ مِنْ سَائِلِ مَالِهِ قَبْلَ حُلُولِ الزَّكَاةِ، بِشِرَاءِ عَقَارٍ وَنَحْوِهِ ظَناً أَنَّهُ لَا تَجِبُ فِيهُمُ الزَّكَاةُ، وَاللهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِمَا فِي قَلْبِهِ، وَمَنْ مَكَرَ لِيَمْنَعَ حَقَّ الْفُقَرَاءِ فِي مَالِهِ، فَجَدِيرٌ أَنْ يَمْكُرَ اللهُ تَعَالَى بِهِ، فَيَخْسَرَ كُلَّ مَالِهِ. فَالْبُخْلَ أَهَمُّ أسْبَابِ مَنْعِ الزَّكَاةِ، وَلَا سِيَّمَا عِنْدَ بَعْضِ أَصْحَابِ الْأَمْوَالِ الطَّائِلَةِ، حَيْثُ يَنْظُرُ إِلَى مِقْدَارِ الزَّكَاةِ فِي مَالِهِ؛ فَيَجِدُهُ كَثِيرًا، وَالزَّكَاةُ لَيْسَتْ إِلَّا جُزْءًا وَاحِدًا مِنْ أَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنْ مَالِهِ، وَيَسْتَحْضِرُ كَدَّهُ وَتَعَبَهُ فِي جَمْعِهِ، وَلَا يَسْتَحْضِرُ تَوْفِيقَ اللهِ تَعَالَى لَهُ فِي كَسْبِهِ، فَكَمْ كَدَّ غَيْرُهُ وَتَعِبَ، وَلَمْ يَرْبَحْ كَمَا رَبِحَ.خطبة دينية عن الزكاة

وَمَعَ الْأَسَفِ أَنَّ بَعْضَهُمْ ذَاقَ حَلَاوَةَ الْمَالِ، بَعْدَ مَرَارَةِ الْحِرْمَانِ، وَعِزَّ الْغِنَى، بَعْدَ ذُلِّ الْفَقْرِ، وَكَانَ أَيَّامَ فَقْرِهِ وَحِرْمَانِهِ يَتَمَنَّى الْمَالَ لِيُنْفِقَهُ فِي وُجُوهِ الْخَيْرِ، فَيَكْفُلُ الْأَرَامِلَ وَالْأَيْتَامَ، وَيَسُدُّ حَاجَةَ الْفُقَرَاءِ، وَيُعِينُ الْمَنْكُوبِينَ عَلَى نَوَائِبِهِمْ، وَيَعِدُ نَفْسَهُ بِالْوُعُودِ، وَيُمَنِّيهَا بِالْأَمَانِي، وَمَا إِنْ سَالَ الْمَالُ فِي يَدِهِ، وَامْتَلَأَ بِهِ جَيْبُهُ؛ إِلَّا وَتَنَكَّرَ لِوُعُودِهِ، وَنَسِيَ أَمَانِيهِ، فَمَنَعَ حَقَّ اللهِ تَعَالَى فِي مَالِهِ، فَهَذَا يُخْشَى عَلَيْهِ أَنْ يَنْغَمِسَ فِي النِّفَاقِ وَهُوَ لَا يَشْعُرُ؛ لِأَنَّهُ أَنْكَرَ فَضْلَ اللهِ تَعَالَى عَلَيْهِ حِينَ أخرجه مِنَ الْفَقْرِ إِلَى الْغِنَى، وَنَكَثَ بِوُعُودِهِ وَعُهُودِهِ؛ قَالَ تَعَالَى: ﴿ وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ * فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ * فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ ﴾ [التوبة: 75 – 77]، وَهَذِهِ الْآيَةُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنْعَ الزَّكَاةِ يُورِثُ النِّفَاقَ فِي الْقَلْبِ. وَمِنْ أَسْبَابِ مَنْعِ الزَّكَاةِ: الْجَهْلُ، وَذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ مِنْ مَسْتُورِي الْحَالِ أَوْ مُتَوَسِّطِي الدَّخْلِ، فَيَظُنُّ أَنَّ الزَّكَاةَ خَاصَّةٌ بِالْأَغْنِيَاءِ، فَيَمْنَعُ الزَّكَاةَ جَهْلًا. وَهَذَا يُبْرِئُ الذِّمَّةَ، وَلَا يَمْنَعُ الْعُقُوبَةَ؛ لأَنَّهُ فِي بِلَادٍ لَا يُعْذَرُ فِيهَا بِجَهْلِهِ.

وَمِنْ أَسْبَابِ مَنْعِهَا: التَّسْوِيفُ فِي إِخْرَاجِهَا؛ وَبَعْضُ النَّاسِ لِكَثْرَةِ أَعْمَالِهِ وَمَشَارِيعِهِ، وَتَعَدُّدِ مَصَادِرِ أَمْوَالِهِ يَحْتَاجُ إِلَى وَقْتٍ لِيَحْسبَ زَكَاتَهُ، فَيُؤَجِّلُ وَيُسَوِّفُ حَتَّى يَمْضِيَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ، وَالْحَوْلَانِ، وَالثَّلَاثَةُ، وَهُوَ لَمْ يُخْرِجْ زَكَاةَ أَمْوَالِهِ، وَلَوْ أَنَّهُ حَرَصَ عَلَى دِينِهِ حِرْصَهُ عَلَى دُنْيَاهُ، وَاهْتَمَّ لِلزَّكَاةِ اهْتِمَامَهُ بِمَشَارِيعِهِ؛ لَخَصَّهَا بِمُوَظَّفِينَ؛ يَحْسُبُونَهَا وَيُخْرِجُونَهَا.

وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُؤَدِّي الزَّكَاةَ، لَكِنَّهُ لَمْ يُؤَدِّهَا عَلَى الْحَقِيقَةِ، كَمَنْ يُقِيمُهَا مَقَامَ النَّفَقَةِ، فَيُوَسِّعُ بِهَا عَلَى أَوْلَادِهِ الْمُتَزَوِّجِينَ؛ بِحُجَّةِ أَنَّهُمْ مُحْتَاجُونَ وَمُسْتَقِلُّونَ عَنْهُ فِي مَنَازِلِهِمْ، مَعَ أَنَّ زَكَاتَهُ لَا تَجُوزُ لَهُمْ.

وَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ ذَا شَأْنٍ فِي قَوْمِهِ، فَيَبْنِي جَاهَهُ عِنْدَهُمْ بِزَكَاةِ مَالِهِ، وَهُمْ لَيْسُوا مِنْ أَهْلِ الزَّكَاةِ، يَظُنُّونَهَا هِبَةً مِنْهُ، وَهُوَ يَحْسِبُهَا مِنْ زَكَاتِهِ.

وَمِنْهُمْ مَنِ اعْتَادَ أَنْ يَدْفَعَ زَكَاتَهُ لِقَرَابَتِهِ الْفُقَرَاءِ، وَأَلِفُوا ذَلِكَ مِنْهُ، ثُمَّ أَغْنَاهُمُ اللهُ تَعَالَى بَعْدَ الْفَقْرِ، فَيَسْتَحِي أَنْ يَقْطَعَ عَنْهُمْ عَادَتَهُمْ، وَيَشِحُّ أَنْ يَبْذُلَهَا لَهُمْ مِنْ مَالِهِ، وَيَجْتَرِئُ عَلَى حَقِّ اللهِ تَعَالَى فَيَجْعَلُهُ لَهُمْ، وَيَمْنَعُ مِنْهُ الْفُقَرَاءَ فشر الناس من أصلح دنيا غيره وأفسد آخرته.

عِبَادَ اللهِ، وَوَضْعُ الزَّكَاةِ فِي غَيْرِ مَصْرِفِهَا؛ كَالصَّلَاةِ فِي غَيْرِ وَقْتِهَا؛ فَإِنَّ إِيتَاءَ الزَّكَاةِ إِلَى غَيْرِ أَهْلِهَا، الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِمْ فِي الْآيَةِ، لَا يَصِحُّ أَنْ يُسَمَّى زَكَاةً. خطبة دينية عن الزكاة

قَالَ تَعَالَى: ﴿ إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴾ [التوبة: 60].

فَهَؤُلَاءِ ثَمَانِيَة ُأَصْنَافٍ:

الْأَوَّلُ: الْفُقَرَاءُ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ، وَمَنْ يَعُولُونَهُمْ نِصْفَ سَنَةٍ؛ فَغِنَّهُمْ يُعْطَوْنَ مَا يَكْفِيهِمْ وَعَائِلَتَهُمْ سَنَةً.

الثَّانِي: الْمَسَاكِينُ وَهُمْ الَّذِينَ يَجِدُونَ كِفَايَتَهِمْ نِصْفَ سَنَةٍ فَأَكْثَرَ، فَيُكَمِّلُ لَهُمْ نَفَقَةُ السَّنَةِ. وَإِذَا كَانَ الرَّجُلَ عِنْدَهُ مَوْرِدٌ مِنْ حِرْفَةٍ أَوْ رَاتِبٍ يَقُومُ بِكِفَايَتِهِ؛ فَإِنَّهُ لَا يُعْطَى مِنَ الزَّكَاةِ لِقَوْلِ النَّبِيِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” لَا حَظَّ فِيهَا لِغَنِيِّ وَلَا لِقَوِيِّ مُكْتَسِبٍ “. إِلَّا إِذَا كَانَتِ اِحْتِيَاجَاتُهُ أَكْثَرَ مِنْ مَدْخُولِهِ؛ فَيُعْطَى مِنْهَا.

الثَّالِث: الْعَامِلُونَ عَلَيهَا: وَهُمْ الَّذِينَ يُوَكِّلُهمْ وَلِيُّ الْأَمْرِ بِجِبَايَتِهَا مِنْ أَهْلِهَا، فَيُعْطَوْنَ مِنَ الزَّكَاةِ، يُعْطِيهُمْ الْحَاكِمُ، لَا صَاحِبُ الْمَالِ، وَلَا يَأْخُذُونَهُ بِاجْتِهَادٍ مِنْهُمْ. وَفِي هَذَا الْعَصْرِ أَصْبَحَ الْحَاكِمُ يُعْطِي لَهُمْ رَوَاتِبَ عَلَى مَدَارِ الْعَامِ. فَلَا يَجُوزُ لَهُمُ الْاِعْتِدَاءُ عَلَيْهَا بِالْأَخْذُ مِنْهَا، وَمُسَاوَمَةِ أَصْحَابِهَا.

الرَّابِعُ: الْمُؤَلَّفَةُ قُلُوبُهمْ: وَهُمْ رُؤَسَاءُ الْعَشَائِرِ الَّذِينَ لَيْسَ فِي إِيمَانِهِمْ قُوةٌ، فَيُعْطُونَ مِنَ الزَّكَاةِ لِيُقَوَّى إِيمَانُهمْ، فَيَكُونُوا دُعَاةً لِلْإِسْلَامِ.

الْخَامِسُ: الرِّقَابُ: وَيَدْخُلُ فِيهَا شِرَاءُ الرَّقِيقِ مِنَ الزَّكَاةِ وَإِعْتَاقِهِ، وَمُعَاوَنَةِ الْمُكَاتِبِينَ وَفَكِّ الْأَسْرَى مِنَ الْمُسْلِمِينَ.

السَّادِسُ: الْغَارِمُونَ: وَهُمْ الْمَدِينُونَ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُمْ مَا يُمْكِنُ أَنْ يُوفُوا مِنْهُ دُيُونَهُمْ، فَهَؤُلَاءِ يُعْطَوْنَ مَا يُوفُونَ بِهِ دُيُونَهُمْ قَلِيلَةً كَانَتْ أَمْ كَثِيرَةً وَإِنْ كَانُوا أَغْنِيَاءَ مِنْ جِهَةِ الْقُوتِ، فَإِذَا قُدِّرَ أَنَّ هُنَاكَ رَجُلاً لَهُ مَوْرِدٌ يَكْفِي لِقُوتِهِ وَقُوتِ عَائِلَتِهِ، إِلَّا أَنَّ عَلَيْهِ دَيْناً لَا يَسْتَطِيعُ وَفَاءَهُ، فَإِنَّهُ يُعْطَى مِنَ الزَّكَاةِ مَا يُوَفَّي بِهِ دَيْنَهُ، وَلَا يَجُوزُ لِلْمُقْرِضِ أَنْ يُسْقِطَ الدَّيْنَ عَنْ مَدِينِهِ الْفَقِيرِ، وَيَنْوِيهِ مِنَ زَكَاةِ الْمَالِ؛ فَهَذَا تَحَايُلٌ لِحِفْظِ مَالِهِ مِنَ الضَّيَاعِ، لَا دَفْعًا للزَّكَاةِ.

السَابِعُ: فِي سَبِيلِ اللهِ: وَهُوَ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ؛ فَيُعْطَى الْمُجَاهِدُونَ مِنَ الزَّكَاةِ مَا يَكْفِيهِمْ لِجِهَادِهِمْ، وَيَشْتَرِى مِنَ الزَّكَاةِ آَلَات لِلْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللهِ.

وَذَكَرَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ مِنْ سَبِيلِ اللهِ: يَشْمَلُ الْعَلْمُ الشَّرْعِي، فَيُعْطَى طَالِبُ الْعِلْمِ الشَّرْعِي، مَا يَتَمَكَّنُ بِهِ مِنْ طَلَبِ الْعِلْمِ وَالتَّفَرُّغِ لَهُ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ مَالٌ يُمْكِنُهُ مِنْ تَحْصِيلِ ذَلِكَ بِهِ.

الثَّامِنُ: ابْنُ السَّبِيلِ: وَهُوَ الْمُسَافِرُ الَّذِي انْقَطَعَ بِهِ السَّفَرُ؛ فَيُعْطَى مِنَ الزَّكَاةِ مَا يُوصِلُهُ لِبَلَدِه.

فَهَؤُلَاءِ هُمْ أَهْلُ الزَّكَاةِ الَّذِينَ ذَكَرَهُمْ اللهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ، وَأَخْبَرَ بِأَنَّ ذَلِكَ فَرِيضَةً مِنْهُ صَاِدرَةً عَنْ عِلْمٍ وَحِكْمَةٍ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ وَلَا يَجُوزُ صَرْفُهَا فِي غَيْرِهَا كَبِنَاءِ الْمَسَاجِدِ؛ لِأَنَّ اللهَ ذَكَرَ مُسْتَحِقِّيهَا عَلَى سَبِيلِ الْحَصْرِ، وَالْحَصْرُ يُفِيدُ نَفِيَ الْحُكْمِ عَنْ غَيْرِ الْمَحْصُورِ فِيهِ وَإِذَا تَأَمَلْنَا هَذِهِ الْجِهَاتِ عَرَفْنَا أَنَّ مِنْهُمْ مَنْ يَحْتَاجُ إِلَى الزَّكَاةِ بِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَحْتَاجُ الْمُسْلِمُونَ إِلَيْهِ، وَلَمْ يَتْرُكْ للنَّاسِ تَحْدِيدَ أَصْنَافِهَا؛ بَلْ هُوَ أَعْظَمُ مُوَجهٍ لِلْخَيْرِ، وَمُصْلِحٍ لِلْأُمَمِ.خطبة دينية عن الزكاة

أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبً فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.

الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ

الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى عِظَمِ نِعَمِهِ وَاِمْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَحْدَهُ لَا شريكَ لَهُ، تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ، وَأَشَهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدَهُ وَرَسُولُهُ، وَخَلِيلَهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمَاً كَثِيرَاً. أمَّا بَعْدُ:

فَاتَّقُوا اللهَ – عِبَادَ اللهِ- حَقَّ التَّقْوَى، وَاِسْتَمْسِكُوا مِنَ الْإِسْلَامِ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى، وَاِعْلَمُوا أَنَّ أَجْسَادَكُمْ عَلَى النَّارِ لَا تَقْوَى.

عِبَادَ اللهِ، فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ يَخْرُجُ جُبَاةُ الزَّكَاةِ، الَّذِينَ وَكَّلَهُمْ وَلِيُّ الْأَمْرِ؛ لِإِحْصَاءِ زَكَاةِ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ: الْإِبِلِ، وَالْبَقَرِ، وَالْغَنَمِ. حَيْثُ تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي السَّائِمَةِ مِنْهَا، الَّتِي تَرْعَى مِنَ الْأَرْضِ، وَهِيَ وَاجِبَةٌ فِي كُلِّ مَا اُتُّخِذَ للدَّرِّ وَالنَّسْلِ؛ حَيْثُ أَوْجَبَ الرَّسُولُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، الزكاة في السائمة؛ بقوله، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (وَفِي صَدَقَةِ الغَنَمِ فِي سَائِمَتِهَا، إِذَا كَانَتْ أَرْبَعِينَ إِلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ؛ شَاةٌ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وَأَمَّا الَّتِي يَعْلِفُهَا صَاحِبُهَا، وَيُنْفِقُ عَلَيْهَا أَكْثَرَ الْحَوْلِ؛ فَلَا زَكَاةَ فِيهَا عِنْدَ جَمَاهِيرِ أَهْلِ الْعِلْمِ. أَمَّا بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ الَّتِي تُعَدُّ للتِّجَارَةِ؛ لِبَيْعِهَا أَوْ ذَبْحِهَا؛ فَإِنَّهَا تُزَكَّى زَكَاةَ عُرُوضِ التِّجَارَةِ. وَعَلَى الْجَابِي أَلَّا يَأْخُذَ فِي الصَّدَقَةِ: الْهَرِمَةَ، وَلَا الْعَوْرَاءَ، وَلَا الدَّرِنَةَ الْجَرْبَاءَ، وَلَا الْمَرِيضَةَ، وَلَا الْمُسِنَّةَ؛ وَلَا يَأْخُذْ تَيْسَ الْغَنَمِ؛ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ صَاحِبُ الْمَالِ، وَلَا يَأْخُذَ كَرَائِمَ الْأَمْوَالِ، وَلَا خِيَارِهَا؛ لِقَوْلِهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،: (فَإِيَّاكَ وَكَرَائِمَ أَمْوَالِهِمْ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ؛ وَإِنَّمَا يَأْخُذُ مِنْ أَوْسَطِ الْأَمْوَالِ. كَذَلِكَ عَلَى أَرْبَابِ الْأَمْوَالِ الْحَذَرُ مِنْ حِيَلِ التَّجْمِيعِ وَالتَّفْرِيقِ؛ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَلاَ يُجْمَعُ بَيْنَ مُتَفَرِّقٍ، وَلاَ يُفَرَّقُ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ خَشْيَةَ الصَّدَقَةِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

فَإِنَّ هُنَاكَ مَنْ يَحْتَالُ؛ فَيَكُونُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَرْبَعُونَ شَاةً؛ فَيَجْمَعُونَهَا لِتُصْبِحَ مَائَةً وَعِشْرِينَ؛ فَلَا تَجِبُ عَلَيْهِمْ إِلَّا شَاةٌ وَاحِدَةٌ، وَلَوْ كَانَتْ مُتَفَرِّقَةً لَأَصْبَحَ عَلَى كُلِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ شَاةٌ، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الْحِيَلِ. فَهَذِهِ لَا تَبْرَؤُ بِهَا الذِّمَّةُ؛ فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا شَاةٌ؛ فَالتَّجْمِيعُ بِقَصْدِ الْاحْتِيَالِ مُحَرَّمٌ. كَذَلِكَ لَا يُفَرَّقُ بَينَ مُجْتَمِعٍ، وَمِثَالُ ذَلِكَ: أَنْ يَشْتَرِكَ اثْنَانِ فِي حَوْشٍ وَمَرْعًى لِكُلِّ وَاحِدٍ مُنهُمَا عِشْرُونَ شَاةً، وَحِينَمَا يَأْتِي الْجُبَاةُ؛ يُفَرِّقُونَهَا هُرُوبًا مِنَ الزَّكَاةِ، فَهَذَا لَا تَبْرَؤُ بِهِ الذِّمَّةُ.

فَعَلَى النَّاسِ أَنْ يَتَعَاوَنُوا مَعَ هَؤُلَاءِ الْجُبَاةِ، وَيَصْدُقُوا مَعَهُمْ؛ فَهُمْ لَا يَأْخُذُونَهَا لِأَنْفُسِهِمْ، وَلَمْ يَأْتُوا مِنْ تِلْقَاءِ أَنْفُسِهِمْ؛ إِنَّمَا يَأْخُذُونَهَا لِبَيْتِ الْمَالِ، بَأَمْرٍ مِنْ وَلِيِّ الْأَمْرِ، فَعَلَيْهِ أَنْ لا يَحْتَالَ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ، فَإِنَّ الَذِّي فَرَضَ عَلَيْكَ الْزَكَاةَ هُوَ الَذِّي أَوْجَبَ عَلَى وَلِيِّ الأَمْرِ أَنْ يَكُوْنَ مَسْؤُولاً عنْهَا، فَعَلَى الْمُسْلِمِ أَنْ يتَعَاوَنَ مَعْ الْجِهَاتِ المَسْؤُولَةِ لِجِبَايَةِ الْزَكَاة، فَهُم الْمَسْؤُولُونَ أمَامَ اللهِ عَنْهَا، وَأَنْتَ تُبَرِّئ ذِمَتِكَ بِتَسْلِيْمِك لَهُمْ. خطبة دينية عن الزكاة

عِبَادَ الله: إِنَّ صَرْفِ الْزَّكَاة للْهَيْئَةِ العَامَةِ لِلْزَّكَاةِ وَالدَّخْل سَوَاء كَانَ الْشَخْصُ مِمَّنْ تَأْتِيْهِ الْسُّعَاة لِكَوْنِهِ صَاحِبُ سِجِلٍ تِجَارِي أَوْ نَحْوِهِ، أَوْ مِمَّنْ لاَ تَأْتِيْهِ، وَإِنَّمَا ذَهَبَ بِنَفْسِهِ وَبَذَلَها إِلَيْه اخْتِيَارَاً مِنَ الأُمُوْرِ الْمَشْرُوْعَةِ الْمَنْدُوْبَة،ِ وَقَدْ تَكُون وَاجِبَة. قَالَ الإِمَامُ أَحْمَد: ” أَمَّا صَدَقَةُ الأَرْضِ فَيُعْجِبُنِي دَفْعُهَا إِلَى السُّلْطَان ” وهَذَا يُفِيْدُ أنَّ الأَفْضَلَ بَذْلُ الْزَّكَاة لِلْجِهَاتِ الْرَسْمِيَّة، وَهُوَ الْمُسَمَّى بِالأَحَادِيْث ” بِالْسَّاعِي ” وَحِكْمَةُ اسْتِحْبَاب بَذَلهَا لَه، مَا ذَكَرَو الْفُقَهَاء: أَنَّهُ يَكُوْن أَعْلَمُ بمَصَارِفِهَا فِقْهَاً وَحَالاً، فَيَكُوْنُ مُطَلِعَاً عَلَى حَالِ المُتَعَفِفِ الّذِي يَطْلُبُ حَاجَتَهُ مِنْ الْجِهَاتِ الرَّسْمِيَّةِ، وَلاَ يَطْلُبُهَا مِنْ الأَفرَادِ، وَلأَنَّهُ يَخْرُجُ مِنَ الْخِلاَف وَتزُوْلُ عَنْهُ التُهْمَة.

وقَدْ ذَكَرُوا أَنَّ مَنْ دَفَع الْزَّكَاة للْسَّاعِي وَالجِهَاتِ الرَسْمِيَّة، بُرِئَتْ ذِمَتُهُ ظَاهِراً وَباطِنا.ً قَالَ إِبْراهِيم النَّخْعِي: ” ضعُوْهَا فِي مَوَاضعِها فَإِنْ أَخذَهَا الْسُّلْطَان أَجْزَأَك ” كَيْفَ وَأنَّ اللهَ قَد وَفَقَ القَائمِيْنَ علَى مَصلَحَةِ الزَّكَاة بِصَرْفِ جَمِيْعِ مَداخِيْلهَا مِنَ الزَّكَاةِ لِمَنْ انْطَبَقَ علَيْهِم أَوصَاف أهْلِ الزَّكَاةِ مِنْ مُسْتَحِقِي الضَّمَان الاجْتِمَاعِي، إِذْ الزَّكَاة الَّتِي تَجْمَعُها الْمَصْلَحَة تُصْرَف كُلهَا.

الَّلهُمَّ احْمِ بِلَادَنَا وَسَائِرَ بِلَادِ الإِسْلَامِ مِنَ الفِتَنِ, وَالمِحَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَن، الَّلهُمَّ وَفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنَا, لِمَا تُحِبُ وَتَرْضَى، وَخُذْ بِنَاصِيَتِهِ لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى، الَّلهُمَّ اجْعَلْهُ سِلْمًا لِأْوْلِيَائِكَ، حَرْباً عَلَى أَعْدَائِكَ، الَّلهُم ارْفَعْ رَايَةَ السُّنَّةِ، وَأَقْمَعْ رَايَةَ البِدْعَةِ، الَّلهُمَّ احْقِنْ دِمَاءَ أَهْلِ الإِسْلَامِ فِي كُلِّ مَكَانٍ، «اللهُمَّ أَصْلِحْ لَنَا دِينَنَا الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا دُنْيَانَا الَّتِي فِيهَا مَعَاشُنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا آخِرَتَنَا الَّتِي فِيهَا مَعَادُنَا، وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لَنَا فِي كُلِّ خَيْرٍ، وَاجْعَلِ الْمَوْتَ رَاحَةً لَنَا مِنْ كُلِّ شَرٍّ». اللهُمَّ أَكْثِرْ أَمْوَالَ مَنْ حَضَرَ، وَأَوْلَادَهُمْ، وَأَطِلْ عَلَى الْخَيْرِ أَعْمَارَهُمْ، وَأَدْخِلْهُمُ الْجَنَّةَ. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ العزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ، وَسَلَامٌ عَلَى المُرْسَلِينَ، وَالحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ.

وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ…