يقدم لكم موقع إقرأ في هذا المقال خطبة دينية عن الحب ، و خطبة عن الحب في الله ، و خطبة عن الحب في الإسلام ، و خطبة عن الحب بين المسلمين ،الحبّ في الله يعني أنْ تكون محبوبات المسلم طاعةً لله -تعالى-؛ فيحبّ الآخر لأنّه رأى فيه من الخير والتقوى ومظاهر الإيمان ما يُحبّه الله -عزّ وجلّ-، وإن رأى من مسلم معصية أو ذنباً كره ذلك فيه، ويكره المسلم الآثام والشرّ؛ وذلك من أجل الله -تعالى-؛ إذ إنّ المعيار الذي يتّبعه المسلم في الحبّ والبغض هو مرضاة الله -تعالى-، كمَن يُحبّ مُعلّمه؛ لأنّه باب تحصيل العلم والمعرفة لديه، فيكون السبيل والطريق إلى تحقيق مرضاة الله -تعالى-، ثمّ حُسن الجزاء في الآخرة، ومن الممكن أن تجتمع في المرء المعصية والخير؛ فيُبغض المسلم الشرّ فيه؛ لأنّه معصية لله -تعالى-، ويُحبّ ما عنده من خير، ومفهوم الحبّ هذا هو ما يُعرَف ب(الولاء والبَراء)؛ ويُقصَد بالولاء: الحبّ في الله -تعالى- ولأجله، أمّا البراء، فهو: بُغض الشرّ والمعصية؛ لأجل الله -تعالى- أيضاً. فيما يلي سنعرض خطبة دينية عن الحب.

خطبة دينية عن الحب

خطبة دينية عن الحب
خطبة دينية عن الحب

خطبة دينية عن الحب

خطبة دينية عن الحب ، الخطبة الأولى

خطبة دينية عن الحب ، عباد الله، كل إنسان تجري فيه صفات كثيرة، بطبيعته البشرية، كالحب، والبغض، والرضا، والكره، والفرح، والشدة، والحزن، وغيرها. ومن بين هذه الصفات اسم جميل وأمر ذو معانٍ عظيمة متى وضع في محله الصحيح كان سعادة حقيقية إنه الحب، الذي يسمو بالنفس ويحلق بها في فضاء من السعادة والجمال، ولهذا الحب صورٌ عديدة، أعظمها حب الله جل وعلا، قال تعالى ﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ ﴾ [البقرة: 165]، ثم حب رسوله صلى الله عليه وسلم وما جاء به من شريعة وسنة، وهو القائل عليه الصلاة والسلام: “لا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَلَدِهِ وَوَالِدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ” رواه البخاري ومسلم واللفظ لمسلم، وحب الله وحب رسوله صلى الله عليه وسلم وحب دين الإسلام وشرائعه وهديه يتبعها حب صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم و – صلى الله عليه وسلم – وحب المؤمنين على مر أزمانهم وبلدانهم قال تعالى: ﴿ وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ﴾ [التوبة: 71].

وحديثي معكم أيها الإخوة الكرام هذا اليوم عن المحبة التي تكون فيما بين الناس في حياتهم.

1- محبة من أعظم الله شأنهم لنا من أقاربنا؛ وأوجب لهم أعظم البر والصلة:

أعني الوالدين اللذين قرن الله حقهما بحقه سبحانه، فالوالدان حبُّهما يأتي من عظيم فضلهما وحقهما، فهما سببا وجودك؛ وهما من قاما على شؤونك منذ كنت حملا في بطن أمك، ويتبع حقَّ الوالدين وحبَّهما حقُّ الأرحام وهم الذين لك بهم صلة عن طريقهما، فقد أمر الله بوصلهم وبرهم ووعد بعظيم الأجر في بذلك، وتوعد من لم يقم بذلك بالإثم العظيم.

2- محبة الزوجة:

قال الله ممتناً على الأزواج: ﴿ وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً ﴾ [الروم: 21]، سئل الرسول صلى الله عليه وسلم : أي النَّاسِ أحبّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: “عائشة” قيل: مِن الرجال؟ قال: أبوها. رواه البخاري ومسلم. وثبت عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ – رضي الله عنه – أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” لا يَفْرَكْ (يعني: لا يبغض) مؤمن مؤمنة، إنْ كرِه مِنْهَا خُلُقاً رَضِيَ منها آخر ” رواه مسلم، وهذا توجيه نبوي بمحبة الزوجة وترك بغضها.

3- محبة الأصحاب:

كلٌّ يحب أصحابه، وإلا لما استمر في صحبتهم، وقد تكون هذه المحبة سببا في الألفة والخير؛ وقد تكون وبالا على المحب إن لم تكن في محلها، إلا أنه ولا شك أن الأصحاب الصالحين هم الأحق بهذه المحبة لأن محبتهم تكون خالصة لله، ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم كان يحب أصحابه – رضي الله عنهم – ويعلن ذلك ويخبرهم.. ولا يوجد دين يحث أبناءه على التحابب والمودة كدين الإسلام؛ ولهذا حث النبي صلى الله عليه وسلم على الإخبار بمشاعر الحب؛ لأن هذا يقويه ويفضي إلى شيوع الألفة بيننا. قال النبي صلى الله عليه وسلم : “إذا أحب الرجل أخاه فليخبره أنه يحبه” رواه أبو داود وصححه الألباني.

ومحبة الأصحاب في الله جل وعلا سبب لنيل محبة الله، وهي من علامات صدق الإيمان، وبها يجد المؤمن حلاوة الإيمان، قال النبي صلى الله عليه وسلم : ” أوثق عرى الإيمان: الموالاة في الله والمعاداة في الله، والحب في الله والبغض في الله” رواه الطبراني وصححه الألباني. وعن أنس بن مالك – رضي الله عنه -، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار” رواه البخاري.

والحب في الله سبيل للجنة: قال نبينا صلى الله عليه وسلم: ” والذي نفسي بيده، لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم” رواه مسلم.

4- محبة الأقارب والعشيرة والأموال:

قال تعالى: ﴿ قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ﴾ [التوبة: 24]. ولم يلم الله تعالى على حب هذه المذكورات؛ فإن حبها مغروز في نفوسنا، وإنما كان اللوم على تقديم حبها على حب الله ورسوله وشرعه والجهاد في سبيله.

5- حب الأوطان:

حب الوطن فطري؛ فديار ولد فيها ونشأ وأكل وشرب وتعلم سيكون لها الحب والحنين؛ وسيبقى إن لم تنتكس الفطرة، كيف إذا كان الوطن بلادَ الحرمين، كيف إذا كان مكة، قال النبي صلى الله عليه وسلم لمكة: ” ما أطيبَك من بلد! وأحبَّك إلي! ولولا أن قومي أخرجوني منك ما سكنت غيرك” رواه الترمذي وصححه الألباني. حفظ الله بلادنا وبلاد المسلمين وبارك فيها وجعلها آمنة وعامرة بالمؤمنين.

أقول ما سمعتم، وأستغفر الله….

خطبة دينية عن الحب ، الخطبة الثانية

6- حب الرجل لامرأة لم يتزوجْها:

الحالة الأولى: كمن سمع بامرأة أو رآها فجأة فتعلَّق بها قلبه ولم يكن له في ذلك كسب ولم يسع إليه، فهذا لا يُلام عليه لأن الله سبحانه إنما يحاسب الإنسان على كسبه وإرادته وعمله الداخل تحت إرادته، فإن اتقى المحبُّ ربَّه وغض بصره، ولم يتعد دائرة الإعجاب ولم يسع ‏إلى محرَّم، كخلوة ومجالسة ومحادثة، أو الانشغال عن واجبات فإنه ‏معذور حتى يجد سبيلاً إلى الزواج بها، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (لم يُرَ للمتاحبَّين مثل النكاح) رواه ابن ماجه وصححه الألباني، فإن تعذَّر عليه نكاحُها صرف قلبَه عنها؛ حتى لا يقع فيما يغضب الله تعالى.

الحالة الثانية: أن يقع في الحب باختياره وسعيه، كحال من يتساهل في النظر إلى النساء، والحديث معهن ومراسلتهن، وغير ذلك من أسباب الفتنة، أو وقع بغير اختياره ولكنه لم يتق الله ولم يراع حدوده، بل استرسل في النظر إليها، ومحادثتها، ونحو ذلك. أو أحب امرأة متزوجة، أو أحب من يستحيل أن يتزوجها للفوارق الاجتماعية بينهما وغير ذلك من الأسباب؛ فلا ريب أن ذلك الحب في تلك الحال لا يبيحه الإسلام ولو كان في النية إتمامُه بالزواج.

فالنظر المحرم، والخلوة المحرمة، والمواعدة الآثمة لا تبيحها نية الزواج، فليس في الإسلام ما يعرف بالتعارف والصداقة بين الجنسين قبل الزواج.

أما من تمكَّن الحب من قلبه حتى انقلب إلى عشق فعندها يجب العلاج، ومن الطرق العلاجية:

1- الزواج – إن كان ممكناً – وهو أصل العلاج ‏وأنفعه.‏

2- إشعار نفسه باليأس منه – إن لم يستطع الزواج – فإن النفس متى يئست من الشيء استراحت ولم تلتفت إليه. ‏

3- النظر إلى ما تجلب إليه هذه ‏الشهوة من مفاسد وما تمنعه من مصالح، فإنها أجلب شيء لمفاسد الدنيا، وأعظم ‏شيء تعطيلاً لمصالحها، فإنها تحول بين العبد وبين رشده الذي هو ملاك أمره، وقوام ‏مصالحه.‏‏

4- فإن عجزت عنه هذه الأدوية كلها لم يبق له إلا ‏صدق اللجأ إلى الله أن يصرف ذلك عنه.

7- الحب بين الجنس الواحد الذي يصل إلى العشق:

وهذا مما وجب التنبيه عليه لما نسمع عنه في دور التعليم وغيرها من انحراف وانتكاس في الفطرة بين بعض الشباب وبعض الفتيات؛ من الحب والتعلق والعشق بين أفراد الجنس الواحد؛ ليتحول إلى تصرفات لفظية وربما عملية، فهذا لا شك من أعظم البلايا والمنكرات؛ لأنه حرام ونتائجه الحرام، ولابد لمن وقع في ذلك أن يبادر بإنقاذ نفسه من هذه الهاوية؛ والمسارعة إلى البعد عن كل ما ينميها؛ وأن يحرص على قتلها في مهدها قبل أن تستولي عليه، وتجعله يغوص في مستنقعاتها؛ وتقتله شر قِتلة.

اللهم احفظنا وشبابنا وبناتنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن.

اللهم ارزقنا جميعا العفة والطهر، واغننا بحلالك عن حرامك، وبطاعتك عن معصيتك، وبفضلك عمن سواك.

اللهم ارزقنا صدق محبتك، وارزقنا محبة العمل الذي يقربنا من حبك.

اللهم إنا نسألك حبك؛ وحب من يحبك؛ وحب العمل الذي يقربنا من حبك.

اللهم ألف بين قلوب المسلمين وأصلح ذات بينهم واهدهم سبل السلام وجنبهم الفواحش والآثام.

ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما.

خطبة عن الحب في الله

خطبة دينية عن الحب ، الخطبة الأولى:

إنِ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آلِ عِمْرَانَ: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النِّسَاءِ: 1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 70-71].

أما بعد:

فحديثُنا اليومَ عن “الحُبِّ”، نعم الحبُّ، ولكنَّه الحبُّ الحقيقيُّ، الحبُّ النَّابعُ عن حبِّ اللهِ -تعالى- وحبِّ نبيِّه -صلى اللهُ عليهِ وسلمَ-، هل صادفتَ يوماً رجُلاً ليسَ بأخٍّ لكَ أو صديقٍ لا تعرفُه وقد تكونُ لم ترَه من قبلُ، فإذا بقلبِك يميلُ إليه مَيلاً، وإذا بمشاعرِكَ تنجذبُ إليه انجذاباً، فلا تعرفُ لهذهِ المودةِ سبباً، ولا تجدُ لهذه المحبةِ تفسيراً؟ إنَّه الحبُّ في اللهِ الذي جعلَه اللهُ -تعالى- بينَ عبادِه المؤمنينَ، قَالَ تعالى: (وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَّا أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)[الأنفال: 63] قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: “هُمْ الْمُتَحَابُّونَ فِي اللَّهِ”.

عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ الْخَوْلانِيِّ -رَحِمَهُ اللهُ- قَالَ: دَخَلْتُ مَسْجِدَ دِمَشْقِ الشَّامِ، فَإِذَا أَنَا بِفَتًى بَرَّاقِ الثَّنَايَا، وَإِذَا النَّاسُ حَوْلَهُ، إِذَا اخْتَلَفُوا فِي شَيْءٍ أَسْنَدُوهُ إِلَيْهِ وَصَدَرُوا عَنْ رَأْيِهِ، فَسَأَلْتُ عَنْهُ، فَقِيلَ: هَذَا مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ هَجَّرْتُ (أَيْ: بَكَّرْتُ) فَوَجَدْتُ قَدْ سَبَقَنِي بِالتَّهْجِيرِ، وَوَجَدْتُهُ يُصَلِّي فَانْتَظَرْتُهُ، حَتَّى إِذَا قَضَى صَلاتَهُ جِئْتُهُ مِنْ قِبَلِ وَجْهِهِ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَقُلْتُ لَهُ: وَاللَّهِ إِنِّي لأحِبُّكَ لِلَّهِ -عَزَّ وجَلَّ-، فَقَالَ: آللَّهِ؟ فَقُلْتُ: آللَّهِ، فَقَالَ: آللَّهِ؟ فَقُلْتُ: آللَّهِ، فَأَخَذَ بِحُبْوَةِ رِدَائِي فَجَبَذَنِي إِلَيْهِ، وَقَالَ: أَبْشِرْ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللهُ عليهِ وسلمَ- يَقُولُ: “قَالَ اللَّهُ -عَزَّ وجَلَّ-: وَجَبَتْ مَحَبَّتِي لِلْمُتَحَابِّينَ فِيَّ، وَالْمُتَجَالِسِينَ فِيَّ، وَالْمُتَزَاوِرِينَ فِيَّ، وَالْمُتَبَاذِلِينَ فِيَّ“.

اللهُ أكبرُ! أتعلمونَ لماذا وجبتْ محبةُ اللهِ -تعالى- لهؤلاءِ المُتحابِّينَ؟

لأنَّ المرءَ لا يُمكنُ أن يُحبَّ في اللهِ، إلا بعدَ أن يمتلئ قلبُه بمحبةِ اللهِ، فعِندها لا يُحبُّ إلا ما يُحبُّه اللهُ، ولا يُبغضُ إلا ما يُبغضُه اللهُ، وهي علامةُ تَمامِ الإيمانِ؛ كما في حديثِ أَبِي أُمَامَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللهُ عليهِ وسلمَ- أَنَّهُ قَالَ: “مَنْ أَحَبَّ لِلَّهِ وَأَبْغَضَ لِلَّهِ، وَأَعْطَى لِلَّهِ وَمَنَعَ لِلَّهِ، فَقَدْ اسْتَكْمَلَ الإيمَانَ”.

وَأَحْبِبْ لِحُبِّ اللهِ مَنْ كَانَ مُؤْمِنًا *** وَأَبْغِضْ لِبُغْضِ اللهِ أَهْلَ التَّمَرُّدِ

وَمَا الدِّينُ إلاَّ الْحُبُّ وَالْبُغْضُ وَالْوَلاء *** كَذَاكَ الْبَرَاء مِنْ كُلِّ غَاوٍ وَمُعْتَدِي

ولهذه المنزلةِ العظيمةِ أحبَّ رسولُ اللهِ -تعالى- في اللهِ؛ كما قالَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: “أَخَذَ بِيَدِي رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللهُ عليهِ وسلمَ- فَقَالَ: “إِنِّي لأحِبُّكَ يَا مُعَاذُ” فَقُلْتُ: وَأَنَا أُحِبُّكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللهُ عليهِ وسلمَ-: “فَلا تَدَعْ أَنْ تَقُولَ فِي كُلِّ صَلاةٍ: رَبِّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ، وَشُكْرِكَ، وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ”، فهنيئاً لمعاذٍ هذه المنزلةُ! وهذا هو قدوتُنا وإمامُنا يُحبُّ في اللهِ! ويُخبرُ من يحبُّه بحُبِّهِ. فلماذا نكتمُ مشاعرَنا؟ ولماذا لا نُفرحُ أحبابَنا؟ ولماذا لا نُشيعُ المحبةَ بينَنا؟

أيُّها الأحبَّةُ: لماذا لا نُخبرُ من نُحبُّه في اللهِ أنَّنا نُحبُّه في اللهِ؟ عَنْ أَنَسٍ بْنِ مَالِكٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ رَجُلاً كَانَ عِنْدَ النَّبِيِّ -صلى اللهُ عليهِ وسلمَ-، فَمَرَّ بِهِ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّ هَذَا؟ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ -صلى اللهُ عليهِ وسلمَ-: “أَعْلَمْتَهُ؟” قَالَ: لَا، قَالَ: “أَعْلِمْهُ” قَالَ: فَلَحِقَهُ، فَقَالَ: إِنِّي أُحِبُّكَ فِي اللَّهِ، فَقَالَ: أَحَبَّكَ الَّذِي أَحْبَبْتَنِي لَهُ”، فتخيلوا ما هو أثرُ هذه الكلماتِ على الرَّجلِ، وكيفَ ستقوى المودةُ، وتزدادُ المحبةُ، وتحلو الحياةُ.

ما أجملَها من ساعاتٍ عندما تجتمعُ بالأحبابِ في اللهِ، فتنسى معَهم همومَ الدُّنيا، ومتاعبَ الحياةِ، لا يجمعُكم إلا حبُّ اللهِ -تعالى- وذِكرُه، والتَّواصي بالحقِّ والتَّواصي بالصَّبرِ، حينَها تتنزَّلُ عليكم السَّكينةُ، وتغشاكم الرَّحمةُ، وتحفُّكم الملائكةُ، في لحظاتٍ تمتلئُ بالصَّفاءِ، مغمورةٌ بالنَّقاءِ، هي -واللهِ- لحظاتٌ من نعيمِ الجنَّةِ، كما وصفَ اللهُ -تعالى- أهلَها بقولِه: (وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ)[الحجر: 47].

ولذلكَ كانَ الطريقُ إليهم هو طريقٌ إلى الجنَّةِ؛ كما قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللهُ عليهِ وسلمَ-: “مَنْ عَادَ مَرِيضًا أَوْ زَارَ أَخًا لَهُ فِي اللَّهِ نَادَاهُ مُنَادٍ: أَنْ طِبْتَ وَطَابَ مَمْشَاكَ، وَتَبَوَّأْتَ مِنْ الْجَنَّةِ مَنْزِلا”.

يومَ القيامةِ سيُنادي اللهُ -تعالى- أُناساً أمامَ الخلائقِ، فمن هم؟ وماذا سيَفعلُ بهم؟ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى اللهُ عليهِ وسلمَ-: “إِنَّ اللهَ يَقُولُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: “أَيْنَ الْمُتَحَابُّونَ بِجَلَالِي الْيَوْمَ أُظِلُّهُمْ فِي ظِلِّي يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلِّي”.

فيا اللهَ! تخيِّلْ ذلكَ الموقفَ وأنتَ تُمسكُ حبيبَكَ بيدِه، وتذهبُ معهُ إلى ظلِّ اللهِ -تعالى- الظَّليلِ! هروباً من شمسٍ قد دَنتْ من الخلائقِ قدرَ مِيلٍ! موقفٌ عظيمٌ! ومقامٌ كريمٌ! يغبطهم عليه أهلُ الموقفِ جميعاً؛ كما في حديثِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صلى اللهُ عليهِ وسلمَ-: “إِنَّ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ لأنَاسًا مَا هُمْ بِأَنْبِيَاءَ وَلا شُهَدَاءَ، يَغْبِطُهُمْ الأنْبِيَاءُ وَالشُّهَدَاءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِمَكَانِهِمْ مِنْ اللَّهِ -تعالى-” قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ تُخْبِرُنَا مَنْ هُمْ؟ قَالَ: “هُمْ قَوْمٌ تَحَابُّوا بِرُوحِ اللَّهِ عَلَى غَيْرِ أَرْحَامٍ بَيْنَهُمْ، وَلا أَمْوَالٍ يَتَعَاطَوْنَهَا، فَوَ اللَّهِ إِنَّ وُجُوهَهُمْ لَنُورٌ، وَإِنَّهُمْ عَلَى نُورٍ، لا يَخَافُونَ إِذَا خَافَ النَّاسُ، وَلا يَحْزَنُونَ إِذَا حَزِنَ النَّاسُ، وَقَرَأَ هَذِهِ الآيَةَ: (أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ)[يونس: 62].

فماذا ننتظرُ؟

يجبُ علينا أن نبحثَ عن شَخصٍ نُحبُّه في اللهِ -تعالى-؛ لا نُحبُّه إلا للهِ، حتى ولو كانَ فينا شيءٌ من التَّفريطِ والتَّقصيرِ؛ كما قِيلَ:

أُحِبُّ الصَّالِحِينَ وَلَسْت مِنْهُمْ *** لَعَلِّي أَنْ أَنَالَ بِهِمْ شَفَاعَهْ

وَأَكْرَهُ مَنْ تِجَارَتُهُ الْمَعَاصِي *** وَإِنْ كُنَّا سَوَاءً فِي الْبِضَاعَهْ

اذهبْ إلى زيارتِهم، وأنتَ لا تريدُ منهم شيئاً من حُطامِ الدُّنيا، وإنما تُريدُ محبةَ اللهِ -تعالى-؛ كما جاءَ عَن أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- عَن النَّبِيِّ -صلى اللهُ عليهِ وسلمَ-: “أَنَّ رَجُلا زَارَ أَخًا لَهُ فِي قَرْيَةٍ أُخْرَى، فَأَرْصَدَ اللَّهُ لَهُ عَلَى مَدْرَجَتِهِ (أَيْ: عَلَى طَرِيقِهِ) مَلَكًا، فَلَمَّا أَتَى عَلَيْهِ”، قَالَ: أَيْنَ تُرِيدُ؟ قَالَ: أُرِيدُ أَخًا لِي فِي هَذِهِ الْقَرْيَةِ، قَالَ: “هَلْ لَكَ عَلَيْهِ مِنْ نِعْمَةٍ تَرُبُّهَا؟” قَالَ: لا، غَيْرَ أَنِّي أَحْبَبْتُهُ فِي اللَّهِ -عز وجل-، قَالَ: “فَإِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكَ، بِأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَبَّكَ كَمَا أَحْبَبْتَهُ فِيهِ”، يقولُ ابنُ الجَوزيِّ -رَحمَه اللهُ-: “وَفِي هَذَا الحَدِيثِ فَضلُ زِيَارَةِ الإخوانِ، وَهَذَا أَمرٌ بَقِيَ اسْمُه، وَذَهبَ رسمُه، فَإِنَّ الإخوانَ فِي اللهِ -عَزَّ وَجلَّ- أَعزُّ من الكِبريتِ الْأَحْمَرِ”.

فيا أيُّها المُباركُ: إن كانَ لكَ أخاً في اللهِ -تعالى- يُحبُّكَ وينصحُ لك، فاشدُد عليه، وحافظْ عليه، وكنْ له خيرَ أخٍ في اللهِ، فهذه نعمةٌ من اللهِ -تعالى- في الدُّنيا والآخرةِ: (الْأَخِلَّاء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ)[الزخرف: 67].

مَا ذَاقَتِ النَّفْسُ عَلَى شَهْوَةٍ *** أَلَذُّ مِنْ حُبِّ صَدِيقٍ أَمِينِ

مَنْ فَاتَهُ وُدُّ أَخٍ صَالِحٍ *** فَذَلِكَ الْمَغْبُونُ حَقُّ الْيَقِينِ

باركَ اللهُ لي ولكم في القرآنِ العظيمِ، ونفعنا بالآياتِ والذكرِ الحكيمِ.

أقولُ قولي هذا، وأستغفرُ اللهَ لي ولكم ولجميعِ المسلمينَ من كلِّ ذَنبٍ، فاستغفروه إنَّه هو الغفورُ الرحيمُ.

خطبة دينية عن الحب ، الخطبة الثانية:

الحمدُ للهِ الذي يَسرَ لعبادِه سُبلَ محبتِه، ودعاهم بفضلِه وكرمِه إلى كسبِ مودتِه، أحمدُه سبحانَه وأشكرُه على ما تَفضلَ به على عبادِه من واسعِ رحمتِه، وعظيمِ نعمتِه ومنتِه. وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له. وأَشهدُ أن محمداً عبدُ اللهِ ورسولُه صلى اللهُ عليه وعلى آلِه وصحابتِه.

أما بَعدُ:

مَن مِنكم -أيُّها الأحبَّةُ- ذاقَ طعمَ حلاوةٍ في قلبِه؟

سُبحانَ اللهِ! طعمٌ! وحلاوةٌ! وفي القلبِ!؟

نعم، إنَّها حلاوةُ الإيمانِ، يقولُ ابنُ رجبٍ -رحمَهُ اللهُ-: “الإيمانُ له حَلاوةٌ وطَعمٌ يُذاقُ بالقُلوبِ، كَما يُذاقُ حَلاوةُ الطَّعامِ والشَّرابِ بالفَمِّ”، ومِصداقُ ذلكَ ما جاءَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- عَنْ النَّبِيِّ -صلى اللهُ عليهِ وسلمَ- قَالَ: “ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ، وَجَدَ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ: أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ”.

فيا أيُّها الأحبَّةُ: وأنا انطلاقاً من قولِه تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ)[الحجرات: 10]، وانطلاقاً من قَولِ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللهُ عليهِ وسلمَ-: “وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لا تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا، وَلا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا”، فأنا أُعلنُ لكم من هذا المنبرِ: أنِّي أحبُّكم في اللهِ -تعالى-، وأحبُّ كلَ مؤمنٍ في الأرضِ، سواءٌ كانَ موجوداً أو مَيتاً أو لم يُخلقْ بعدُ؛ كما قالَ القائلُ:

يا أخي المُسلمُ في كلِّ مَكانٍ وبَلدٍ *** أَنتَ مِني وأنا مِنكَ كرُوحٍ في جَسدٍ

اللهمَّ اجعلنا من المتحابينَ فيك، وارزقنا حبَّك وحبَّ من يحبُك.

اللهم حببْ إلينا الإيمانَ وزينه في قلوبِنا، وكره إلينا الكفرَ والفسوقَ والعصيانَ، واجعلنا من الراشدينَ.

اللهم أعزَّ الإسلامَ والمسلمينَ، وأذلَّ الشركَ والمشركينَ، ودمر أعداءَك أعداءَ الدينِ، واجعل هذا البلدَ آمناً مطمئنًا وسائرَ بلادِ المسلمينَ، برحمتك يا أرحمَ الراحمينَ، اللهم انصرْ من نصرَ الدِّينَ، واخذل من خذلَ عبادَك المؤمنينَ.

اللهم فرجْ همَّ المهمومينَ من المسلمينَ، ونفسْ كربَ المكروبينَ، واقض الدينَ عن المدينينَ، واشف مرضانا ومرضى المسلمينَ، برحمتِك يا أرحمَ الراحمينَ.

اللهم آمنا في أوطانِنا، وأصلح أئمتَنا وولاةَ أمورِنا، واجعل ولايتَنا فيمن خافَك واتقاك واتبعَ رضاك يا ربَّ العالمينَ.

اللهم وفق وليَ أمرِنا لما تحبه وترضاه من الأقوالِ والأعمالِ يا حيٌّ يا قيومٌّ.

اللهم أصلح له بطانَته يا ذا الجلالِ والإكرامِ.

ربنا آتنا في الدنيا حسنةً، وفي الآخرة حسنةً، وقنا عذابَ النارِ.

سبحانَ ربِّك ربِّ العزةِ عما يصفونَ، وسلامٌ على المرسلينَ، وآخرُ دعوانا أن الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ.

قد يهمك:

خطبة عن الحب في الإسلام

خطبة دينية عن الحب ، الخطبة الأولى:

الحمد لله نحمده، ونستعين به ونسترشده، ونعوذ به من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل لـه، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إقراراً بربوبيته، وإرغـاماً لمن جحد به وكفر، وأشهد أن سيدنا محمداً -صلى الله عليه وسـلم- رسول اللـه سـيد الخلق والبشر، مـا اتصلت عين بنظر، أو سمعت أذن بخبر، أما بعد:

خطبة دينية عن الحب ، أيها الأخوة الكرام: ابتدع عيد يحتفل به أهل الأرض سموه عيد الحب، وقد تحدثت في خطبة سابقة عن مشروعية الاحتفال بهذا العيد، وبينت الأحاديث الصحيحة التي تحظّر على المسلم أن يكون له عيد غير الأعياد التي وردت في الكتاب والسنة.

أيها الأخوة: لكن لابد من تعليق -كلمة حب- كلمة كبيرة جداً- هي في الحقيقة ثلث الإنسان، الإنسان عقل يدرك وقلب يحب وجسم يتحرك، بل إن الحب قد يطغى على إدراكه وعلى حاجات جسده، وهذه الكلمة من أكبر كلمات الإسلام، هذه الكلمة تلهج بذكرها ألسنة العابدين، يوصي بها المصلحون، يسعى إليها الدعاة إلى الله، يغرسها في نفوس الأتباع العلماء العاملون.

أيها الأخوة: الحب هذه الكلمة الساحرة ذات الظلال الرقيقة في النفس الإنسانية، يعكس الإسلام لها؛ فهماً خاصاً، الإسلام يعترف بعاطفة الحب على أنها واحدة من أهم الدوافع الإنسانية والمحركات الفعالة في السلوك الفردي والجماعي.

المسلمون اليوم يعانون أزمة في المحبة جعلت الإنسان لا يفهم إنسانيته على وجهها الصحيح، وهذا الذي تقلقون منه وتستمعون إلى أخبار ما سيكون هل هو إلا انعدام الحب بين البشر؟ هل هو إلا أنانية مفرطة أو وحشية تبعده عن جنس البشر؟

أيها الأخوة الكرام: يعاني المسلمون من أزمة الحب فيما بينهم، مساجدهم كبيرة ومزخرفة وعامرة، مؤتمراتهم منظمة، كتبهم عميقة، كل شيء على أتمه إلا الحب الذي كان بين أصحاب رسول الله.

أيها الأخوة الكرام: إن المسلمين في الأصل هم أشدّ الشعوب صفاء وإنسانية وحباً للآخرين، هل يعاني الإنسان في بلاد المسلمين من فقر مدقع إلا بسبب ضعف الحب بين الناس؟ “والله ما آمن والله ما آمن والله ما آمن من بات شبعان وجاره إلى جانبه جائع وهو يعلم” (الحاكم عن أنس).

أيها الأخوة الكرام: مفهوم الحب في الإسلام مفهوم دقيق وعميق، الشريعة الغراء تنظر لهذه العاطفة وتقدسها، الشريعة الغراء تنظر للمودة والرحمة اللذين ينبعان من الحب نظرة خاصة.

أيها الأخوة الكرام: الذي يقابل الحب الكراهية إنها من عمل الشيطان، لكن الإسلام العظيم ضبط هذا الشعور بضوابط، وجعل له أطراً وقيوداً وأحكاماً عامة تنصب جميعها في هدف تنظيم المجتمع، وإشاعة الأمن والطمأنينة في حياة البشرية جمعاء.

والمشكلة -أيها الأخوة- أن هذه الكلمة الكبيرة التي هي جزء كبير من هذا الدين العظيم مسخت وقلصت وضغطت لعلاقة آثمة بين جسدين لا بين نفسين، هذا المفهوم شوّه، كأن مفهوم عيد الحب أن تكون علاقة آثمة خارج إطار الزواج بين شاب وفتاة، دعوة إلى الإباحية والمعصية والخروج عن منهج الله -عز وجل-.

أيها الأخوة الكرام: أقول لكم هذه الكلمة: الإنسان الذي لا يحب ولا يشعر بحاجة إلى أن يُحب ليس من بني البشر ! الإنسان المؤمن يحب الله -تعالى-.

فــلـيتك تحلو و الحياة مـــريرة****وليتك ترضى والأنام غضاب

وليت الذي بيني وبينك عامر****وبيني و بين العالمين خراب

أيها الأخوة الكرام: ولأن المؤمن يحب الله -عز وجل- يحب رسوله الكريم: (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) [التوبة: 128].

المؤمن يحب هذا الدين العظيم، ولاؤه لهذا الدين وللمسلمين وعلى تخلفهم وعلى ضعفهم وعلى ثغرات لا تعد ولا تحصى في حياتهم، إنه منهم وإليهم، هل الولاء إلا هو الحب؟ في أدق تعريفات الولاء الحب؛ فالمؤمن يحب الله -عز وجل- ويحب رسوله الأمين وصحابته الكرام ويحب أولياء الله الصالحين ويحب العلماء العاملين، يحب كل من ينتمي لهذا الدين، هل الدين إلا الحب؟ وإذا ألغينا الدين من الحب، إذا ألغينا الروح من الجسد يصبح جثة هامدة لا معنى لها، يكون الإنسان في بيته مصدر أنس وسعادة لمن حوله؛ فإذا توفاه الله عجلوا بدفنه وبإخراجه من البيت ما قيمة الجسد من دون روح؟ وما قيمة الدين من دون حب؟

أيها الأخوة الكرام: لأن هذا الدين الذي هم عليه الناس من دون حب قعدوا واستمرأوا الحياة الدنيا، وركنوا إلى الأرض واطمأنوا بما عندهم من ثروات، وكرهوا لقاء الله -عز وجل- وبذل أنفسهم في سبيله، دين من دون حب لا يفعل شيئاً بل يسبب العداوات والمشاحنات، دين من دون حب لا يرقى بصاحبه عند الله -عز وجل-.

أيها الأخوة الكرام: هل الإنسان إلا عقل يدرك وقلب يحب؟ ولا يستغني الإنسان عن إحدى هذين الخصيصتين، عقل يدرك وقلب يحب، والقرآن كتاب هداية المؤمنين، خاطب العقل مرة وخاطب العاطفة والقلب ثانية، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ) [التوبة: 38]، (يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ * الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ) [الانفطار:67]، ما الذي يدفع المؤمن لأن يستقيم على أمر الله؟ إنه الحب، (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ) [ هود: 118].

ولكن هذا الإيمان الذي يأتي قسراً لا قيمة له عند الله، بل هو لا يسعد الإنسان إلا أن يأتي الله محباً وراغباً ويأتيه بمبادرة منه، وأية دعوة إلى الله تخاطب العقل فقط دعوة عرجاء، وأية دعوة إلى الله تخاطب القلب فقط دعوة عرجاء، لابد من أن تخاطب العقل، (يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ) [ الانفطار: 6].

أيها الأخوة الكرام: الذين قيدوا معنى الحب بهذا المفهوم الضيق الآثم المحرم العابث المنحرف ضلوا وأضلوا، كلمة الحب أكبر كلمة في الإسلام وفي حياة المؤمن، لأنه يحب الله -تعالى- يبذل الغالي والرخيص والنفس والنفيس، لأنه يحب رسول الله يتبع سنته ولو تعارضت مع مصالحه، لأنه يحب البشرية جمعاء أليسوا من خلق الله -عز وجل- لذلك يحسن إليهم، “مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنَّا” (الترمذي عن أبي هريرة).

أيها الأخوة الكرام: حقيقة دقيقة أعرضها على مسامعكم؛ الحب دوائر متنامية قد يحب الإنسان نفسه وهذه أصغر دائرة من دوائر الحب، قد يحب نفسه فيستقيم على أمر الله طلباً لسلامته ولسعادته ولآخرته، فكلما نما إيمانه تتسع هذه الدائرة فيحب أسرته ويحرص على دينها وعلى إيمانها ومستقبلها الأخروي؛ فإذا نما إيمانه أكثر وأكثر يحب المؤمنين ويحرص على مصالحهم ويتمنى لهم كل سعادة، يحمل همهم ويخفف عنهم، ويبذل لهم، فإذا نما إيمانه أكثر فأكثر يحب البشرية جمعاء، هذا معنى قول النبي -عليه الصلاة والسلام-: عَنْ أَنَسٍ -رَضِي اللَّهم عَنْهم- قَالَ: “خَطَبَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خُطْبَةً مَا سَمِعْتُ مِثْلَهَا قَطُّ قَالَ: “لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا” (البخاري).

أيها الأخوة الكرام: كلما علت مرتبتك اتسعت دائرة محبتك، فحينما تحب الآخرين وقد قال بعض علماء الحديث في تفسير قول النبي -عليه الصلاة والسلام-: “لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ” (البخاري عن أنس).

أيها الأخوة الكرام: يقول الله -عز وجل-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ) [المائدة: 54]

أيها الأخوة الكرام: كما قلت قبل قليل: إن الإنسان يحب الجمال، والله -سبحانه وتعالى- مصدر الجمال في الكون الذي أحسن كل شيء خلقه، والله -سبحانه وتعالى- مصدر كل نعمة: (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا) [ إبراهيم: 34].

ورد في الأثر القدسي: “إني والإنس والجن في نبأ عظيم أخلق ويعبد غيري وأرزق ويشكر سواي، خيري إلى العباد نازل وشرهم إلي صاعد، أتحبب إليهم بنعمي وأنا الغني عنهم، ويتبغضون إلي بالمعاصي وهم أفقر شيء إلي، من أقبل عليهم مني تلقيته من بعيد، ومن أعرض عني منهم ناديته من قريب، أهل ذكري أهل مودتي أهل شكري أهل زيادتي أهل معصيتي لا أقنّطهم من رحمتي، إن تابوا فأنا حبيبهم وإن تابوا فأنا طبيبهم أبتليهم بالمصائب لأطهرهم من الذنوب والمعايب” (البيهقي والحاكم).

تعصي الإله وأنت تظهر حبه****ذاك لعمري في القياس شنيع

لو كان حبـــــــك صادقاً لأطعته****إن المـحب لمن يحب يطيــــع

أيها الأخوة الكرام: “عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَتَى السَّاعَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: “مَا أَعْدَدْتَ لَهَا؟” قَالَ: مَا أَعْدَدْتُ لَهَا مِنْ كَثِيرِ صَلَاةٍ وَلَا صَوْمٍ وَلَا صَدَقَةٍ وَلَكِنِّي أُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، قَالَ: “أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ” (البخاري)؛ قال أنس: ما فرح الصحابة بشيء كفرحهم بهذا الحديث، لأنهم يحبون رسول الله، إذاً هم معه إن شاء الله في الجنة.

أيها الأخوة الكرام: نحب رسول الله لأنه أخرجنا من الظلمات إلى النور، ولأنه عرفنا بخالقنا وربنا وإلهنا، ولأنه هدانا إلى طريق الجنة ينبغي أن نحبه، ولا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه وولده وماله والناس أجمعين؛ “فهذا سيدنا عمر قال: يا رسول الله إني أحبك أكثر من نفسي وولدي والناس أجمعين إلا نفسي التي بين جنبيك، قال: “لما يكمل إيمانك يا عمر” جاءه ثانية وقال: يا رسول الله: الآن أحبك أكثر من نفسي وولدي ومالي والناس أجمعين قال: “الآن يا عمر” (البخاري عن أبي عقيل بت معبد).

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: “لَا تَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا، وَلَا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا، أَوَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى شَيْءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ أَفْشُوا السَّلَامَ بَيْنَكُمْ” (مسلم عن أبي هريرة).

خطبة دينية عن الحب ، الخطبة الثانية:

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله صاحب الخلق العظيم، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

أيها الأخوة الكرام: جاء في صحيح مسلم أن رجلاً أراد أن يزور أخاً له في الله فأرسل الله له على مدرجته ملكاً في الطريق في  رجل وسأله أين تذهب؟ قال: أريد أن أزور أخي فلاناً، قال: ألقرابة بينك وبينه؟ قال: لا، قال: أفبنعمة له عندك؟ قال: لا، قال: فما الذي تبتغي من زيارته؟ قال: أحبه لله، قال: أبشر فإن الذي تحبه من أجله بعثني لأبشرك بأنه يحبك لحبك إياه، “قَالَ أَبْشِرْ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: وَجَبَتْ مَحَبَّتِي لِلْمُتَحَابِّينَ فِيَّ وَالْمُتَجَالِسِينَ فِيَّ وَالْمُتَزَاوِرِينَ فِيَّ وَالْمُتَبَاذِلِينَ فِيَّ” (أحمد عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ).

وفي حديث مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: قَالَ اللَّهُ -عز وجل-: “الْمُتَحَابُّونَ فِي جَلَالِي لَهُمْ مَنَابِرُ مِنْ نُورٍ يَغْبِطُهُمُ النَّبِيُّونَ وَالشُّهَدَاءُ” (الترمذي).

“وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: “سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ الْإِمَامُ الْعَادِلُ وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ رَبِّهِ وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي الْمَسَاجِدِ وَرَجُلَانِ تَحَابَّا فِي اللَّهِ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ وَرَجُلٌ طَلَبَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ فَقَالَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ أَخْفَى حَتَّى لَا تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ” (البخاري عن أبي هريرة).

أيها الأخوة الكرام: حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم، واعلموا أن ملك الموت قد تخطانا إلى غيرنا وسيتخطى غيرنا إلينا، فلنتخذ حذرنا، الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها، وتمنى على الله الأماني.

اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا الـتي فـيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا، واجعل الحياة زاداً لنا مـن كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر، مولانا رب العالمين. خطبة دينية عن الحب.

خطبة عن الحب بين المسلمين

خطبة دينية عن الحب ، الحمد لله الذي جعل المؤمنين بنعمته إخوانًا، وعلى الخير والتقوى أنصارًا وأعوانًا، بالإسلام تجمَّعوا وعلى هديه تآلَفوا، يرجونَ من اللهِ المثوبةَ والرَّحْمَة، ويحاذرونَ المقْتَ والنقمة، فلهم البُشْرى بالذِّكرِ الجميل، والنَّعِيمِ المُقِيم.

يا أخا الإسلام:

نَعِيبُ زَمَانَنَا وَالعَيْبُ فِينَا

وَمَا لِزَمَانِنَا عَيْبٌ سِوَانا

وَنَهْجُو ذَا الزَّمَانَ بِغَيْرِ ذَنْبٍ

وَلَوْ نَطَقَ الزَّمَانُ لَنا هَجَانَا

وَلَيْسَ الذِّئْبُ يَأْكُلُ لَحْمَ ذِئْبٍ

وَيَأْكُلُ بَعْضُنَا بَعْضًا عَيَانَا

وأشهد أنْ لا إله إلا الله وَحْده لا شريك له، المَلِكُ الحَقُّ المبين، جعل المتحابِّين في جلاله من أهل الرحمات، وبشَّرَهُم بأعطرِ البُشْريات، ومنحهم جزيلَ المثُوبَةِ وأعْلَى الدَّرَجات.

وأشهد أنَّ سيدنا محمدًا عبدُ الله ورسوله، وصفيُّه من خلقه وحبيبه، قد جمع الله به القلوب بعد شتاتها، وألَّف بدعوته أقوامًا كانوا يَلُجُّونَ في غَيَاهِبِ الفُرْقَةِ والأحقاد، فصاروا من أطيب الخلق وأكرم العباد.

اللهم صلِّ وسلِّم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه وأحبابه وزوجاته الطَّاهرات أُمَّهات المؤمنين.

أما بعد:

فإنَّ المحبة هي رأس مال المجتمع المسلم، وأجمل صُوَره تلك التي تُنْبِئُ عن الوئام والتلاقي بين أفراده المؤمنين، وهي أغلى من لقمة الخبز وجرعة الماء، إنها طبيعة العلاقةِ المنشودةِ في ظلال هذا الدِّين الذي يأمرنا بها، ويُحذِّرنا من التباغض والتنافر، ويرصد الحوافز من عطاءِ الثَّوَابِ للمتحابِّين في جلال الله رب العالمين في الدُّنيا والآخرة، وفي الحديث القدسي: قال الله – تبارك وتعالى -: ((وجبَتْ محبَّتي للمتحابِّين فيَّ، وللمتجالسين فيَّ، وللمتزاورين فيَّ، وللمتباذلين فيَّ))؛ المنذري في “الترغيب والترهيب” 3 / 328 بإسنادٍ صحيح عن معاذ بن جبلٍ – رضي الله تعالى عنه.

إن طبيعة الحب المقسوم بين قلوب المؤمنين ما هو إلا رزقٌ موهوبٌ من الله الوهَّابِ، القَائِلِ في كِتابِهِ الكريم: ﴿ وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ [الأنفال: 63]، وقال – تعالى -: ﴿ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا ﴾ [آل عمران: 103]، والإيمان هو رابط القلوب بالمحبة، قال الله – تعالى -: ﴿ وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ [التوبة: 71].

بقاء المحبة بين المؤمنين

إن كلَّ ما يبذله الناس من علامات الحب بينهم زائلةٌ إذا لم تكن مؤسَّسةً على الحب في الله تعالى، فقد تَنْصرم عُرى المودَّة بين الشُّركاء بمجرد فضِّ الشراكةِ التجارية، وتنتهي العلاقة بين الجيران بالتحوُّلِ إلى مَسْكنٍ بعيدٍ ولو بُعدًا يسيرًا، والزمالةُ في العمل تنقطع أواصرها بانقطاع أحدهم عن دَوَامِهِ، فالناس في لجَّةِ سَفَرٍ لا تستقرُّ بهم مراكِبُهُمْ في أمر المشاعر على شواطئ السلامة والاطمئنان. خطبة دينية عن الحب .

وعلى ذلك، فالمحَبَّة بين الناس مقطوعةٌ إلاَّ ما كان منها لله تعالى، فهذا هو الحبُّ الباقي بين قلوب المحبِّينَ؛ ذلك لأنَّ أسباب هذا الحُبِّ لا تزول لا في الدُّنيا ولا في الآخرة، وهذا هو المَذاق الأثير الذي لا يعرفه إلاَّ أهل الإيمان، قال النبي الكريم – صلى الله عليه وسلَّم -: ((… وأن يُحبَّ المرء، لا يحبُّه إلا لله…))؛ “صحيح البخاري” 6941 بسندٍ صحيحٍ عن أنس بن مالك – رضي الله تعالى عنه.

ومن المعلوم والمنقول على الألسنة: “ما كان لله دام واتَّصَل، وما كان لغير الله انقطع وانفصل”، وقد قعَّد النبيُّ الكريم – صلى الله عليه وسلَّم – هذه القاعدةَ الأصيلةَ من سُنَن الله رَبِّ العالمين حين قال: ((أتاني جبريل، فقال: يا محمد، عِشْ ما شئتَ فإنَّك ميِّت، وأحبب مَن شئتَ فإنك مُفارقه، واعمل ما شئت فإنك مَجْزيٌّ به، واعلم أن شرف المؤمن قيامه بالليل، وعِزُّه استغناؤه عن الناس))؛ الألباني في “صحيح الجامع” 73 بسندٍ حسنٍ عن سهل بن عبدالله، وجابر بن عبدالله – رضي الله تعالى عنهما.

وأسمى العلاقات الإنسانية ما كان منها مجرَّدًا بعيدًا عن المصالحِ والمآربِ والرغائبِ، وهو تعبيرٌ صادقٌ عن عمق المودَّة وبقائها، وعن كونها مثالاً من الوصلِ الجميلِ الذي يُعدُّ في الآفاق قدوةً لأهل الإيمان.

والمُعْضلة التي يُصوِّرها الواقع في الإطار السلبي أنَّ كثيرًا من الناس قد تعوَّدوا أنْ يصلوا غيرهم لأسبابٍ قد لا تَدوم، بل وينصرم هذا الوصل مع غياب أسبابه في السفر أو الحضر، إلاَّ أن الإيمان له في حياة القلب مَنْطقٌ آخر، فقد أسفر الحُبُّ عن وجهه الأغَرِّ بين أصحاب رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – في خير القرون، بعد هذه المؤاخاة الإيمانية التي لم يَعرف لها التَّاريخ مثيلاً إلاَّ في عالم الخيال، لقد كان الحب في الله رائدَ هذه العلاقات التي سَمَتْ في ذُراها، حتى تشابهَتْ في بعض صُوَرِها بِنُعوتِ الملائكِ الأطْهار.

حاجتنا الماسَّة إلى المحبة

إن المؤمنين في هذا الزمان في أمسِّ الحاجة إلى المحَبَّة أكثرَ من أيِّ وقتٍ مَضى؛ ففي ظلِّ هذا الجوِّ الذي جفَّتْ فيه المشاعرُ، وتعالَتْ فيه أصواتُ الشهواتِ والشبهاتِ، ومع شدَّة احتكاك النفس البشريَّةِ بعواملِ ضجرٍ وضيقٍ نفسيٍّ قد باشر القلوب بجيوشٍ مُسلَّحةٍ بِالهَمِّ والاختناقِ، ورغم ذلك فأصوات الْمُدَّعِين زورًا احتواء المحبَّة بين قلوبهم قد عجَّت بهم الآفاق، وضجرت منهم النفوسُ من أصواتٍ زاحفةٍ نابحةٍ إلى الأسماع من القيناتِ والمُخنَّثينَ، فما أكثَرَ ما نُغنِّي للحب! ويكرِّرُ الكثير من شبابنا وفتياتِنَا كلماتِ هؤلاء الفتَّانين دون أن يمَسَّ شغافَ القلوبِ منه رِيٌّ يشفي عطشَ الأرواح إلى نسماتِ الحبِ الصَّادِقِ!

في ظل هذا الجو المُفْعَم بالكلمات دون المعاني، تشتاق الرُّوحُ فيه إلى سلامتها وهُداهَا بتذوُّق المحبة الرائقة بين القلوب المؤمنة، فيتجدَّد بذلك شبابُهَا، وتستقيم بهِ حَياتُها.خطبة دينية عن الحب .

ونحن بحاجةٍ ماسَّةٍ إلى المحبة بيننا؛ حتى نُطَبِّقَ الصورةَ الجميلةَ التي رسمها لنا النبيُّ العظيم – صلى الله عليه وسلَّم – في بيانه الواصف لكلِّ المؤمنين حين يقول: ((المُؤْمن إلْفٌ مأْلوفٌ، ولا خيْر في مَن لا يُؤْلَف، وخير الناس أنفَعُهمْ للناس))؛ الشهاب القضاعي في “مسنده” 123 عن جابر بن عبدالله – رضي الله تعالى عنه – بسندٍ ضعيفٍ وقال: يحسن إذا توبع.

لأنَّ المجتمع بدون هذا الحب سيتحوَّلُ إلى مجتمع غابةٍ، يأكل القوي فيه الضعيف، وتذوب فيه أجمل الأواصر الحافظة لأسباب تماسُكه، بل أسباب بقائه؛ ذلك حينما تعصف أهواء الكراهية بمجامع القلوب، فتُرْديها إلى مواطن تهْلُكَتِها كما قال نبيُّنا الأعظم – صلى الله عليه وسلَّم -: ((دَبَّ إليكم داء الأمم قبلكم؛ الحسد، والبغضاء، هي الحالقة، لا أقول: تحلق الشَّعر، ولكن تحلق الدِّين، والذي نفسي بيده، لا تَدْخلوا الجَنَّة حتى تُؤْمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحَابُّوا، أفلا أُنبِّئكم بما يُثبت ذلك لكم؟ أَفْشوا السَّلام بينكم))؛ الألباني في “صحيح الترمذي” 2510 بسندٍ حسَن عن الزُّبير بن العوَّام – رضي الله تعالى عنه.

وتخيَّل طعم العلاقات بين الناس بلا مشاعر طيِّبة من الإحساس الراقي الصادق بفيض المحبَّة، إنه بلا شكٍّ سيكون في غاية المرارة، وهناك من الناس من تنطبق عليهم هذه الصُّورة السَّلبية التي لم يَرْضَها لنا رسولُنا الكريم – صلى الله عليه وسلَّم.

ونحن بحاجةٍ ماسَّةٍ إلى المحبَّة بيننا كمجتمعٍ مسلم؛ لأننا نطمع في دخول الجنة، فعن أبي هريرة – رضي الله تعالى عنه – أن النبي الكريم – صلى الله عليه وسلَّم – يقول: ((والذي نفسي بيده، لا تَدْخلوا الجنة حتى تُؤْمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابُّوا، أوَلا أدلُّكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم))؛ الألباني في “صحيح ابن ماجه” 57 بسندٍ صحيح، وعن عبدالله بن عمرو بن العاص – رضي الله تعالى عنهما – أنه قيل: يا رسول الله، أيُّ الناس أفضل؟ قال: ((كلُّ مخموم القلب، صَدوق اللِّسان))، قالوا: صدوق اللِّسان نعرفه، فما مخموم القلب؟ قال: ((هو التَّقيُّ النقي، لا إثم فيه ولا بغي، ولا غل ولا حسد))؛ المنذري في “الترغيب والترهيب” 4/33 بسندٍ صحيح.

ونحن بحاجةٍ ماسةٍ إلى المحبة؛ لينهض كلٌّ منا بالآخر، وليكون سببًا في ترقيته الإيمانية والاجتماعية؛ فإن الرُّقيَّ والتحضُّرَ لن يدركنا قِطارُه ونحن متباغضون، والحب أعظم شعارات المؤمنين.

ومن أصدق الصُّور الناطقة بالمحبة بين الناس تلك التي ترى فيها تنفيذ هذا المبدأ الإسلامي الرائع، والذي يفيض عدلاً وحُسْنَ تعاملٍ، قال النبي الكريم – صلى الله عليه وسلَّم -: ((لا يؤمن أحَدُكم حتى يحب لأخيه ما يحبُّ لنفسه))؛ “صحيح البخاري” 13 بسندٍ صحيحٍ عن أنس بن مالك – رضي الله تعالى عنه.

فإذا أحبَّ الإنسان لأخيه مثل ما يحب لنفسه، فقد أنصفَ في مشاعره، وابتعد عن الأنانية والأَثَرَةِ التي تكتوي بها جنوبُ أهلها.

ومن هذه الصُّور أيضًا التعاطفُ والتساندُ والائتلافُ بين أهل الإيمانِ، مِصْداقًا لقوله – صلى الله عليه وسلَّم -: ((مَثَل المؤْمنين في توادِّهم وتراحمهم وتعاطُفهم مَثَل الجسَد؛ إذا اشْتكى منْه شيءٌ تداعى له سائر الجسد بالسهر والحُمَّى))؛ “مسند أحمد بن حنبل” 18000 عن النُّعْمان بْن بَشِيرٍ – رضي الله تعالى عنه – وإسناده متصلٌ، ورجاله ثقات على شرط الشيخين البخاري ومسلم.

فلا تكاد ترى إلا مجتمعًا حانيًا على بعضه من فَرْط المحبة وقت الأزمات والغِيَر والمُلِمَّات، فيأْرِزُ بعضهم إلى بعضٍ في صورٍ أخَّاذَةٍ تَسْتَدِر المدامعَ من المساندة والبذل، والإيثار والعطاء، وسَدِّ الفاقات ودفع الأخطار، كأنهم من شدة الحب بينهم جسد واحد.

وقد أشرق وجهُ التاريخ العامِّ للبشرية بعدما منحَهُ الأنصارُ أجْلى الصُّورِ؛ ليُحَدِّثَ فيها عن أطْهَرِ ثُلَّة عرفها العالم في هذا الجانب الذي يفيض حبًّا، فقد تنازل الأنصار طائعين عن بعض ما يمتلكون من ضِياعٍ وعقارٍ وأنعامٍ، وهذه دلالة الحب الصادق لله ولرسوله – صلى الله عليه وسلَّم – وللمؤمنين.

تدريب القلوب على المحبة

ومن المعلوم أن كلَّ شيء في هذه الحياة يحتاج إلى دُرْبةٍ خَاصَّةٍ ومتابعةٍ؛ حتى ينتج ثمارًا مباركةً ونافعةً، ومع أن هناك من الحب نوعًا فطريًّا لا يُباع ولا يشترى ولا يُوهَب، وهو مركوزٌ في القلب بأمْرِ مَن سوَّاه؛ ومع ذلك ففي استطاعة الإنسان أن ينمي المعنى الصغير أو الدقيق من المحبَّة، أو يستجلب رصيدًا جديدًا من هذا الحب بأشياء بسيطةٍ، والتي منها على سبيل الاختيار والاختصار:

• الإخبار، فقد ورد في ذلك قوله – صلى الله عليه وسلَّم -: ((إذا أحبَّ أحدُكم صاحبه فلْيَأته في مَنْزِله، فليخبره أنه يحبُّه لله – عزَّ وجلَّ -))؛ الألباني في “السِّلسلة الصحيحة” 1/777 عن أبي ذر الغفاري – رضي الله تعالى عنه – وقال: إسناده حسنٌ أو أعلى.

وقد مارس النبيُّ – صلى الله عليه وسلَّم – ذلك مع صحابته؛ فهو الذي كان يقول لسيدنا معاذ: ((يا معاذ، والله إنِّي لأحبُّك))، فقال: ((أوصيك يا معاذ، لا تدعَنَّ في دبُرِ كُلِّ صلاة تقول: اللَّهم أعنِّي على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك))؛ الوادعي في “المسند الصحيح” 1117 بسندٍ صحيحٍ عن معاذ بن جبلٍ – رضي الله تعالى عنه.

• ومنها إفشاء السلام، وقد ورد فيما سبق قولُه – صلى الله عليه وسلَّم -: ((أفشوا السَّلام بينكم)).

• ومنها الهَديَّة، وفيها قوله – صلى الله عليه وسلَّم -: ((تهادوا تحابُّوا))؛ ابن حجر العسقلاني في “بلوغ المرام” 277 عن أبي هريرة – رضي الله تعالى عنه – وإسناده حسَن.

• ومنها الزُّهد والترفُّع عمَّا في أيدي الناس؛ فإنَّ الناس بفِطْرتهِم لا يستريحون لمن يتطلَّع إلى ما في أيديهم، ولا يميلون بالحُبِّ إلاَّ لمن تنقطع آماله عن ما يمتلكونه، وقد جاء رجلٌ إلى النبي الكريم – صلى الله عليه وسلَّم – فقال له: يا رسول الله، دُلَّني على عمل إذا أنا عملته أحبَّني الله وأحبني الناس، فقال رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((ازْهَد في الدُّنيا يُحِبَّك الله، وازهد فيما في أيدي الناس يحبُّوك))؛ الألباني في “صحيح ابن ماجه” 3326 بسندٍ صحيحٍ عن سهل بن سعد الساعدي – رضي الله تعالى عنه.

• وحتى بعد الشِّقاق لا يجوز للإنسان أن يستمرئ معاني البَغْضاء حتى تكون جزءًا من تكوينه الذي يتعامل به بين الناس، فقد قال الله – تعالى -: ﴿ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً وَاللَّهُ قَدِيرٌ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [الممتحنة: 7].

• ومنها عدم الإصغاء إلى الذين يُفْسِدون علاقات الناس بنقل الكلام بينهم؛ لأن هذه الفتنة تطيح بأصول المحبة في القلوب، وقد كره النبي الكريم – صلى الله عليه وسلَّم – مجرد الاستماع إلى ناقلي الكلام الشانئ بين الناس، فضلاً عن الاقتناع به، فقد قال – صلى الله عليه وسلَّم -: ((لا يُبلغني أحدٌ شيئًا عن أصحابي؛ فأنا أُحِبُّ أن أخرج إليهم وأنا سليم الصَّدر))؛ الترمذي في “سُننه” 3869 عن عبدالله بن مسعودٍ – رضي الله تعالى عنه.

الحب السَّلْبِي

وحينما تستبدُّ العاطفة بالناس، تراهم يبتعدون عن مواطن الصواب في المحبة، ويجنحون إلى الحب السلبي الذي يضرُّ أكثر مما ينفع، مع أنه على الحقيقة لن يدوم، ومن صور الحب السلبي:

• الْتِماس العذر للمحبوب في جميع الأحوال كأنه معصومٌ أبَدَ الدَّهر لا يخطئ على الإطلاق، وبهذه الطريقة تجد المُحِبَّ مدافعًا أبدًا عمَّن يحب، ويدير الحوار عنه وعن شمائله، وطيب أصْلِه، وكريم مَحْتده؛ لأنَّه وقع في الخُلَّة التي تجعله لا يميِّز بين الصواب والخطأ أحيانًا من فَرْط المحبة، وهذا لونٌ من الأسر الذي وقع فيه المحبُّون لبعضهم، وقد رفضه النبي – صلى الله عليه وسلَّم – حين قال: ((لو كنت مُتَّخِذًا خليلاً لاتَّخذتُ أبا بكر خليلاً، ولكنه أخي وصاحبي، وقد اتَّخذ الله – عزَّ وجلَّ – صاحِبَكم خليلاً))؛ “صحيح مسلم” 2383 بسندٍ صحيحٍ عن عبدالله بن مسعودٍ – رضي الله تعالى عنه – وذلك لأنَّ الخليل لا يرى لخليله عيبًا، كما قال القائل:

وَعَيْنُ الرِّضَا عَنْ كُلِّ عَيْبٍ كَلِيلَةٌ

وَلَكِنَّ عَيْنَ السُّخْطِ تُبْدِي الْمَسَاوِيَا

وأمَّا بين الله وبين عباده، فهو أعلم بمن خلَق؛ ولذلك اتَّخذ منهم أَخِلاَّء، كإبراهيم – عليه السَّلام – قال الله – تعالى -: ﴿ وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً ﴾ [النساء: 125]؛ لأنَّ هذه الخلة ليس من ورائها إلا كل خير، بل هي مناط التكريم كُلِّه، أمَّا الخُلَّة بين الناس فبعض نتائجها قد تكون مُرَّةً، كما قال الله – تعالى -: ﴿ الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ ﴾ [الزخرف: 67]، ومن الطبيعي أن يتأثَّر الخليل بخليله، كما قال النبي العظيم – صلى الله عليه وسلَّم -: ((المرء على دين خليله، فلْيَنظر أحدُكم مَن يُخالِل)).

• ومن صور الحب السلبي ترك تربية الصِّغار باسْم المحبَّة، فترى كثيرًا من الآباء والأمهات قد أهملوا أولادهم في طور التَّربية الأول، ودَلَّلوهم غاية التدليل المُفْضي إلى الخواء الرُّوحي، وفَقْد منظومة القيم والأخلاق، والخلوِّ من أيِّ موهبةٍ حقيقيةٍ بسبب هذا الحب.

وهذه بَلْوى ابْتُلي بها بعض الآباء والأُمَّهات، فوقع الأولاد في بلايا المعاصي والمُخَدِّرات وغير ذلك، والمفروض أن يستشعر الوالد والوالدة حجم المسؤولية الكبرى المُلْقاة على العاتق، ومِن ثَمَّ يُحاول أن يقوم بحمله فيها، وقد يُضطر – أحيانًا – إلى إظهار بعض القسوة التي يَظُنُّها البعض من أسباب الأذى، ولكنها على الحقيقة من أسباب العافية، فالطَّبيب الذي يبضع جسم المريض ويكسر له بعض العظام، ما دفعه إلى ذلك إلاَّ مصلحةُ المريض والحرص عليه، وكذلك الوالد أو الوالدة عليهما إظهار بعض القسوة، والأخذ بمبدأ الثواب والعقاب في التربية على حدِّ قول مَن قال:

فَقَسَا لِيَزْدَجِرُوا وَمَنْ يَكُ حَازِمًا

فَلْيَقْسُ أَحْيَانًا عَلَى مَنْ يَرْحَمُ

• ومن الحب السلبي ذَيَّاك الحب الذي يدفع إلى المعاصي بين المُدَّعِين هذا المعنى بينهم، فلا تراهم مجتمعين متآلفين إلاَّ على مجلسِ خمرٍ، أو زنا، أو شهادة زورٍ، أو التَّخطيط الماكرِ لخرابِ البيوتِ، بينما لا يجمعهم في الخير رائدٌ من تَقْوى أو عملٍ صالحٍ، فهؤلاء أعدى النَّاس لبعضهم يوم القيامة، وتأمَّل قول الله – عزَّ وجلَّ -: ﴿ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا رَبَّنَا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانَا مِنَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا لِيَكُونَا مِنَ الْأَسْفَلِينَ ﴾ [فصلت: 29]، ولعل هذا البيان هو المنطقُ الموعودُ لأهل المعاصي من مدعي المحبة في كل زمانٍ ومكان.

وأخيرًا:

إن القلوب المليئة بالحبِّ لَهِيَ قلوبٌ قد احتوت الطُّهر من مَنابعه، وإنَّ القلوب التي تحنَّ إلى البَغْضاء والكراهية لهي قلوبُ ذئابٍ لا يتأتَّى من صوْبِهَا إلاَّ الخراب، والمؤمنُ متآلفٌ مع الكوْنِ كلِّهِ، متفاعلٌ بمشاعره مع كلِّ حَبَّة رملٍ أو قطرة مطَرٍ، يرى فيها مشاعر من الوصل الطَّهور معها؛ لأنها تسبِّح بحمد رب الأكوان، وهكذا كان – صلى الله عليه وسلَّم – انْظُر إليه وهو يتحدَّث عن جبلٍ مُكوَّنٍ من صخرٍ قد نظنُّه ميت الإحساس، وإذا برسول الله – صلى الله عليه وسلَّم – يقول عن جبل أُحُد: ((إنَّ أُحُدًا جبلٌ يحبُّنا ونحبه))؛ “صحيح مسلم” 1393 بسندٍ صحيحٍ عن أنس بن مالكٍ – رضي الله تعالى عنه.

ونسأل الله – تعالى – أن يملأ قلوبنا حُبًّا ورحمةً لكل المؤمنين.

والحمد لله في بدءٍ وفي ختمٍ.